ذِكْرَياتٌ رَدَّدَ الدَّهْرُ صدَاها | |
|
| وعُهُودٌ يَحْسُدُ المِسْكُ شَذَاهَا |
|
وَصَلَ العُرْبُ الغَطارِيفُ إِلَى | |
|
| غايةٍ لا تَبْلغُ الطَّيْرُ ذُرَاها |
|
وَجرَوْا صَوْبَ العُلاَ في طَلَقٍ | |
|
| زَاحَمَ الأَنْجُمَ واجْتَازَ مَدَاها |
|
تَقِفُ الأوْهَأمُ حَسْرَى دُونَه | |
|
| لاهثاتٍ قَصَّرَ الأيْن خُطَاها |
|
مَرَّ بالشَّمْسِ فَلمْ تَشْعُر بِهِ | |
|
| إذْ جَرَى إلاّ ظنُوناً واشْتِباها |
|
أُمَّةُ الصَّحْراءِ أَقْوَى جَلَداً | |
|
| مِنْ مَهَارِيها وأَهْدَى مِن قَطَاها |
|
صَخْرُها أَوْحَى إليها عَزْمَةً | |
|
| من بَني رَضْوَى وثَهْلاَن بَنَاهَا |
|
وسُكُونُ البِيدِ في رَهْبَتِها | |
|
| جَرّدَ الرُّوحَ وبالنُّورِ كَسَاها |
|
رُبَّ صَدْرٍ نَافَسَ الْحِلْمُ به | |
|
| كُلَّ صَحْراءَ بَعِيدٍ مُنْتهاها |
|
وخِلاَلٍ أَنْبَتَ الْجَدْبُ بِهَا | |
|
| عِزَّةَ اليَأْسِ فما لانَتْ قَناها |
|
أَبَتِ الضَّيْمَ فمَا مَدَّتْ يَداً | |
|
| لذَوي النُّعْمَى وَلمْ تَغْفِر جِباهَا |
|
تحْفَظُ العِرْضَ مَصُوناً ناصِعاً | |
|
| وإلى الطُّرَّاق مَبْذولٌ قِراها |
|
أمَمٌ إِنْ يَهْلِكَ المَالُ فإِن | |
|
| لُمِستْ أَعْراضُها حَلَّت حُبَاها |
|
رَدَّدَتْ أَشْعَارَها شَمْسُ الضُّحَا | |
|
| وسِرَاجُ اللَّيْلِ لَمَّا أَنْ تَلاَها |
|
آيَةٌ مِنْ نَفْحَةِ اللّهِ فَلَوْ | |
|
| كانَ للنِّسْيَانِ كف ما مَحَاها |
|
رَوْضَةٌ قد لَقَّبُوها كَلِماً | |
|
| تُخْجِلُ الْحُسْنَ إِذا الْحُسْنُ رَآها |
|
كَمْ حَكِيمٍ أوتِيَ الْحُكْم فَتىً | |
|
| وفَتَاةٍ مَلأَ التِّبْيَانُ فَاها |
|
تُرْسِلُ الأَمْثَالَ تَسْرِي شُرَّداً | |
|
| لا تُبَالي أَيْنَما كانَ سُرَاها |
|
قِفْ عَلَى الأَطْلال واذْكُرْ أمَّةً | |
|
| خَلّدَ الأَطْلالَ مأْثُورُ بُكَاها |
|
بَعَث اللّهُ بهَا نُورَ الْهُدَى | |
|
| من قُرَيشٍ فاصْطَفَاه واصْطَفَاها |
|
أَشْرَق الصُّبْحُ عَلَى الدُّنْيَا به | |
|
| بَعْد أن طَالَ عَلَى الدُّنْيَا دُجَاها |
|
وجَرَى في الأرْض يَنْبُوع هُدىً | |
|
| بعد أَنْ حَرَّقَها حَرُّ صَدَاها |
|
قَلَّد الفُصْحَى حُلىً قُدْسِيّةً | |
|
| فَزَهَاها من حُلاَها ما زَهَاها |
|
وبَياناً هاشِميّاً لو رَمَى | |
|
| قُلَلَ الأجيَال لانْهَدَّت قُوَاها |
|
أسْهُمٌ مِنْ كَلِمٍ مَسْنونةٌ | |
|
| جاهَدَتْ في اللّهِ واللّهُ بَرَاها |
|
كُلَّمَا صَاحَ بها في طَيْبةٍ | |
|
| مُسْتَثِيراً رَدَّدتها لاَبَتَاها |
|
يَزْعُمُ الشِّعْرُ سَفاهاً أنَّه | |
|
| لو عَفَتْ عَنهُ القَوافِي لَحكَاها |
|
نَزَل القُرْآنُ بالضَّادِ فَلَوْ | |
|
| لَمْ يَكُنْ فِيهَا سِواهُ لكَفَاها |
|
حَسْبُها أَنْ صَوَّرَتْ من آيِهِ | |
|
| مُعْجزاتٍ عَظُمَت أنْ تَتَنَاهى |
|
وَبنُو مَرْوَانَ للّهِ هُمُ | |
