هُمُ الناسُ شَتّى في المَطالبِ لا تَرى | |
|
| أَخا همَّةٍ إِلا قَد اختارَ مَذهَبا |
|
فَمَن يَعتني بِالفِقهِ يَرأس إِذ يلي | |
|
| قَضاءً وَتَدريساً وَفُتيا وَمَنصِبا |
|
وَمَن كانَ ذا حَظٍّ مِن النَحو وَاللُغا | |
|
| يَرى أَنَّهُ أَسنى الفَضائلِ مَطلَبا |
|
وَيزهى عَلى هَذا الأَنام لِأَنَّهُ | |
|
| يَرى هَمَجا في الناس مَن لَيسَ مُعرِبا |
|
وَمَن كانَ بِالمَعقول مُشتغلاً يَرى | |
|
| جَميعَ الوَرى صُمّاً عَن الحَق غَيَّبا |
|
فَإِن كانَ في النَحوين صاحبَ دِريَةٍ | |
|
| فَذاكَ الَّذي يُدعى الإمام المهذَّبا |
|
وَحافظ أَلفاظِ القِراءاتِ جاهِلٌ | |
|
| بِالإعرابِ وَالمَعنى للإقراءِ رُتِّبا |
|
يرقِّقُ ما قَد فَخَّمُوا وَمفخِّمٌ | |
|
| لما رَقَّقوا لَم يَلقَ شَيخاً مُهذَّبا |
|
يَرى أَنَّ نَظمَ الشاطِبي غايةُ المُنى | |
|
| وَلَم أَرَ نَظماً مِنهُ أَعصى وَأًصعَبا |
|
يَظَلُّ الفَتى فيهِ سِنينَ عَديدَةً | |
|
| يُحاولُها فَهما فَيَبقى مُعَذَّبا |
|
بِلُغزٍ وَأُحجِيّاتِ شُلشل شَمَردَلٍ | |
|
| وَدَغفَلِ أَسماءٍ عَن الفَهم حُجَّبا |
|
وَقَد أولعَ الجُهّالُ فيهِ بِشَرحِهِ | |
|
| فَمِن شارِحٍ قَصراً وَآخَر أَطنَبا |
|
وَغايَتُهُ نُطقٌ بِأَلفاظِ أَحرُفٍ | |
|
| كَمالك نَنسَخ ننسِها لا نكذِّبا |
|
لَقَد كانَ هَذا الفَنُّ سَهلاً مُعَرَّبا | |
|
| فَبَعَّدَهُ هَذا القَصيد وَصعَّبا |
|
وَناظمِ أَشعارٍ يَدورُ عَلى الوَرى | |
|
| بِذمٍّ وَمَدحٍ مُرهِبا أَو مُرغّبا |
|
يرى أَنَّ نظمَ الشعرِ أَسنى فَضيلَةً | |
|
| وَلَيسَ بِفَضلٍ ما بِطَبعٍ تركَّبا |
|
وَراوي حِكاياتٍ لِناس تَقَدَّمُوا | |
|
| غَدا وَاعِظاً يَشرو وَيَنشر مُطرِبا |
|
وَطوراً يُبكّي الناسَ خَوفاً وَرَهبةً | |
|
| وَطوراً يُرجِّي بِالتَسامح مُذنِبا |
|
وَتالٍ لِقُرآنٍ بِتُربة مَيِّتٍ | |
|
| قَد اتَخَذَ التَنغيمَ بِالصَوتِ مَكسبا |
|
وَجامعِ آدابٍ وَحفظِ رَسائِلٍ | |
|
| وَجودَةِ خَطٍّ راجِياً أَن يُقرّبا |
|
إِلى ملكٍ كيما يَكون موقِّعا | |
|
| فَينظُف أَثواباً وَينبُل مَوكِبا |
|
وَحاملِ أَجزاءٍ لِطافٍ سَقيمَةٍ | |
|
| تَأبّطها كيما تَروّى وَتكتبا |
|
يَدورُ عَلى شَيخٍ جَهولٍ وَشَيخةٍ | |
|
| عَجوزٍ تَرى جمع الرُؤوسِ تقربا |
|
وَجمّاعِ أَنواعٍ مِن الفِسقِ لَم يبَل | |
|
| بِمعصيَة إِن كانَ كَهلاً أَو أَشيبا |
|
أَتَأخُذُ دينَ اللَهِ عَن مثلِ هَؤلا | |
|
| لَأَنتَ إِذَن في الغَي أَصبَحتَ مُسهبا |
|
وَغايةُ ما يدريهِ أَنَّ فلانةً | |
|
| رَوَت جُزءَ بيبي وَهيَ ماتَت بِيَثرِبا |
|
وَذا لَقَّبوه جَزرةً وَملقبٌ | |
|
| بِصاعِقَةٍ إِن كانَ في الحِفظِ أَغلبا |
|
وَمشتغلٍ بِالطبِّ قَد رامَ صَنعَةً | |
|
| قَليلاً جَداها ما أَشقَّ وَأَخيَبا |
|
يَدور عَلى المَرضى وَيُحرز علَّة | |
|
| وَيَسأل ماذا كانَ عَنهُ تَسبَّبا |
|
وَيَنهَبُ مِنهُ مالَهُ لا يهمُّه | |
|
| سواء لَدَيهِ أَن يَصِحَّ وَيَعطَبا |
|
وَغايَتُهُ استقبالُ بَولٍ بِوجهِهِ | |
|
| وَشَمُّ قَذوراتٍ كَأَن شمّ زرنَبا |
|
وَكَسلانَ يَختارُ المَشيخةَ صَنعةً | |
|
| فَيَجمَع أَوشاباً إِلى الزَّرد رُغَّبا |
|
تيوسٌ رُعاعٌ وَهوَ جَهلا أَبوهُمُ | |
|
| فَاقبِح بِهِم وُلداً وَاقبِح بِهِ أَبا |
|
وَيَبهَتُ نَحوَ الأَرض طَوراً وَتارَة | |
|
| إِلى العالَمِ العُلوِيِّ يَستَمِعُ النَبا |
|
وَيَركبُ عيراً وَهوَ عيرٌ حَقيقةً | |
|
| فَجهلٌ بَسيطٌ قادَ جَهلاً مركَّبا |
|
فَيُخبِرُ عَن أَشياءَ في ملكوتِهِ | |
|
| رَآها عَياناً لَيسَ عَنها محجّبا |
|
تَلاميذُهُ يَمشونَ حَولَ حمارِهِ | |
|
| وَأَوساطُهم مَشدودة لابِسو القَبا |
|
عريُّون عَن علمٍ وَمَن كانَ فاضِلا | |
|
| تَقرمَطَ كَي يُدعى الامامَ المقرَّبا |
|
فَيُبدي لَهُم أَسرارَ عِلمٍ غَوامِضاً | |
|
| تلقَّفها عَن سر سرٍّ ترتّبا |
|
فَمِنهُ إِلَيهِ عَنهُ فيهِ لَديهِ قَد | |
|
| بَدَت غامِضاتٌ عَنهُ تنبَثُ كَالهبا |
|
عَجِبتُ لِمثلي عِشتُ سَبعينَ حِجَّةً | |
|
| وَتِسعاً أُلاقي الناسَ شَرقا وَمَغرِبا |
|
فَما ظَفِرت عَيني بِمَن هُوَ صالِحٌ | |
|
| سِوى مَن بِهِ بَينَ الأَنامِ تَلقَّبا |
|