عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء العصر العباسي > غير مصنف > الحسن الصغاني > أَقُولُ والدَّمعُ يَسُحُّ جَونُهُ

غير مصنف

مشاهدة
1539

إعجاب
1

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

أَقُولُ والدَّمعُ يَسُحُّ جَونُهُ

أَقُولُ والدَّمعُ يَسُحُّ جَونُهُ
وَمَدَّهُ مَذخورُه وَصَونُهُ
وَغِيضَ مِنهُ هَونُه وَأونُهُ
إمَّا تَرَى رَأسِيَ حاكَى لَونُهُ
طُرَّةَ صُبحٍ تَحتَ أَذيالِ الدُّجَى
يا لائِماً في ميلِه وصَدِّه
وحائِماً في نَحسِهِ وسَعدِهِ
وهائِماً في هَزلهِ وجِدِّه
واشتَعَلَ المبيَضُّ في مُسوَدِّهِ
مثلَ اشتِعالِ النَّارِ في جزلِ الغَضا
يا نَفس جِدّا صنِّفي وألِّفي
واجتَهِدي مِن قَبلِ أن تُجَلّفي
بصَرعَةٍ منَ الحِمامِ المُتلِفِ
فكانَ كاللَّيلِ البَهيمِ حَلَّ في
أرجائِهِ ضَوءُ صَباحٍ فانجَلَى
أما تَرى بحرَ المَنونِ قد طَمى
كأنَّ ذاك في عَماءٍ أو عَمى
وحادِياهُ للسُّرى ترنَّما
وغاضَ ماءَ شِرَّتي دَهرٌ رَمى
خواطِرَ القلبِ بتَبريحِ الجَوى
فليتَ لي مَع الهُداةِ هادِيا
أو لَيتَ لي مَع الحُداةِ حادِيا
فالعُمرُ قد فاتَ وولَّى غادِيا
وآضَ رَوض اللَّهوِ يَبساً ذاوِيا
من بعدِ ما قَد كانَ مجَّاجَ الثَّرى
وإنَّ لي في الذاهِبينَ أُسوَة
وبالسُّراةِ المُدلِجين قدوَة
واصطَفت المنونُ مِنا صَفوة
وضَرَّمَ النأيُ المُشِتُّ جذوَة
ما تأتَلي تَسفَعُ أثناءَ الحَشا
قد انتَقى الزَّمانُ مني ما صَفَا
وغَمَّضَ الدَّهرُ عَلى وخزِ السَّفى
وَما صَفا من المُنى إلا شَفا
واتَّخَذَ التَّسهيدُ عَيني مألَفا
لمَّا جَفا أجفانَها طَيفُ الكَرى
هَل مِن لَبيبٍ عاقِلٍ يَعتَبرُ
بِما سَرَدتُ أو لَهُ مُختَبرُ
أو هَل لَه مِن التَّنائي خبَرُ
وكلُّ ما لاقَيتُهُ مُغتَفرُ
في جَنب ما أسأرهُ شَحطُ النَّوى
فكَم أُسيلُ مِن جُفوني عندما
والمرءُ من صيدِ المنا لن يَسلما
أو يرتَقي نحوَ السَّماءِ سُلَّما
لَو لابَسَ الصَّخرَ الأصَمَّ بعضُ ما
يَلقاهُ قَلبِي فَضَّ أَصلادَ الصَّفا
أخاضَني مُمتَحِناً بحرَ المِحن
وشفَّني مُعانداً صَرفُ الزَّمَن
وَصدَّ عَنِّي رَونَقي صَدَّ العَنَن
إِذا ذَوى الغُصنُ الرَّطيبُ فاعلماً
أنَّ قُصاراهُ نفادٌ وتَوى
عِندي مِن الدَّهرِ الخَؤونِ قِصَّةٌ
لَو أفرَصَتني مِن هَوايَ فُرصَةٌ
أوِ اسئِرَت لي مِن مُنايَ حِصَّةٌ
شَجيتُ لا بَل أجرَضَتني غُصَّةُ
عُنودُها أقتلُ لي منَ الشَّجى
شَوقي إِلَى قَبرِ النَّبيِّ الأوحدِ
وذاكُمُ البَيتِ الرَّفيعِ العَمَدِ
أطوِي إليهِ خرقَ سَهبٍ فَدفَدِ
إن يَحمِ عَن عَيني البُكى تَجَلُّدي
فالقلبُ مَوقوفٌ عَلَى سُبلِ البُكى
قَد أرسل البَينُ ضرزاً ضرزِما
عَليَّ واجتابَ دِلاصاً مُبهَما
من بَعدِ ما أرخَى سِجافاً مُظلِما
لَو كانَتِ الأحلامُ ناجَتنِي بِما
ألقاهُ يقظانَ لأصماني الرَّدى
وعَضَّني صُروفُه بنابِها
راكِضةً إليَّ في جلبابِها
مازِجةً ماذيَّها بِصابِها
مَنزِلةٌ ما خِلتُها يَرضَى بِها
لنَفسهِ ذو أرَبٍ وَلا حِجى
يُضبُّ في شُروقِهِ شارِقُهُ
ويَنتَحي مُصطَدِماً طارِقُهُ
ولا يَزالُ مُصمِياً زارِقُهُ
شَيمُ سَحابٍ خُلَّبِ بارِقُهُ
وموقِفٌ بينَ ارتِجاءٍ ومُنى
حِسابُهُ مُفَصَّلٌ ومُجملُ
وما عَلى مقالِهِ معوَّلُ
كأنَّه مَيتٌ علَتهُ جَيئَلُ
في كُلِّ يَومٍ مَنزِلٌ مُستَوبَلُ
يشتَفُّ ماءَ مُهجَتي أو مُجتَوى
غَدَوتُ أُبلى بِبَلاءٍ وَبِلى
وصِرتُ أصلَى حرّ جَمرِ المُصطَلى
فقلتُ لمَّا هدَّ رُكني واعتَلى
ما خِلتُ أنَّ الدَّهرَ يَثنيني عَلى
صَرَّاءَ لا يَرضى بِها ضَبُّ الكُدى
قَد صَمَّمَ الدَّهرُ عَلى صبِّ حَزِن
تَصميمَهُ يفعَل فِعلَ الممتَحِن
وشَفَّني أطوارُه ولَم ألِن
أرَمِّقُ العَيشَ عَلى بَرضٍ فإِن
رُمتُ ارتِشافاً رُمتُ صَعبَ المُنتَشا
سل يا بُنيَّ إن أصَبتَ قائِلاً
ثَبتاً أرِيباً عاشر الأوائِلا
أو عائِفاً أو شائِماً مخايِلا
أراجِعٌ لي الدَّهر حَولاً كامِلا
إِلَى الَّذي عوّد أم لا يُرتَجى
مَن لي بِخلٍّ في أموري أعتَمِد
عَلَيه أو مَن في زَماني أستَنِد
إلَيه أَو مَن لَو وَجدتُ لا يَجِد
يا دهرُ إن لم تَكُ عُتبَى فاتَّئِد
فإنَّ إِروادَك والعُتبى سَوا
فطَالَما ظَلَمتَني وضِمتَني
مِن بعدِ ما خَوَّنتَني وخُنتَني
ومِن صَديق صادِقٍ أفرَدتَني
رَفِّه عَليَّ طالَما أنصَبتَني
واستَبق بعضَ ماءِ غُصنٍ مُلتَحى
حاشايَ أنِّي فِي الخُطوبِ ظالِعُ
أو يَزدَهينِي زمنٌ مُقارِعُ
أو أنَّنِي لما دَهاني خاضِعُ
لا تَحسِباً يا دَهرُ أنّي ضارِعُ
لنَكبَةٍ تَعرقُني عرقَ المُدى
أنحَيتَ لا علَى امرِئٍ غِرٍّ زَمن
جبسٍ نَخيبٍ جُبَّإٍ كِفلٍ ضَمِن
بَل محرَبٍ مردىً مخشٍّ مُضطَغِن
مارَستَ مَن لو هَوَتِ الأفلاكُ مِن
جَوانِب الجَوِّ علَيهِ ما شَكا
فَلا تَظُنَّا أنَّني أخشَى الشَّذى
أو أتلَوَّى من مُقاساةِ الأذَى
أَو أتأوَّى قَلَقاً ممن هَذى
لكنَّها نفثَةُ مَصدورٍ إذا
جاشَ لُغامٌ من نَواحيها عَمى
أو أنَّنِي أمشِي علَى جَمرِ الغَضا
أو أن أرودَ حائِما حِمى أضَى
أو أن أكون ذاكِراً لِما مَضى
رَضيتُ قسراً وعَلَى القسرِ رِضى
مَن كانَ ذا سُخطٍ علَى صَرف القَضا
لا تَغتَرِر بشَيمِ بَرقٍ ذي حَيا
واستَحي مِن رَبِّ الوَرى حقّ الحَيا
أما تَرى الدَّهرَ يُنادي بِهَيا
إنَّ الجَديدَين إِذا ما استَولَيا
علَى جَديد أدنَياهُ للبِلَى
حتَّامَ آسى والغُروبُ تَهمَعُ
واشتملَت عَلى الكُروبِ الأضلُعُ
وارفَضَّ جَمعي وأقَضَّ المَضجَعُ
ما كُنتُ أدرِي والزَّمانُ مُولَعُ
بِشَتِّ مَلمومٍ وتَنكيثِ قُوى
لم يَبقَ في جَبلِ المُنى مِن قُوَّةٍ
وَلَم أخَل وَبي مزيدُ قُوَّة
مُذ لَم تَدَع حبلُ المنا مِن صُوَّةٍ
أنَّ القَضاء قاذِفِي في هُوَّة
لا تَستَبِلُّ نفسُ مَن فيها هَوى
فكَم علَت نفسِيَ فيها وغلَت
وفي مَوارِد المَعاصي وغَلَت
وفَرَّطَت في كلّ خير وألَت
فإن عَثَرتُ بَعدَها إن وألَت
نفسِي مِن هاتا فقولا لا لَعَا
ولَم تَبن طاعَتُها مَقبُولَةً
ولا رِباعُ دينِها مأهولَة
ولا رَوابي نُسكِها مَطلولَةً
وإن تَكُن مُدَّتُها مَوصُولَة
بالحَتفِ سَلَّطتُ الأَسى عَلى الأَسى
ائتِ الحَجونَ مِن كدَاءٍ لا كُدى
مُعتَبِراً ثم بأَحجارِ الكُدى