|
| عُدَّةُ الفُصْحَى وحُرَّاسُ حِماها |
|
رُبَّ مَأْثورٍ لَهُمْ ودَّ لَهُ | |
|
| صَدَفُ اللُّؤْلُءِ لَوْ كَانَ شِفَاها |
|
خُطَبٌ هُزَّ لها مِنْبَرهم | |
|
| يَقْذِف الهَوْلَ دِرَاكاً مَنْ رَماها |
|
وقَوافٍ سَلْ أبا حَزْرَتِها | |
|
| وسَلِ الأَخْطَلَ كَيْفَ ابتَدعَأها |
|
طُفْ ببغداد وسَلْ آثارَها | |
|
| أيُّ سِرٍ كَتَمَتْهُ شَفَتاها |
|
كُلُّ رَسْمٍ قد وعَى نادِرَةً | |
|
| لو جَرى النُطْقُ عليه لحَكَاها |
|
مَشَت الدنْيا إِليْها تَتَّقِي | |
|
| سُخْطَ بغدادَ وتَسْتَجْدِي رِضاها |
|
|
| يتحدَّى المُزْنَ أَنْ تَعْدو قُراها |
|
بَلَغَتْ بنتُ قُرَيْشٍ ذِرْوَةً | |
|
| بِبَني العَبَّاسِ صَعْباً مُرْتقَاها |
|
بَيْنَ شِعْرٍ كأزاهيرِ الرُّبا | |
|
| عَكَفَ الغَيْثُ عليها فَسَقاها |
|
هُوَ دَلٌّ رَدَّدَتْهُ قَيْنَةٌ | |
|
| وَهْوَ وَجْدٌ فاضَ مِنْ نَفْسِ فَتاها |
|
وعُلُومٍ تُرْجِمَتْ وَاسْتُنْبِطَتْ | |
|
| وَفُصُولٍ بَهَرَ الدُّنْيا حِجاها |
|
آبداتُ القولِ ولَّتْ بَعْدَهُم | |
|
| طَيَّبَ اللّهُ ثَراهُمْ وثَراها |
|
يا بَنِي العَبَّاسِ في مَصْرَعِكُمْ | |
|
| عِظَةُ الكَوْنِ وَعاها مَنْ وَعاها |
|
أُطْفِىءَ النُورُ ودالَتْ دَوْلَةٌ | |
|
| وَطَوَى الدهْرُ المُنَى حِينَ طَواها |
|
شَدَّ هُولاَكُو عَلَى أَرْبَاضِها | |
|
| شَدّةَ الذُؤْبَانِ أَبْصَرْنَ شِياها |
|
وجَرَى مِنْ حَوْلِهِ عِقْبانُهُ | |
|
| كُلَّما أَطْعَمَها هاج ضَراها |
|
لَهْفَ نَفْسِي بِنْتُ عَدْنانَ هَوَتْ | |
|
| وأسُودُ الغِيلِ قَدْ دِيسَ شَراها |
|
سائِلُوا دِجْلَةَ عَمَّا رَاعَها | |
|
| أَوْ دَعُوها فَكَفاها ما دَهاها |
|
قَذَفَ الكُتْبَ بهَا طَاغِيَةٌ | |
|
| هَلْ دَرَى ما كَنَزَتْه دَفَّتاها |
|
فَتَأَمَّلْ إِذْ جَرَى آذِيُّها | |
|
| أَتَرَى فيهِ عُقُولاً أَمْ مِياها |
|
ذَهَبَ العَسْفُ بآثارِ النُّهَى | |
|
| كَيْفَ تَحْيَا أُمَّةٌ ضاعَتْ نهاها |
|
طَارَتِ الفُصْحَى لِمِصْرٍ تَبْتَغِي | |
|
| ناعِمَ العَيْشِ خَصِيباً في ذَراها |
|
بَقِيَتْ فيها تُلاقِي شَظَفاً | |
|
| في أَحَايِينَ وفي حينٍ رَفاها |
|
ثُمَّ هَبَّتْ حَوْلَها عاصِفَةٌ | |
|
| خَلَطَ الذُّعْرُ ضُحاها بِمَساها |
|
وإِذَا نَجْمٌ بَدا مُؤْتَلِقٌ | |
|
| شَخَصَتْ نحوَ سَنَاهُ مُقْلتَاها |
|
وإِذا مُنْقِذُ مِصْرٍ ماثِلٌ | |
|
| وإذا مِصْرٌ وقَدْ شُدَّتْ عُراها |
|
وإذا العِلْمُ يُدَوِّي صَوْتُهُ | |
|
| وإِذا الضَّادُ أضاءَتْ صَفْحَتاها |
|
ظَفِرَتْ بالعَبْقَرِي المُرْتَجَى | |
|
| فاسْتَجَابَتْ للعُلا لمَّا دَعاها |
|
دَوْلةُ العِلْمِ بِهِ رُدَّتْ إلى | |
|
| عَرْشِ مِصْرٍ بَعْدَ أَنْ طَال نَواها |
|
مَنْ كَإِسْماعِيلَ في آلائِهِ | |
|
| يَنْفَدُ القوْلُ ولا يَفْنَى جَداها |
|
