مَضَت أَشهُرٌ نُذِرَت لِلمَطَر | |
|
| وأظلم فيها المسا وَالسَحَر |
|
وَأَقبَلَ نُوّارُ عُرسُ الطَبيعَةِ | |
|
| يَضحَكُ في وَرَقاتٍ الشَجَر |
|
يُدَغدِغُ بِالطَلِّ عُشبَ الحُقولِ | |
|
| وَيطبع أَلوانه في الزَهَر |
|
وَيَبني عَلى الهَضَباتِ مَتاحِفَ | |
|
| تَسخَرُ من هَذَيانِ البَشَر |
|
كَأَنَّ عَباقِرَةَ الجِنِّ فيها | |
|
| سَكَنَّ وَعَلَّقنَ تِلكَ الصُوَر |
|
فَخَفَّ الشَبابُ نَدِيَّ الحَياةِ | |
|
| يَستَقبِلُ الحُلُمَ المُنتَظَر |
|
عَلى ثَغرِهِ بَسَماتُ الرَبيعِ | |
|
| وَفي قَلبِهِ بَسَماتٌ أُخَر |
|
وَفي يَومِ عيدٍ نقيِّ السَماءِ | |
|
| كَأَنَّ السَما صَفحَةٌ من سُوَر |
|
أُطلَّ شَفيقٌ عَلى الهَضَباتِ | |
|
| فَراءَ الشَبابَ عَلَيها اِنتَشَر |
|
وَأَبصَرَ غَلواءَ بَينَ الزُهورِ | |
|
| كَحَوّاءَ بَينَ شَهيِّ الثَمَر |
|
تُسَرِّحُ في عَدنِها نَظَراتٍ | |
|
| عَرَفنَ أَزاهيرَ خَيرٍ وَشَر |
|
وَقَد لَبِسَت ثَوبَها الزَنبَقِيَّ | |
|
| عَلَيهِ نَسيجٌ بِلَونِ الخِضَر |
|
وَأَلقَت عَلى العُشبِ جِسماً هَزيلاً | |
|
| كَغُصنٍ من الياسمين اِنكَسَر |
|
فَخَفَّ اِلَيها وَفيهِ عَذابٌ | |
|
| بَدا مِنه في مُقلَيته أَثَر |
|
وَقالَ لَقَد خَلَعَ الحَقلُ عَنهُ | |
|
| رداءَ الشِتاء وَغطّى الحَجَر |
|
وَأَلقى عَلَيه الرَبيعُ وِشاحاً | |
|
| جَمالُ الطَبيعَةِ فيهِ انحَصَر |
|
فَهلّا خَلَعتِ رداءَ اللَيالي | |
|
| وَأَلبَستِ روحَكِ ثَوبَ البُكَر |
|
وَهَلّا تَشَبَّهتِ بِالياسِمين | |
|
| فَما كادَ يُحجبُ حَتّى ظَهَر |
|
لَقَد غَسَلَت بَسَماتُ الزُهورِ | |
|
| ذُنوبَ الشِتاء الكَفيفِ البَصَر |
|
وَعادَ العَفافُ الى الهَضَباتِ | |
|
| فَفي كُلِّ غَرسٍ فُؤادٌ غَفَر |
|
فَقالَت أُحاوِلُ أَن أَتَناسى | |
|
| زَماناً مَضى وَخَيالاً عَبَر |
|
فَقالَ وَماذا يُمَثِّلُ هذا الخَيالُ | |
|
|
فَقالَ وَقد جَحَظَت مُقلَتاهُ | |
|
| وَهذا فَقالَت حَبيباً غَدَر |
|
وَهذا الحَبيبُ غَفَرتُ لَهُ | |
|
| وَيَعفو إِلهُك عَمّا بَدَر |
|
غَفَرتُ كَما غَفَرت في الرَبيعِ | |
|
| زُهورُ الرُبى لِشتاءٍ كَفَر |
|
وَلكِنَّ بي نَدَماً كَاللَّهيبِ | |
|
| يُريني الحَياةَ خِلافَ الشَرَر |
|
وَكان النَسيمُ يَهزُّ الغُصونَ | |
|
| فَتنشرُ في الجَوِّ عِطرَ الزُهور |
|
وَلَمّا أَفقنَ اِعتَرَفنَ بِها | |
|
| وَقد هَزَّهُنَّ الضَميرُ الطَهور |
|
وَكان المَساءُ عَلى الهَضَباتِ | |
|
| يَنفِثُ أَشباحَهُ في فُتور |
|
وَشَمسُ المَغيب تُعيرُ الظِلالَ | |
|
| أَلوانَها في مَطاوي الصُخور |
|
|
| رَجاءٌ يَموتُ وَحبٌّ يَثور |
|
عَشِقتكِ يا غَلوَ عِشقاً نَما | |
|
| شَقيَّ الرؤى في شَواطىءِ صُور |
|
وَكنتِ من الداءِ في نَشوَةٍ | |
|
| تُريكِ الحَياةَ ظَلاماً وَنور |
|
جَهِلتِ الهَوى فَنَكَرتِ الرَبيعَ | |
|
| وَقد تَنكُرينَ نُمُوَّ البُذور |
|
وَمَن لَم يُقَدَّر له أَن يَشمَّ | |
|
| يَنكر حَتّى أَريجَ العُطور |
|
فَقالَت صَدَقتَ وَلكِنَّني | |
|
| أُحِسُّ بِقَلبي جَفافَ الجُذور |
|
فَأَنتَ تَرى في الرَبيع الجَمالَ | |
|
| وَأُبصِرُ اَزهارَهُ كَالبُثور |
|
وَتُبصِرُ في الزَهرِ لَونَ الحَياةِ | |
|
| وَأُبصِرُ في الزَهرِ لَونَ القُبور |
|