فالمَرءُ لَن يُترَكَ في الدُّنيا سُدى
إنَّ امرأَ القَيسِ جَرى إلى مدى
فاعتاقَهُ حِمامُه دونَ المَدى
واترُك هَواكَ جانِباً إنَّ الهَوى
من زلّ فيهِ زلّة فَقَد هَوى
وكَم عَزيزٍ ذَلّ إن منهُ ارتَوى
وخامَرَت نفسُ أبي الجَبرِ الجَوى
حتَّى حَواه الحَتفُ فيمَن قَد حَوى
أعجِب بِمَن باتَ يُناغي عِرسَه
وظَلَّ كَفُّ المَوتِ يَطوي طِرسَهُ
وحافِرُ القَبر يُسَوِّي رَمسَهُ
وابنُ الأشَجِّ القيلُ ساقَ نفسَهُ
إِلى الرَّدى حِذارَ إشمات العِدى
فمَن لنَفسٍ في رِداها حَلَّتِ
وَما دَرَت أنّ الرَّزايا جَلَّتِ
وعَفَّرَت كُلَّ حَبين أصلَت
واختَرَمَ الوَضاحَ مِن دونِ الَّتِي
أمَّلَها سيفُ الحِمام المُنتَضَى
قَد كُنتُ لا أستَصعِبُ المَطالِبا
فأصبَحَت مطالِبي مَصاعِبا
والمَرءُ يُكدي ويَؤُوبُ خائِبا
وقَد سَما قَبلي يَزيدُ طالِبا
شَأوَ العُلى فَمَا وَهَى وَلا وَنى
وما غَفا عَن حَزمِه وَلا رَقَد
وَلا رَعى يَوماً مَعَ الأُسدِ النقَد
بَل خَيَّسَ العُتاةَ فِعلَ مَن حَقَد
فاعتَرَضَت دونَ الَّتي رامَ وقَد
جَدَّ بهِ الجِدُّ اللُّهَيمُ الأَربى
يا جامِعاً لي بينَ هَجرٍ وقِلى
لمّا غَدَت نَفسِيَ بُرجاسَ البَلا
وساوَرَتني نُوَبٌ تُفري الكلى
هل أَنا بِدعٌ مِن عَرانينَ عَلى
جارَ عليهِم صَرفُ دَهرٍ واعتَدَى
فقَد غدَوتُ أقتَدي وأحتَذي
فِعلَ رَفيقِ السَّوءِ حَذوَ القُذَذِ
وأهتَدي بمَائِق مُشَوَّذ
فإن أنالَتنِي المَقاديرُ الذِي
أكيدُه لَم آلُ في رأبِ الثَّأى
فَصَدَّتِ الشِّمِّيرَ عَن أوطارِه
وعزَّت الطِّرِّيبَ في أوتارِه
وغَطّت الحِذِّيرَ في أخطارِه
فَقَد سَما عَمرو إِلى أوتارِه
فاحتَطَّ مِنها كلّ عالِي المُستَمى
فسارَ غيرَ عاجزٍ ولا رَعن
ولا كهامٍ كيأةٍ جِبسٍ ضَمِن
سيرَ امرئٍ لكلِّ مطلوبٍ ضَمِن
فاستَنزَلَ الزَّباء قَسراً وهي مِن
عُقاب لوح الجوِّ أعلَى مُنتَمَى
ولَن تَتِمَّ لِلفَتَى نِعمَتُه
وَما تَرَقَّت نَحوَهُ نهمَتُه
إِلا إذا اعتَمَّت لَه منيتُه
وسيفٌ استعلَت بهِ هِمَّتُه
حتَّى رَمى أبعَدَ شَأوِ المُرتَمى
فلَم يَزَل مُجالِداً مُقارِعاً
مُنَكِّباً دَرءَ الأَعادِي قَارِعاً
مُدافِعاً ريبَ المَنونِ ضالِعاً
فجَرَّعَ الأحبُوشَ سَمّاً ناقِعا
واحتَلَّ مِن غُمدانَ مِحرابَ الدُّمى
فسَمَقت من العُلى بُنيانُه
وبَسَقَت مِنَ المُنى عيدَانُه
وشُيِّدَت طولَ المَدى أركانُه
ثم ابنُ هِندٍ باشَرَت نيرَانُه
يومَ أُوَاراتٍ تَميماً بِالصَّلا
فالحمدُ للَّهِ علَى أن تمَّتِ
ليَ المَعالي والأمالي اعتَمَّتِ
وناطَحَت فرقَ الثُّريا قِمَّتي
ما اعتَنَّ لي يأسٌ يُناجي هِمَّتي
إِلا تَحَدَّاهُ رَجَاءٌ فَاكتمى
أُقسِمُ باللَّهِ العَظيمِ الأعظَمِ
الواهِبِ البرِّ الكَريم الأكرَمِ
وليسَ يُلفَى بِسِواهُ قَسَمي
ألِيَّةً بِاليَعمَلاتِ يَرتَمِي
بِها النجاءُ بَينَ أجوازِ الفَلا
عيسٍ مَراقيلَ عِتاقٍ وُكَّرِ
قُودٍ شَماليلَ قِلاصٍ حُسَّرِ
عُوجٍ عَياهيمَ طِلاحِ السَّفَرِ
خوصٍ كَأشباحِ الحَنايا ضُمَّرِ
يَرعُفنَ بِالأمشاجِ من جَذبِ البُرى
يخلنَ أغباشَ الظَّلامِ مُصبِحا
سيفَ أَوال أَو جَبى سَلوطَحَا
أَوِ الرَّكايا بصُحارَ أو طَحا
يَرسُبنَ في بَحرِ الدُّجى وبِالضُّحى
يَطفونَ في الآلِ إِذا الآلُ طَفا
طَوراً بِسَلمَى وَزَماناً بِأجَا
وبَطنِ قَوٍّ غَلَساً ويَأجَجَا
يُشبِهنَ هَيقاً هَيقَماً سَفَنَّجا
أخفافُهُنَّ مِن حَفاً ومِن وَجى
مَرثومَةٌ تخضِبُ مُبيَضَّ الحَصى
يُرَعنَ أسحَاراً بِعاجٍ وقفِ
في كلِّ عيصٍ أشِبٍ مُعرَورِفِ
تحتَ غَباشيرِ ظَلامٍ مُغضفِ
يَحمِلنَ كُلّ شاحِبٍ مُحقَوقِفِ
مِن طُولِ تَدآبِ الغُدُوِّ والسُّرى
جَعدٍ أتِيٍّ هاجِرٍ أوطَانَهُ
نَدبٍ أبِيٍّ عائِفٍ أعطانَهُ
ثَبتٍ سَرِيٍّ واصِلٍ صُحبانَهُ
بَرٍّ بَرَى طُولُ السُّرَى جُثمَانَهُ
فَهوَ كَقِدحِ النَّبعِ مَحنِيُّ القَرا
لا يَنتَحِي توضحَ أو قالي قَلا
وَلا يَلي الشَّرَّ إِذا القالِي قَلا
لكِنَّهُ فيمَا أمَرَّ وَحَلا
يَنوِي الَّتي فضَّلَها رَبُّ العُلى
لمَّا دَحا تُربَتَها عَلى البُنى
ودَّعَ أهلِيهِ وخَلَّى الخوَلا
أشعَثَ يُمسِي بِالدُّجَى مُكتَحِلا
ولَم يَزَل يَعلُو الرُّبى والجَبَلا
حتَّى إِذا قابَلَها استَعبَرَلا
يَملِكُ دَمعَ العَينِ مِن حَيثُ جَرى
مِن بَعدِ ما أحرَمَ من يلملَما
وظلَّ يَعدُو ويَؤُمُّ الحَرَما
وقابَلَ الحَطيمَ والمُلتَزما
ثمَّة طافَ وانثَنَى مُستَلِما
ثُمَّة جاءَ المَروَتَينِ فَسَعى
فَتارَةً يَبكِي وَيَدعو مَرَّةً
تَذُلُّلاً يَعتبُ نَفساً مُرَّةً
يَنقُضُ عَتباً مِن قُواها مرَّةً
فَأوجَبَ الحَجَّ وَثَنَّى عُمرَةً
مِن بَعدِ مَا عَجَّ وَلَبَّى وَدَعَا
فَتَارَةً سَعياً وَطَوراً رَمَلا
يَملأُ بِالتَّقديسِ مِنهُ الجَبَلا
مُبادِراً طَيَّ المَنونِ الأجَلا
ثُمَّةَ راحَ فِي المُلَبِّينَ إلَى
حَيثُ تَحَجَّى المَأزِمَانِ وَمِنَى
يَقولُ للنَّفسِ يَدَاكَ أوكَتا
وَفُوكَ بالنَّفخِ أبانَ العَنَتَا
فَناحَ حيناً وَزَماناً بَكَّتَا
ثُمَّ أَتَى التَّعريف يَقرُو مُخبِتَا
مَواقِفاً بَينَ ألالٍ فَالنَّقَا
فأَبدَتِ النَّفسُ هُناكَ جِدَّها
وَجَهدَهَا وَوُسعَها وكَدَّهَا
حِينَ استَبانَت نَحسَها وسَعدَهَا
وَاستَأنَفَ السَّبعَ وَسَبعاً بَعدَها
والسَّبعُ ما بَينَ العِقَابِ وَالصُّوى
قَد انتَأَى عَن كُلِّ غِلٍّ وَحَسَد
تَنَصُّلاً مِن كُلِّ مَا كَانَ عَقَد
وَأصلَحَ العزمَ الَّذي كانَ فَسَد
وَرَاحَ لِلتَّوديعِ فيمَن راحَ قَد
أَحرَزَ أَجراً وَقَلَى هُجرَ اللَّغا
فَلا يَكُن أمرُكَ أَمراً فُرُطَا
وَاركَب إِلى الخَيرِ حِصاناً فُرُطَا
وَلا تَقُولا في الأَلايا شَطَطَا
بِذَاك أم بِالخَيلِ تَعدُو المَرَطَى
ناشِزَةً أكتَادُها قُبَّ الكلَى
العادِياتِ السَّابِقاتِ ما مَضى
واللاحِقاتِ المُدرِكاتِ البغَضَا
وَالقاتِلاتِ المُهلِكَاتِ البغَضَا
شُعثاً تَعادى كَسَراحينِ الغَضَا
قبل الحَمَاليقِ يُبارِينَ الشَّبا
رَبَعنَ في نَصِيِّ خَبت عاقِلِ
واصطَفنَ بالرُّبَى رُبى جلاجِلِ
يُلبن بِالأسحارِ وَالأصائِلِ
يَحمِلنَ كلَّ شمَّرِيٍّ باسِلِ
شَهمِ الجَنانِ خَائِض بَحرَ الوَغَى
يُغضِي وَإن يُغبَق غَبوقاً ذَا قَذَى
