مَضى زَمَنِي وَالْعُمْرُ وَلَّى بِحُبِّكُمْ |
وَلَمْ تُنْعِمُوا يَوْماً عَلَيَّ بِوَصْلِكُمْ |
تَنَاقَصَ صَبْرِي مُذْ تَزَايَدَ عَتْبُكُمْ |
مُنَائِي مِنَ الدُّنْيَا أَفُوزُ بِقُرْبِكُمْ |
وَأنْ تَنْظُرُوا ذُلِّي وَحَالي وَتَرْحَموا |
لَقَدْ مَلَّ سَمْعِي مَا يَقُولُ الْعَوَاذِلُ |
وَهَاجَ بِقَلْبي لَوْعَةٌ وَبَلاَبِلُ |
وَقَدْ عُدِمَ السُّلْوَانُ وَالْوَجدُ حَاصِلُ |
مُحِبٌّ بَرَاهُ الشَّوْقُ وَالْجِسْمُ نَاحِلُ |
فَإنْ جُزْتُمُ يوماً عَلَيْهِ فَسَلَّمُوا |
تُرى هَلْ لِصَبِّ بَانَ عَنْهُ هُجُوعُهُ |
وَمِنْ نَارِ وَجْدٍ لاَ تَقرُّ ضُلُوعُهُ |
حَلِيفِ غَرَامٍ وَالسُّهَادُ ضَجِيعُهُ |
مُقِيمٍ عَلىَ حِفْظِ الْهَوى وَضُلُوعُهُ |
تَنُمُّ بِأَسْرَارِ الْهَوى وَتُتَرْجِمُ |
يَسِيرُ فُؤَادِي حَيْثُ سَارَ الْحَبَائِبُ |
وَقَدْ رَحَلَتْ أَحْمَاُلُهمْ وَالرَّكَائِبُ |
قَتِيلُ هَوًى تَبْكِي عَلَيْهِ النَّوَادِبُ |
مَدَامِعًهً فَوْقَ الْخُدُودِ سَوَاكِبُ |
وَأَحْشَاؤُهُ مِنْ حَرِّهَا تَتَضَرَّمُ |
وإلَى كَمْ أَرَجِّي زَورَةً مِنْ خَيَالِكُمْ |
لِيَبْرَا فُؤَادٌ لَمْ يَزَلْ فِي حِبَالِكُمْ |
وَإنَّ مُرَادِي لَوْ خَطَرْتُ بِبَالِكُمْ |
مَدَدْتُ يَدِي أَرْجُو جَزيلَ نَوَالِكُمْ |
عَلَى أَنَّكُمْ بِالْحَالِ أدْرى وَأَعْلَمُ |
إلى كَمْ أَصُونُ الدَّمْعَ عَنْكُمْ وَأَكْتُمُ |
غَرَامِي عَلَى الْعُذَّالِ لَمَّا رَحَلْتُمُ |
وَلَمْ تَنْظُرُوا مَا حَلَّ بِي حِينَ بِنْتُمُ |
مَنَعْتُمْ جُفُوني أنْ تَنَامَ وَأنْتُمُ |
خَلِيُّونَ مِنْ سُهْدٍ مَدى اللَّيْلِ نُوَّمُ |
أيَا هَاجِرِي صِلْني جُعِلْتُ لَكَ الْفِدَا |
وَإلاَّ فَدَعْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مَوْعِدَا |
أبِيتُ وَنَوْمِي عَنْ جُفُوني مُشَرَّدَا |
مَدى لَيْلَتي أرْعَى النُّجُومَ مُسَهَّدَا |
أَترْضى بِقَتْلي وَهْوَ شَيءٌ مُحَرَّمُ |
ألاَ مَا لِجَفْني قَل عَنْهُ رُقَادُهُ |
وَبالطَّيْفِ لَمْ تُسْعِدْهُ يَوْماً سُعَادُهُ |
أَتَحْسَبُ أنَّ الْحُبَّ سَهْلُ قِيَادُهُ |
مَقَامً لِمَنْ لاَ يَسْتَرِيحُ فُؤَادُهُ |
وَلاَ دَمْعُهُ يَرْقَا وَلاَ الْقَلْبُ يَسْلَمُ |
أحِبَّتَنَا بِنْتُمْ فَبَانَ تَصَبُّرِي |
وَغِبْتُمْ عَنِ الْمُضنى فَبَانَ تَحَسُّرِي |
سَتَرْتُ الْهَوى وَالْبَيْنُ يُبْدِي تَسَتُّرِي |
مَلَكْتُمْ فُؤَادِي قُلْتُ حَسْبي تَفَكُّرِي |
وَشُغْلي بِمَدْحِ الْمُصْطَفى فَهْوَ مَغْنَمُ |
أنَيْنَا إلىَ وَادِي الْعَقِيقِ بِفَرْحَةٍ |
وَقَدْ زَالَ عَنَّا كُلَّ هَمِّ وَقَرْحَةٍ |
وَفَاحَ لَنَا مِنْ يَثْرِبٍ طِيْبُ نَفْحَةٍ |
مَدِيحُ رَسُولِ اللهِ أَفْضَلُ مِدْحَةٍ |
ألاَ إنَّهُ الْهَادِي الشَّفِيعُ الْمُعَظَّمُ |
