يا غادِياً بِبَريدِ الشامِ يَنتَحِبُ | |
|
| ماذا دَهاكَ وَماذا أَنتَ مُحتَقِبُ |
|
ما لِلحَقائِبِ وَلهى لا قَرارَ لَها | |
|
| ماذا تَمُجُّ بِها الأَنباءُ وَالكُتُبُ |
|
إِنّي أَرى الدَمَ يجري من جَوانِبِها | |
|
| فالأرضُ حولك مخضلٌّ ومختضبُ |
|
أنصت لتسمعَ ما ضمَّت جَوانِحُها | |
|
| إِنّي لَأَسمَعُ فيها الحُزنَ يَصطَخِبُ |
|
أَفرِغ غَليلَ الأَسى ناراً عَلى كَبِدي | |
|
| وَخَلِّ قَلبي لِأُخرى فيهِ تَلتَهِبُ |
|
هَذي لِمِصرَ تُؤَدّي الحَقَّ ناحِيَةً | |
|
| وَتِلكَ لِلشامِ تَقضي مِنهُ ما يَجِبُ |
|
هَمّانَ في كُلِّ جَنبٍ مِنهُما ضَرَمٌ | |
|
| عالٍ وَفي كُلِّ عَينٍ واكِفٌ سَرِبُ |
|
عاثَت يَدُ الشَرِّ بِالقُطرَينِ وَاِنطَلَقَت | |
|
| في الأُمَّتَينِ عَوادي الدهرِ وَالنُوَبُ |
|
تَغشاهُما زُمَراً تَحتَثُّها زُمَرٌ | |
|
| تَرمي بِها عُصَبٌ تَقتادُها عُصَبُ |
|
ضاقَ الفَضاءُ فَما يَمشي بِهِ نَفَسٌ | |
|
| إِلّا يَكادُ عَلى الأَعقابِ يَنقَلِبُ |
|
كَأَنَّ لِلمَرءَ مِن أَعضائِهِ رَصَداً | |
|
| يَكادُ يَنقَضُّ مِن عَينَيهِ أَو يَثِبُ |
|
ما يَرهَبُ المَرءُ أَو يَرجو وَقَد نُكِبَت | |
|
| مِنّا النُفوسُ بِعَيشٍ كُلُّهُ رَهَبُ |
|
أَعدى عَلى الشَرِّ يَومٌ مِنهُ مُحتَضَرٌ | |
|
| لا خَيرَ فيهِ وَيَومٌ بَعدُ مُرتَقَبُ |
|
يا أُمَّةً في رُبوعِ الشامِ يوحِشُها | |
|
| عَيشٌ جَديبٌ وَرَبعٌ لِلمُنى خَرِبُ |
|
طاحَت بِآمالِها الخُضرِ اللِدانِ يَدٌ | |
|
| خُضرُ الحَدائِقِ في إِعصارِها حَطَبُ |
|
عَسراءُ سَوداءُ يَجري مِن أَنامِلِها | |
|
| حَتفُ الشُعوبِ وَيَهمي الوَيلُ وَالحَرَبُ |
|
لا تَلمِسُ الأَرضَ إِلّا اِسوَدَّ جانِبُها | |
|
| بَعدَ الضِياءِ وَجَفَّ الماءُ وَالعُشُبُ |
|
ماذا لَقيتِ مِنَ القَومِ الأُلى كَفَرَت | |
|
| مِمالِكُ الشَرقِ ما مَنّوا وَما وَهَبوا |
|
ظَنّوا الحَضارَةَ لا تَعدو مَنازِلَهُم | |
|
| وَلا تُجاوِزَهُم أَيّانَ تَنتسِبُ |
|
وَأَنَّنا أُمَمٌ فَوضى مُضَلَّلَةٌ | |
|
| تَظَلُّ في غَمَراتِ الجَهلِ تَضطَرِبُ |
|
ضَجَّ الزَمانُ اِرتِياعاً مِن جَرائِرِها | |
|
| وَذاقَتِ المُرَّ مِن أَخلاقِها الحِقَبُ |
|
رَموا بِعَهدِكِ في هَوجاءَ عاصِفَةٍ | |