وَلَيسَ يُبدِي شِرَّةً وَلا أَذَى
لَكِن إِذا عَايَنَ أشرَاءَ الشَّذَى
يَغشَى صَلا المَوتِ بِخَدَّيهِ إِذا
كانَ لَظى المَوتِ كَريهَ المُصطَلَى
لا يَطَّبِيهِ غَيَدٌ وَلا لَمَى
وَلا هَوَى البِيضِ الحِسانِ كَالدُّمَى
لَكِن إِذا مَا القِرنُ سَامَى وَكَمَى
لَو مُثِّلَ الحَتفُ لَهُ قِرناً لَمَا
صَدَّتهُ عَنهُ هَيبَةٌ وَلا انثَنى
قَرمٌ يَرَى الحَربَ العَوانَ فُرجَةً
وَلا يَرَى عَلَى الهُوَينَى عُرجَةً
فَهوَ المِخشُّ دَلجَة أو دلجَةً
وَلو حَمى المِقدارُ عَنهُ مُهجَةً
لَرامَها أو يَستَبيح ما حَمَى
حُصُونُهُ الشُّمُّ حِصَانٌ أفوَهُ
وَهَمُّهُ طُولُ السُّرَى والمَهمَهُ
لا يَستَبيهِ أمرَدٌأَو أمرَهُ
تَغدو المَنايَا طائِعاتٍ أمرَهُ
تَرضَى الَّذِي يَرضَى وَتَأبَى ما أَبَى
أليَّةً بِرَبِّنا عَزَّ وَجَل
لا بِسِواهُ لارتِياعٍ أَو وَجَل
مِثلَ الَّذِي قَالَ مَقالَ ذِي وَهَل
بَل قَسَماً بِالشُّمِّ مِن يَعرُبَ هَل
لِمُقسِمٍ مِن بَعدِ هَذا مُنتَهَى
إذا دَعَاهُم صَارِخٌ ثَارُوا إِلَى
أثآرِهِ لنَصرِهِ كَلا وَلا
عَلَى سِوَى آصِرَةٍ وَلا وَلا
هُمُ الأُلَى إِن فاخَرُوا قَالَ العُلَى
بِفِي امرئٍ فاخَرَكُم عَفرُ البَرى
إِذا اعتُفُوا كانُوا مَجَادِيحَ الجَدَى
أَو أطعَمُوا فَمِن أطايِبِ الجِدَى
أَوِ انتَدَوا فَهُم جَمَالُ المُنتَدى
هُمُ الألَى أجرَوا يَنابِيعَ النَّدَى
هامِيَةً لِمَن عَرا أوِ اعتَفَى
فَلُّوا شَبَاةَ مَن بَزا أَو أكمَخا
وَهُم يَنابِيعُ الحِباءِ والسَّخا
مَن سَرَّهُ العِزُّ فَفيهِم جَخجَخا
هُمُ الَّذينَ دَوَّخُوا مَنِ انتَخى
وَقَوَّمُوا مِن صَعَرٍ وَمِن صَغى
إِن سَاهَلَ القِرنُ أبَوا وَقَاتَلُوا
أو سَاجَلُوهُم سَجَلُوا مَن سَاجَلُوا
صِيدٌ فِصَاحٌ صبرٌ حَلاحِلُ
هُمُ الَّذِينَ جَرَّعُوا مَن مَا حَلُوا
أفَاوِقَ الضَّيمِ مُمِرَّاتِ الحُسَى
مَا رَغبَتِي فِي دُرَّةٍ مَكنُونَةٍ
أَو عَسجَدٍ أَو فِضَّةٍ مَخزونَةٍ
لَكِنَّها فِي غَارَةٍ مَشنُونَةٍ
أزَالُ حَشوَ نَثرَةٍ مَوضُونَةٍ
حتَّى أُوَارَى بَينَ أثنَاءِ الجثَى
أنَا الَّذِي يَفيضُ سَيحُ هَتنِهِ
عَلَى الَّذِي يَشكُو خَوَاءَ بَطنِهِ
وَلا يَنَامُ اللَّيلَ مِلءَ جَفنِهِ
وَصَاحِبَايَ صَارِمٌ فِي مَتنِهِ
مِثلُ مَدَبِّ النَّملِ يَعلُو فِي الرُّبَى
إِذا ضَرَبتَ ضَيغَماً أصمَيتَهُ
إِصماءَكَ الخِشفَ وَمَا أنمَيتَهُ
كَأنَّه مسكُ طَلى أفرَيتَهُ
أبيَضَ كالمِلحِ إِذا انتَضَيتَهُ
لَم يَلقَ شَيئاً حَدُّهُ إِلا فَرَى
فَهوَ ظَهيرُ المَرءِ يَومَ حَربِهِ
عِندَ انتِياطِ رَهطِهِ وَحِزبِهِ
بِهِ يَبيتُ آمِناً فِي سِربِهِ
كَأنَّ بَينَ عَيرِهِ وَغَربِهِ
مُفتَأداً تَأكَّلَت فيهِ الجذَى
يُحيي عَلَى مَرِّ السِّنينَ ذِكرَهُ
مُوَفِّراً طُولَ الحَياةِ وَفرَهُ
تَحسِبُ أدراجَ النِّمالِ أثرَهُ
يُرِي المَنونَ حِينَ تَقفو إِثرَهُ
فِي ظُلَمِ الأَكبادِ سُبلاً لا تُرَى
فَإِن تَرَحَّت حَومَةٌ بادَرَها
حِينَ يُرى وارِدُها صَادِرَها
أَو مَأزِقٌ وَقَد سَطا عَادَ رَهَا
إِذا هَوَى فِي جُثَّةٍ غَادَرَها
مِن بَعدِ مَا كَانَت خَسَا وَهيَ زَكَا
عَتادُ كلِّ مِخشَفٍ وَعَرضُهُ
وَمَا بِهِ وفِّرَ قِدماً عِرضُهُ
دِلاصُهُ وَعَضبُهُ وَفَرضُهُ
وَمُشرِفُ الأَقطَارِ خاظٍ نَحضُهُ
حابِي القُصَيرَى جُرشُعٌ عَردُ النَّسَى
إِذا عَلاهُ مُستَميتٌ وَسَطَا
مِن مَعشَرٍ كَانُوا نَصَايَا وَسَطَا
شَقَّ الصُّفوفَ مُستَنِيعاً وَسَطَا
قَريبُ مَا بَينَ القَطَاةِ وَالمَطَا
بَعيدُ مَا بَينَ القَذالِ وَالصَّلا
صَافِي الصَّهيلِ مِن نُجارٍ زَهدَمِ
ضَافِي السَّييبِ عَيرُ وَانٍ كَيهَمِ
سَبَّاقُ كُلِّ سَابِقٍ مُطَهَّمِ
سَامِي التَّليلِ فِي دَسيعٍ مُفعَمِ
رَحبُ اللَّبانِ فِي أمِينَاتِ العُجَى
كَأنَّهَا قَد نُحِتَت مِن قُنَّةٍ
أَو عَمِلَتهَا عُصبَةٌ مِن جِنَّةٍ
قَد رَبِيَت بِعَبقَرٍ مَجَنَّةٍ
رُكِّبنَ فِي حَواشِبٍ مُكتَنَّةٍ
إِلَى نُسورٍ مِثلِ مَلفُوظِ النَّوَى
مِضمَارُهُ أرحَبُ مِن دَيمومَةٍ
وَشِربُهُ مِن بَيرَحَى أَو رُومَةٍ
أكرِم بِهِ لِلقَيلِ مِن أكرُومَةٍ
يُديرُ إِعلِيطَينِ فِي مَلمُومَةٍ
إِلَى لَمُوحَينِ بألحَاظِ اللأى
مُرادُهُ مِن ذِي رُعَينٍ حَجرُهُ
وَأصلُهُ مِن زِيَمٍ وَنَجرُهُ
غُرَّتُهُ صَبَاحُهُ وَفَجرُهُ
مُداخلُ الخَلقِ رَحيبٌ شَجرُهُ
مُخلَولِقُ الصَّهوَةِ مَمسُودٌ وَأى
إِذا أُخِيضَ مَوهِناً بَحرَ الدُّجَى
وَقَد غَطَى الدَّجنُ الرَّجَا إِلَى الرَّجَا
تَخَالُهُ هَدَجدَجَا سَفَنَّجَا
لا صَكَكٌ يَشِينُهُ وَلا فَجَا
وَلا دَخِيسٌ وَاهِنٌ وَلا شَظَى
قَيدُ الظِّباءِ العُفر مِن آياتِه
وَيَسبِقُ الهُوجَ عَلَى عِلاتِهِ
نِعمَ عَتَادُ المَرءِ فِي رَوعَاتِه
يَجرِي فَتَكبُو الرِّيحُ فِي غَايَاتِهِ
حَسرَى تَلُوذُ بِجَرَاثِيمِ السِّحَا
أرفَعُ مِن كُلِّ حِصَانٍ حَجَبَا
وَسَاعَةَ الرَّوعِ يَعُطُّ الحُجُبَا
وَيَبهَرُ الخَلقَ وَيُبدِي العَجَبَا
تَظُنُّهُ وَهوَ يُرَى مُحتَجِبَا
عَنِ العُيُونِ إِن ذَأَى وَإِن رَدَى
يُغَبِّرُ النَّجمَ أوانَ حضرِهِ
وَمَا لَهُ مُعَارِضٌ فِي نَجرِهِ
كَصَارِمٍ جَودَتُهُ فِي أثرِهِ
إِذَا اجتَهَدتَ نَظَراً فِي إِثرِهِ
قُلتَ سَناً أومَضَ أَو بَرقٌ خَفَا
يَخُوضُ فِي الوَحلِ وَفِي رِدَاغِهِ
مُجَاوِزاً وَلَو إِلَى أرفَاغِهِ
فَيُحسَبُ الرِّداغُ مِن سواغِهِ
كأنَّمَا الجَوزَاءُ فِي أرسَاغِهِ
وَالنَّجمُ فِي جَبهَتِهِ إِذَا بَدَا
فَالعَضبُ وَالجَبهَةُ لِي مَالٌ قَمن
بِنَيلِ مَأمُولٍ يُرَجَّى بِعَنَن
وَصَيحَةٍ فِي يَومِ غارَاتٍ تُشَن
هُما عَتَادِي الكَافِيَانِ فَقدَ مَن
أعدَدتُهُ فَليَنأَ عَنِّي مَن نَأى
كَم بغيَةٍ لِي فِي العُلَى مَرغُوبَةٍ
وَطَعنَةٍ لِي فِي العِدَى مَرعُوبَةٍ
وَفَتكَةٍ لِي فِي الوَغَى مَرهُوبَةٍ
فإِن سَمِعتَ بَرَحىً مَنصُوبَةٍ
لِلحَربِ فَاعلَم أَنَّنِي قُطبُ الرَّحَى
مَاذا تَرى لِذي حِفَاظٍ محفَظِ
مُقذَّفٍ عِندَ الطِّعانِ مِدلَظِ
لا طَائِشٍ ذِي منزَعٍ مُعَظعِظِ
وَإن رَأيتَ نارَ حَربٍ تَلتَظِي
فَاعلَم بأني مُسعِرٌ ذاكَ اللَّظَى
أَوفَى الجُيوشِ مَدَداً ونُصرَةً
أَقَلُّهُم عِندَ الحُرُوبِ ضَجرَةً
