عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > المغرب > أحمد بن المأمون البلغيثي > بَدَأتُ بِاِسم اللَهِ في المَسيرِ

المغرب

مشاهدة
1037

إعجاب
0

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

بَدَأتُ بِاِسم اللَهِ في المَسيرِ

بَدَأتُ بِاِسم اللَهِ في المَسيرِ
لِكَي أَنالَ غايَة التَيسيرِ
ثُمَّ لَهُ الحَمد المُوافي نِعَمه
سُبحانَهُ سُبحانَه ما أَكرَمه
ثُمَّ صَلاة اللَهِ وَالسَلام
جودُهما يَصحَبهُ الدَوام
عَلى الرَّسولِ المُصطَفى المَحبوب
مَن حبّهُ الحَياةُ لِلقُلوبِ
وَآلِهِ وَصَحبِهِ الهداةِ
وَالأَولِيا وَالعُلَما الثِّقاتِ
هَذا وَحَيثُ مُبدِع الأَنامِ
وَفَّقَني لِلحَجِّ في ذا العامِ
خَرَجتُ مِن فاس لَدا الزَوالِ
يَومَ الخَميس حجّ مِن شَوّالِ
مِن عامِ خَمسَة وَأَربَعينا
بَعد ثَلاث عَشرَة مِئينا
وَدّعتُ أَحبابي وَأَهلي وَالخَدم
وَفي الفُؤاد من وَداعِهِم ضَرَم
لكِنَّني صَبرت قَلبي لِلنَّوى
في حُبّ ما لَهُ المُحِبّ قَد نَوى
وَلي في اللَهِ الكَريم رَبّي
مِن الرَجاءِ ما يسلّي قَلبي
يَردّني لَهُم بِخَيرِ حالِ
بَعد بُلوغِ القَصد مِن مَنالي
أَنا وَمَن مَعي مِن النّجلِ الأَبَر
يوسُف زاكي المَكرُماتِ والأَثر
وَسائِر الخدّامِ وَالرِّفاق
ذَوي الهُدى وَالنّسك وَالوِفاقِ
وَكانَ قَصدي أَوّلا ثَغر سَلا
حَيثُ الفُؤاد دائِماً بِها سَلا
وَصَلتُها مِن بَعد سَيرِ خَمس
مِن السَوائِع بِكُلّ أنسِ
في تومبيلَ يَخرِق القِفارا
سُبحان من سَخَّرَه تسيارا
ثُمَّ قَصدت بِاِحتِفال وَاِحتفا
مِن غَدنا قَصر الأَميرِ يوسُفا
خَير المُلوكِ حبر أَهلِ الفَضلِ
جَم الجدا غَمرُ النَدا وَالبَذلِ
قَصد وَداعه وَكان أذنا
في الحَجّ لي بِكُلِّ برٍّ وَاِعتنا
شاهَدت عِندَ بشره وَبرِّه
شَمس الضُّحى وَالمزن عِندَ قطرِه
وَكنت ضَيفاً بَعدَ فَرضِ الجمعَه
في غايَةٍ مِن السُرورِ وَالدِّعَه
عِندَ الفَقيهِ الألمَعي حاجِبه
إِذ قامَ من إِكرامِنا بِواجِبِه
جَزاهُ رَبّنا عَلى طَويّته
فَالمَرءُ لا يُجزى بِغَير نِيَّتِه
فَكانَ في سَلا مَقامي قَدرا
مِنَ الزَّمانِ لا يَبت القَصرا
عِندَ الأَخِ العالِم باشا بَلَدِه
الأَمجَدِ الأَكرَمِ سامي مَحتده
ذاكَ الصّبيحي مُحمَّد الَّذي
لا زالَ لِلفَضلِ دَواماً يحتذي
وَبعدَ يَومَينِ أَتَيتُ البيضا
لِغَرض لي في حِماها أَيضا
وَكانَ مِنّي مدَّة المَقامِ
في رَبعها ثَلاثة الأَيّامِ
رَجعتُ مِنها لِلرِّباط فَسَلا
بَعد قَضاء الغَرَض الَّذي جَلا
وَكلّ ذا في غايَةِ الإِيناسِ
بِمَن لَقيت مِن جَميع الناسِ
سُبحانَ مَن سخّر لي العَوالِم
وَسَهّل السَبيل لِلمَغانِمِ
لَهُ تَعالى الحَمدُ وَالشُّكرُ عَلى
إِفضالِهِ قَد جَلَّ شاناً وَعَلا
ثُمَّ إِلى طَنجَة كانَ القَصدُ
إِذ كانَ في القَصدِ إِلَيها قَصدُ
وَصَلتُها مِنَ الرِّباط سالِما
في تومبيل يَخرِق المَعالِما
وَذاكَ يَومُ السَّبتِ في عِشرينا
مِن شَهرِنا الَّذي مَضى تَبيينا
وَمدّة المَسيرِ كانَت ستّا
من السَوائِع تَروق نَبتا
عِندَ العشي قَد وَصَلنا ثَغرها
وَكُنت مِن قَبل سَبرت أَمرها
بِها تَلقّانا حَليفُ الفَضلِ
وَالأَدبِ الغَضّ كَريم الأَصلِ
نائِب مَولانا الأَمير المُنتَدَب
لَهُ بِها يا نِعم من لَها اِنتَدَب
مُحمَّد هُوَ أَبو عشرينا
أَخلاقُه تَحكى شَذا النِّسرينا
كَذا تَلقّانا اِبن جلونَ الأجَل
إِدريس من مَنصِبِه فينا يجل
عُمدتنا وَأَوثَق الثِّقاتِ
ربِّ النُّها وَالنُّسك وَالثَباتِ
قاما لَنا بِواجب الإِكرامِ
وَقابَلا بِغايَةِ اِحتِرامِ
وَاِجتَهدا بِكُلِّ ما اِجتهاد
حَتّى تَوَصَّلنا إِلى المُرادِ
كَذا تَلَقّانا بِها مَن كانا
لِلحَجِّ في رِفقَتِنا اِستَكانا
مِن أَهلِ مِكناس وَهُم جَماعَه
الفَضل وَالتَّقى لَهم بِضاعَه
نَعم وَفي طَريقنا عَرجنا
عَلى العرائِش لأنس يُجنى
كُنّا بِها مِنَ النّهارِ بُرهَه
مَملوءَة بِطَرب وَنَزعه
عِند اِبن عميرٍ الكَريمِ الطاهِر
مَنزِلهُ زاهٍ بِهِ وَزاهر
وَحَصلَ الأنسُ العَميمُ لِلبَلَد
وَأَهلها مِن والِدٍ وَما وَلَد
وَهكَذا كنّا بِكلّ مَوطِن
مِنحَة فَضلٍ مِن عَميم المنَنِ
سُبحانَ رَبّي العَظيم الحَقِّ
حَبّبني في قَلبِ كلِّ الخَلقِ
وَلَست أَعني كاشِحاً حَسوداً
أَبى لَهُ الحَسد أَن يَسودا
قَدِ اِلتَظت مُهجَته مِن حَسَده
يا حرّ ما جرّ بِهِ لِكبدِه
فَالحَمدُ لِلَّهِ عَلى نِعَمه
وَالشُكر لِلَّهِ عَلى كَرَمِه
ثمَّت أَبحَرنا إِلى مَرسيليا
حَيثُ بَدا طَريقُها سَويّا
يَوم الثُلاثا بِسفينِ عبده
وَاللَّه يولي بِالجَميلِ عَبدَه
بِذلِكَ السّفين قَد وَدَّعنا
جُملَةَ أَحبابٍ عَلَوه مَعنا
وَفيهِم الوَلد عَبد المالِك
وَقاه رَبّنا من المَهالِكِ
أَرشدَهُ اللَّه لأَهدى السُّبلِ
أَسعَدَه اللَّه بِنَيل السُؤلِ
كانَ مَسير البَحرِ في سُكونِ
وَدِعَةٍ مِن غَير ما فُتونِ
نَطوي عبابَهُ بِحُسن مَنظَر
وَسعَة هيَ مُنى مُعتَبرِ
سُبحانَ مَن سَخّره لِلخَلق
قامَ لكلِّ ما بِهِ بِالرِّزقِ
سُبحانَ مُنشيهِ وَمُبديهِ كَما
شاءَ بِحِكمة حَكيمِ الحُكَما
سُبحانَ مُجريهِ وَمرسيهِ فَقر
أَحاطَ علماً بِالَّذي فيهِ اِستَقَر
بهِ لَقينا البَعض مِن أَهلِ اليَمن
مُستَخدمينَ لِضَرورَة الزَّمَن