أرَى الشَّرْكَ قَدْ هُدَّتْ قَوَاعِدُ سُورِهِ |
بِخَيْرِ الْوَرى دَاعِي الْهُدى وَنَصِيرِهِ |
طَوَى الأَرْضَ وَالسَّبْعَ الْعُلى فِي مَسِيرِهِ |
مَحَا ظُلَمَ الشَّرْكِ الْبَهِيمِ بِنُورِهِ |
فَأضْحى بِهِ تَغْرُ الشَّرِيعَةِ يَبْسُمُ |
أيَا سَائِقَ الأَظْعَانِ إنْ جُزْتَ سَحْرَةً |
عَلى ذلِكَ الْوَادِي وَأحْرَزْتَ نَظْرَةً |
فَبَلَّغْ سَلاَمِي لِلَّذِي حَلَّ حُجْرَةً |
مَكَارِمُهُ جَلَّتْ فَلَمْ تُحْصَ كَثْرَةً |
وَلَمْ يَحْوِهَا قَلْبٌ وَلَمْ يُحْصِهَا فَمُ |
نَبيٌّ زَهَا فَوْقَ الأَنَامِ ضِيَاؤُهُ |
فَصَحَّ بِهِ قَلْبٌ وَزَالَ عَنَاؤُهُ |
جَزِيلٌ عَطَايَاهُ رَحِيبٌ فِنَاؤُهُ |
مَصابِيحُ نُورِ الأَنْبِيَاءِ ضِيَاؤُهُ |
وَمَنْ مِثْلُهُ وَهْوَ النَّبيُّ الْمُكَرَّمُ |
مَكَارِمُهُ مَشْهُورَةٌ وَهِبَاتُهُ |
بِهَا شُرِّفَتْ إخْوَانُهُ وَحُمَاتُهُ |
وَكَمْ فَتَكَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ فَنَاتُهُ |
مَرَاتِبُهُ عُلْوِيَّةٌ وَصِفَاتُهُ |
بِهِ تَقْتَدِي الأَشْهَادُ وَهْوَ الْمُقَدَّمُ |
جُيُوشٌ بِهِ عَزَّتْ وَنَالَتْ مَرَامَهَا |
لِنُصْرَتِهِ فِي الْحَرْبِ سَلَّتْ حُسَامَهَا |
وَأَهْدَتْ لَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَلاَمَهَا |
مَلاَئِكُةٌ صَلَّتْ وَكَانَ إمَامَهَا |
وَصَلُّوا عَلَيْهِ بَعْدَ هَذَا وًسَلَّمُوا |
رَسُولٌ سَمَتْ أوْصَافُهُ وَالْمَرَاتِبُ |
وَقَدْ ظَهَرَتْ آيَاتُهُ وَالْعَجَائِبُ |
وَقَدْ نُصِرَتْ أحْزَابُهُ وَالْكَتَائِبُ |
مِنَ الْمَسْجِدِ الأقْصَى سَرى وَهْوَ رَاكِبُ |
وَلاَ أحَدٌ قُدَّامَهُ يَتَقَدَّمُ |
مَحَبَّتُهُ لاَ شَكَّ فِيهَا وَلاَ خَفَ |
وَمَنْ كُلِّ دَاءِ لِلْقُلُوبِ هِيَ الشَّفَا |
بِهَا كَمْ نَجَا عَاصٍ وَكانَ عَلَى شَفَا |
مِنَّي شَرُفَتْ لَمَّ أتَاهَا مَعَ الصَّفَا |
كَمَا شَرُفَ الْبَيْتُ الْعَتِيقُ وَزَمْزَمُ |
مَغَارِبُنَا تَزْهُو بِهِ وَالْمَشَارِقُ |
وَكُثْبَانُ نَجْدٍ وَالْجِبَالُ الشَّوَاهِقُ |
عَوَارِفُهُ مَشْهُورَةٌ وَالْحَقَائِقُ |
مَكِينٌ أمِينٌ فِي الْمَقَالَةِ صَادِقُ |
رَحِيمٌ كَرِيمٌ عَادِلٌ لَيْسَ يَظْلِمُ |
عَلَوْنَا بِهِ فَخْراً عَلىَ كُلِّ مِلَّةٍ |
وَلَمْ نَخْشَ مِنْ بُؤْسٍ وَرَوْعٍ وَذِلَّةٍ |
وَلَوْلاَهُ لَمْ نَعْرِفُ صَلاَةً لِقِبْلَةٍ |
مَوَارِدُهُ تَجْلي صَدَا كُلِّ عِلَّةٍ |
إذَا سُعِّرَتْ يَوْمَ الْحِسَابِ جَهَنَّمُ |
كَرِيمٌ جَوَادٌ فَازَ عَبْدٌ سَعى لَهُ |
وَإنْ سَأَلَ الْمَولى أجَابَ سُؤَالَهُ |
مُنَاهُ جِوَارُ الْمُصْطَفى أنْ يَنَالَهُ |
مُطَاعٌ مُهَابٌ فِي النَّبِيِّينَ مَالَهُ |
شَبِيهٌ وَلاَ مِثْلٌ لِمَنْ يَتَفَهَّمُ |