هو العلم لا كالعلم شيء تراوده |
لقد فاز باغيه وأنجح قاصده |
وما فضل الإنسان إلا بعلمه |
وما امتاز إلا ثاقب الذهن واقده |
وقد قصرت أعمارنا وعلومنا |
يطول علينا حصرها ونكابده |
وفي كلها خير ولكن أصلها |
هو النحو فاحذر من جهول يعانده |
به يعرف القرآن والسنة التي |
هما أصل دين الله ذو أنت عابده |
وناهيك من علم علي مشيد |
مبانيه أعزز بالذي هو شائده |
لقد حاز في الدنيا فخاراً وسؤدداً |
أبو الأسود الديلي فلا جم سائده |
هو استنبط العلم الذي جل قدره |
وطار به للعرب ذكر نعاوده |
وساد عطاء نجله وابن هرمز |
ويحيى ونصر ثم ميمون ماهده |
وعنبسة قد كان أبرع صحبه |
فقد قلدت جيد المعالي قلائده |
وما زال هذا العلم تنميه سادة |
جهابذة تبلى به وتعاضده |
إلى أن أتى الدهر العقيم بواحد |
من الأزد تنميه إليه فراهده |
غمام الورى ذاك الخليل بن أحمد |
أقر له بالسبق في العلم حاسده |
وبالبصرة الغراء قد لاح فجره |
فنارت أدانيه وضاءت أباعده |
بأذكى الورى ذهناً وأصدق لهجة |
إذا ظن أمراً قلت ها هو شاهده |
وما إن يُروي بل جميع علومه |
بدائه أعيت كل خبر يجالده |
هو الواضع الثاني الذي فاق أولاً |
ولا ثالث في الناس تصمى قواصده |
وقد كان رباني أهل زمانه |
صؤومٌ قؤومٌ راكع الليل ساجده |
يقسم منه دهره في مثوبة |
وشوقاً بأن الله حق مواعده |
فعام إلى حج وعام لغزوة |
فيعرفه البيت العتيق ووافده |
ولم يثنه يوماً عن العلم والتقى |
كواعب حسن تنثني ونواهده |
وأكثر سكناه بقفر بحيث لا |
تناغيه إلا عفره وأوابده |
وما قوته إلا شعير يسيغه |
بماء قراح ليس تغشى موارده |
عزوفاً عن الدنيا وعن زهراتها |
وشوقاً إلى المولى وما هو واعده |
ولما رأى من سيبويه نجاتة |
وأيقن أن الخير أدناه باعده |
تخيره إذ كان وارث علمه |
ولاطفه حتى كأن هو والده |
وعلمه شيئاً فشيئاً علومه |
إلى أن بدت سيماه واشتد ساعده |
فإذ ذاك وافاه من الله وعده |
وراح وحيد العصر إذ جاء واحده |
أتى سيبويه ناشراً لعلومه |
فلولاه أضحى النحو عطلاً شواهده |
وأبدى كتاباً كان فخراً وجوده |
لقحطان إذ كعب بن عمرو محاتده |
وجمع فيه ما تفرق في الورى |
فطارفه يعزى إليه وتالده |
بعمرو بن عثمان بن قنبر الرضا |
أطاعت عواصيه وثابت شوارده |
عليك قران النحو نحو ابن قنبر |
فآياته مشهودة وشواهده |
كتاب أبي بشر فلا تك قارياً |
سواه فكل ذاهب الحسن فاقده |
هم خلج بالعلم مدت فعندما |
تناءت غدت تزهى وأنت تشاهده |
ولا تعد عما حازه إنه الفرا |
وفي جوفه كل الذي أنت صائده |
إذا كنت يوماً محكماً لكتابه |
فإنك فينا نابه القدر ماجده |
ولست تتالي إن فككت رموزه |
أعضك دهر أم عرتك شدائده |
هو العضب إن تلق الهياج شهرته |
وإلا تصب حرباً فإنك غامده |
تلقاه كل بالقبول وبالرضا |
فذو الفهم من تبدو إليه مقاصده |
ولم يعترض فيه سوى ابن طراوة |
وكان طرياً لم تقادم معاهده |
وجسره طعن المبرد قبله |
وإن الثمالي بارد الذهن خامده |
هما ما هما صارا مدى الدهر ضحكة |
يزيف ما قالا وتبدو مفاسده |
تكون صحيح العقل حتى إذا ترى |
تباري أبا بشر إذا أنت فاسده |
يقول امرؤ قد خامر الكبر رأسه |
وقد ظن أن النحو سهل مقاصده |
ولم يشتغل إلا بنزر مسائل |
من الفقه في أوراقه هو راصده |
وقد نال بين الناس جاهاً ورتبة |
وألهاه عن نيل المعالي ولائده |
وما ذاق للآداب طعماً ولم يبت |
يعنى بمنظوم ونثر يجاوده |
فينكح أبكار المعاني ويبتغي |
لها الكفء من لفظ بها هو عاقده |
رأى سيبويه فيه بعض نكادة |
وعجمة لفظ لا تحل معاقده |
فقلت اتئد ما أنت أهل لفهمه |
وما أنت إلا غائض الفكر راكده |
لعمرك ما ذو لحية وتسمت |
وإطراق رأس والجهات تساعده |
فيمشي على الأرض الهوينا كأنما |
