رَأَيتُ مِنَ الدُنيا كَغَدرِ الكَواعِبِ |
تُواصِلُنا يَوماً وَتَنأى بِجانِبِ |
إِذا اِختَبَرَ الدُنيا الكَريمُ رَأى بِها |
سُمومَ الأَفاعي لا سُمومَ العَقارِبِ |
فَإِيّاكَ أَن تَغتَرَّ مِنها بِزَبرَجٍ |
فَتَرمي بِأَنيابٍ لَها وَمَخالِبِ |
وَأَبناؤُها أَيضاً لَدى الحَقِّ مِثلَها |
لَهُم وُدُّ خِلّانٍ وَرَوغُ الثَعالِبِ |
فَوُدُّهُمُ خبّ إِذا ما اِختَبَرتَهُم |
قُلوبُهُم عِندي قُلوبُ النَواصِبِ |
فَإِيّاكَ مِن قُربِ الَّذينَ عَنَيتَهُم |
وَجانِبهُم فَالخِبُّ أَخبَثُ صاحِبِ |
وَصاحِب أُناساً يَعمَلونَ لِرَبِّهِم |
فَآسارهُم شُربٌ أَلَذُّ المَشارِبِ |
أولَئِكَ أَهلُ العِلمِ وَالحِلمِ وَالحِجا |
فَلازم وَزاحم عِندَهُم بِالمَناكِبِ |
تُحَزُّ دُرَراً مَنظومَةً في قَلائِدٍ |
مِنَ الكَلِماتِ الغُرِّ صيغَت لِكاتِبِ |
فَمِنهُم نَجيبُ النَجرِ أُمّاً وَوالِداً |
أَخو الفَضلِ وَالأَفضالِ مُحيي المَناقِبِ |
أَناصِرَ دينِ اللَهِ ظِلَّ مَليكه |
حَليفُ النَدى في شَرقِنا وَالمَغارِبِ |
جُزيتَ مِنَ الرَحمَنِ جَزلَ المَواهِبِ |
وَحُزتَ مِنَ العَلياءِ أَعلى المَراتِبِ |
أَمَن مَدحُهُ فَرضٌ عَلِمت وُجوبَهُ |
وَلَيسَ مُصيباً مَن أَخَلَّ بِواجِبِ |
يَمينُكَ ذاتَ الطولِ وَاليمنُ وَالنَدى |
وَجَدُّكَ نِعمَ الجَدُّ شَمسُ الكَواكِبِ |
وَأَنَّكَ كَهفٌ للأَنامِ وَجُنَّةٌ |
وَحِصنٌ مَنيعٌ عِندَ ضيقِ المَذاهِبِ |
لِكُلٍّ نَصيبٌ مِنكَ تُعطي تَقَرُّباً |
إِلى اللَهِ مَحضاً لَم تَشُبهُ بِشائِبِ |
وَحَيثُ قَبولُ البِرِّ يَستَعبِدُ الفَتى |
قَبِلتُ عَطاءَ الشَيخِ زَينِ المَناقِبِ |
تَغَرَّستُ فيكَ الجودَ حَتّى وَجدتَهُ |
وَهِمّتُكَ العُليا لَدى كُلِّ نائِبِ |
وَأَبصرت لَحظَ الغَيبِ جودُكَ مُمرِعاً |
وَشاهَدتُ مِنكَ الغَوثَ مِن كُلِّ جانِبِ |
وَصَلتُ إِلى مَلكِ المُلوكِ مُباركاً |
وَأَنتَ الوَصولُ البَرُّ نَجلُ الأَطايِبِ |
وَلَمّا وَجَدتَ العِزَّ وَالفَوزَ بِالعُلا |
مَعَ البِرِّ بِالإِنسانِ صافي المَشارِبِ |
عَرَجتَ إِلى العَلياءِ وَالجِدُّ صاعِدٌ |
بِإِعطائِكَ الإِخوانَ جَزلَ الرَغائِبِ |
وَمَن طَلَبَ الآمالَ بِالمالِ نالَها |
إِذِ المالُ مِعراجٌ لِنَيلِ المَآرِبِ |
وَمَن يُرِدِ العَلياءَ فَالجودُ سُلَّمٌ |