فَقُل لِمُبدٍ لِلحَياةِ حَسرَةً
خَيرُ النُّفوسِ السَّائِلاتُ جَهرَةً
عَلَى ظُباتِ المُرهَفاتِ وَالقنا
وَكُلُّ خِلٍّ أستَلِذُّ وَصلَهُ
أو أستَطِيبُ أصلَه وفَصلَهُ
فَمَذهَبِي ألا أرُومَ فَصلَه
إنَّ العِراقَ لَم أُفارِق أهلَهُ
عَن شَنَأٍ أصَدَّني وَلا قِلَى
فَمِثلهم لَم أرَ مُذ رَافَقتُهُم
وَما اعتَنَقتُ الخَيرَ مُذ عانَقتُهُم
يَوم الوَداعِ حينَما رامَقتُهُم
وَلا اطّبَى عَينَيَّ مُذ فارَقتُهُم
شيءٌ يَروقُ الطَّرفَ مِن هَذا الوَرَى
هُم أوسَعُ الناسِ جَناباً وَذَرى
وأرفَعُ الخَلقِ سَناماً وذُرَى
وَأوثَقُ الصّيدِ عُقُوداً وَعُرَى
هُمُ الشَّنَاخِيبُ المُنِيفَاتُ الذرَى
وَالنَّاسُ أدحَالٌ سِواهُم وَهوى
عِصابَةٌ فِعلُ الجَميلِ زِيُّها
وَرُؤيَةُ الضَّيفِ النَّزيلِ رِيُّها
وَعَادَةُ البرِّ لَها عَادِيُّهَا
هُمُ البُحورُ زَاخِراً آذِيُّها
وَالنَّاسُ ضَحضَاح ثغابٍ وَأَضَى
هَذَا الَّذي رَغَّبنِي فِي وُدِّهِم
وَجَدَّ بِي نَيلُ العُلَى بِجَدِّهِم
فَكِلتُ مَا قَد كِلتُه بِمدِّهِم
إِن كُنتُ أَبصَرتُ لَهُم مِن بَعدِهِم
مثلاً فَأغضَيتُ عَلَى وَخزِ السَّفَى
فَقَدتُ أهلِي إِن رَأيتُ عَدَدَا
أكثَرَ مِنهُم عِدَّةً أو عُدَدَا
أَوفَرَ مِمَّا قَد أعَدُّوا أبَدَا
حَاشَى الأميرَينِ اللَّذَينِ أوفَدَا
عَلَيَّ ظِلا مِن نَعِيمٍ قَد ضَفَا
هُمَا اللَّذَانِ كَلَّفَانِي الرِّحَلا
إِلَيهِمَا لما تَفَشَّى فِي المَلا
ما أسدَيَا وأنعَمَا وَأفضَلا
هُمَا اللَّذانِ أثبَتَا لِي أمَلا
قَد وَقَفَ اليَأسُ بِهِ عَلَى شَفَا
وَقَيَّدا الشَّرَّ الَّذِي أطلَقَهُ
رَيبُ الزَّمانِ بَعدَ ما أوَّقَهُ
حتَّى إِذا ما أبرَمَا مُوثَقَهُ
تَلافَيَا العَيشَ الَّذي رَنَّقَهُ
صَرفُ الزَّمانِ فاستَساغَ وَصَفا
جدَّا لإِدراكِ العُلَى واجتَهَدا
واعتَلَيا عَنِ الدَّنايا صُعُدَا
وَنحَّيا عَن كُلِّ قَلبٍ كَمَدَا
وَأَجرَيَا مَاءَ الحَيا لِي رَغَدَا
فاهتَزَّ غُصنِي بَعدَ ما كانَ ذَوَى
وَنَوَّرا مِثل الصَّباحِ الجَاشِر
غَيَاهِبَ الظُّلمِ بِعَضبٍ باتِرِ
إِذ غَابَ عَنِّي كلُّ عَونٍ ناصِر
هُما اللَّذانِ سَمَوَا بناظِري
مِن بَعدِ إِغضائِي عَلى لَذعِ القَذَى
وَكانَ كُلٌّ مِنهُما لِي وَاهِبا
جَراجِراً بَهازِراً صَلاهِبا
مُجَلِّيَينِ عَنِّيَ الغَياهِبَا
هُما اللَّذانِ عَمَرَا لِي جَانِبا
مِنَ الرَّجاءِ كانَ قِدماً قَد عَفا
ونَكَّبَا عَنِّي صُرُوفاً أرِنَت
واعتَرَضَت شَامِسَةً وَحرَنَت
وَأظهَرَت شِرَّتَها وَأعلَنَت
وَقَلَّدَانِي مِنَّةً لَو قُرِنَت
بِشُكرِ أهلِ الأَرضِ عَنِّي ما وَفَى
لَو وُزِنَ البَحرُ وَما البَحرُ حَمَل
مِن زَبَدٍ وَمِن سَفينٍ وَثقَل
لَما وَفى وَإن تَرَغَّى وَتَفَل
بِالعُشرِ مِن مِعشارِها وَكانَ كَال
حُسوَةِ فِي آذِيِّ بَحرٍ قَد طَما
إِن حَصَّنِي صَرفُ النَّوى أَو راشَنِي
أَو دَلَّنِي عَلَى الهَوَى أَو حاشَنِي
مِن بَعدِ ما قَد عَضَّنِي وَناشَنِي
إِنَّ ابنَ مِيكالَ الأميرَ انتَاشَنِي
مِن بَعدِ ما قَد كنتُ كالشَّيءِ اللّقَى
وَرَبَّنِي في السِّرِّ منِّي والعَلَن
لمَّا رآنِي نازِحاً عَنِ الوَطَن
كأنَّهُ في الجُودِ هَطالٌ هَتِن
ومَدَّ ضبعَيَّ أبو العَبَّاسِ مِن
بَعدِ انقِباضِ الذَّرعِ والباعِ الوَزَى
إِن شَطَّ بِي بُعدُ المَدَى عَنِ العَطَن
أو شَفَّنِي طُولُ البَلاءِ والمِحَن
فَقَد بَدَا عَطفُهُمَا وَقَد بَطَن
نَفسِي الفِداءُ لأميرَيَّ وَمَن
تَحتَ السَّماءِ لأمِيرَيَّ الفدَى
أبُثُّه الأَسحَارَ والأَصائِلا
وَأشكُرُ الإِفضَالَ وَالفَواضِلا
شُكرَ الرِّياضِ الهُمَّعِ الهَوَاطِلا
لا زَالَ شُكري لَهُما مُواصِلا
لَفظِي أَو يَعتَاقُنِي صَرفُ المَنا
وَفارِجِ الهَمِّ وَكَشَّافِ البَلا
وَناشِرِ الرِّمَّةِ مِن بَعدِ البِلَى
رَبِّ السَّمَواتِ الرَّفيعَاتِ العُلَى
إِنَّ الأُلَى فارَقت عَن غَيرِ قِلَى
ما زَاغَ قَلبِي عَنهُم وَلا هَفَا
ما فِيهِم مِن خُلُقٍ قَلَيتُهُ
وَلا شَنارٍ بانَ فاستَقرَيتُهُ
وَلا لِكُفرانِ إلى أسدَيتُهُ
لَكِنَّ لِي عَزماً إِذا انتَضَيتُهُ
لِمُبهَمِ الخَطبِ فآهُ فانفَأى
كَم عارَضَت رِيحُ جَنُوبٍ وَصَبا
وَأورَثَتنِي في فُؤادِي وَصَبا
لَكِن فُؤادي لَم يَمِل وَما صَبا
وَلَو أشاءُ ضَمَّ قُطرَيهِ الصِّبَى
عَلَيَّ فِي ظِلِّ نَعيمٍ وَغِنَى
وَغازَلَتنِي رَأدَةٌ سَيفانَةٌ
وَفَاغَمَتنِي رخصَةٌ خُمصانَةٌ
وَدَاعَبَتنِي طفلَةٌ بَهنَانَةٌ
وَلاعَبَتنِي غادَةٌ وَهنانَةٌ
تُضنِي وَفِي تَرشافِهَا بُرءُ الضَّنَى
وَلَو رَآها العَفُّ أَو غازَلَها
أو أطلَقَت بِنَغيَةٍ مقوَلَها
يَوَدُّ أنَّ رُوحَهُ ناوَلَها
لَو نَاجَتِ الأعصَمَ لانحَطَّ لَها
طَوعَ القِيادِ مِن شَماريخِ الذُّرَى
كأنَّهُ فِي مَسَدٍ أو أبَقِ
أو بِرُقىً مِن نافِثِ السِّحرِ رُقِي
أو فِي شَماريخِ الذُّرَى لَم يَرتَقِ
أو صَابَتِ القانِتَ فِي مُخلَولِقِ
مُستَصعَبِ المَسلَكِ وَعرِ المُرتَقَى
يَخِرُّ للَّهِ عَلَى جَبينِهِ
ضَرَاعَةً تُذكِي سَنا يَقينِهِ
فِي لاحِبِ الحَقِّ وَمُستَبينِهِ
ألهاهُ عَن تَسبيحِهِ وَدينِهِ
تَأنيسُهَا حتَّى تَراهُ قَد صَبا
يَرَى لَها البَدرَ المُنيرَ مُشبِها
فاخِرَةً بِجَنبِها لا هِنبِها
مِثل غَزالٍ قَد غَفَا فأُنبِها
كأنَّما الصَّهباءُ مَقطُوبٌ بِها
مَاء جَنَى وَردٍ إِذا اللَّيلُ غَسا
كأَنَّ قَرنَ الشَّمسِ فِي بَريقِها
إِذ أقبَلَت تَرفُلُ فِي طَريقِها
وَرِيقُها أعذَبُ مِن رَحيقِها
يَمتَاحُهُ راشِفُ بَردِ رِيقِها
بَينَ بَيَاضِ الظّلمِ مِنهَا وَاللَّمَى
أقولُ والدمعُ يسُحُّ مُسبَلا
مِثلَ الجُمانِ فِي الخَلاءِ والمَلا
ضَراعَةً تَملأُ أَقطارَ المَلا
سَقَى الغُوَيرَ فالحَزيزَ فالمَلا
إِلَى النَّحيتِ فالقُرَيَّاتِ الدُّنى
ثُمَّ الشِّعابَ فِي صُوى لِصابِهِ
مِن غَرفِهِ وَأثلِهِ وَصابِهِ
وَطَلحِهِ وحَمضِهِ وغابِهِ
فالمِربَدَ الأَعلَى الَّذي تَلقَى بِهِ
مَصارِعَ الأُسدِ بِأَلحاظِ المَها
فَما لَها بَينَ الوَرَى مِن مُشبِهِ
وَلا تَلاهُ عالِمٌ في كُتبِهِ
رَوَّضَها اللَّهُ بِسارِي سُحبِهِ
مَحَلَّ كُلَّ مُقرَمٍ سَمَت بِهِ
مَآثِرُ الآباءِ فِي فَرعِ العُلى