|
| ما تُستَطاعُ وَلا يُرجى لَها طَلَبُ |
|
طارَت فَما عَلِقَت مِنها بِأَجنِحَةٍ | |
|
| نُكبُ الرِياحِ وَلا هَمَّت بِها السُحُبُ |
|
ضاعَ الحِمى وَاِستَباحَ الضَيمُ جانِبُكُم | |
|
| أَينَ الحُماةُ وَأَينَ العَطفُ وَالحَدَبُ |
|
أَينَ المَواعيدُ تَستَهوي رَوائِعُها | |
|
| مِنكُم نُفوساً أَبِيّاتٍ وَتَختَلِبُ |
|
لا تَعجَبوا إِن رَأَيتُم مَوعِداً كَذِباً | |
|
| إِنَّ السِياسَةَ مِن أَسمائِها الكَذِبُ |
|
ماذا تُرَجّونَ مِن أَمنٍ وَمِن دَعَةٍ | |
|
| المالُ يُسلَبُ وَالأَرواحُ تُنتَهَبُ |
|
يا أُمَّةَ البَأسِ أَينَ البَأسُ يَمنَعُكُم | |
|
| يا أُمَّةَ المَجدِ أَينَ المَجدُ وَالحَسَبُ |
|
لا تَقبَلوا الضَيمَ وَاِحموا مِن مَحارِمِكُم | |
|
| إِنَّ المَحارِمَ مِمّا تَمنَعُ العَرَبُ |
|
إِنّي أَرى أُمَمَ الغَبراءِ يَشغَلُها | |
|
| جِدُّ الأُمورِ فَلا لَهوٌ وَلا لَعِبُ |
|
إِمّا الحَياةُ يَصونُ العِزُّ جانِبَها | |
|
| عَنِ الهَوانِ وَإِمّا الحَتفُ وَالعَطَبُ |
|
وَيلي عَلى الجيرَةِ الغالينَ يَأخُذُهُم | |
|
| مِن طارِقِ البُؤسِ حَتّى العُريُ وَالسَغَبُ |
|
أَزرى بِهِم مِن خُطوبِ الدَهرِ ما طَعِموا | |
|
| وَغالَهُم مِن هُمومِ العَيشِ ما شَرِبوا |
|
لَو أَنصَفوا البَأسَ لَم يَنزِل بِساحَتِهِم | |
|
| ظُلمٌ وَلا شَفَّهُم هَمٌّ وَلا نَصَبُ |
|
لا يَعجَبِ الفاتِحُ المُغتَرُّ إِن غَضِبوا | |
|
| إِنَّ الضَراغِمَ مِن أَخلاقِها الغَضَبُ |
|
كَأَنَّني لِلأَيامى الجازِعاتِ أَخٌ | |
|
| وَلِليَتامى الأُلى مَلّوا الحَياةَ أَبُ |
|
أَحنو وَأَعطِفُ لا مالٌ وَلا وَلَدٌ | |
|
| لي بِالشَآمِ وَلا قُربى وَلا نَسَبُ |
|
ماهاجَني شَجَنٌ بِالشامِ أَطلُبُهُ | |
|
| وَإِنَّما هاجَني الإِسلامُ وَالأَدَبُ |
|
إِنَّ الحَضارَةَ دينُ اللَهِ نَعرِفُها | |
|
| في مُحكَمِ الذِكرِ لا ظُلمٌ وَلا شَغَبُ |
|
الناسُ أَهلٌ وَإِخوانٌ سَواسِيَةٌ | |
|
| في كُلِّ شَيءٍ فَلا رَأسٌ وَلا ذَنبُ |
|
العَدلُ إِن حَكَموا وَالحَقُّ إِن طَلَبوا | |
|
| وَالخَيرُ إِن عَمِلوا وَالبِرُّ إِن رَغِبوا |
|
حَتّى لَو اِعوَجَّ في أَحكامِهِ عُمرٌ | |
|
| هَبَّت تُقَوِّمُهُ الهِندِيَّةُ القُضُبُ |
|