وَبابٌ لِطُلّابِ العُلا وِالمَناصِبِ |
وَمَن خَطَبَ العَلياءَ بِالبَأسِ وَالنَدى |
تَجِدهُ عَلى التَحقيقِ أَنجَحُ خاطِبِ |
وَمَن كانَ ذا عَقلٍ وَجودٍ وَصارمٍ |
فَقَد فازَ بِالعَلياءِ مِن كُلِّ جانِبِ |
سُلوكُكَ نَهجَ العَقلِ دَبر العَواقِب |
بِتَقديمِكَ التَجريبَ قَبلَ التَقارُبِ |
فَإِنَّ اِختِبارَ المَرءِ قَبلَ اِختِيارِهِ |
جِبِلَّةُ لُبٍّ في المَعارِفِ ثاقِبِ |
فَثِق بِالَّذي جَرَّبتَ ثُمَّ وَجَدتَهُ |
لَدى الخُبرِ بِالتَجريبِ نَجلُ أَطايِبِ |
وَكُن راغِباً عَمَّن سِواهُ مِنَ الوَرى |
وَدَع كُلَّ خِبٍّ وَاِصرِمَنَّ وَجانِبِ |
أَفادَنِيَ التَجريبُ خُبرُ أَخي الرَخا |
فَأَلفَيتُ مَن جَرَّبتُ مِثلَ العَقارِبِ |
وَأَحوَجَني دَهري إِلى مالِهِم فَلَم |
يَجودوا بِشَيءٍ وَاِستَباحوا مَثالِبي |
أراني صَحيحاً عِندَ أَوقاتِ ثَروَتي |
سَليماً مِنَ الأَسقامِ لَستُ بِعاطِبِ |
وَإِنّي لَأَهوى الشَيءَ لِلطِبِّ وَالدَوا |
وَتَعديلُهُ الخَلطَ الَّذي هُوَ غالِبي |
وَلَكِنَّما الإِفلاسُ يَمنَعُني الَّذي |
أُحِبُّ وَأَهوى مِن جَميعِ مَطالِبي |
مَتى قُلتُ أَبغي الأَمرَ قالَ ليَ اِصطَبِر |
وَإِن رُمتُ فِعلَ البِرِّ فَهوَ مُحارِبي |
فَقوتِلَ إِفلاسي وَأَبعَدَ بِالغِنى |
فَإِنّي أَرى الإِفلاسَ أَقبَحُ صاحِبِ |
وَلَو كُنتُ أَشكو الفَقرَ لِلشَيخِ ناصِرٍ |
لَفارَقَني فَقري وَجانَبَ جانِبي |
وَلَو شِئتَ صَرفَ الفَقرِ عَنّي مُعجِلاً |
لَرُحتُ إِلَيهِ وَاِمتَطَيتُ رَكائِبي |
وَقُلتُ إِلَيهِ إِنَّ قنَّكَ مُملِقٌ |
وَأَودَعتُ هَذا القَولَ بَعضَ كَتائِبي |
خَليلَيَّ إِنَّ الصَبرَ فيهِ مَثوبَةٌ |
لَدى البُؤسِ وَالضَرّا وَعِندَ المَصائِبِ |
إِذا لَم يَكُن بُدٌّ مِنَ الصَبرِ فَاِصبِرَن |
عَسى الصَبر يُدني مِن قِرانِ الحَبائِبِ |
وَينكِحُكَ الغيدَ الحِسانَ مُعجلاً |
وَتَحظى بِوَصلِ الغانِياتِ الكَواعِبِ |
لَعَلَّ الكَريمَ البَرَّ يَمنَحُني الغِنى |
وَيوصِلُني الحورَ الحِسانِ الحَواجِبِ |
وَيَرزُقُني مِن بَعدِ فَقرِيَ ثَرَوةً |
وَمالاً جَزيلاً مِن جَزيلِ المَواهِبِ |
وَيُبدِلُني مِن هَذِهِ بِخَريدَةٍ |
تُحِبُّ وَتَرضى عَن جَميعِ مَذاهِبي |
جَميلَةُ قَدٍّ كَالنَباتِ حَديثُها |