في طَبعِهِم مَحبَّة في الدّينِ
وَقُوَّة الإِيمانِ وَاليَقينِ
عالِمهُم وَجاهِل في ذا سوا
فَلا تَقُل في واحِد مِنهُم سِوى
كُلُّهُم عَلى التُّقى أَقاما
عَلى الطَريقَةِ قَدِ اِستَقاما
أَلَيسَ قالَ فيهم العَدناني
في خَبرٍ إِيمانُنا يَماني
وَفي صَباحِ جُمعَة وَصَلنا
لِلبَلَد الَّذي لَهُ قَصدنا
وَكُلّ مَن رافَقنا مَسرورُ
خامَرَه مِن أَجلِنا سُرورُ
فَالحَمدُ لِلَّهِ عَلى الهِدايَه
نَسأَلها في البدءِ وَالنِهايَه
فَهوَ الكَريم جَلّ أَن يَمنَعنا
مِن فَضلِهِ نَرجوهُ أَن يَمنَحا
ثُمَّ بِمرسيلي قَد تَلقّى
لَنا فَتىً لِفلكنا تَرقّى
كانَ لهُ الإعلام برقاً أَنَّنا
نَقصدكُم فَلتَتَعَرَّضوا لَنا
فَقام بِالواجِب من مناسِب
لِحال ذاكَ القطرِ لا المغارِبِ
سَعى لَنا في كُلِّ ما نُريدُ
حَتّى اِقتَضى مُراده المريدُ
جَزاهُ ربّنا بأَفضَلِ جَزا
فَمِنهُ جلّ رَبّنا يَزكو الجَزا
كانَ مَقامُنا بِها أَيّاما
أَربَعَة تَستَوجِب الإِتماما
وَقَد رَأَيت إِذ أَقَمتُ زَمَنا
وَكانَ بَذل المالِ لَن يهمّنا
أَن أَقصدَ المَسجِد في باريز
ذات البها وَالحُسنِ وَالتَبريزِ
فَجِئتها وَحدي بِتُرجَمانٍ
يُفهِمُني ما عَنّ من أَماني
كانَ مَسيرُنا عَلى القِطارِ
مِن أَوّلِ اللَيلِ إِلى النَهارِ
في مَنظَرٍ يَروقُ لِلأنظارِ
اللَّيل بِالأَضواءِ كَالنَهارِ
وَفي الصَّباحِ طابَ لي المَسيرُ
في خضرَةٍ وَنضرَةٍ نَسيرُ
وَكانَ مدَّةُ المَسيرِ أَربَعا
وَعَشرَة من السَوائِع مَعا
صَلّيتُ في مَسجِدها الجَديدِ
عدَّةَ أَوقاتٍ عَلى تَحديدِ
وَهوَ مَسجدٌ بَديعُ الشَكلِ
لَيسَ لهُ في قُطرِنا مِن مِثلِ
مُستَجمِعٌ لِكلِّ ما يَحتاجُه
مَن حلّه وَلا تَفوت حاجّهُ
قابَلنا بِغايَة التَرحيبِ
مَن بِهِ مِن بَعيدٍ أَو قَريبِ
بهِ وَجدت زُمرَةً من ناسِ
تونس مَع جَزائِر وَفاسِ
وَطَنجَة وَمِن رِباطِ الفَتحِ
وَكلّهُم ذو أَدبٍ وَنُصحِ
قاموا بِكُلِّ واجِبٍ وَقرّوا
عَيناً بِنا وَخَدموا وَبرّوا
بتّ بِأَنكا مُكرَم المَقامِ
عِندَ الأَميرِ مُعتَلي المَقامِ
عَبد الحَفيظِ العالمِ المجيدِ
سُلطاننا السابِق هامي الجودِ
لَقَد دَعاني لِلقُدومِ عِندَه
لِأَنَّهُ بِالعِلمِ يوري زندَهُ
سرَّ بِنا وَنالَ مِنّا أنسا
إِذ كانَ في الحرسِ مِن فرَنسا
بتُّ أَبثُّ سَمعَه الآدابا
وَغَضّ عِلمٍ يَخلبُ الألبابَ
إِذ كانَ أَهلا لِلَّذي أُبدي لَهُ
وَيَقدرُ العِلمَ وَيدري أَهلهُ
حَتّى اِنتَشى مِن خَمرَةِ المذاكَرَه
وَأَخَذَتهُ لَذَّةُ المُسامَرَه
وَدَّعته عَشيَّة الغَدِ وَقَد
بَدا بِهِ مِن بَيننا لَهبٌ وَقَد
ثُمَّ تَجَوَّلت بِداخِل البَلَد
وَحَولَها في تومبيلٍ لي مُعَد
أَعَدَّهُ ذو الشّيمَة الشمّاءِ
سَمَت سِماتها إِلى السَّماءِ
فَكَم رَأَينا من بَدائِع بِها
وَمن صَنائِع وَمِن عَجبها
مِمّا بِهِ العِبرَة لِلمُعتَبَر
سُبحانَ رَبٍّ قادِرٍ مُقتَدِرِ
أَقدَرَ خَلقهُ عَلى عَجائِبٍ
مُدهِشَة لِناظِر وَجائِبِ
وَفي طَريقِنا رَأَينا كَم بَلَد
بِها فَرَنسا اِتَّخَذَت أَي مدَد
ثُمَّ رَجَعتُ مِثل ما جِئت إِلى
رِفاقِنا وَلَهُم فينا إِلى
وَمن غَد اليَوم وَكانَ الأربعا
ثاني قِعدة رَكِبنا أَجمَعا
في مَركبٍ مِن شاهِق المَراكِب
مُنفَسِح الجِهات وَالمَناكِبِ
إِلى حِما الإِسكندِرِيَّة قَصد
وَقَصدنا مِصر بِقَصدٍ لا يصد
لكِنَّهُ عاجَ إِلى الجَزائِر
مِن بَعدِ يَومَين أَتاها زائِر
وَالبَحر فيهِما طَغى في كيدِهِ
وَكُلّ مَن مَعي اِنتَشى مِن مَيدهِ
وَحَيثُ كُنت قَد أَخَذت بِالحَذَر
مِن ميده لَم يَكُ لي فيهِ ضَرَر
لَكِنّ أَلطافَ الإِله غالِبَه
بِها تَدرّجنا لِحُسن العاقِبَه
أَقامَ في مِياهِها يَومَينِ
كُنّا بِها في قرّة مِن عَينِ
أَوّل فعلِنا بِها أَتَينا
مَسجِدَها العصرَ بِهِ صلّينا
ثُمَّ مِنَ الغَد تَجوّلنا بِها
وَكَم رَأَينا في ذَويها نابها
وَلَهُم حبّ لِكُلّ وارِد
بَلَدهُم وَبَذل برّ زائِدِ
بِها تَلاقَيت بِبَعضِ العُلَما
مِمَّن لَهُم عِندَهُم اِسماً سَمى
أَجازَني بَعدَ اِستِجارَتي لَهُ
لِضيقِ وَقتي لَم أواف مِثلَهُ
ثُمَّ رَكبنا بَعد في مَركَبنا
وَسارَ لَيلَة وَيَومَها بِنا
قَصد في مَسيرهِ عنّابَه
لِغَرَضٍ لَهُ بِها قَد نابَه
أَقامَ فيها لَيلَة وَيَومَها
يأخذُ ما لأَجلِهِ قَد أَمّها
وَنَحنُ قَد بِتنا بِها لَيلَتَنا
يا لَيتَنا طلنا بِها يا لَيتَنا
إِذ أَهلُها أَهلُ برورٍ وَكَرم
فَمن أَتاهُم فَهو فيهِم مُحتَرَم
قاموا لَنا بِواجِب الضِيافَه
إِنّ الكَريمَ مكرمٌ أَضيافَه
بِها اِجتَمَعنا بِذَوي الفَضل وَقَد
زُرنا بِها مشاهِداً لَم تفتَقَد
كانَت تُسمّى في القَديمِ بونَه
كَم عالِم قَضى بِها شُؤونَه
هذي بِقاعٌ لَم تَكُن في القَصدِ
ساقَت لَها الأَقدار دونَ قَصدِ
فَكانَ في حلولِها فَوائِد
وَبَهجَة وَفرجةٌ لِلرائِد
وَكلّ مَن في رِفقَتي سرَّ بِها
إِذ كانَ مِن فائِدها مُنتَبِها
وَالرِّفقَةُ الَّتي لَها أَشَرت
في سابِق النّظم الَّذي اِبتَكَرَتُ
قَد نَظَمت عُقودَها أَفاضِل
نيطَت بِأَخلاقِهِم فَواضِلُ
وَجُلّهم أَو كُلُّهم ما كانَ لَه
مِن قَصدِ حجٍّ كانَ قَبل أَمله
لكِنَّهُم إِذ سَمِعوا بِعَزمي
راموا وَقاموا بِكَمال الحَزمِ
مِن أَهل مِكناس وَفاسَ زُمرَه