الحُكمُ لِلَهِ فَرداً لا شَريكَ لَهُ | |
|
| أَلا لَهُ المُلكُ وَالسُلطانُ وَالغَلَبُ |
|
أَقامَ لِلناسِ ديناً مِن جَلالَتِهِ | |
|
| تَهوي التَماثيلُ عَن رُكنَيهِ وَالنُصُبُ |
|
قُل لِلمُلوكِ أَفيقوا مِن وَساوِسِكُم | |
|
| زالَت غَواشي العَمى وَاِنشَقَّتِ الحُجبُ |
|
فَلا الشُعوبُ تُسامُ الخَسفَ مِن ضَعَةٍ | |
|
| وَلا الحُقوقُ بِأَيدي العَسفِ تُغتَصَبُ |
|
أَشعَلتُمُ الحَربَ مِلءَ الأَرضِ ظالِمَةً | |
|
| فَوضى المَذاهِبِ حَمقى ما لَها سَبَبُ |
|
إِذا تَدافَعَ فيها جَحفَلٌ لَجِبٌ | |
|
| خاضَ الحُتوفَ إِلَيهِ جَحفَلٌ لَجِبُ |
|
زَجّوا المَلايينَ في أَعماقِها أُمَماً | |
|
| يوفونَ بِالنذرِ إِن عُدّوا وَإِن حُسِبوا |
|
مِن كُلِّ أَهوَجَ قَذّافٍ بِأُمَّتهِ | |
|
| في جَوفِ جَأواءِ يُذكيها وَيَجتَنِبُ |
|
تَدَفَّقَ الدَمُ لَم يَمدُد إِلَيهِ يَداً | |
|
| وَلَم يَرُعهُ رُعافٌ مِنهُ يَنسَكِبُ |
|
أَقوَت خَزائِنُهُم فَاِستَحدَثوا وَرَقاً | |
|
| يَهفو مَعَ الريحِ إِلّا أَنَّهُ نَشَبُ |
|
زادوا بِهِ الحَربَ مِن جَهلٍ وَمِن نَزَقٍ | |
|
| ما كَفَّ مِن مِثلِهِ وَاِستَنكَفَ الذَهَبُ |
|
ظَلَّت تَهونُ عَلى الأَيّامِ قيمَتُهُ | |
|
| حَتّى تَرَفَّعَ عَنهُ التُربُ وَالخَشَبُ |
|
يَبتاعُ ذو الأَلفِ مِنهُ حينَ يَملِكُها | |
|
| أَدنى وَأَهوَنَ ما يُشرَى وَيُجتَلَبُ |
|
لَو فارَقَ الناسَ أَو طاحَ الزَوالُ بِهِ | |
|
| إِذَن لَزالَ عَناءُ العَيشِ وَالتَعَبُ |
|
يا أُمَّةَ الشامِ هَل بِالشامِ مُبتَهِجٌ | |
|
| وَالنيلُ مِن أَجلِكُم حَرّانُ مُكتَئِبُ |
|
صونوا البِلادَ وَكونوا مَعشَراً صُبُراً | |
|
| لا يَخطِفونَ جَناحَ الذُلِّ إِن نُكِبوا |
|
دَعوا لِفَيصَلَ ما تُملي مَشيئَتُهُ | |
|
| لا فَيصَلَ اليَومَ إِلّا المُرهَفُ الذَرِبُ |
|
أَمسى مُعَنّى الأَماني ما تُصانُ لَهُ | |
|
| تِلكَ العُهودُ وَلا يُقضى لَهُ أَرَبُ |
|
لَم يَلبِسِ التاجَ حَتّى راحَ يَخلَعُهُ | |
|
| مُشَرَّداً في فِجاجِ الأَرضِ يَغتَرِبُ |
|
كانَت أَمانِيَ أَو أَحلامَ ذي سِنَةٍ | |
|
| طارَت فَلا أَمَمٌ مِنهُ وَلا كَثَبُ |
|
إِن يُفزِعِ النيلَ وَالأُردُنَّ ما بِهِما | |
|
| فَبِالفُراتِ وَشَطَّي دِجلَةَ العَجَبُ |
|
