ضَحكَتْ ثُغورُ الروضِ حينَ بَكى النّدا | |
|
| وَغَدا على الغُصنِ الحَمامُ مُغرِّدا |
|
وَالرِّيحُ تَلعَبُ بِالغُصونِ كَأَنّها | |
|
| صَوتٌ رَخيمٌ مِنْ مُغنٍّ قَد شَدا |
|
حَيثُ الشّقيقُ تَكَحّلَتْ أَوراقُهُ | |
|
| وَبَدا يَتيهُ بِحُسنِ خالٍ أَسْوَدا |
|
حَيثُ الغُصونُ تَمايَلَتْ في حلّةٍ | |
|
| خَضْراءَ تَحكي في البَهاءِ زُمرُّدا |
|
حَيثُ الوُرودُ تَفَتَّحَتْ أَزرارُها | |
|
| وجَلتْ فُؤاداً قد تكتّمَ بالصّدا |
|
حَيثُ الأقاحُ بَدا بِساقِ زبَرْجَدٍ | |
|
| كَالكَأسِ صاغَتْهُ المَحاسِنُ عَسْجَدا |
|
حَيثُ الأزاهِرُ قَدْ زَكَتْ نَفَحَاتُها | |
|
| وَتَزيّنَتْ أَوراقُها دُرَّ النَّدا |
|
حَيثُ الرّياضُ تَزَخْرَفَتْ بِرَبيعِها | |
|
| وَتَزيّنَتْ بحُلى الزّهورِ تقلّدا |
|
حَيثُ السحابُ مُزوِّجٌ ريحَ الصّبا | |
|
| فالقطرُ أضْحى مِنهُما متولِّدا |
|
حَيثُ البُروقُ تَلامَعَتْ أسيافُها | |
|
| وَالرّعدُ يَحدو لِلسّحايِبِ مُنشِدا |
|
حَيثُ الليالي أَقمَرتْ لَمّا دَجَت | |
|
| وَتَنَوَّرتْ منْ فجرِها لمّا بَدا |
|
حَيثُ النّجومُ تَراقصَتْ في أفقِها | |
|
| والفجرُ سلَّ على الظّلامِ مهنّدا |
|
حَيثُ الكُؤوسُ تَحثُّ مِن يَدِ أَهْيَفٍ | |
|
| حُلوِ الشّمايلِ بِالجَمالِ تَفَرّدا |
|
رَشَأٌ تَقاوَى مِنهُ مضعَفُ لَحظِهِ | |
|
| وَسَطا بِسَهْمٍ لِلمَنِيَّة أَوْرَدا |
|
ظَبيٌ تَصاحى طَرفُهُ حِينَ اِنتَشى | |
|
| مُتناعِساً وسَقى المدامَ مُعَربِدا |
|
أَزْرى بِغُصْنِ الرَّوضِ مايسُ قَدِّهِ | |
|
| وبوَردِهِ خدّاهُ حينَ تورّدا |
|
فيهِ الجَمالُ سَما وَعَزَّ كَمالُهُ | |
|
| وَغَدا بِهِ رُكنُ البَهاءِ مشيَّدا |
|
فَعِذارُهُ المِسكِيّ يَنفُحُ عَنبراً | |
|
| وجَبينهُ كالنّجمِ فيهِ يُهْتَدى |
|
وخُدودُهُ منها المحاسنُ أشرَقَتْ | |
|
| ولِحاظُهُ منها الحسامُ مُجرّدا |
|
ورِضابُهُ العسّالُ أسْكرَ صاحياً | |
|
| وحَلا بكأسِ الثّغرِ حين تبرّدا |
|
وقوامُهُ الميّاسُ يطعنُ في الحَشا | |
|
| كالرمْحِ أضحى للطِّعانِ مُعوّدا |
|
وَجناتُهُ مِرآةُ قَلبي بِالهَوى | |
|
| هيَ جَمرُه فيها بَدا متوقِّدا |
|
قَد خِلْتُ واوَ العَطفِ عَقرَبَ صدغِهِ | |
|
| مثلَ العِذارِ يُخالُ لام الاِبْتِدا |
|
مِن ريقهِ وشفاهِهِ إِنّي لقدْ | |
|
| أُروَى العذيبَ مِنَ العَقيقِ تشهّدا |
|
وَلَقدْ حَوى جَسَداً يَروقُ مَحاسِناً | |
|
| أَخَذَ اللّطافةَ حلّةً وبِها اِرْتَدى |