فَما اعتَدَوا وَلا انتَخَوا وَلا بَزَوا
وَلا مِنَ الحُسنَى بِسوآهُم جَزَوا
لَكِنَّ مَن ناوَأهُم جَهلاً غَزَوا
مِنَ الأُلَى جَوهَرُهُم إذَا اعتَزَوا
مِن جَوهَرٍ مِنهُ النَّبِيُّ المُصطَفَى
سَقاهُمُ مَا يُثقِلُ السَّحائِبا
هامِيَةً وَتُسبِلُ الرَّغائِبا
مُظهِرَةً مِنَ الجَدا غَرائِبا
جَونٌ أعارَتهُ الجَنوبُ جانِبا
مِنها وَوَاصَت صَوبَهُ يَدُ الصَّبا
عَبَّت مِنَ البَحرِ عِشاءً وَسَرَت
فَأصبَحَت شَاكِيَةً حينَ انبَرَت
مِنَ الكَلالِ واحتِمالِ مَا صَرَت
ناءَ يَمانِياً فَلَمَّا انتَشَرَت
أحضَانُهُ وامتَدَّ كِسرَاهُ غَطا
كأنَّها استِيقَت مِنَ الرَّكائِبِ
عاسِجَةً تَخدِي أوِ النَّجائِبِ
واسِجَةً فِي جِندِسِ الغَياهِبِ
فجَلَّلَ الأُفقَ فَكُلُّ جانِبِ
مِنها كَأن مِن قُطرِهِ المُزنُ حَبا
تَقلَعُ كلَّ قلعَةٍ كفَقعَةٍ
تَدوسُها بِقَرقَرٍ أو قَرعَةٍ
يَجتَزُّها بِمِخلَبٍ ذو سَفعَةٍ
وَطَبَّقَ الأرضَ فَكلُّ بُقعَةٍ
مِنها تَقولُ الغَيثُ فِي هاتَا ثَوَى
أجَادَ نَوءُ الشرطَينِ هَتلَها
مُنتَحِياً تَعنيفَها وَعَتلَها
لمَّا أحَسَّ رَيثَها وَأتلَها
إِذَا خَبَت بُرُوقُه اعتَنَّت لَها
ريحُ الصَّبا تَشُبُّ مِنهَا ما خَبا
فاقتَلَعَ الصَّمعَاءَ مِن عَدابِها
وَفاضَ بِالسِّيحِ ذُرى هِضابِها
وَفازَ بالرِّيِّ رُبى حِدابها
وَإن وَنَت رُعودُهُ حَدا بها
حادِي الجَنوبِ فحَدَت كَمَا حَدا
يُؤمَنُ عِندَ سَحِّهِ مِن حَشكِهِ
كأنَّهُ قَيلٌ أوانَ فَتكِهِ
قِرناً تَصَدَّى لِزَوالِ مُلكِهِ
كأنَّ فِي أحضَانِهِ وَبَركِهِ
بَركاً تَدَاعَى بَينَ سَجرٍ وَوَحَى
يُخالُ شُؤبُوبٌ ألَثَّ مُسبَلا
أشطَانَ بِئرٍ أو رِماحاً عُسَّلا
وَقاصِفُ الرَّعدِ يُنادِي بهَلا
لَم تَرَ كالمُزنِ سَوَاماً بُهَّلا
تَحسِبُها مَرعِيَّةً وهيَ سُدى
فَطَرَّقَت سَحَابُها وَأحدَقَت
وَجَلجَلَت رُعُودُها وانبَعَقَت
وَسَلسَلَت بُرُوقُهَا وادرَنفَقَت
تَقولُ لِلأجرَازِ لمَّا استَوسَقَت
بِوَدقِهِ ثِقي بِرِيٍّ وَحَيا
تَخالُ طُحرُورَ الرّبابِ شُزَّبا
مِنَ الخُيولِ وَالغَدِيق الهَيدَبا
سُرادِقاً أو طَيلَسانَ الخُطَبا
فَأوسَعَ الأحداب سَيباً مُحسِبا
وطَبَّقَ البُطنانَ بالماءِ الرِّوى
فَغَاثَها فِي مَرِّهِ وَأوبِهِ
وَجَادَها فِي شَوبِهِ وَرَوبِهِ
شُؤبُوبُ وَدقٍ جَدَّ ما أسرَوا بِهِ
كأنَّما البَيداءُ غِبَّ صَوبِهِ
بَحرٌ طَما تَيَّارُهُ ثُمَّ سَجا
صَوبُ بُعاقٍ ما لَه مِن مُشبِهِ
إِلا عَزَالِي مُعطِشٍ أو مُرفِهِ
راعِي عِتاقٍ ناجِياتٍ نُفَّهِ
ذاكَ الجَدا لا زَالَ مَخصوصاً بِهِ
قَومٌ هُمُ لِلأرضِ غَيثٌ وَجَدا
أُمنِيَّتِي حَجٌّ تَلِيهِ عُمرَةٌ
وَإن عَدَتنِي أمرَةٌ أو إِمرَةٌ
فَقٌل لِمَن فِي صَدرِهِ لِي غِمرَةٌ
لَستُ إِذا مَا بَهَظَتنِي غَمرَةٌ
مِمَّن يَقُولُ بَلَغَ السَّيلُ الزُّبَى
وَلَم تَسُحَّ مِن شُؤُونِي عَبرَةٌ
شَكوَى وَمَا إِن سَبَقَتنِي عِبرَةٌ
فَقَد عَلَتنِي وَأبِيكَ كَبرَةٌ
وَإِن ثَوَت تَحتَ ضُلوعِي زَفرَةٌ
تَملأُ ما بَينَ الرَّجا إِلَى الرَّجا
لا أنثنِي مُحقَوقِفاً مُفَهِّرا
وَإِن بَدَت قاصِمَةٌ حَبَوكَرَى
صَمَّاءُ تَنفِي عِظَماً طِيبَ الكَرَى
نَهنَهتُها مَكظُومَةً حَتَّى يُرَى
مُخضَوضِعاً مِنهَا الَّذي كانَ طَغَى
يَكفِي مِنَ القُوتِ الحَلالِ وَجبَةٌ
كَما كَفَى النَّخلَ السَّحوقَ رُجبَةٌ
وَلَستَ أُزهَى إن عَلَت بِي رُتبَةٌ
وَلا أقُولُ إن عَرَتنِي نَكبَةٌ
قَولَ القَنوطِ انقَدَّ فِي البَطنِ السَّلَى
لِي جَانِبٌ مِنَ المَخازِي حُرِسَا
وَأصبَحَ الزَّمانُ عَنِّي خَرِسَا
وَلَستُ أغدُو مُستَشِيطاً شَرِسَا
قَد مَارَسَت مِنِّي الخُطُوبُ مَرِسَا
يُسَاوِرُ الهَولَ إذَا الهَولُ عَلا
أحوِي إذَا عَزَّ سَبيلُ المُحتَوى
وَأصبَحَ الأَمرُ كَرِيهاً مُجتَوى
فَقُل لِمَن إذَا اشتَوَى صَحبِي انشَوَى
لِيَ التِواءٌ إن مُعادِيَّ التَوى
لِيَ استِواءٌ إن مُوالِيَّ استَوى
يا مَن يَرى لِشِرَّتِي إِثارَةً
ومَن عَلى سَرحِي يَشُنُّ غارَةً
ومَن يَرانِي فِي اللِّقاءِ قارَةً
طَعمِيَ شَريٌ لِلعَدُوِّ تَارَةً
وَالأريُ بِالراحِ لِمَن وُدِّي ابتَغَى
أشفِي غَلِيلَ حَمَسِي وَأَشتَفِي
وَبِاصطِدامِ العَبَلاتِ أكتَفِي
وَلا أُمارِي مُستَفِزا مَن يَفِي
لَدنٌ إِذا لُوينتُ سَهلٌ مَعطِفِي
أَلوَى إِذا خُوشِنتُ مَرهوبُ الشَّذَى
قَدِ انقَضَى لَهوِي وَغاضَت شَهوَتِي
وَقَد تَقَضَّى أرَبِي وصَبوَتِي
لَكِنَّنِي وَإن وَنَت بِي خَطوَتِي
يَعتَصِمُ الحِلمُ بِحَنبَي حُبوَتِي
إِذَا رِياحُ الطَّيشِ طارَت بِالحِبَى
إِذا انتَدى القَومُ وَغَصَّ المَجلِسُ
وفِي جَبينِ الزَّمَنِ التَّعَبُّسُ
وَارتَقَبَ الرَّهطُ القِرَى فاحتَبَسُوا
لا يَطَّبِينِي طَمَعٌ مُدَنِّسُ
إِذَا استَمالَ طَبعٌ أوِ اطَّبَى
إن أبحَرَت رَكَائِبِي مَشَارِبِي
أو أجدَبَت نَجَائِبِي مَسَارِبِي
فَلا أبِيتُ شَاكِياً مَتَاعِبِي
وَقَد عَلَت بِي رُتَباً تَجَارِبِي
أشفَينَ بِي مِنهَا عَلَى سُبلِ النُّهَى
وَلَستُ مِمَّن يُتبِعُ الخَيرَ الشَّذَى
أو يَلسَعُ الجِيرَةَ تَلسَاعَ الشَّذَى
أَو يَشرَبُ المَاءَ الرِّوَى عَلَى قَذَى
إِذا امرُؤٌ خِيفَ لإفرَاطِ الأَذَى
لَم يُخشَ مِنِّي نَزَقٌ وَلا أذَى
وَلَيسَ يَثنِينِي غُرَابٌ مُنبِئُ
عَن باطِلٍ أو كاهِنٌ يُرَأرِئُ
أَو عَاطِسٌ أَو نَجمُ نَحسٍ مُبطِئُ
مِن غَيرِ مَا وَهنٍ وَلَكِنِّي امرُؤُ
أصُونُ عِرضاً لَم يُدنِّسهُ الطَّخَا
يا لائِماً لَوماً يُمِلُّ اللُّوَّمَا
وبِالكرامِ الصِّيدِ يُغرِي اللُّؤَمَا
عَلَى الَّذِي أَنفَقتُه تَكُرُّمَا
وَصَونُ عِرضِ المَرءِ أَن يَبذُلَ مَا
ضَنَّ بِهِ مِمَّا حَوَاهُ وانتَصَى
لا تُتبِعَنَّ مَا شَكَدتَ مِنَّةً
وَشُنَّ غارَاتِ العَطَايَا شَنَّةً
وَكَسبَكَ الحمدَ اتَّخِذهُ سُنَّةً
وَالحَمدُ خَيرُ مَا اتَّخذت جُنَّةً
وَأنفَسُ الأذخَارِ مِن بَعدِ التُّقَى
قَدِ اغتَرَبتُ نازِحاً عَن وَطَنِي
مُستَعدِياً كُلَّ مِخشٍّ مِطعَنِ
عَلَى زَمَانِ السَّوءِ إِذ أقلَقَنِي
وَكُلُّ قَرنٍ ناجِمٍ فِي زَمنِ
فَهوَ شَبِيهُ زَمَنٍ فيهِ بَدَا
لا يُعجِبَنكَ الخَلقُ والخَلائِقُ
فَكَم صَبِيحٍ وَهوَ وَغبٌ مائِقُ