عشرتُهم كَالزبد فَوقَ التَمره
وَكلّهم يَخدِمُني كَعَبد
لِودّه القَلبي فينا يُبدي
لاذوا بِجاهِ المُصطَفى لمّا نَووا
رِفقَتنا وَلاِهتدا العِلم قفوا
إِذ لَيسَ فيهِم مِن شَريفٍ لا وَلا
مِن عالم كانَ بِعِلم أَولا
لكِنَّهُم جَميعُهُم ذوو اِهتَدا
وَلِذَوي العُلوم أَصحاب اِقتِدا
في كَرَمِ الطَّبعِ وَبَذل المالِ
إِذا بَدا في وجهةِ الحَلالِ
ثُمَّ تَوجّه بِنا المَركب مِن
عنّابَة وَالبَحر ساكِن أَمن
في يَومِ الاِثنَين بُعيدَ الظُّهرِ
في سابِع الأَيّامِ من ذا الشَهرِ
يَخرِقُ للإِسكِندريَّة لجَج
فيها عَلى وُجود رَبّنا حُجج
سُبحانَ مُجري الفُلكِ في البحارِ
وَمُلهِمِ العِبادِ للإبحارِ
لهُ تَعالى حَمدُنا وَالشُّكر
قَد حارَ في عدِّ نداهُ الفِكرُ
لِثَغرِها البسّامِ قَد وَصَلنا
وَفي حِماها الرّحبِ قَد حَلَلنا
وَذاكَ يَوم السَبتِ حادي عَشَر
من شَهرِنا المَذكور فيما قَد غَبَر
فَكانَ مُدَّة مَسيرنا لَها
خَمسَة أَيّام بِها قَد نالَها
وَالبَحرُ خاضِعٌ وَخاشِعٌ لِمَن
سَخّرهُ سُبحان مَن بِذاكَ مَن
سَيَّرَ فيهِ الفُلكَ كَالأَعلامِ
سُبحانَ ربٍّ قادِرٍ عَلّامِ
كَما بِهِ قَد سَخّر النَّصارى
تَخدِمُنا كأَنَّهُم أُسارى
كانَ مَقامُنا بِها أَيّاماً
ثَلاثَة نَحسبُها مَناما
نَجولُ في أَطرافِها المَريَّه
قَد صَحّ قَولُهم سكندريَّه
أَلَيسَ قيلَ أنَّها المُراد
مِن إِرم يتبَعه العماد
فَكَم بِها مِن عالِمٍ وَعارِف
وَشَيخ سرٍّ فاهَ بِالمَعارِفِ
ساقَت لَنا الإسعاد مِن أَعلامِها
جَماعَة نَسعَدُ من كَلامِها
وَكلُّهُم أَفاد وَاِستَفادا
وَشَكَروا المُفيد وَالمفاد
نَعَم وَفي بَعض لَيالي مُكثِنا
بِها جَرى الحادِث في رِفقَتِنا
صَحبهُ مِن رَبِّنا لطفٌ خَفي
وَشَرح ذي الرحلَة بِالشَّرحِ يَفي
لأَجلِه زادَ بِنا المقامُ
يَوماً قَضى لَنا بِهِ المَقامُ
ثُمَّ قَصَدنا بَعد مصرَ القاهِرَه
ذات المَحاسِن البَواهي الباهِرَه
وَذاكَ في يَوم الخَميسِ حَدّه
سادس عَشَر شهرِنا ذي القِعدَه
بِها تَلقّانا مِنَ الأَحبَّه
جَماعَة قَد أمحَضوا المَحَبَّه
قَد رَبَطَتنا مَعَهُم رَوابِط
وَكُلُّهُم بِالعِلم فينا غابِطُ
قاموا لَنا بِواجِب القِيامِ
في كُلِّ شَيءٍ مدَّة المَقامِ
كَم سيّد وَكَم أَديبٍ جاءا
يَزورُنا قَد ناطَ بي رَجاءَ
وَمِنهُمُ من ساقَ لي أَمداحا
مِن أَعذَبِ الشِّعر شَجت أَصداحا
وَزُرت كَم مِن جَهبذٍ وَشهمٍ
فاقَ بِرَأيٍ نافِذٍ وَفهمِ
وَكَم بِها مِن عالِمٍ قَد زارَنا
نِلنا مِن الجَمع بِهِ أَوطارَنا
هيَ ثَمان من لَيال مرّت
لَنا بِها لَذيذَة ما مَرَّت
ثمّت في السِتَّة وَالعِشرينا
مِن شَهرِنا الَّذي مَضى تَعيينا
كانَ مَسيرُنا إِلى السويسِ
مِن غَيرِ تَشويشٍ وَلا تَهويسِ
وَبعد خَمسَة منَ الساعاتِ
أَوصَلَنا لَهُ القِطار العاتي
وَبَينَ مِصر وَالسّويس مدنٌ
مأهولَة وَبِالنَّعيم توذنُ
بِهِ أَقَمنا لِاِنتِظار مَركب
أَربع لَيلات أَنارَت مَوكِبي
وَذاكَ حَيثُ بِه قَد وَجدنا
وَفداً لَهُم في القَصدِ ما قَصَدنا
يَرأَسُهُم مِن أَهلِ فاس سَيِّد
في شَرَف مِن نِسبَة لهُ يَدُ
يَصبو إِلى العِلم دَواماً وَلَهُ
في حُبِّ خَير العالَمين وَلَهُ
صَبوا إِلى رِفقَتِنا وَحَنّوا
وَبِاِجتِماعهم بِنا اِطمَأَنّوا
يَوم الثَلاثين قَصَدنا جدَّه
في مَركب لِلبَحرِ خير عدَّه
عِندَ العشي جدَّ في المَسير
وَالمُسلِمون مِنهُ في تَيسيرِ
وَاللُّطف مِن إِلاهنا يَصحبُنا
وَلا يرى مِن حادِث مَركبنا
فَكَم وَجَدنا فيهِ مِن أَفاضِل
مِن عُلَما وَأُمَرا وَكامِلِ
مُختَلِفي الهَيئَة من أقطار
شاسِعَة مُتّحدي الأَوطارِ
لَقَد سُرِرتُ بِاِجتِماعي بِهِم
كَعادَتي فيمَن بِعِلم يوسمُ
وَوَقَعت خِلالَ ذا مُذاكَرَه
في عِدَّة مِن العُلوم الفاخِرَه
أَرسى بِنا المَركِب نَحو الساعَتَين
بِجَبلِ الطورِ يوفّى رَغبَتَين
وَذاكَ في يَوم الخَميس ضَحوَه
وَالجوّ يبدي في الصَّفاءِ صَحوَه
وَمِن غَدٍ في مِثل ذاكَ الوَقتِ
أَرسى بِيَنبع كَذاكَ يوتي
ثُمَّ إِلى جدّة جدَّ السَّيرا
وَاللَهُ لِلحجّاج واقي الضّيرا
كنّا مُحاذينَ حما المِيقاتِ
بِقَولِ أَهلِ الثّبتِ وَالثِّقاتِ
عِندَ العِشا مِن نَفسِ ذاكَ اليَومِ
وَالمَوجُ يَرمي نَحوَنا بِعومِ
وَقَد أُتينا بِالَّذي طَلَبنا
بِهِ لَدا الإِحرام إِذ قَرُبنا
وَضَجّ كلُّ النّاسِ بِالتَلبيَة
في حالَةٍ مِنَ الهُدى مرضِية
وَالقَومُ بَين خاشِعٍ وَخاضِعٍ
وَراغِبٍ وَراهِبٍ وَطامِعِ
وَالكُلّ يَستَبشِرُ بِالقَبولِ
مِن رَبِّنا إِذ مَنَّ بِالوصولِ
في ضَحوَةِ السّبتِ وَصَلنا جدّه
وَالقُربُ يُذكي في الفُؤادِ وَجدَه
وَمِن صَباحِ غَدِنا نَهَضنا
يَسوقُنا الشَّوقُ لِما قَصَدنا
نَؤمُّ بَيتَ اللَّهِ خاشِعينا
وَلجَلالِ اللَّهِ خاضِعينا
كُنّا بِهِ في ظُهرِ يَومِ الأَحدِ
مُبتَهِلينَ لِلكَريمِ الأَحَدِ
وَوافَقَ الرابِعُ مِن ذي الحجَّه
لِلَّهِ ما أَوضَحها مَحَجّه
قُمنا بِما حَتم مِن شَعائِر
يَوم دُخولِنا بِعَزم مائِرِ
كذاكَ في الباقي من الأَيّامِ
قُمنا بِكُلٍّ أَحسَنَ القِيامِ
مِن كُلِّ ما نصّه في المَناسِكِ
لِلحَجِّ وَالعمرَة كُلّ ناسِكِ
وَقد رَجونا اللَّه إِذ دَعانا
وَلِلإِجابَة لهُ هَدانا
أَن يَستَجيب كُلّ ما دَعَونا
