أَقلّي يا معلِّلتي العِتابا |
فبعضُ العَتب لا يُجدي اْقترابا |
وليس بزائدي إلا وُلوعاً |
مَلام قد أَرى فيه خِلايا |
فكم علّلتِ بالآمال نفسي |
ولم أَرَ ماءها إلاَّ سَرابا |
وكم أَشبعت من سَغَبي بوعد |
وهلاً يُشبعُ الأملُ السِغابا |
وما برّدتِ بالأوشال وجدي |
ولكن زدتِ جمرتَه اْلتهابا |
لذا أَنا مُكرهٌ في هجر قومي |
وشدّي عن ديارهم الرِّكابا |
إلى حيث الرقيُّ له سبيل |
إذا ما أحسن المرء الطِلابا |
إلى حيث الفتى يرتاد عزّاً |
بهمته ولا يرقى اْنتسابا |
وأسباب الفلاحِ مُوفّراتٌ |
لمن يبغي حياة واْكتسابا |
إلى هذا المحيط أَشد رِحلي |
واقتعدُ المطيّة والعُبابا |
نُزوحاً عن ديار ليس تُعلي |
أَخا أَدب ولا تُعطي ثَوابا |
وليس بضائري هجران أرض |
تسوم الناهضين بها اْكتئابا |
ولم أَرَ بلغةً فيها لنفسٍ |
تُغارُ على سًناها أَن يُشابا |
فكم قعدتْ بذي علم وفضل |
ولم يحفل بخدمتها وِطابا |
وكم غّنى الهزاز بها فصمّت |
وتُولي السمعَ والبصرَ الغُرابا |
وتزعم أنها خلقت أَلوفاً |
تُحاذر عن مبادئها أْنقلابا |
فما أَحرى سكوتَكَ في رياض |
تُضيع بها أغانيكَ العِذابا |
وما أحلى انزعاجَكَ من ديار |
تُضيع النابغون بها الحِقابا |
فهل وطن الفتى في العنق غلٌّ |
تأبّد وضعُه فيه عِقابا |
وهل غبراؤه إلاَّ تراب |
وأَنّي ترتحل تَعلُ التُرابا |
فإن الأرض اجمعَها كبيتٍ |
يوحَده بنو الدنيا مآبا |
ففي أَيّ الديار تعزُّ شأناً |
أَنِلْ قدميكَ من يدها وِثابا |
أَلاَ زُمي الركائب واصحبيني |
لنسكن حيث عيشُ المرء طابا |
ونتّخِذّنْ لنا وطناً جديداً |
توفَر عيشةً وصَفَا شَرابا |
إلى أن يرتقي لبنانُ يوماً |
فنرجعَ حيث نستحلي الإيابا |
فما أكملتُ إلاَّ وهي ظبيٌ |
تأسّد وانبرتْ تُعطي جَوابا |
رويدَك أَيها الناوي اْغتراباً |
عن الأوطان تُصميها حِرابا |
ولا ترضي العِتاب وأنت تدري |
بأَن العَتْبَ يستبقي الصِّحابا |
وتُغريني بهجراني لأَهلي |
كأَنَّ الأهل شيء لا يُحابى |
وتُبدي لي المواطِنَ مظلماتٍ |
لأَهوى عن دياجيها غِيابا |
فأَشجتني مناحٍ تبتغيها |
وتَسآلٌ تُرجّي أن يُجابا |
أّأُبدل موطني بأَعزَّ منه |
لأَني قد حُصرتُ به اْنغلابا |
ومَن يحمي للبنانٍ كياناً |
إذا فقد المحبة والشبابا |
وإمّا يّطرِحْ وطناً فتاه |
أَيصلُح شيخُه عنه نِيابا |
فليس من العُلى أَلا نُحابي |
مواطنَنا ونُعليها جَنابا |
وحقِّك أنني سأَبرّ أهلي |
وأَوطاني وإن صارت خَرابا |
ومهما يشقَ لبنانٌ فانّي |
أَعزُّ إلى روابيه اْنتسابا |
وإن يَغضبْ عليَّ الأرزُ يوماً |
حَسِبتُ الناس كلَّهم غِضابا |
ومَن هو بادل وطناً بأَرقى |
كمنتحل أَباً أَعلى نِصابا |
فما الآباءُ تُختار اختياراً |
ولا الأوطان تُنتخب اْنتخابا |
ومن يكُ ذا أَب أَمسى ضعيفاً |
أَيهجرُه وَيجزيه اْجتنابا |
كذا وطني فإن يكُُ في شقاء |