وَيحَ العِراقِ وَقَومٍ بِالعِراقِ عَلا | |
|
| ضَجيجُهُم وَتَمادى مِنهُمُ الصَخَبُ |
|
طاشَ الرَجاءُ بِهِم فَالأَمرُ مُضطربٌ | |
|
| فَوضى بِأَرجائِهِ وَالصَدعُ مُنشَعِبُ |
|
بَغدادُ تَنظُرُ وَالأَحشاءُ خافِقَةٌ | |
|
| وَالعَينُ دافِقَةٌ وَالقَلبُ مُرتَقِبُ |
|
أَينَ الرَشيدُ وَأَيّامٌ لَهُ سَلَفَت | |
|
| أَينَ الحُماةُ وَأَينَ الفِتيَةُ النُجُبُ |
|
دارَ السَلامِ أَهَزَّتكِ الخُطوبُ أَسىً | |
|
| لَمَّا فُجِعتِ بِهِم أَم هَزَّكِ الطَرَبُ |
|
أَينَ الحَضارَةُ يَحميها وَيَرفَعُها | |
|
| لِلبَأسِ وَالعَدلِ مِنهُم مَعقِلٌ أَشِبُ |
|
جاءوا بِغَربِيَّةٍ ما لاحَ طالِعُها | |
|
| في الشَرقِ حَتّى هَوَت عَن أُفقِهِ الشُهُبُ |
|
وَحشِيَّةِ الدارِ وَالأَنسابِ ما بَرَحَت | |
|
| خَلفَ الطَرائِدِ في الآفاقِ تَنسَرِبُ |
|
كُلُّ الشُعوبِ لَها في أَرضِهِ قَنَصٌ | |
|
| وَكُلُّ ما مَلَكَت أَيمانُهُم سَلَبُ |
|
تَمشي الضَرّاءَ تُصادينا وَآوِنَةً | |
|
| تَنقَضُّ ضاحِيَةً يَعدو بِها الكَلَبُ |
|
هُبّوا بَني الشَرقِ لا نَومٌ وَلا لَعِبٌ | |
|
| حَتّى تُعَدَّ القُوى أَو تُؤخَذَ الأُهَبُ |
|
ماذا تَظُنّونَ إِلّا أَن يُحاطَ بِكُم | |
|
| فَلا يَكونُ لَكُم مَنجىً وَلا هَرَبُ |
|
كونوا بِهِ أُمَّةً في الدَهرِ واحِدَةً | |
|
| لا يَنظُرُ الغَربُ يَوماً كَيفَ تَحتَرِبُ |
|
الدينُ لِلَهِ لا الإِسلامُ يَصرِفُها | |
|
| عَنِ الحَياةِ وَلا الأَوثانُ وَالصُلُبُ |
|
ما لِلسِياسَةِ تُؤذينا وَتُبعِدُنا | |
|
| عَمّا يَضُمُّ قُوانا حينَ نَقتَرِبُ |
|
أغرَت بِنا الخُلفَ حَتّى اِجتَاحَ قُوَّتَنا | |
|
| وَطاحَ بِالشَرقِ ما تَجني وَتَرتَكِبُ |
|
تَقتادُ شَعباً إِلى شَعبٍ وَمَملَكَةً | |
|
| في إِثرِ مَملَكَةٍ أُخرى وَتَجتَذِبُ |
|
أَغارَةً جَدَّ رُوّادُ السَلامِ بِها | |
|
| لَولا الفَريسَةُ ما جَدّوا وَلا دَأَبوا |
|
تَكَشَّفَ الغَربُ وَاِنصاحَت مَآرِبُهُ | |
|
| فَلا الشُكوكُ تُواريها وَلا الرَيبُ |
|
لا عُذرَ لِلقَومِ إِن قُلتُ اِنفِروا فَأَبَوا | |
|
| الحَزمُ مُستَنفِرٌ وَالرَأيُ مُنتَدَبُ |
|
سيروا بَني الشَرقِ في ظِلِّ الإِخاءِ عَسى | |
|
| أَن تُفلِحوا وَلَعَلَّ الصَدعَ يَرتَئِبُ |
|