بِهِ وَأَن يَمنَح ما رَجونا
لَنا وَلِلأَحبابِ إِذ أَوصونا
وَبِوصاتِهِم لَنا وَفينا
فَإِنَّهُ برّ كَريمٌ جَلَّ أَن
يَمنَع عَبداً جاءَه لِيَطمَأن
نَعَم وَفي يَومِ الدُخولِ حلَّ بي
بِسَبَب الحرِّ الشَديدِ اللّهَبِ
بَعضُ اِنحِرافٍ زائِدٍ لَم أَستَطِع
لهُ الطواف وَالَّذي لهُ تَبَع
فَكُنتُ مِن شُربي لِماءِ زَمزَم
مُستَكثِراً مُستَشفِياً مِن أَلَمِ
مَعَ اِعتِقادي أَن ماءَه لما
كَما أَتى بِهِ الحَديثُ مُعلِما
فَكانَ ما رَجَوتُ مِن شِفاءٍ
وَأَصبَحُ المانِعُ ذا اِنتِفاءِ
فَقُمت غَدوة غَدٍ في حالِ
كَأَنَّني اِنشَطت مِن عقالِ
قَصَدتُ بَيتَ اللَهِ لِلطّواف
وَالسَّعيِ في تجرّد الأعطافِ
وَكَم لَقينا مِن إِمامٍ كامِل
وَعالِمٍ برّ تَقيّ عامِلِ
أَيّامَ كُنّا بِجوارِ اللَهِ
يَمنَحنا الفَضل بِلا تَناهِ
سُبحانَهُ هُوَ الكَريم ظَنّنا
بِهِ جَميلٌ لا يخيبُ قَصدنا
ثُمَّ بَدا لِلرِّفقَةِ الَّتي مَعي
تَعجيلهم عَن قَلَق لِلمرجِعِ
عَلى وُجوه لَم تَكُن حسن نَظَر
فَلَم أُوافِقه عَلى هَذا النَّظَر
فَكانَ عُقبى أَمرِهِم نَدامَة
لَكِنَّها آلَت إِلى سَلامَة
ثُمَّ بَقيت بَعدهم بِمَكَّه
مُمتّعاً مُمَنَّعاً مِن ركّه
إِلى زَوالِ المانِع المُكَدَّر
مِن دَفعِ غرمٍ مُجحفٍ مخسرِ
ثُمَّ قَصَدتُ جدَّة في رِفقَه
ذَوي رِباط الفَتح نِعمَ الرِفقَه
وَفيهِم اِثنان مِنَ الأولى هُما
مِن أَهلِ فاسٍ حمدا أَمرَهُما
حَيثُ تَخَيَّروا البَقاءَ مَعَنا
فَكانَ لُطف اللَهِ يَغشى جَمعنا
كانَ خُروجنا إِلى جدّة في
سيّارَة بِحُسنِ سيرٍ تقتَفي
وَذاكَ في السادِس وَالعِشرينا
مِن شَهر ذي الحِجَّة مُستَبينا
مِن بَعد ما وَدَّعنا أَحباب
مِن بَينَنا طاشَت لَهُم أَلبابُ
كُلُّهُم يودّ عَن كَرامَه
أَن لَو أَطَلنا بَينَهُم إِقامَه
لمّا اِستَفادوا مِن عُلوم كانَت
لَهُم أَهَم مَقصدٍ إِذ بانَت
وَقَلبنا نَحنُ بِتَوديعِ الحَرَم
وَكَعبَة اللَهِ العَظيم في ضرم
وَقَد رَجَونا اللَّهَ في العودِ إِلى
تِلكَ المَعاهِد مَعاهِد العلا
مِن يَومِنا كُنّا بِجَدَّة وَفي
غَدٍ إِلى طيبَة سِرنا نَقتَفي
نَطوي عَلى سيّارَة تِلكَ الطُّرق
وَهيَ فَيافي في بِساطِها يشق
وَبَعدَ يَومَين وَصَلنا لِلَّتي
هِيَ لَنا في القَصد أَسنى منيةِ
تِلكَ الحَبيبَة وَتِلكَ طيبة
تِلكَ وَتِلكَ وَهيَ ذاتُ الهيبَة
فَأَسعَد الأَيّامِ يَومٌ حلّ بي
بِحيّها يا حُسنهُ مِن مَذهبِ
بِها وَجَدنا رَحمَةَ اللَهِ تَعُم
ساكِنَها وَمن لَها شَوقاً يَؤُم
بِها وَجَدنا راحَة القَلبِ وَما
يُلايِم الطَّبع وَيَنفي السأَما
بِها شَهِدنا الخَيرَ وَالفَلاحا
وَالنّجحَ وَالتَّوفيق وَالصَّلاحا
بِها الَّتي تَرجو مِنَ الكَريمِ
في بابِ خَيرٍ خلقه الرَّحيمِ
المُصطَفى مُحمَّد مَن أَرسَلَه
رَبّ الأَنامِ رَحمَةً مُسَلسَله
عَمَّ بِها الدُّنيا وَالاخرى فَضلا
فَهوَ أَعلى نِعمَة وأَولى
صَلّى عَلَيهِ رَبّنا وَسَلَّما
ما عَذب المَدحُ لهُ عَلى اللّما
قَد كانَ في قَصدي وَاِختِياري
طول المَقامِ بِحِما المُختارِ
لَكِن لِسوءِ الحَظِّ عاقَ عائِق
عَمَّ المَسوق بَينَنا وَالسائِق
فَلَم نَزِد بِها عَلى أَيّام
ثَلاثَة مَضَت كَما أَحلامِ
ياما ألذّ وَقعها بِقَلب
مَن لَهُ في الرَسولِ صِدق الحُبِّ
فَكَم بِها مِن فاضِلٍ شَكرنا
صَنيعَه وَعالِم ذَكرنا
قَد وَدّعونا بَعدَ ما قَد وَدّوا
مُكثاً لَدَيهِم لَو يُفيد الوُدُّ
وَنَحنُ في وداعِ قبرِ المُصطَفى
لَفي اِصطِلاء لِلفُؤادِ ما اِنطَفى
وَرُبَّما يَسمَحُ أَهلُ البُخلِ
عِندَ الضَّرورَة بأَدنى السؤلِ
كانَ إِلى جدّة خَير مَقدم
مِنّا جَميعاً خامِسَ المحرّمِ
مِن عامِ ستّة وَأَربَعينا
يَعمّنا بِالخَيرِ أَجمَعينا
فَصادَفَ الحالُ وجودَ مَركب
لَهُ إِلى تونسَ خَيرُ مَذهبِ
حَمَلت مِن مَعي مِن أَهلِ فاسِ
عَلى ركوبِهِ لِداع آسي
أَمّا أَنا فَقَد تَأَخَّرت عَلى
بَواعِث بِجدَّة دونَ المَلا
وَإِنَّما مَعي بَني وَحدَه
وَفي الرَّحيم أُنس أَهلِ الوِحده
وَرُبَّما أَهل الرِّباط زاروا
وَرُبَّما عَراهُم اِزوِرارُ
فَقيّضَ اللَّه الرَّحيم سَيِّدا
عَلا عُلوما وَاِهتَدى وَمَحتدا
قامَ لَنا بِخِدمَةٍ في كُلِّ ما
يَنوبُنا مِن كُلِّ أَمرٍ لَزِما
جَزاهُ رَبّنا عَلى اِحتِسابِ
بِحُرمَة العُلومِ وَالأَنسابِ
وَحَيثُ كُنت مُستَقرّاً فيها
لَقيتُ فيها عالماً نَبيها
ساقَت لَهُ الأَقدارُ لِلأنس بِه
في عِلمِهِ وَاللُّطف في أَدبِه
مِن عُلَما الشّامِ لهُ بِجدّه
خملَة عِلمٍ سَوّغتهُ رفدَه
نَدَبَني لِأَن أَزورَ مَدرَسَه
مَدرسَة النَّجاحِ نِعمَ المدرَسَه
بِها وَجَدت عالِماً جَليلا
يُديرُها يُنيلها جَميلا
مِن أَهلِ مِصر ساقَه لَها الَّذي
أَنشَأَها مُحتَسِباً لِلمأخذِ
وَكَم تَلَقّانا بِها مِن فاضِل
مِن عالم وَمُقرِء وَكامِلِ
وَرَحَّبوا وَعَظَّموا وَبجّلوا
وَبِجَميل خلقِهِم تَفَضَّلوا
وَسَألوا عَن كَم مَسائِل عَلَت
في العِلم كانَت في فُؤادي حَضَرت
أَجَبتُهُم عَنها بِما شَفاهُم
فَزادَ حِرصُهُم لما وَفاهُم
وَدَّعتهُم وَهُم عَلى تَمنّي
أَنّي في مُكثي ذو تأَنّي
وَكانَ مدَّة مَقامي ناظِراً
لِمَركبٍ يَحمِلنا مُستأجرا
تِسعَةُ أَيّامٍ عَلى حالٍ قَضى
رَبّ الوَرى بِها عَلى مرّ القَضا