بَديعَةُ حُسنٍ لَم تَشُبهُ بِكاذِبِ |
مورَّدَةُ الخَدَّينِ كَالشَهدِ ريقُها |
يُعيدُ نَشاطي ثُمَّ يُحيي تَرائِبي |
كَظَبيَةٍ قَنّاصٍ وَلَكِنَّها إِذا |
رَمَت طَرفَها صادَت بِمِثلِ المَخالِبِ |
كَدُرَّةِ غَوّاصٍ تَراها غَنِيَّةً |
بِحُسنِ الحُلى عَن صَبغِ تِلكَ الخَواضِبِ |
وَبَيضاءَ كَالقرطاسِ صَفحَةُ خَدِّها |
لَها شَعرٌ مِثل المِدادِ لِكاتِبٍ |
لَهُ ظُلمَةٌ كَاللَيلِ أَسوَدَ حالِكٍ |
وَمِن تَحتِ صُبح أَو شُعاع الثَواقِبِ |
لَها كُحلٌ بِالمُقلَتَينِ فَإِن غَدَت |
لِكُحلِهِما فَالسَيفُ أَمضى القَواضِبِ |
تَراها لَدى اللَيلِ البَهيمِ وَنورُها |
يَفوقُ وَيَعلو فَوقَ نورِ الكَواكِبِ |
خَليلي إِنَّ الزُهدَ يُعقِبُ راحَةً |
وَيوصِلُكَ الفِردَوسَ ذاتَ الرَغائِبِ |
فَكُن قانِعاً إِن جُعتَ فيها بِبلغَةٍ |
وَعَن عَطشٍ فَاِقنَع بِمَصِّ المَشارِبِ |
وَكُن قانِعاً عِندَ الشِتاءِ بِكُلِّ ما |
يُكنِّكُ عَن بَردِ الحَشا وَالجَوانِبِ |
وَفي الصَيفِ فَاِقنَع بِالقباءِ وَتَحتَهُ |
قَميصٌ وَسِروالٌ لِسَترِ المَعائِبِ |
وَضَع في مَصيفٍ فَوقَ رَأسِكَ |
يَقي الرَأسَ وَالعَينَينِ ضُرَّ الضَوارِبِ |
وَضَع فيهِ بِالرِجلَينِ خُفّاً لِأَنَّهُ |
يَقيكَ عَمى العَينَينِ شَرُّ المَصائِبِ |
وَفي كُلِّ فَصلٍ فَاِلبسنَّ عَمامَةً |
وَكُن قانِعاً فيها بِقَدرِ المناسِبِ |
وَمِن تَحتِها فَاِلبِس قُلُنسُوَةً تَقي |
وَتَمنَعُ عَنكَ الريحَ مِن كُلِّ جانِبِ |
وَعِندَ مَنامٍ فَاِقنَعنَّ بِمَفرَشٍ |
وَمِن تَحتِ رَأسِكَ فَاِقنَعنَّ بِواجِبِ |
وَكُن قانِعاً فيها بِما ذَكَرتُهُ |
لِأَنَّكَ ذو جِسمٍ نَحيلٍ وَشاحِبِ |
خَليلَيَّ إِنَّ الفَقرَ فيهِ مَذَلَّةٌ |
فَقُم وَاِجتَهِد وَاِقطَع مُتونَ السَباسِبِ |
لَعَلَّكَ بِالأَسفارِ تَحظى بِعالمٍ |
يُريكَ مِنَ الأَسفارِ بَعضَ الغَرائِبِ |
وَعَلَّكَ إِن سافَرتَ فُزتَ بِماجِدٍ |
نَبيلٍ مُنيلٍ مُسعِدٍ في النَوائِبِ |
فَمَن حَصَّلَ الأَموالَ فَهيَ حِبالُهُ |
إِلى الفَوزِ بِالدارَينَ أَعلى المَراتِبِ |
وَأَحمَدُ رَبّي ذا الجَلالِ مُصَلِّياً |
عَلى خَيرِ مَبعوثٍ وَأَفصَحِ خاطِبِ |
وَآلِ رَسولِ اللَهِ حُفّاظ سِرِّهِ |
فَإِنَّهُمُ هُم خَيرُ ماشٍ وَراكِبِ |