وَكَم قَبيحٍ وَهوَ نَدبٌ فائِقُ
والنَّاسُ كالنَّبتِ فَمِنهُ رائِقُ
غَضٌّ نَضيرٌ عُودُهُ مُرُّ الجَنَى
لا فِيهِ مِن عَائِدَةٍ تَشفِي الزَّمن
وَلا بِتَبرِيدِ الحَرارَاتِ ضَمِن
وَلا بِتَرتِيبِ اليُبُوسَاتِ قَمِن
وَمِنهُ مَا تَقتَحِمُ العَينُ فَإِن
ذُقتَ جَناهُ انساغَ عَذباً فِي اللُّهَى
يُعلَمُ خِصبُ العامِ مِن نَيسَانِهِ
وَرَونَقُ اليافِعِ فِي غَيسَانِهِ
وَيُدرَكُ الفائِتُ فِي إبَّانِهِ
يُقَوَّمُ الشارِخُ فِي رَيعَانِهِ
فَيَستَوِي مَا انعَاجَ مِنهُ وَانحَنَى
مَحلُ الزَّمانِ مُخبِرٌ بِهَيغِهِ
فَارقُب زُعاقَ العَيشِ بَعدَ سَيغِهِ
وَدَاوِ هَيجَ الدَّمِ قَبلَ بَيغِهِ
والشَّيخُ إن قَوَّمتَهُ مِن زَيغِهِ
لَم يُقِمِ التَّثقِيفُ مِنهُ مَا انثَنَى
إِنَّ الصَّبِيَّ إن أُريدَ صَدفُهُ
عَنِ الطَّلاحِ أو أُريغَ صَرفُهُ
إِلَى الصَّلاحِ فَالحِجَى يُعِفُّهُ
كَذلِكَ الغُصنُ يَسيرٌ عَطفُهُ
لَدناً شَديدٌ غَمزُةُ إِذا عَسَا
لا تَستَجِز ظُلمَ الفَتَى وَهَضمَهُ
فَالظَّالِمُ الغَاشِمُ يَبرِي عَظمَهُ
وَيُقحِمُ المُرَّ الوَبئَ صِرمَهُ
مَن ظَلَمَ النَّاسَ تَحَامَوا ظُلمَهُ
وَعَزَّ عَنهُم جَانِبَاهُ وَاحتَمَى
يُضحِي جحِيشاً عَازِباً صَاحِبُهُ
وَيَنتَحِي مُرتَهِباً رَاغِبُهُ
مُرتَعِداً مِن عَسفِهِ حَاجِبُهُ
وَهُم لِمَن لانَ لَهُم جَانِبُهُ
أظلَمُ مِن حَيَّاتِ أنبَاثِ السَّفَا
والنَّاسُ مِن طِباعِهِم أن يُدقِعُوا
مَن صَفِرَت وطابُهُ وَيَرفَعُوا
مَن شَكِرَت عِيابُهُ ويَخضَعُوا
عَبيدُ ذِي المَالِ وَإن لَم يَطمَعُوا
مِن غَمرِهِ فِي جُرعَةٍ تَشفِي الصَّدَى
وَيُصبِحُونَ خَاضِعِينَ إن أذِن
بِأمرَةٍ وَإن يَلينُوا لا يَلِن
كأنَّهُ بِمُلكِ سَقسِينَ قَمِن
وَهُم لِمَن أملَقَ أعدَاءٌ وَإِن
شَارَكَهُم فِيمَا أفادَ وَحَوَى
مَن خَالَنِي عِندَ اللِّقاءِ ذَا رَعَن
مِن بَعدِ مَا نَجَّذَنِي صَرفُ الزَّمَن
نَصَّ عَلَى الحُمقِ الَّذي فيهِ كَمَن
عاجَمتُ أيَّامِي وَمَا الغِرُّ كَمَن
تَأزَّرَ الدَّهرُ عَلَيهِ وَارتَدَى
الجَدُّ يُدنِي القَاصِي المُزَحَّلا
ويُطلِقُ المُقَيَّدَ المُسَلسَلا
وَيَجعَلُ الزُّعَاقَ عَذباً سَلسَلاً
لا يَرفَعُ اللُّبُّ بِلا جَدٍّ وَلا
يَحُطُّكَ الجَهلُ إِذا الجَدُّ عَلا
وَمَن يَعِظهُ الدَّهرُ فيمَا أجرَمَا
إلَى الأُنَاسِ الآمِنِينَ الكُرَمَا
نَالَ إلَى نَيلِ المَعَالِي سُلَّمَا
مَن لَم يَعِظهُ الدَّهرُ لَم يَنفَعهُ مَا
رَاحَ بِهِ الوَاعِظُ يَوماً أَو غَدَا
لَم يَرَ كُلُّ مَن مَضَى مَن قَد شَأَى
رَيبَ الزَّمانِ أو أبَرَّ مَن بَأى
أو أغفَلَ الدَّهرُ هَصُوراً أو لأَى
مَن قاسَ ما لَم يَرَهُ بِمَا رَأى
أَراهُ ما يَدنُو إِلَيهِ مَا نَأى
وَالمَرءُ مَهمَا نَفَذَت أحكَامُهُ
فَكُلُّ مَن نازَعَهُ حِمامُهُ
يَقُودُهُ إلَى الرَّدَى وَسَامُهُ
مَن لَم تُفِدهُ عِبَراً أيَّامُهُ
كانَ العَمَى أولَى بِهِ مِنَ الهُدَى
ما قَدَّرَ اللَّهُ الحَكيمُ في الأزَل
فَهوَ حَقيقٌ كائِنٌ بِلا حِوَل
وَكَم عَزِيزٍ طاوَعَ الحِرصَ فَذَل
مَن مَلَّكَ الحِرصَ القِيادَ لَم يَزَل
يَكرَعُ في مَاءٍ مِنَ الذُّلِّ صِرَى
خَيرُ النُّفُوسِ مَا اطمَأنَّت وَعَنَت
لِرَبِّهَا مُنقَادَةً وَأذعَنَت
وَأَقصَتِ الأَطمَاعَ مَهمَا أقرَنَت
مَن عَارَضَ الأطمَاعَ بِاليَأسِ رَنَت
إلَيهِ عَينُ العِزِّ مِن حَيثُ رَنَا
سَارِع إلَى الخَيراتِ فِي وُجوهِهَا
مُنَزِّهاً نَفسَكَ عَن تَمويهِهِا
وَعُجبِهَا وَفَخرِهَا وَتيهِهَا
مَن عَطَفَ النَّفسَ عَلَى مَكرُوهِهَا
كانَ الغِنَى قَرينَهُ حَيثُ انتَوَى
مُؤَخَّرُ المَجلِسِ مِثلُ صَدرِهِ
لِمَن صَفا فِي الفَضلِ نُورُ بَدرِهِ
فَليَكفِ حِلفَ الفَقرِ ظِلُّ سِدرِهِ
مَن لَم يَقِف عِندَ انتِهاءِ قَدرِهِ
تَقَاصَرَت عَنهُ فَسِيحَاتُ الخُطَى
مَا لِلفَتَى إِلا مَجَانِي غَرسِهِ
فَليَكدَحِ اليَومَ لِغِبِّ رَمسِهِ
حَزامَةً قَبلَ أفُولِ شَمسِهِ
مَن ضَيَّعَ الحَزمَ جَنى لِنَفسِهِ
نَدامَةً ألذَعَ مِن سَفعِ الذَّكا
وَافِق أخَا الوِفَاقِ فِي وِفَاقِهِ
وَدَارِ مَن نَافَقَ فِي نِفَاقِهِ
وَجَانِبِ العُجبَ وَلا تُلاقِهِ
مَن نَاطَ بِالعُجبِ عُرَى أخلاقِهِ
نِيطَت عُرَى المَقتِ إلَى تِلكَ العُرَى
وَلا تُمَارِ المَرءَ فِي خِطَّتِهِ
وَفِي مُحيطِ العِزِّ أو نُقطَتِهِ
وَاحذَر شَذَاهُ وَشَبَى شَوكَتِهِ
مَن طَارَ فَوقَ مُنتَهَى بَسطَتِهِ
أعجَزَهُ نَيلُ الدُّنَى بَلهَ القُصَى
يَسُوقُ حينَ المُستَهَامِ شَوقُهُ
إِلى الَّذِي انبَاعَ إلَيه تَوقُهُ
وَآدَهُ بَعَاعُهُ وَأوقُهُ
مَن رَامَ مَا يَعجِزُ عَنهُ طَوقُهُ
مِلعِبءِ يَوماً آضَ مَجزُولَ المَطَا
لا تَغتَرِر بِكُلِّ خبٍّ حَاسِدِ
مُماكِدٍ مُنَاكِدٍ مُنَاقِدِ
وَلا تَثِق بِوَامِقٍ مُحَاقِدِ
وَالنَّاسُ ألفٌ مِنهُمُ كَوَاحِدِ
وَوَاحِدٌ كَالألفِ إن أمرٌ عَنَى
طُوبَى لِنَفسٍ أسلَمَت واستَسلَمَت
وَاستَغفَرَت مِن كُلِّ مَا قَد أَجرَمَت
وَأنفَقَت مَا اكتَسَبَت وَسَلَّمَت
وَلِلفَتَى مِن مَالِهِ مَا قَدَّمَت
يَدَاهُ قَبلَ مَوتِهِ لا مَا اقتَنَى
سَتُنجِزُ المَنونُ كُلا وَعدَهُ
وَتَستَفِزُّ نَحسَهُ وَسَعدَهُ
وَسَوفَ تُتوِي سَبطَهُ وجَعدَهُ
وَإِنَّمَا المَرءُ حَديثٌ بَعدَهُ
فَكُن حَدِيثاً حَسَناً لِمَن وَعَى
لا تَحسبنَّ أنَّنِي أرعَى النَّقَد
مَعَ الأُسودِ أَو إِذَا الحَرُّ اتَّقَد
أختَبِطُ الرَّمضَاءَ والرَّملَ العَقَد
إِنَّي حَلَبتُ الدَّهرَ شَطرَيهِ فَقَد
أمَرَّ لِي حِيناً وَأَحيَاناً حَلا
وَقَد بَلَوتُ صَرفَهُ فَلَم يَجُل
فِي خَاطِرِي مِن فَشَلٍ ولَم تَزُل
عَنِّي بَوَادِي جَلَدِي ولَم تَحُل
وَفُرَّ عَن تَجرِبَةٍ نابِي فَقُل
فِي بَازِلٍ رَاضَ الخُطُوبَ وامتَطَى
سَوفَ تَرَى هَذَا الوَرَى تَدُسُّهُم
آجَالُهُم فِي التُربِ أو تَبُسُّهُم
بَسّا وتُوحِي القَتلَ إذ تَحُسُّهُم
وَالنَّاسُ لِلمَوتِ خَلىً يَلُسُّهُم
وَقَلَّ مَا يَبقَى عَلَى اللَّسِّ الخَلَى
يَا عَجَبِي مِن رَاكِضٍ إِلَى مَدَى
أو ضَارِبٍ فِي الأَرضِ يَقرُو الجَدَدَا
وَمَا دَرَى أنَّ الرَّدَى اجتَابَ الرِّدَا
عَجِبتُ مِن مُستَيقِنٍ أنَّ الرَّدَى