مِن سَقمٍ لازم طولَ المُدَّه
في ضيقِ حالٍ عَهِدت بِجدّه
قابَلتُ بِالصَّبرِ جَميعَ ذلِك
مُحتَسِباً رِضى الإِله المالِكِ
هذا وَأَمّا حالَةُ الحِجازِ
فَالأَمن عَمَّ كُلّ ما مجازِ
بِحالَةٍ لَم تَمضِ قَطّ في زَمَن
سُبحانَ مَن سَخّرها بِذا الزَمَن
وَما سِوى ذا أَمره لِلَّه
يَفعَل ما يَشا بِغَير ناهِ
يَضيقُ عَن بَيانِهِ النِظام
وَالشَّرح بِالشَّرحِ لَهُ إمامُ
وَغايَةُ القَولِ عَلى الإِجمالِ
مغبِطاً في صالِحِ الأَعمالِ
مَن يَرُم الحجَّ يَجِده أَحمَدا
وَما لَنا إِلّا اِتِّباع أَحمَدا
ثُمَّ نَهَضنا قاصِدينَ الشّاما
مِن بَعدِ ما ملّ المَلا المَقاما
يَوم الثُّلاثا بَعد ثِنتي عَشرَة
خلت مِنَ الشَّهرِ مَهل السَنة
في مَركِب لَم أَرَ قَطّ مِثلَهُ
في خسّة دَعَت ضَرورَة لَهُ
تَحسَبَهُ مَركِب نوحٍ في القِدَم
لَو كانَ أَصل صُنعِهِ صُنعاً أَتَم
لَكِنّ لُطفَ اللَّهِ لا محيدا
عَنهُ رَكِبت رَثّاً أَو جَديدا
لَمّا غَدا مُخلّصاً مِن شِدَّه
مَرَّت عَلى الكُلّ بِثَغر جدَّه
رَأَوا هَوى البَحر وَحُسن مَنظَرِه
أَولى بِهِم وَلَو بِسوء سيرِه
فَسارَ قاصِداً لِثغر يَنبُع
وَصَله غَدا بَسير مُسرعِ
يَأمل أَن يَزيد في الحِملِ عَلى
ما بِهِ كَي يَنال مِن ذاكَ ملا
فَعاد ما كانَ مِنَ الحُجّاجِ
ما غَضَّ مِنهُ واسِع الفجاجِ
أَقامَ يَومَين هُناكَ وَرَحَل
وَنَحنُ مِن خَوفِ النواءِ في وَجَل
فَسارَ قاصِداً لِحجر الصِحَّه
بِجَبل الطّورِ لِخبر الصحّه
لِعادَةٍ يَعرِفُها الجَميعُ
يَذوقُها الوَضيعُ وَالرَّفيعُ
وَرُبَّما يَخفّ عَمَّن بَذَلا
هُناكَ رَشوَة شَديد ثقلا
وَصَل لِلطّورِ نهار الأَحدِ
ضَحوته في حِفظِ ربّي الأَحدِ
قَد كانَ حَصرنا بِهِ أَيّاما
ثَلاثَة لا نَشتَكي آلاما
بِذاكَ خفَّت وَطأَةُ الحِصارِ
وَكانَ فَوزنا بِالانتِصارِ
وَعِندَ ظُهرِ يَومِ الأربِعاء
سارَ بِنا المَركِب في رَخاء
وَفي جَميلِ مَنظَرٍ بَهي
يسلي فُؤادَ الحزنِ الشَّجي
ثُمَّ مِنَ الغدِ صَباحاً أَرسى
عَلى السُويسِ وَهوَ أَسنى مَرسى
مِنهُ تَزوّدنا بِما نُريد
مِن نِعمٍ منَّ بِها المَجيد
وَنَحنُ في أُنسٍ وَفي نَشاط
بَينَ ذَوي تَطوان وَالرِّباط
نَنالُ مِن أَخلاقِهِم إِكبارا
وَكُلُّهُم يَملؤنا اِعتِبارا
سُبحانَ مَن بايَن بَينَ الفطر
تَبايُناً هوَ مَحلّ العبر
ظَلّ بِنا المَركِبُ في مَرساه
وَفي العِشى قَد بَدا مَمشاه
باتَ يَشُقُّ مَضيق القَنال
عَلى نِظام مانِع القِتال
فَمن يَميننا بِلاد الشّام
وَعَن يَسار قُطر مِصرَ السّامي
وَعِندَما بانَ صَباحُ الفَجر
كانَ إِلى بَرد السَّعيد يَجري
أَرسى بِهِ يَقضي بِهِ أَوطارا
وَعِندَما أَضحى النَّهار سارا
في هَذِهِ اللَّيلَةِ حلَّ بي أَلَم
قَد كادَ لَولا اللُّطف يُفضي لِلعَدَم
سُبحانَ مَن قيّضَ لي حَكيما
برّاً لَطيفاً عارِفاً كَريما
بادَرَ في الحينِ إِلى أَعمالِ
كانَت بَديعَةً في الاِستِعمالِ
فَنَجع الدَوا بِإِذن رَبّي
وَحادَ ما قَد حَلَّ بي من كَربي
وَمِن غَدٍ بعيدَ ظُهرِ السَّبت
حَلَّ بِبَيروت جَميل السَّمتِ
قَد وافَقَ الثالِثَ وَالعِشرينا
مِنَ المُحَرّمِ الحَرامِ دينا
قَبل دُخولِهِ دَفَعنا أَيضا
لِحَجرِ صِحّةٍ نَفيضُ فَيضا
لِلحَجرِ بَعد الغسلِ وَالبَخور
مِثلَ الَّذي مَرَّ لَنا بِالطّور
لَكنّ ذا في كُلّ ذاكَ أَلطفُ
إِذ أَهلهُ بِالمُسلِمينَ أَرأفُ
وَكُلُّهُم مِن أَهلِ تونسَ الَّتي
عرفَ أَهلُها بِأَسنى خلّةِ
قاموا بِنا فَوقَ الَّذي نَرجوهُ
وَأَكرَمتنا مِنهُمُ وُجوهُ
قَد ذَكَّرونا في الّذي لَقينا
مِن أَهلِ مِصر يَومَ طورِ سينا
وَالشَّيءُ أَقرَبُ خطورا عِندَما
يذكرُ ضدّهم كَما قَد علِما
لِلَّهِ قَومٌ عُرِفوا بِالنُّبلِ
وَعَرفوا لِلعِلمِ قَدر الفَضلِ
وَبَعدَ يَومَين دَخَلنا البَلدا
في كَنَفٍ مِن رَجلٍ تَجوّدا
لَم يَكُ لي قَبل بِهِ مِن مَعرِفَه
وَلا جَرَت عَيني لَهُ عَلى صِفَه
وَمَعَهُ جَماعَةٌ ترجّى
مِثل الَّذي هوَ لهُ يرجى
فَبَعد بَحثِهِ عَرَفتُ أَنَّهُ
قُسطَنطَني لَهُ بَها مانه
طالَ مقامَهُ بِبَيروت وَمَن
هم مَعَه أَصهارهُ بِذا الوَطَن
فَقُمتُ في طَلبِهِم مبادِرا
وَسِرتُ مَعَهُم حامِداً وَشاكِرا
أَلفيتهُم قَد أَحضَروا سيّارَه
صَغيرَةً لَطيفَةً مُختارَه
فَأَركَبوني صَدرها مُرفّعا
بِغَيرِ نَحلى لَم أَكُن مُشفّعا
وَحَمَلوا المَتاعَ لي في غَيرِها
توسِعَة لي في أَوانِ سَيرِها
وَبَعد بُرهَة مِن الزَمان
قَد وَصَلوا بِنا إِلى مَكانِ
بِخارِج البَلَدِ طيّب الهَوى
أَطيارهُ أَزهارهُ تُزهي اللّوى
وَالفَصل فَصلُ الصَّيفِ لَيسَ مِن جَلد
لِمَن غَدا سُكناه داخِل البَلَد
فَرَحَّبوا وَسَهَّلوا وَكبَّروا
وَمن برورهم بِنا قَد أَكثَروا
جَزاهُم اللَهُ عَلى اِعتِنائِهِم
إِذ ما نَوو منّا جزا عَنائِهِم
وَبَعد يَومَينِ لَدَيهِم كانا
وَنَحنُ أَعلى بَينَهُم مَكانا
قَصَدت بَيت حُبِّنا القَديمِ
خَليلنا صَديقنا الحَميمِ
سَعيد بِكَ لَقبه إِياس
دونَه في ذَكائِه إِياس
وَهوَ خارِجٌ عَنِ المَدينَه
لما عَرَفت قَبل ذا تَبيينَه
وَكنتُ أَشعَرتهُ أَنّي ها هُنا
وَقَد حَباهُ بِالغِنى إِلَهنا
فَضلاً عَلى ما عِندَهُ مِن أدب
وَحَسبٍ وَمِن بَديعِ كُتبِ
فَاِرتاحَ لِلّقا بِطيبِ نَفس
ثُمَّ دَعاني بِقَريضٍ سلسِ