أَمتخذٌ بديلاً مُستطابا |
ومن يكُ في محيط غيرِ راق |
أَمنتدبٌ لخدمته اْنتدابا |
فمالك يا أَخي قد ضِقتَ ذَرْعاً |
وعزمُكَ قد خبا والظنُّ خابا |
قضيتَ الحرب والأحقابَ قبلاً |
وقد كانت أَشدّ جوىً ونابا |
ولما أن أُقيل لنا عثارٌ |
ومهّدتِ الظروفُ لنا العِقابا |
واومضَ بارق الإصلاح فينا |
تحاولُ عن حمِاك الاغترابا |
ففي الهجران كم خطب تدانى |
وكم تلقى المخاطر والصِّعابا |
نظرتَ إلى الأولى عادوا مِلاءً |
وما فكرت كم قاسوا عَذابا |
وقد أبصرتَ من نالوا هناء |
ولم تَرَ كَمْ فتى لبس التُرابا |
فصبراً يا أَخي وانهض لعيش |
سيصلحُ إن صَلُحتَ له طِلابا |
فهاتِ يداً تُضمّ إلى سواها |
لنُصلحَ أَرْبُعاً أضحت يبابا |
تنبَّه للزراعة فهي كنز |
إذا أحسنتَ في الأرض الكِرابا |
وللأنهار إن خُزنت أقامت |
من الهضبات جناتٍ رِطابا |
تنبَّبهْ للصناعة فهي ضرع |
يدرّ إذا عرفتَ له اْحتلابا |
فليس بقائم عمرانُ قوم |
يحوك الأجنبيُّ له الثيابا |
ففي الأوطان أصواف وخزّ |
فرقِّ النسج فيها والإهابا |
تنبَّهْ للتجارة فهي باب |
إلى الإثراء إن تُحسن ضِرابا |
وفي لبنانَ منتجعُ اصطياف |
فحسّنه لرائده شِعابا |
وعلم الإقتصاد فلا تدعه |
فإن به لدنياك اْجتذابا |
ولا تنسَ السياسة فهي علم |
يعاني الجاهلون له اْضطرابا |
ستدرسه على الأيام فاقتلْ |
مسائلَه بلاءً واْحتسابا |
ولا تنسَ التعصب فهو داء |
عُضال ما وجدتُ له طِبابا |
فحاربْهُ بعلم فهو جهل |
يدكُّ بناء مجد إن أَصابا |
دعيتم قاصرين فإن بقيتم |
فلا مالاً ترون ولا حِسابا |
فأَبدوا للوصيّ الرُّشدَ حتى |
يسوسَ الرُّشدَ فيكم والصَوابا |
فلم يَرَ منكُمُ إلا اقتتالاً |
وحّباً للوظائف واصطخابا |
رفعتم راية الوطن المفدّى |
فهلاَّ ترفعون له قِبابا |
وناديتم بالإستقلال صِرفاً |
فأَبقوه بعصبتكم عقابا |
فليس بعامر بنيانُ قوم |
إذا أخلاقهم كانت خَرابا |
وما من قيّم يُوليكَ رُشداً |
إذا لم تَبلغِ الرُّشدَ اْكتسابا |
فكن للنفس معتمداً وحرّاً |
يُحاذر في المكاسب أَن يُعابا |
ولا تهجر حِماكَ وجِدَّ فيه |
تجد أَن الرقيَّ إليه ثابا |
فإن يكُ مَشرفيَّ غيرُ ماضٍ |
فهلْ يفري إذا بدَلَ القِرابا |
وما إن أكملتْ حتى عَدَتني |
أَحيرُ بحسن ما أَبدتْ جَوابا |
نشدتُكِ يا معلّلتي بحق |
أَزيحي الخدرَ شيئاً والنِقابا |
فقد أَشبعتِ بالآمال نفسي |
وزدتِ لموطني منّي حُبابا |
فرجّحتُ البقاء على نزوح |
أَراه يزيد في الوطن المُصابا |
فتاةٌ أَنتِ أَم مَلَكٌ كريم |
فقالتْ لم أطأْ يوماً سَحابا |
وبيتي في ربى لبنانَ عالٍ |
يعزُّ على سوى أهلي اْنتيابا |
ربيتُ به على فَقري بعزٍّ |
عَداه طالبٌ فتحاً وَهابا |
فلستُ أرى السعادة في سواه |
وديني أن يَعِزَّ الأرزُ غابا |
أَلا تجدنَّ في لبنان عزّاً |
فقلتُ نعمْ إذا كنَّا صِحابا |