إذَا أتَاهُ لا يُدَاوَى بِالرُّقَى
يُضَيِّعُ الأوقَاتَ في أُحجِيَّةٍ
بِها يُحاجَى الخِلوُ أو أُدعِيَّةٍ
مُستَنفِراً كَحُمُرٍ وَحشِيَّةٍ
وَهوَ مِن الغَفلَةِ فِي أهوِيَّةٍ
كَخَابِطٍ بَينَ ظَلامٍ وعَشَا
كَأنَّنا مِنَ المَنايَا فِي عَمَى
أوِ استَتَرنَا بِغِطَاءٍ أو غَمَى
أو مُخطِئٌ رَيبَ المَنونِ لَو رَمَى
نَحنُ وَلا كُفرَانَ لِلَّهِ كَمَا
قَد قِيلَ لِلسَّارِبِ أخلَى فَارتَعَى
يَرقَدُّ فِي المُرُوجِ كَالمُهرِ الأرِن
بَينَ حَليّ ونَصِيّ وَعَرِن
وَلا يَحِنُّ طَرَباً وَلا يَئِن
إِذا أحَسَّ نَبأَةً رِيعَ وَإِن
تَطَأمَنَت عَنهُ تَمَادَى وَلَهَا
تَنهَلُّ إِثرَ مَن مَضَى دُمُوعُنا
وَيَستَبينُ لِلوَرَى خُضُوعُنا
وَيَنتَفِي هُجُوعُنا وَجُوعُنا
نُهَالُ لِلشَّيءِ الَّذِي يَرُوعُنا
وَنَرتَعِي فِي غَفلَةٍ إذَا انقَضَى
وَالطَّامِحُ الطَّالِحُ لا يَرتَدِعُ
وَالوَعظُ فِي أَمثَالِهِ لا يَنجَعُ
إِلا إذَا مَا هَالَهُ تَفَجُّعُ
إنَّ الشَّقَاءَ بِالشَّقِيِّ مُولَعُ
لا يَملِكُ الرَّدَّ لَهُ أنَّى أتَى
لِلعُرفِ عَرفٌ ذُو أرِيجٍ ضَائِعُ
وَالنُّصحُ فِي غَيرِ إناهُ ضَائِعُ
وَحَزمُكَ الحِصنُ الحَصِينُ المَانِعُ
وَاللَّومُ لِلحُرِّ مُقِيمٌ رَادِعُ
وَالعَبدُ لا يَردَعُهُ إِلا العَصَا
عَلَيكَ مُرَّ الأمرِ وَاترُك ما حَلا
إن كَانَ حُلوُ الأمرِ يُبدِي خَلَلا
وَدَع هَواكَ باهِلاً سَبَهلَلا
وَآفَةُ العَقلِ الهَوَى فَمَن عَلا
عَلَى هَوَاهُ عَقلُهُ فَقَد نَجَا
وَلا تُمارِ صاحِباً أورَاقُهُ
يَخبِطُهَا غَيرُكَ أو نِفَاقُهُ
يَبدُو فَفِي نِفَاقِهِ وِفَاقُهُ
كَم مِن أخٍ مَسخُوطَةٍ أخلاقُهُ
أصفَيتُهُ الوُدَّ لِخلقٍ مُرتَضَى
وَلا تَذُمَّ صاحِباً وَإن فَلَى
فَلا الشِّقاقِ عانِداً فَلاً فَلا
لَعَلَّهُ يَفتَحُ بَاباً مُقفَلاً
إذَا بَلَوتَ السَّيفَ مَحمُوداً فَلا
تَذمُمهُ يَوماً أن تَرَاهُ قَد نَبَا
وَالندبُ مَن يُغضِي وَيَعفُو كَرَما
وَهَل سَمِعتَ مَن يُبارِي الحُلَمَا
بِعَثرَةٍ يُقصِي العَتِيقَ الأكرَمَا
وَالطِّرفُ يَحتَازُ المَدَى وَرُبَّمَا
عَنَّ لِمَعداهُ عِثَارٌ فَكَبَا
فَهَل تَرَى غَيرَ دَوىً مُطَرمِذِ
لا يَقتَفِي مَا تَختَطِي أو يَحتَذِي
مَا قُلتَ أو فَعَلتَ حَذوَ القُذَذِ
مَن لَكَ بالمُهَذَّبِ النَّدبِ الَّذِي
لا يَجِدُ العَيبُ إلَيهِ مُختَطَى
وَمَن يَرُم مُهَذَّباً أخَا كَرَم
أجَالَ طَرفاً فِي النَّعامِ وَالنَّعَم
فَقُل لِمَن رَامَ مَرَاماً لَم يُرَم
إذَا تَصَفَّحتَ أمُورَ النَّاسِ لَم
تُلفِ امرَءاً حَازَ الكَمَالَ فَاكتَفَى
قَد طَوَتِ الآجَالُ من تَبَجَّلا
أو عَافَ أن يُثلَبَ أو يُبَخَّلا
أَو أن يُرَى مَاجِداً وَابنَ جَلا
إنَّ نُجُومَ المَجدِ أمسَت أُفَّلا
وَظِلُّهُ القَالِصُ أَضحَى قَد أزَى
لَم يَبقَ غَيرُ أَهوَجٍ مُذَمَّمِ
أو أخرَقٍ مُستَعجِمٍ مُستَبهِمِ
أَو ذِي ثَرَاءٍ مُستَجِدِّ النِّعَمِ
إِلا بَقَايَا مِن أُناسٍ بِهِمِ
إِلَى سَبيلِ المَكرُمَاتِ يُهتَدَى
تَقَيَّلَت أبنَاؤُهُم آبَاءَهُم
وَنَيَّحَت بَعدَ البِلَى أصدَاءَهُم
وَنَاسَبَت أقرَاؤُهُم أقرَاءَهُم
إذَا الأَحَادِيثُ انتَضَت أنبَاءَهُم
كانَت كَنَشرِ الرَّوضِ غادَاةُ السّدى
وَالصَّيفُ يَتلُو حَرَّهُ بَردُ الشِّتَا
وَالأجَلُ المَحتُومُ يَتلُو هَل أَتَى
وَلا يُبقي مَن عَنا وَمَن عَتَا
مَا أنعَمَ العِيشَةَ لَو أنَّ الفَتَى
يَقبَلُ مِنهُ المَوتُ إِسنَاءَ الرُّشَى
أو سَالَمَ النَّدبَ الأرِيبَ دَهرُهُ
أو هَادَن اللّبَّ الأدِيبَ عَصرُهُ
أوِ استَقَامَ لِلَّبِيبِ أمرُهُ
أو لَو تَحَلَّى بِالشَّبَابِ عُمرُهُ
لَم يَستَلِبهُ الشَّيبُ هَاتِيكَ الحُلَى
سَوفَ تُرَى القُصورُ وَهيَ بَلقَعُ
وَكلُّ رَبعٍ فِيهِ سِمعٌ يَخمَعُ
وَيَنئِمُ البُومُ بِهِ والضُّوَعُ
هَيهَاتَ مَهمَا يُستَعَر مُستَرجَعُ
وَفِي خُطُوبِ النَّاسِ لِلنَّاسِ أُسَى
عَلَيكَ فِي رَومِ المَعَالِي بِالسُّرَى
عَلَى حَرَاجِيجَ مَتَى تَعوِ البُرَى
يُخلنَ أطوَاداً شَمارِيخَ الذُّرَى
وَفِتيَة سَارَاهُمُ طَيفُ الكَرَى
فَسَامَرُوا النَّومَ وَهُم غِيدُ الطُّلَى
وَاجتابَ زَنجِيُّ الظَّلامِ تَركَهُ
وَطَحطَحَ الأُحبُوشُ قَسراً تركَهُ
وَاحتَثَّ نَحوَ الغَربِ قَصراً بَركَهُ
وَاللَّيلُ مُلقٍ بِالمَوَامِي بَركَهُ
وَالعِيسُ يَنبُثنَ أفَاحِيصَ القَطَا
غفَّتهُم عِندَ النُّزُولِ جَبأَةٌ
وَمَا لَهُم بَعدَ الثَّراءِ كُفأَةٌ
وَإن أُنِيلُوا بُغيَةً فَكُلأَةٌ
بِحَيثُ لا تُهدَى لسَمعٍ نَبأَةٌ
إِلا نَئِيمُ البُومِ أو رَجعُ الصَّدَى
لا يَشتَكُونَ مِن ضَنىً وَمِن أذَى
وَيَشرَبُونَ مِن صَرىً عَلَى قَذَى
وَلا يُبَالونَ بِمِهذَارٍ هَذَى
شَايَعتُهُم عَلَى السُّرَى حَتَّى إذَا
مَالَت أدَاةُ الرَّحلِ بِالجِبسِ الدَّوَى
يَنفَكُّ عَنهَا قدُّهَا وَجُلبُهَا
مُنجَفِلاً مِنَ النُّعَاسِ رَبُّهَا
مُقَلقَلاً وَضِينُهَا وَقِتبُهَا
قُلتُ لَهُم إنَّ الهُوَينَى غِبُّهَا
وَهنٌ فَجدُّوا تَحمَدُوا غِبَّ السُّرَى
وَمخفِقٍ مُغبَرَّةٍ أرجَاؤُهُ
قَالِصَةٍ رَأدَ الضُّحَى أفيَاؤُهُ
يَخطُبُ فَوقَ عُودِهِ حِربَاؤُهُ
وَمُوحِشِ الأرجَاءِ طَامٍ مَاؤُهُ
مُدَعثَرِ الأعضَادِ مَهدُومِ الجَبَى
يَستَحسِرُ الخِرِّيتُ فِي بَيدَائِهِ
ويَصدِفُ المِخشَفُ عَن تَيهَائِهِ
وَلا يُرَى فِيهِ سِوَى حِربَائِهِ
كأنَّمَا الرِّيشُ عَلَى أرجَائِهِ
زُرقُ نِصَالٍ أُرهِفَت لِتُمتَهَى
يُخفِي هُنَاكَ الصِّمُّ رَوعاً قَولَهُ
مُزايِلاً قُوَّتَهُ وَحَولَهُ
كأنَّه مَا ذَاقَ طُعماً حَولَهُ
وَرَدتُهُ والذِّئب يَعوِي حَولَهُ
مُستَكَّ سُمِّ السَّمعِ مِن طُولِ الطَّوَى
وَصَاحِبٍ نَيلُ المَعَالِي هَمُّهُ
وَوَطءُ هَامِ النَّيِّرَاتِ أمُّهُ
صَحِبتُهُ لِكَشفِ مَا يَغُمُّهُ
وَمُنتَجىً أمُّ أبِيهِ أمُّهُ
لَم يَتَخَوَّن جِسمَهُ مَسُّ الضَّوَى
عَتَادُ سَفرٍ فِي لَيَالٍ أغدَرَت
وَأَغطَشَت وأغيَمَت وجَرجَرَت
وَاسحَنكَكَت واعلَنكَسَت واسحَنفَرَت
أفرَشتُه بِنتَ أخيهِ فَانبَرَت
عَن وَلَدٍ يُورَى بِهِ وَيُشتَوَى
وَسَبسَبٍ مَضِلَّةٍ فَيفَاؤُهُ
سَامٍ عَلَى أعوَادِهِ حِربَاؤُهُ