|
لِلَّهِ دَرُّ الخالِ في وَجَناتِهِ | |
|
| جعلَ المُلوكَ منَ البَرايا أعبُدا |
|
إِلّا الإِمامَ المُرتَقي أَوجَ السُّهى | |
|
| أَعني الهُمامَ اللّوذَعي الأَوحَدا |
|
مِقدامُ أَهلِ الفَضلِ مِنْ زمَنِ الصِّبا | |
|
| مفني لذِكْرِ البُخلِ في بَذلِ النّدا |
|
أسَدُ العَرين تَهابُهُ أُسْدُ الشّرى | |
|
| ويُظنُّ جَيشاً حين يَمشي مُفْرَدا |
|
قمرٌ مَحا لَيلَ المكارِهِ نُورُهُ | |
|
| وهدَى على طُرُقِ الرّشادِ وأرشَدا |
|
بَدرٌ لقد أخذَ المعالي مَنزِلاً | |
|
| ولقد حَوى فوقَ المجرّةِ مَقْعَدا |
|
وَسَما على هامِ السِّماكِ بِرِفعَةٍ | |
|
| ولَكمْ عَلا نسرَ السّماءِ وفَرْقَدا |
|
وأتى ورُكنُ العزِّ صار مُهدَّماً | |
|
| فأقامَهُ عالي البِناءِ وشيّدا |
|
ولقَدْ كَسا جيدَ الزّمانِ وجودهُ | |
|
| عقْدَ المَفاخرِ والجَمالِ مُنضَّدا |
|
وَبِهِ صَفا كَدرُ الزّمانِ مِنَ الوَرى | |
|
| وغَدا بهِ عَيشُ المَعالي أرْغَدا |
|
وَتَكحّلَتْ بِظُهورِهِ وتنوّرَتْ | |
|
| عَيْنُ الزمانِ وكان ينظرُ أرْمَدا |
|
فَإِذا أَتى العافي وأَمَّ مَحلَّهُ | |
|
| أعطاهُ ما يَكفي إِلى أقصى المَدى |
|
وحَباهُ بالأفراحِ بعدَ بَشاشةٍ | |
|
| وَكَساهُ مِنْ حُلَلِ العَطايا عَسْجَدا |
|
فَهوَ الَّذي أَنْسى تذكُّرَ حاتمٍ | |
|
| في جُودِ طَبعٍ لِلسّخاءِ تَعَوَّدا |
|
فَاِرْدَعْ لِمَنْ ضاهاهُ في نَيْلِ العُلى | |
|
| بِغَلاظةٍ فَمِثالُهُ لَنْ يوجَدا |
|
قَد جالَ مِضمارَ البَلاغَةِ وَحْدَهُ | |
|
| وَمَشى مَناهيج الفَصاحةِ مُفرَدا |
|
لو جاءَهُ سَحْبان يُظهرُ نَظمَهُ | |
|
| لرأيتَ سَهلَ النّظمِ منهُ معقَّدا |
|
لِلَّهِ دَرُّ جنابِهِ مِنْ سَيِّدٍ | |
|
| شادَ المَعالي بِالفَخارِ وَشَيّدا |
|
فَاِفْخَرْ بِرَبِّكَ يا إِمامُ عَلى الوَرى | |
|
| فَخْراً وَعِزّاً لا يُرامُ وسُؤدَدا |
|
وَاُنظُر لآسيةِ القَريضِ فَقَد أَتَتْ | |
|
| لِتُقَبِّلَ الكفَّ الشريفَةَ وَاليَدا |
|
وَاِبْسِمْ لَها ثَغرَ السّرورِ تَفضُّلاً | |
|
| وَاِكْحَلْ لَها عَينَ القَبولِ بِأَغمَدا |
|
وَاِكْففْ لِحاظَكَ عَن عُوَيْرَةِ نَظمِها | |
|
| وَاِجْبرْ لَها الكسرَ الشديدَ وسدِّدا |
|
وَاِسْلَمْ وَدُمْ بِالعِزِّ ما سَرَتِ الصّبا | |
|
| أَوَ ما شَدا الطّيرُ الغُصونَ وَغَرَّدا |
|
أَو ما اِبْنُ فَتحِ اللَّهِ يَتلو مُنشِداً | |
|
| ضَحِكَت ثُغورُ الرّوضِ حينَ بَكى النّدا |
|