في المشرقَين نشرتِ نورَ هُداكِ |
والغربُ عباقٌ بطيبِ شذاكِ |
يا جنَّة العلياءِ هل من جنَّةٍ |
تُهدي إلى العلياءِ مثلَ جَناك |
روحتِ صدرَ الدين حتى شاقَهُ |
ما تحملُ النَّسماتُ من رياك |
من حولكِ الأنهارُ يجري ماؤها |
مُتدافعَ الأمواج فوق ثَراك |
ولقد زكت فيكِ الغصونُ وصافحت |
قمَمَ الجبال وهامةَ الأَفلاك |
والعلمُ لاحت في البلاد بدورهُ |
مُذ فاض في جو البلاد سناك |
كم من فتىً حاز العُلى من بعد ما |
أَرواهُ من لبن العُلى ثدياك |
كم من فتىً نظم الحُلى في نحره |
لما ملأتِ من الجواهر فاك |
كم من فتى قد صار سيد قومه |
وفؤادهُ يهفو إلى مرآك |
يُثني عليكِ وقلبهُ بكِ هانمٌ |
ولسانهُ لهجٌ بنَشر حِلاك |
لكِ مهجةُ الأُم الرؤُوم وطالما |
أنسى حَنانَ الأُمهات هواك |
إِن يُكبرِ الناسُ الوفاءَ فانهم |
قد قدسوا عند البلاء وفاك |
فلكم أَعنتِ على الزمان وصَرفهِ |
وبذلتِ في مدد الضعيف قُواك |
أوَ يُنكر الشرقي ما أوليتهِ |
مما يخلد في الورى ذكراك |
أوَ يجحد الأبناءُ فضلك والعدى |
شهِدوا بما جادت بهِ كفاك |
كم من يتيمٍ كان عيل قومهِ |
فغدا إِمامهمُ بفضل غذاك |
كم جاهلٍ أَمسى منارَ بلادهِ |
بعد اقتباس العلم في مغناك |
رشَفَ المعارفَ وهو ريانُ الحشى |
حتى ارتوى من غاديات سماك |
كم تائهٍ أمسى على نهج الهدى |
لما تكحل طرفُهُ بهُداك |
كم من غويٍ ما مضى في غيهِ |
حتى طعنتِ فؤَادهُ بقناك |
للحكمة الغراءِ فيك مناورٌ |
وهاجةٌ تهدي إلى مِيناك |
للعلم والآداب فيكِ مشارعٌ |
سكرت بسلسل مائها أَبناك |
سقياً لمن ترعاهُ عينكِ في الدجى |
وتقودُه للمفخرات يداك |
رمقتكِ لاحظةُ السماءِ من الصبا |
ووقت من الزلل الذميم خطاك |
فنهجت في دنياك أقومَ مَنهج |
وفعلتِ ما يرضى بهِ مولاك |
من يتبع الحقَّ المبين فانما |
يطأُ الغُواةَ كما وطئتِ عداك |
يا غابةَ الآسادِ كم من جحفلٍ |
قد سار للهيجاءِ تحت لواك |
خاض المعامع بين أطراف الظبي |
تحميه من عُصبِ الفساد ظُباك |
أمنارةَ الإبحار هل من مركبٍ |
إِلا اهتدى في شرقنا بضياك |
فلأنتِ مرفأنا الأَمينُ فإن سطا |
جيشُ المعاطب نحتمي بحماك |
ولأَنت معقلنا الحريز إذا عدا |
يوماً علينا في الوغى اعداك |
طاردتِ أدواءَ النفوس فأَدبرت |
وجنودَها لم تخشَ غير دواك |
يُعيي الأَساةَ الداءُ إِن يُزمن وما |
أعياكِ داءٌ عالجتهُ نُهاك |
لم تحفلي بالنازلاتِ صواعقاً |
والعاصفاتِ تهبُ حول فِناك |
قد كان قلبكِ في النوائب جندلاً |
أَفيستطيع المرجفون أَذاك |
يا نجمةً زانت محاسنُها العُلى |
إِنَّ العُلى منذ الصبا تهواك |
آثاركِ الحسناءُ قد رُقمَت على |
ألبابنا تُخزي الذي عاداك |
لو لم يكن للماقتين غشاوةٌ |
تُعمي العيونَ لأَعظموا مسعاك |
سيري على منحاكِ تحرسكِ العُلى |
فالرشدُ كلُّ الرشدِ في منحاك |
واطوي من الأعصار ما شاءَ الأُلى |
يرعون بالمهجاتِ عهدَ ولاك |
ابداً تتوقُ إلى لقاكِ عيونُنا |
وقلوبُنا تحلو لها نجواك |
وعلى رضاكِ دماؤُنا موقوفةٌ |
والموتُ عذبٌ في سبيل رضاك |
نفديكِ بالأرواح غاليةً ولا |
نهوى سوى أن نستميتَ فداك |
يوبيلُكِ الذهبُّي فاض شُعاعُهُ |
في كل قلبٍ شاعرٍ بنداك |