زُهِيَتْ مِصْرُ جمَالاً وَسَناً | |
|
| بِأَبِي الأشْبالِ واهْتَزَّتْ رُباها |
|
تخْجَلُ السُّحْبُ إذا ما وازَنَتْ | |
|
| مَرَّةً بَيْنَ نَداهُ وَنَداها |
|
غَرَسَ العِلْمَ بِمِصْرٍ دَوْحَةً | |
|
| كُلَّمَا أَخْضَلَها طَابَ جَنَاها |
|
سَمَتِ الآدابُ والدُّنْيا بِهِ | |
|
| وَبَدَتْ تَخْطِرُ في أَزْهَى حُلاها |
|
يا ابْنَ إسْمَاعِيلَ يا ذُخْرَ النُّهَى | |
|
| جَدَّدَتْ مِصْرُ بِكُمْ عَهْدَ صِباها |
|
كُلُّ أَشْتَاتِ النَّدَى إنْ فُرِّقَتْ | |
|
| فَإِلَى بابِ فُؤادٍ مُلْتَقاها |
|
هِمَّةٌ شادَتْ بِمِصْرٍ دَوْلَةً | |
|
| صانَها الإِنْصَافُ والعِلْمُ وَقاها |
|
مَسَحَتْ مِصْرُ بهِ عَيْنَ الكَرَى | |
|
| بَعْدَ أَنْ طالَ عَلَى مِصْرٍ كَراها |
|
وَثَبَتْ وَثْبَتَها دَائِبَةً | |
|
| كلَّما أَجْهَدَها السَّعْيُ زَجاها |
|
أًيْنَما أبْصَرتَ تَلْقَى نَهْضَةً | |
|
| تَمْلأُ العيْنَ وإِقْبَالاً وَجَاها |
|
وَقُصُوراً لاَمِعاتٍ كَالضُّحَا | |
|
| رَدَّدَ العِرْفانَ في مِصْرَ صَداها |
|
يا نَصِيرَ العِلْمِ فِي مَمْلَكَةٍ | |
|
| بَلَغَتْ بِالْعِلْمِ غاياتِ مُناها |
|
كُلَّ يَوْمٍ لَكَ حَفْلٌ لِلعُلا | |
|
| وَأَيادٍ تَبْهَرُ الدُّنْيا لُهاها |
|
وَجَدَتْ بِنْتُ قُرَيْشٍ مَوْئِلاً | |
|
| في ذَرَا المُلْكِ وحِصْناً مِنْ عِداها |
|
لُغَةُ القُرْءَانِ تُزْهَى شَرَفاً | |
|
| أنَّ حامي الدِّينِ وَالْمُلْكِ حَماها |
|
حِكْمَةُ المَأْمُونِ عَادَتْ دارُها | |
|
| بِابْنِ إِسْماعيلَ مِنْ بَعْدِ بِلاَها |
|
مَجْمَعُ الفُصْحَى تَجَلَّى مُشْرِقاً | |
|
| في سَماءِ الْمَجْدِ مُجْتَازاً سُهاها |
|
هُو في مِصْرَ مَنارٌ كُلَّما | |
|
| أَرْسَلَ الأضواءَ في مِصْرَ هَداها |
|
رَأَتِ البَصْرَةُ فِيهِ حَفْلَها | |
|
| وَرَأَتْ بَغْدَادُ فِيه مُنْتَدَاها |
|
مَنْ رَسُولِي لأَعارِيبِ اللِّوَى | |
|
| أَيْنَ أَعْرَابُ اللِّوَى أَيْنَ لِوَاها |
|
أَنَّ مِصْراً بَعَثَتْ آدابَها | |
|
| وأبا الفاروق قَدْ أَحْيا لُغاها |
|
وَبنَى اليومَ عُكاظاً ثانياً | |
|
| تَاهَ إِعْجَاباً بِه الدَّهْرُ وبَاهَى |
|
هَلْ حَبا الآدَابَ تاجٌ مِثْلَما | |
|
| صاحِبُ التَّاج بِمِصْرٍ قَدْ حَباها |
|
أَنْهَضَ التَّأْلِيفَ مِنْ كَبْوتِهِ | |
|
| فَسَقَى الأَحْلاَمَ رُشْداً وَغَذاها |
|
كَمْ كِتَابٍ دَوَّنَتْ أَخْبارُهُ | |
|
| مِنَناً كان فؤادٌ مُبْتَداها |
|
رَحَلَ الأَعْلامُ في الغَرْبِ إِلَى | |
|
| سُدَّةٍ يَسْطَعُ بِالْعِلْمِ سَنَاها |
|
فَرَأَوْا مَمْلَكَةً وَثَّابَةً | |
|
| ومَلِيكاً بِهُدَى اللّهِ رَعاها |
|
دُمْ فُؤَادَ الْقُطْرِ تَحْيا أُمَّةٌ | |
|
| لَمْ يَكُنْ إِلاَّكَ يَوْماً مُرْتَجاها |
|
وَسَما الفَارُوقُ نَجْماً ساطِعاً | |
|
| لِبَنِي مِصْرَ وَعُنْوانَ عُلاها |
|