إلى الملأ الأعلى تناهت مراصده |
وإيهامك الجهال أنك عالمٌ |
وأنك فرد في الوجود وزاهده |
بأجلب للنحو الذي أنت هاجرٌ |
من الدرس بالليل الذي أنت هاجده |
أصاح تجنب من غوي مخذل |
وخذ في طريق النحو إنك راشده |
لك الخير فأدأب ساهراً في علومه |
فلم يسم إلا ساهر الطرف ساهده |
ولا ترج في الدنيا ثوابا فإنما |
لدى الله حقاً أنت لا شك واجده |
ذوو النحو في الدنيا قليل حظوظهم |
وذو الجهل فيها وافر الحظ زائده |
لهم أسوةٌ فيها علي لقد مضى |
ولم يلق في الدنيا صديقاً يساعده |
مضى بعده عنها الخليل فلم ينل |
كفافاً ولم يعدم حسوداً يناكده |
ولاقى أبا بشر بشر سفيهها |
غداة تمادت في ضلال بغادده |
أتى نحو هارون يناظر شيخه |
فنافحه حتى تبدت مناكده |
فأطرق شيئاً ثم أبدى جوابه |
بحق ولكن أنكر الحق جاحده |
وكاد علي عمراً إذ صار حاكماً |
وقدماً علي كان عمرو يكايده |
سقاه بكأس لم يفق من خمارها |
وأورده الأمر الذي هو وارده |
ولابن زياد شركة في مراده |
وكابن زياد مشرك القلب زائده |
هما جرعا إلي عليّ وقنبر |
أفاويق سم لم تنجذ أساوده |
أبكي على عمرو ولا عمرو مثله |
إذا مشكل أعيا وأعوز ناقده |
قضى نحبه شرخ الشباب ولم يرع |
بشيب ولم تعلق بذام معاقده |
لقد كان للناس اعتناءٌ بعلمه |
بشرق وغرب تستنار فوائده |
ولان فلا شخص على الأرض قارئ |
كتاب أبي بشر ولا هو زايده |
سوى معشر بالغرب فيهم تلفت |
إليه وشوق ليس تخبو مواقده |
وما زال منا أهل أندلس له |
جهابذ تبدي فضله وتناجده |
وإني في مصر على ضعف ناصري |
لناصره ما دمت حيا وعاضده |
أثار أثير الغرب للنحو كامناً |
وعالجه حتى تبدت قواعده |
وأحيا أبو حيان ميت علومه |
فأصبح علم النحو ينفق كاسده |
إذا مغربي حط بالثغر رحله |
تيقن أن النحو أخفاه لاحده |
بلينا بقوم صدروا في مجالس |
لاقراء علم ضل عنهم مراشده |
لقد أخر التصدير عن مستحقه |
وقدم غمر خامد الذهن جامده |
وسوف يلاقي من سعى في جلوسهم |
من الله عقبى ما أكنت عقائده |
علا عقله فيهم هواه فما درى |
بأن هوى الإنسان للنار قائده |
أقمنا بمصر نحو عشرين حجة |
يشاهدنا ذو أمرهم ونشاهده |
فلما ننل منهم مدى الدهر طائلاً |
ولما نجد فيهم صديقاً نوادده |
لنا سلوة فيمن سردنا حديثهم |
وقد يتسلى بالذي قال سارده |
أخي إن تصل يوماً وبلغت سالماً |
لغرناطة فانفذ لما أنا عاهده |
وقبل ثرى أرض بها حل ملكنا |
وسلطاننا الشهم الجميل عوائده |
مبيد العدا قتلاً وقد عم شرهم |
ومحيي الندا فضلاً وقد رم هامده |
أفاض على الإسلام جوداً ونجدةً |
فعز مواليه وذل معانده |
وعم بها إخواننا بتحية |
وخص بها الأستاذ لا عاش كائده |
جزى الله عنا شيخنا وإمامنا |
وأستاذنا الحبر الذي عم فائده |
لقد أطلعت جيان أوحد عصره |
فللغرب فخراً أعجز الشرق خالده |
مؤرخه نحويه وإمامه |
محدثه جلت وصحت مسانده |
نماه عظيمٌ من ثقيف وإنما |
به استوثقت منه العرى ومساعده |
وما أنس لا أنسى سهادي ببابه |
بسبق وغيري نائم الليل راقده |
فيجلو بنور العلم ظلمة جهلنا |
ويفتح علما مغلقات وطائده |
وإني وإن شطت بنا غربة النوى |
لشاكره في كل وقت وحامده |
بغرناطة روحي وفي مصر جثتي |
ترى هل يثني الفرد من هو فارده |
أبا جعفر خذها قوافي من فتى |
تتيه على غر القوافي قصائده |
يسير بلا إذن إلى الأذن حسنها |
فيرتاح سماع له ومناشده |
غريبة شكل كم حوت من غرائب |
مجيدة أصل أنتجتها أماجده |
فلولاك يا مولاي ما فاه مقولي |
بمصر ولا حبرت ما أنا قاصده |
لهذبتني حتى أحوك مفوفا |
من النظم لا يبلى على الدهر أبده |
وأذكيت فكري بعدما كان جامداً |
وقيد شعري بعدما ند شارده |
جعلت ختاماً فيه ذكرك إنه |
هو المسك بل أعلى وإن عز ناشده |