جَواب إِعلامي لَهُ بِشِعر
لَم يَعدُ بَيتَين هُما مِن فِكري
ثُمّت عَن قَريضهِ أَجَبته
لكِن ذا مِن بَعد ما أَتَيتهُ
لِلَّهِ ما وَسعني مِن بِرِّه
وَلُطفِهِ وَعَطفِهِ وَسرّهِ
أَقَمت عِندَهُ نُجافى النّوما
نَغنمُ وَصلاً لَيلَة وَيَوما
يا حُسنَ ما قَد كانَ مِن مُطارَحه
في العِلمِ وَالأَدبِ وَالممالحَه
ثُمَّ طَلَبت الإِذن في الرَحيل
مِنهُ فَلَم يَسمَح بِذا المَأمول
لكِنَّني أَبدَيت أَعذاري لَهُ
وَقابِلُ الأَعذارِ زكَّ أَصلهُ
أَبدى مِنَ الأَسف لِلفراق
ما سَكب الدموعَ في الآماقِ
فَقُلت رُبَّما يقضي مِن هُنا
بَعد قَضاء وَطري رُجوعنا
ثُمَّ من الغَد تَوَجَّهت إِلى
دِمَشق ذات النّزهاتِ وَالألى
عَرف مِن عِلم ما قَد وَرَدا
في فَضلِها مِن وارِد تَعَدَّدا
في تومبيلَ في مَدا ساعات
ثَلاثَة في نضرةِ الرَّوضات
وَذاكَ في الثامِن وَالعِشرينا
مِن شَهرِنا الَّذي مَضى تَبيينا
فَكانَ قَصدي أَوّلا أَتيلا
بِهِ اِتّخَذت مَنزِلاً جَميلا
جَميع ما يَحتاجُهُ النَّزيل
عَلى أَزاهِر وَما يَسيل
فَهوَ كَفيلٌ بِاِنتِفاءِ التّرح
لا غَرو أَن يدع بِدارِ الفَرح
بِهِ اِجتَمَعت بأَفاضِل أَتوا
مُستأنسين بي وَعنّي ما لووا
تَعرّفوا إِليّ في حُسن أَدَب
إِذا هُم ذَوو مَقامٍ وَنَسب
مِن أَهلِ بَغداد أَتَوا لِلشّام
لِما لَهُم لَدَيهِ مِن مَرامِ
وَبَعدَما أَن طالَتِ المُذاكرَه
وَلم يَفت عَن واحِد ما ذكَرَه
دَعوا إلى زيارَتي بَغدادا
لِكَي أُفيدَ ثمَّ أَو أُفادا
فَقُلتُ ذا بِخاطِري لَقَد خَطَر
قَبل وَإِن قَدّره اللَّه صَدَر
ثُمَّ منَ الغد وَكانَ الجُمعَه
بَعد صَلاتِنا لِفَرض الجُمعَه
سِرتُ إِلى زِيارَة الشّيخِ الأَجل
بَحرِ العُلومِ المُتَلاطِم المجل
مُحدِّث الشامِ بِعَصرِهِ وَمن
في نُسكِهِ وَزُهدِه فَرد الزَمَن
شَيخُ الشُّيوخِ المُستَقيم الدّين
مُحَمَّد الشَّهير بَدر الدينِ
قابَلني بِغايَة اِرتِياحِ
أَطالَ في المَجلِس باِنشراحِ
حَتّى تَعجّب لِذاكَ من حَضَر
إِذ عادَة الشَيخ اِنقِباضٌ وَضَجَر
وَذاكَ في مَدرَسَة الحَديث
تُعرفُ في القَديم وَالحَديثِ
بَقيتُ في حَضرَتِه أَيّاما
يُسدي لَنا البرور والإِكراما
وَفي خِلالِها أَتانا زائِرا
جَمّ غَفير يَشرَحونَ الخاطِرا
مِن عُلَما وَوُجها أَفاضِل
وَمِن مُحِبّين لِكُلّ فاضِلِ
قاموا لَنا في ساحَةِ الإِكرام
بِغايَة البِرِّ وَالاِحتِرامِ
وَسَمِعوا مِنّا مِنَ العُلوم
ما عادَ بِالنَّفع عَلى العُمومِ
وَكَم أَلحّوا في المَقام عِندَهُم
وَأسفوا إذ لَم أُجب مَقصَدَهُم
إِذ كانَ في التَعجيلِ لي بَواعِث
أَنا إِذا لَم أَعتَبِرها ناكِثُ
لكِنَّهُم بِحِرصِهِم قَد غَلَبوا
عَلى الَّذي كُنت إِلَيهِ أَذهَبُ
مَع اِمتِثالي لِلإِشارَة الَّتي
كانَت مِن الشَيخِ الأَجلّ الحجّةِ
إِذ أَمره فَرضٌ عَليّ حَتم
وَفي اِمتِثالِه هدي وَغنمُ
أَشارَ في المَقام فيهِم مُدَّه
يَرجو بِذا النَّفع لَهُم وَالرّشده
لِذا أَقَمت بَينَهُم أُفيد
وأَستَفيد ما قضى المَجيدُ
وَذاكَ سَبعَة وَأَربَعونا
يَوماً أَعي عَنهُم وَهُم يَعونَ
وَفي خِلالِها جَرَت مذاكَرَه
أَشبَه شَيء هِيَ بِالمُناظَرَه
مَعَ الأَديبِ الألمَعي المُعتَمد
لِملكِ الحِجازِ في تِلكَ البَلَد
كانَ إِلَيها سَببٌ لَطيف
وَالشَّرح بِالشَّرح لَهُ تَعريفُ
سلّم ما أسمعته وَعرّفه
وَالحَقّ مَسموع لَدى مَن أَنصَفه
وَذاكَ مِن فَوائِد الإِقامَه
بِالشّامِ في حَفلاتِها المُقامَه
لِلَّهِ أَيّام تَقَضّت دارجَه
أَسرع مِن نِكاحِ أَمّ خارِجَه
في بَلدَة طَيِّبَة الهَواء
وَكَم بِها لِلَّهِ مِن آلاءِ
وَأَهلُها مِن خَيرِ خَلق اللَهِ
وَكَم بِها مِن صَفوَة لِلَّهِ
وَدَّعتهُم وَالقَلبُ مِنهُم مُكتَئِب
مِن بَينِنا وَالبَعضُ مِنهُ يَنتَحب
قَد طالَما وَدّوا المقامَ عِندَهُم
عَلى الدَّوام مُبتَغين رُشدَهُم
لَولا حُقوق الأهلِ وَالبَنات
وَما لَنا بِفاس مِن حاجاتِ
لَصِرت في بَلدَتِهِم مُقيما
لاِجتنى التَّعليم وَالنَّعيما
في يَومِ الاِثنين تَسنى مرحلي
سادِس عَشر مِن رَبيع الأَوَّلِ
كانَ إلى بَيروت عَودي ثانِيا
لَنا غَدى الشَوقُ إِلَيها ثانِيا
في تَومبيل مُسرع التسيار
لا يختشي مِن آفَة العِثارِ
بِهِ رأَينا لُطفَ رَبّ راحِم
حَيثُ وَقانا الشَرّ في التَصادُمِ
وَلم نُصب نَحنُ بأَدنى ضَرر
وَالتومبيلُ قَد غَدا في خَطرِ
فَاِستَبدلوهُ بِسِواه بَعدما
طولِ اِنتِظار نَستَجيز الوَعدا
أَقَمت في بَيروت عِند حِبِّنا
السابِق الذِكر صفي حُبِّنا
ثلاث لَيلات بِها اِجتَمَعنا
بِعُلما تَفنّنوا في المَعنى
ثُمّ نَهَضنا قاصِدينَ حَيفا
لا نَختَشي الزَّمان أَن يَحيفا
في تومبيلَ فاقَ في الإِسراع
لِما عَسى يَحدثُ لا يُراعى
وَلطف رَبِّنا لَنا مَرجوّ
وَفَضله وَجوده مَدعوُّ
كانَ وُصولُنا إِلَيها بَعد
أَربَع ساعات وَنِصف عدّا
وَفي طَريقا رَأَينا صيدا
وَعَكَّة لَم نلفَ عَنها حيدا
وَلَم يَكُن قَصدي بِثَغر حيفا
إِلا لألقى العالِمَ الحَنيفا
أَبا الكَمال يوسف النّبهاني
الطائِر الصّيت بِذا الزَمانِ
قَصَدتهُ بِقَريَة بِقربِها
تُدعى بِأَجزم قَد عَنى بِحُبِّها
بِتّ لَدَيهِ مُكرم الجَناب
وَكَم جَرى مِن طيب الخِطابِ
وَفي الصَّباح قُمت أَبغي القدسا