سَلَكتُهُ وَسَكنهُ أصدَاؤُهُ
وَمَرقَبٍ مُخلَولِقٍ أرجَاؤُهُ
مُستَصعَبِ المَسلَكِ وَعرِ المُرتَقَى
لا تَستَبينُ ضَلَّةً طَريقَهَا
فُدرُ الأرَاوَى الفَارعَاتِ نِيقَهَا
الرَّاقِيَاتِ الصَّاعِدَاتِ شِيقَهَا
أوفَيتُ وَالشَّمسُ تَمُجُّ رِيقَهَا
وَالظِّلُّ مِن تَحتِ الحِذَاءِ مُحتَذَى
وَخَابِطٍ مُستَنبِحٍ لاقَى الأذَى
لَمَّا سَقَاهُ دَهرُهُ عَلَى قَذَى
وَابتَزَّهُ زَمَانُهُ رَثَّ الحِذَا
وَطَارِقٍ يُؤنِسُهُ الذِّئبُ إذَا
تَضَوَّرَ الذِّئبُ عِشَاءً وَعَوَى
إذَا طَوَى مَلاً تَبَدَّى نَفنَفُ
وَإن طَوَى ذَاكَ فَقَاعٌ صَفصَفُ
وَالجِنُّ لا تَبرَحُ فِيهِ تَعزِفُ
أوَى إلَى نَارِي وَهيَ مَألَفُ
يَدعُو العُفَاةَ ضَوءُهَا إلَى القِرَى
زَادِيَ لِلحَاضِرِ والمُسَافِرِ
فِي ظُلَمِ الحِندِسِ والظَّهَائِرِ
مُصَبَّرٌ بِلا ازدِجَارِ زَاجِرِ
لِلَّهِ مَا طَيفُ خَيَالٍ زَائِرِ
تَزُفُّهُ لِلقَلبِ أحلامُ الرُّؤى
زَفَّ الفَقِيرِ المُستَهَانِ الفِقَرَا
إلَى الَّذِي يعتَاضُ مِنهُ الدُّرَرَا
لِغَاشِمٍ يَركَبُ مِنهُ الفُقَرَا
يَجُوبُ أجوَازَ الفَلا مُحتَقِرَا
هَولَ دُجَى اللَّيلِ إذَا اللَّيلُ انبَرَى
يَجتَابُ عُرضَ البِيد فِي ظَلمَائِهِ
وَيَنتَحِي الأغفَالَ في إسرَائِهِ
كأنَّهُ الخِرِّيتُ في أنحَائِهِ
سَائِلهُ إن أفصَحَ عَن أنبَائِهِ
أنَّى تَسَدَّى اللَّيلَ أم أنَّى اهتَدَى
تَشُوقُهُ الخُبُوتُ والبَسابِسُ
كأنَّهَا الغِيدُ أوِ العَرائِسُ
أوِ الحِسَانُ الخُرَّدُ الأوَانِسُ
مَا كَانَ يَدرِي قَبلَهَا مَا فَارِسُ
وَمَا مَوَامِيهَا القِفَارُ وَالصُّوَى
مَرَّة مَا أَمَرَّ هَجرَ السَّكَنِ
بَعدَ التَّلاقِي وَانتِزَاحِ العَطَنِ
لِمُقتِرٍ فِي غَيرِ شَرخِ الزَّمَنِ
وَسَائِلِي بِمُزعِجِي عَن وَطَنِ
مَا ضَاقَ بِي جَنَابُهُ وَلا نَبَا
وَلا طَغَى لِي خَائِلٌ وَلا عَتَا
فِي مَعمَعَانِ الصَّيفِ أو بَردِ الشِّتَا
وَكُلُّ مِنطِيقٍ أتَانِي أسكَتَا
قُلتُ القَضَاءُ مَالِكٌ أمرَ الفَتَى
مِن حَيثُ لا يَدرِي وَمِن حَيثُ دَرَى
وَلَم أُفَارِق وَطَنِي مِنَ الوَهَل
وَلا المُعَاصَاةِ وَلا وَهيِ الرَّهَل
لَكِن تَقَضِّي الأكلِ أو نُجزِ المَهَل
لا تَسأَلَنِّي وَسَلِ المِقدَارَ هَل
يَعصِمُ مِنهُ وَزَرٌ أو مُدَّرَى
مَن عَطَّهُ زَمَانُهُ أو غَطَّهُ
أو قَدَّه بِسَيفِهِ أو قَطَّهُ
أو رَامَ رَفعَ قَدرِهِ أو حَطَّهُ
لا بُدَّ أن يَلقَى الفَتَى ما خَطَّهُ
ذُو العَرشِ مِمَّا هُو لاقٍ وَوَحَى
فَقُل لِمَن دَارَت بِهِ الدَّوائِرُ
فَضَجَّ أو جُدُودُهُ العَوَاثِرُ
أو حَصَّهُ دَهرٌ غَشُومٌ غَادِرُ
لا غَروَ أن لَجَّ زَمَانٌ جَائِرُ
فَاعتَرَقَ العظمَ المُمِخَّ وانتَقَى
لا تَغمِصَن دَهرَك صُعلُوكاً فَقَد
نَضَارَةَ العَيشِ لِجَدٍّ قَد رَقَد
وَقَطَّهُ زَمَانُهُ قَطّا وَقَد
فَقد تَرَى القَاحِلَ مُخضَرّاً وَقَد
تَلقَى أخَا الإِقتَارِ يَوماً قَد نَمَا
فَأتبِعِ السَّيِّئَ مِنكَ الحَسَنَا
وَأخلِصِ النِّيَّةَ وَاقفُ السَّنَنَا
وَلا تُغَرِّد مُستَفزّاً أرِنَا
يَا هَؤُلَيَّا هَل نَشَدتُنَّ لَنَا
ثَاقِبَةَ البُرقُعِ عَن عَينَي طَلَى
إن يَرفَعِ النَّاسُ وَعَاهُم أخفِتِ
أن إن يَزِلُّوا فِي هَواهُم أثبُتِ
لأَنَّنِي بَينَ اللَّتَيَّا والَّتِي
مَا أنصَفَت أمُّ الصُّبَيَّينِ الَّتِي
أصبَت أخَا الحِلمِ وَلَمَّا يُصطَبَى
يَا جَامِعاً بَينَ اختِيَالٍ وأرَن
مِن بَعدِ حِيقَالٍ يُؤَاخِيهِ الرَّعَن
فِعلَ فَتىً تَاهَ بِهِ شَرخُ الزَّمن
استَحِي بِيضاً بَينَ أفوَادِكَ أَن
تَقتَادَكَ البِيضُ اقتِيَادَ المُهتَدَى
كَفَاكَ غِشيَانُ المَخَازِي عِلَّةً
وَأن تُلِمَّ بِالمَعَاصِي ذِلَّةً
وَلَو صَعِدتَ مَعقِلاً أو قُلَّةً
هَيهَاتَ مَا أشنَعَ هَاتَا زلَّةً
أطرَباً بَعدَ المَشِيبِ وَالجَلا
وَلا أنُصُّ لِلقُنُوعِ عَيهَلِي
مُختَبِطاً أبذُلُ فِيهِ قَيهَلِي
وَلا أقُولُ قَولَ غَاوٍ مُبطِلٍ
يَا رُبَّ لَيلٍ جَمَعَت قُطرَيهِ لِي
بِنتُ ثَمَانِينَ عَرُوساً تُجتَلَى
صَهبَاء أذكَى فِي الدِّنَانِ جَمرَهَا
عُنُوسُهَا وَهوَ يَزِيدُ قَدرَهَا
مُطَيِّباً بَينَ السُّقَاةِ ذِكرَهَا
لَم يَملِكِ المَاءُ عَلَيهَا أمرَهَا
وَلَم يُدَنِّسهَا الضِّرَامُ المُحتَضَا
سُرُورُهَا يُربِي عَلَى شُرُورِهَا
وَجُودُهَا يُؤمِنُ مِن مَحذُورِهَا
أسِيرَةٌ تَقضِي عَلَى أمِيرِهَا
كأنَّ قَرنَ الشَّمسِ فِي ذُرُورِهَا
بِفِعلِهَا فِي الصَّحنِ والكأسِ اقتَدَى
إِن ذَاقَهَا ذُو شَجَنٍ شَفَّ سَلا
أو مَن أمَرَّ دَهرُهُ جَوراً حَلا
أو مُحجِماً عَن حَومَةِ الحَربِ اصطَلَى
نَازَعتُهَا أروَعَ لا تَسطُو عَلَى
نديمِهِ شِرَّتُهُ إذَا انتَشَى
يَنشَطُ ضِلِّيلُ الهَوَى لِوَعظِهِ
مُقتَبِساً مِن لَفظِهِ ولَمظِهِ
ذَا زَعَلٍ لِدَرسِهِ وحِفظِهِ
كَأنَّ نورَ الرَّوضِ نَظمُ لَفظِهِ
مُرتَجِلاً أو مُنشِداً أو إن شَدَا
أستَغفِرُ الرَّحمَنَ مِمَّا قُلتُهُ
مِن سَيِّئ وَكُلّ مَا فَعَلتُهُ
فَقَد حَبَانِي كُلَّ مَا سَألتُهُ
مِن كُلِّ مَا نَالَ الفَتَى قَد نِلتُهُ
وَالمَرءُ يَبقَى بَعدَهُ حُسنُ النَّثَا
وَأجهَشَت نَفسِي وغَاضَت شِرَّتِي
وَنَغضَت سِنِّي وَخَارَت مُنَّتِي
وَتَمَّتِ النِّعمَةُ لِي وَعَمَّتِ
فَإن أمُت فَقَد تَنَاهَت مُدَّتِي
وَكُلُّ شَيءٍ بَلَغَ الحَدَّ انتَهَى
عَمِرتُ فِي ظِلِّ النَّعِيمِ نَاعِمَا
وَكَانَ طَرفُ الدَّهرِ عَنِّي نَائِمَا
فَإِن أفز كَانَ قَضَاءً لازِما
وَإن أعِش صَاحَبتُ دَهرِي عَالِمَا
بِمَا أنطَوَى مِن سِرِّهِ وَمَا انسَرَى
لا تَحسَبَن أنِّي أُهَاجِي مَن هَجَا
أو أقتَفِي غَيرَ التَّغاضِي مَنهَجَا
أَو أزدَرِي مُجتَابَ طِمرٍ أنهَجَا
حَاشَى لِمَا أسأَرَهُ فِيَّ الحِجَى
وَالحِلمُ أن أتبَعَ رُوَّادَ الخَنَى
أَو أَن يُرَى بِي دَقَعٌ لِرَهبَةٍ
أو خَرَعٌ أو جَزَعٌ لِكُربَةٍ
أو لانتِيَابِ أزمةٍ أو لزبةٍ
أو أن أرى مختضعاً لنكبةٍ
أو لابتِهَاجٍ فَرِحاً وُمُزدَهَى
الحسن الصغاني
بواسطة
المشرف العام
الإضافة: السبت 2012/07/28 01:37:02 صباحاً
التعديل: السبت 2012/07/28 01:40:51 صباحاً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com