إِذ فَضله في الدّينِ لَيسَ يُنسى
إِذ كانَ فيهِ المَسجد الأَقصى الَّذي
كَم مَن نبيّ كانَ فيهِ يُحتَذى
قَد أَنزَل الإِلهُ فيهِ قَولَه
وَبارَك اللَهُ تَعالى حَولَهُ
وَصَلتهُ في مَركب القِطار
إِذ هوَ في أَمنٍ منَ الأَخطارِ
وَكانَ فيهِ أَمدُ المَسير
أَربَع ساعات عَلى تَيسيرِ
قَد مرّ في السَير بِطول كَرم
فاللدّ فَالرّملة حيثُ يرمي
نَزلت في القُدسِ عَلى مفضال
مِن عُلَماء الغرب ذي أَفضالِ
إِذ كانَ كتبه لي الشّام سَبق
يَقول إِنّي بِبَروره أَحَق
آثرتهُ بِذاكَ دونَ صاحِب
لَنا هُناكَ مِن قَديم صاحِبي
قامَ لَنا بكلِّ ما نُريده
في حُسنِ سَمت دينه يُفيدهُ
كانَ مقامُنا لَدَيهِ سَبعا
مِن اللَيالي يَستَفيد نفعا
بهِ رَأَينا عُلَما فُحولا
قَد ضَبَطوا الفُروع وَالأُصولا
أَخصّ مِنهُم ذابِراً نِحريرا
لَقَد أَجادَ الحِفظ وَالتَحريرا
جابَ البِلاد كُلَّها وَجالا
وَعَرف الكتبَ وَالرِّجالا
ذاكَ خَليل الخالدي الرحّالَه
أَجلَلته لَمّا عَرَفت حاله
قَد قابَلوا كُلّهُم بِالبِشر
وَبِاِعتِناء زائِد وَبِرِّ
لِلَّهِ ما أَفدت وَاِستَفَدت
في السَبعَةِ الأَيّامِ إِذ أَقَمتِ
قَد زُرت في خِلالِها الخَليلا
كللت مِن زَورَتِه إِكليلا
بِهِ أَتانا عُلماء فضلا
وَشُعراء نُبهاء نبلا
جَرَت لنا مَعهُم مذاكَرَه
وَأَخَذوا عَنّا الطَريق الباهِرَه
وَفي صَباح السَبت يَوم أَبد
مِن بَعد عِشرين لشَهر المَولِدِ
عُدت لِمِصرَ حَيثُ عودي يُحمد
فَعودُ أَحمَد إِلَيها أَحمَدُ
سِرت إِلَيها في طَريق السِكَّه
حَيثُ المنيب لا يضيعُ نُسكه
كَم بَلد في سيرنا رَأَينا
مِمّا بِهِ الشَرح يقرّ العَينا
وَصَلت مِصر بَعد سير خَمس
وَعَشر ساعات بِبَعض بُؤسِ
لكِن مَآل الأَمرِ للنُّعاه
مِن كَيدِ أَهل الظُّلم وَالجُفاه
بِسَطوَة اللَّه العَزيز القادِر
فَقَد رَأَيت صِدق قول الشاعِرِ
كَم مَرّة حفّت بِكَ المَكاره
خار لَكَ اللَهُ وَأَنت كارِهُ
بِها تَلقّانا ذَوو سلم لهُم
في الجَمعِ بي ما يُجتَبى أَملهُم
أَقَمت في حَضرَتِها أَيّاما
أَربَعة نَلقى بِها الأَعلاما
وَثالِث الشَهر رَبيع الثاني
لِلغَربِ قُمتُ لِلعَنانِ ثاني
فَجِئت لِلإسِكندريّة عَلى
مَتنِ القِطارِ سالماً مُحسبلا
قَد مرّ في طَريقنا بِبنها
ثُمَّ بِطَنطا لا يَحيد عَنها
كَفر الزياتِ بعدَه قد مَرَّ بِه
طَبخ البرود بعدَه لا يشتَبه
ثُمَّ الدمَنهور فَجابر يَرد
ثُمَّ عَلى الإِسكندريَّة يَفد
بِها تَلَقّانا فَتى نَبيل
لَهُ إِلى نَيل النّدى سَبيلُ
سَبق من مِصر لَهُ الإِعلام
في البَرق حَيثُ لي بِهِ إِلمامُ
قامَ بِنا وبرَّ في مَجلِسِه
جَزاهُ رَبّنا بِحُسنِ فِعلِهِ
وَخامِس الشَّهر الَّذي أَمررنا
لِثَغر موسيلي قَد أَبحَرنا
مُستَحفِظا من رَبّنا اللَّطيف
مِن كُلّ حادِث بِهِ مُخيف
سُبحانَه جَلّ اِسمُه تَعالى
وَحّدهُ ذاتاً صفةً أَفعالا
أَمسَك كُلّ الكَون أَن يَزولا
وَهَل سِواهُ يَمسِك النُزولا
كانَ المَسيرُ في مِياهِ البَحر
أَربَع لَيلات بِغَير ذُعرِ
في مَركِب مِن أَبدَع المَراكِب
مُتَّسعِ الأَقطارِ وَالمَناكِبِ
حَتّى إِذا أرسى عَلى مَرسيليا
بادَرنا ذاكَ الفَتى إِليها
صاحبنا عِند الوُرود السابِق
فَكانَ لِلسّابِق معه لاحِق
إِذ كانَ عِندَهُ بِنا إشعار
بَرقا فَكانَ مِنهُ لاِنتِصار
قَد اِعتَنى بِما لنا مِن أمل
وَما وَنى في مَنطِق أَو عَمَلِ
بِها أَقَمنا لاِنتِظار مَركِب
مُناسِب يَحمِلنا لِلمَغرِبِ
وَبَعد يَومَين قَصَدنا البيضا
في مَركب فاقَ وَفاز أَيضا
فَنِعم شكلُه وَلَيسَ أهلَه
وَالدَهر صَعبه يَليه سَهله
قُلت لَهُ وَقد عَدا في السَير
سَيرك لا تَرى بِهِ مِن ضيرِ
أَبعدك اللَهُ مِن الدَواهي
وَلَم تَزَل في البَحر غير واهي
لَم أَنسَ فَضلَكَ مَدا الأَحقاب
قَرَّبتني لِلأَهلِ وَالأَحبابِ
سُبحانَ مُبديك وَمُنشيك عَلى
حكمه قَد جَلَّ شانا وَعلا
سُبحان مَن ذلّله وَسَخَّره
لِنَفع خَلق فلكه قَد مخّره
فَكانَ فيهِ مُدّة المَسير
ثَلاث لَيلات عَلى تَيسيرِ
وَالقَلبُ يَخفِقُ مِنَ الأَشواق
لِلأَهل وَالأوطانِ وَالرِفاقِ
خَفق فُؤاد الصَبّ قَد واعده
بِالوَصلِ حبّه بِهِ ساعَده
رغما عَلى ما قَد عَراني مِن ضَرَر
مِن سوء جيرانٍ هُمُ حقّا بَقَر
وَهَل تُباح جَنَّة الخُلود
إِلّا بِقَطعِ عقبَة كؤودِ
أنّا اِنتَقَلت مِن جِوارِها إِلى
أَخلاط قَوم عُلما وَنُبلا
فَكُنت فيهِم فاعِلا مَرفوعا
بِفِعلِ عِلم آمرا مَسموعا
وَفي صَباحِ يَومِ الاِثنين نَزَل
بأَعلى طَنجَة نعمَ ما فَعَل
حَيثُ بِها نُجدّد العُهودا
مَع جلَّة تبوّأوا صُعودا
إن ساعَد الوَقت بِذا يا حَبَّذا
لَكِن لِسوءِ الحَظِّ لَم نَفز بذا
لِقَصرٍ في مدّةِ الإِرساء
مِن ظُهر يَومِنا إلى المَساءِ
راسَلتهُم بِطيّب السَلام
مُعتَذِرا مُستَدفِع المَلامِ
فَكانَ ما قَد قيلَ فيما سمِعا
ما سلَّم الحَبيب حَتّى وَدَّعا
ثُمَّ إِلى البيضا أَتَينا في غَد
في حُسن حالَة وَعيش أَرغدِ
وَذاكَ يَوم جد بها مِن شَهرِنا
وَقد مَضى بَيانهُ في شِعرنا
ثُمَّ وَجَدنا في عُموم الناسِ
جُملَة أَحبابٍ بِهِم إِيناسي
في ضمنِهِم وَلَدنا الأبر
إِذ كانَ عِندَهُ بِذاكَ أَمر
سَعوا إِلَينا مِن بَعيدٍ شَوقا
وَالشَوقُ لِلصَبِّ يَسوق شَوقا
وَلَم يَزد في أَهلِها مَقامي
عَلى ثَلاثَة مِن الأَيّامِ
رغماً عَلى الحِرص عَن الإِخوان
وَجُملَة الأَحباب وَالخِلّانِ
لكِنّ عُذري بانَ في التَعجيل
لِذاك لَم أُصغ إِلى التَأجيلِ
وَبَعد أَن أَدّيت فَرض الجُمعَه
وَنِلت في البَيضاء قَصدي أَجمَعه
سِرتُ إِلى سَلا بِقَلبٍ سال
وَالشَوقُ يَحدوا بي إلى الوِصالِ
فَقُلتُ لمّا أَن حَلَلت رَبعها
إِنعَم بها يا قَلب وَاِغنم جَمعَها
إِذ هيَ عِندي بِلد كَبَلدي
كَبيرُهُم أَخي صَغير وَلدي
لِذا أَقَمت بَينَهُم أَيّاما
كَعدّ جاهي نائِلا مراما
وَفي الرِّباط كَم جَليل القَدر
قَد زُرتُه حَيثُ بِقَدري يَدري
وَكَم سَعى لي لسلا مِن فاس
وَمِن رِباطِ الفَتح مِن أُناسِ
مِن كُلِّ شَهمٍ ماجِد حلاحِل
لِكلّ فَضلٍ وَعلا مُستاهلِ
قَد شاقَهُم إِلى البقا شَواق
وَزانَهُم بَينَ الوَرى أَذواقُ
فَزادَ في مَعنايَ مِنهُم مَعنى
حَيثُ الكَريم بِالكَريم يُعنى
أَدامَ رَبّي الفَضل في ذَويه
ما أَبعَد الفَضل عَن التَمويهِ
ثَمّت في يَوم الخَميس المولى
سابع شَهرنا جَمادى الأُولى
قَصَدتُ فاسَ قَصد صبٍّ صابي
دَعاهُ مَحبوبهُ لِلتَّصابي
دَخَلتها في زمرٍ مِن قَومي
وَمن ذَوي العِلم الرَفيعِ السومِ
وَفَرحة الإِيابِ أَنسَت كُلّ ما
من تَعب مرّ بِنا وَآلَما
قَد صَدقَ الحجّاجُ في قَولَته
في سفرِ سره في أَوبتهِ
كَم جاءَنا مِن عالمٍ وَفاضِل
وَمِن رَفيعِ القَدر ذي فَضائِلِ
مُستَبشِرينَ راغِبينَ في المَدد
مُغتَنِمين لِلدّعا لما وَرد
فَقوبِلوا بِالفَضلِ وَالكَرامَه
وَالفَضل لا يَبعد عَمَّن رامَه
لِلَّهِ حمدي ثُمَّ كُلّ الشُكر لَه
إِذ بَلَّغ العَبد الضَعيف أَمله
فَحالَ ضَعفي ثُمَّ إِعساري لَقد
كادا يَعوقانِهِ عَمّا قَد قَصد
لكنّ رَبّي الكَريم القادر
أَعانَني صِدق قَول الشاعِر
قَد يَبلُغ المعسر في إِعسارِه
ما يَبلغ الموسِر في إِيسارهِ
ثُمَّ لَقَد نِلت بِها المثولا
وَكانَ عِندي مَقصِدا مأمولا
بَين يَدي أَميرِنا المَحبوب
أَبي الجَمال بَهجَة القُلوبِ
فَفُزت مِنهُ بِجَزيل البرّ
مِن بَعدما قابَلَني بِالبِشرِ
أَدامَ رَبّنا عَلَيهِ فَضلَه
وَزادَه فَوقَ الَّذي أَملهُ
وَمن جَزيل فَضل رَبّي عَلي
وَمن جَميل صُنعِه جَلّ إِلي
إِنّي وَجَدتُ الأَهلَ وَالأَحبابا
وَكُلّ مَن عَلق بي أَسبابا
بِحالَة قرّت بِها العُيون
فَلَم تَخب في رَبّنا الظُنونُ
أَحسن ما وَجَدته أَمامي
أبين ما أَلفيت ذا تَمامِ
هُوَ شِفاء الملكِ الهمام
بَعد اِنحِراف كانَ ذا إِلمامِ
فَتِلكَ نِعمَةٌ بِها قَد منّا
المُستَجيب لِلدُّعاء مِنّا
سُبحانَهُ وَعد بِالإِجابَه
لِلمُخلِصينَ إِذ رجوا إِجابَه
لاسيّما بِجنبات القُدس
كَالبَيت فَالرَوضَة ثُمَّ القُدسِ
أَسبغ رَبّنا لِباسَ العافِيَه
عَلى الأميرِ ذي الهِباتِ الوافِيَه
ثُمَّ أَدامَها عَلى مرّ المَدى
حَتّى يَكونَ لِعداته مدى
وَلا أَرانا فيهِ بَعد باسا
كيما يَطيب بِالبَنين نَفسا
بِجاه خَير العالَمين المُصطَفى
مَن جاهُه لِمَن بِهِ لاذَ شفى
عَلَيهِ مَع آلِهِ وَالأَصحاب
وَكُلّ من لَهم غَدا يحابي
أَزكى صَلاة عَرفها يَنمّ
مَع سَلام تَمّ لا يَتمّ
ما دامَ رَبُّنا الكَريم يُسدي
نِعمَهُ وَلِلجَميل يُبدي
ثُمَّ قَضى اللَهُ العَظيم ما قَضى
مِن مَوتِهِ لما زَمانه اِنقَضى
في الشَهر نَفسه لِيَوم أَكا
سُبحانَ مَن أَضحَكنا وَأَبكى
فَما لِما قَدّر من مَردِّ
وَإِن أَتى أَنّ الدّعا ذو ردِّ
فَهوَ عَلى التَأويل قَطعا يُحمل
وَوَعد رَبّي في الدعا لا يَجهلُ
أَسكَنَه اللَّهُ فَسيح جَنَّتِه
مُمتَّعا في روحِهِ وَرَحمَتِه
وَنَصر النّجل الَّذي قَد خلّفه
ما ماتَ مَن أَدّب ذا وَخلفه
يا حَبَّذا مِن مَلكٍ منتَبِه
أَسعَدَهُ اللَه وَأسعَد بِه
نَرجو لَهُ التَوفيقَ وَالسَدادَ
مِن رَبِّنا وَالعِزّ وَالإِمدادَ
وَأَن يُنيلَه كَمالَ الفَتح
هوَ وَمن وازَره بِنُصحِ
هُنا اِنتَهى بي ما قَصَدتُ نَظمَه
في طالِعِ السَّعدِ رَصَدتُ نَجمهُ
سَمّيته إِذ كُنت قَد خَتَمته
ثُمَّ بِحَمد اللَهِ قَد أَتمَمتُهُ
بِالنحلَة المَوهوبَة النّجازِيَه
في الرِّحلَة المَيمونَة الحِجازِيه
وَلم أُراعِ صَنعَة البَديع
إِذا أَتَت في قالِب بَشيعِ
إِذ سابَق الصّنعة حسنُ المَعنى
ثُمّ يُراعى بَعد ذاكَ المَبنى
وَإِن أَتى عَفواً فَذاك مدني
وَلوجه الأذن بِدون أذنِ
سُبحانَ مَن سَهّل لي النِّظاما
وَلا يرى المَعنى بِهِ اِنهِضاما
أَما سَأَلت اللَّهَ عِندَ المُصطَفى
وَالسُؤل عِندَهُ يُوافى بِالوَفا
أَن يمنَحَ العَبد الفَقير باعا
في جُملَة العُلومِ وَاِتِّساعا
وَما سَأَلت اللَّه عِندَهُ لشي
إِلّا وَجاءَ مُسرِعاً بِهِ إِلي
كَذاكَ لِلعلوم قَد شَرِبت ماء
زَمزَم قالَ المُصطَفى هو لما
مِنهُ تَعالى وَهوَ ذو الإِنعام
نَرجو السَعادَة لَدا الخِتامِ
فَهوَ الَّذي يِمنّ بِالمرام
لِعَبدِه في البِدء وَالتمامِ
كَما حَمدتُ اللَّهَ في البدءِ لما
نَظَمته أَحمَده متمّما
وَبِالصَلاةِ وَالسَلامِ دائِماً
عَلى رَسولِ اللَهِ جِئت خاتِما
وَآله وَصَحبِه وَما لَهُم
مِن تابِع قَد اِقتَفى كَمالَهُم
أحمد بن المأمون البلغيثي
بواسطة: حمد الحجري
التعديل بواسطة: حمد الحجري
الإضافة: الجمعة 2013/04/19 12:09:53 صباحاً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com