أَهاجَ شُجونَ النَفسِ ذِكرُ أَحِبَّتي | |
|
| فَقادَ الهَوى قَلبي إِلى كَرْمِ مَنبَتي |
|
وَحَنَّت إِلى الأَرباعِ شَوقاً أَضالِعي | |
|
| وَهَزَّ فُؤادي فَرطُ وَجدي وَصَبوَتي |
|
وَدارَ بِبالي ذِكرُ أَهلي وَمَربَعي | |
|
| وَذِكرُ شَبابي ثُمَّ ذِكرُ عَقيقَتي |
|
وَصارَ بُعادي كُلَّ يَومٍ يَزيدُني | |
|
| وُلوعاً إِلى مَن لا يَزالُ بِفِكرَتي |
|
أَضيقاً وَبُعداناً وَإِخلافَ غايَةٍ | |
|
| وَنُكراً وَإِرهاقاً فَوَيلي لِشِقوَتي |
|
فَلا بُدَّ مِن عَودي إِلى مَن بِقُربِهِ | |
|
| تَقَرُّ بِهِ عَينايَ مِن حَرِّ لَوعَتي |
|
وَلا بُدَّ مِن رجعَى إِلَيهِ مَعَ الهَوى | |
|
| فَقُربي مِنَ المَحبوبِ يُذهِبُ وَحشَتي |
|
فَأَطلَقتُ رِجلَيَّ البُكورَ مُهَروِلاً | |
|
| وَطِرتُ كَما طارَت حَمامَةُ فاخِتِ |
|
مَطَرتُ مَحَطَّ القاطِراتِ بِأَدمُعٍ | |
|
| تَحَدَّرُ مِن كَبدٍ طَبَتهُ كَنانَتي |
|
أَلا قَبَّحَ اللَهُ البُعادَ وَلَفظَهُ | |
|
| وَجَمَّعَ شَملي بِالحَبيبِ وَشيعَتي |
|
رَكِبتُ قِطاراً أَدهماً نارُ جَوفِهِ | |
|
| أَقَلُّ اِستَعاراً مِن شواظٍ بِمُهجَتي |
|
جَلَستُ عَلى الرَمضاءِ وَالعَقلُ ذاهِلٌ | |
|
| تَطيرُ بي الآمالُ حَيثُ مَحَلَّتي |
|
وَكُنتُ كَثيراً ما أَرانيَ دافِعاً | |
|
| بِصَدري قطاراً لا أَراهُ كَسُرعَتي |
|
وَطَوراً أَراني تُصفقُ الكَفُّ أُختَها | |
|
| كَأَنّي إلى رَوضي أَطيرُ لِفَرحَتي |
|
فَلَو كانَ في قَلبِ الأُديهمِ عُشرُ ما | |
|
| بِقَلبي لَزادَ الجَريَ أَلفاً لِوجهَتي |
|
وَما لاحَ لي نَخلُ العَشيرَةِ وَالرُبى | |
|
| وَصَفَّرَ إيذاناً قِطارُ سَلامَتي |
|
وَما هَدَّأَ الإِسراعُ حَتّى ظَنَنتُني | |
|
| كَمَن مَلَكَت وُجدانَهُ حالُ نَشوَةِ |
|
رَقَصتُ اِبتِهاجاً لا وَحَقِّكَ رَقصَةً | |
|
| حَسِبتُ بِها أَنّي وَصَلتُ لِنُصَرتي |
|
وَما زِلتُ حَتّى هَزَّني صَوتُ صائِحٍ | |
|
| بِأَهلاً وَسَهلاً يا رَفيقَ صَبابَتي |
|
دَفَعتُ بِنَفسي بَينَ خِلٍّ وَصاحِبٍ | |
|
| فَعانَقَني مَن قَلبُهُ رَهنُ مِشيَتي |
|
وَثَنّى رَفيقٌ بِالسَلامِ وَسُؤلِهِ | |
|
| وَثَلَّثَ بِالتَقبيلِ في حُرِّ وَجنَتي |
|
طَرِبت لِقُربي مِن حَظيرَةِ والِدي | |
|
| وَأُمّي وَعَمّي وَالشَقيقِ وَبيئَتي |
|
رَكِبتُ حِصاناً مُسرَجاً وَشيُ سَرجِهِ | |
|
| مِنَ الذَهَبِ الغالي وَسُرعٌ بِقَبضَتي |
|
وَقُلتُ لِرَكبي سِر إِلى خَيرِ مَوطِنٍ | |
|
| بِهِ خَيرُ مَن في الأَرضِ لا زالَ قِبلَتي |
|
وَكُنتُ كَوالٍ بَينَ شَعبٍ يُجِلُّهُ | |
|
| فَأَنشَدَت شِعراً طَرَّبَ الرَكبَ نَغيتي |
|
وَما بانَ لي رَبعٌ قَضَيتُ بِهِ الصِّبا | |
|
| وَعِشتُ رَغيدَ العَيشِ وَسطَ عَشيرَتي |
|
وَما حَدَجَتهُ العَينُ إِلّا وَأَرسَلَت | |
|
| تُنقِّطُهُ دُرّاً وَتصفيهِ رَغبَتي |
|
وَصِرتُ أُجيلُ الطَرفَ في الرَوضِ عَلَّني | |
|
| أُكَفكِفُ ما قَد سالَ مِن فَرطِ عَبرَتي |
|
وَغالَ فُؤادي ما يَرِنُّ بِمَسمَعي | |
|
| زَغاريدُ حورِ الحَيِّ بُشرى بِعودَتي |
|
وَبَينَ المَغاني هَلَّلَ الجَمعُ واقِفاً | |
|
| وَسَلَّمَ لَثماً في يَدَيَّ وَجَبهَتي |
|
وَطَوَّقَ جيدي كُلُّ من جَمَّ حَبُّهُ | |
|
| وَفاضَت حَناياهُ فَعادَلَ زَفرَتي |
|
جَلَسنا عَلى صَدحِ الرَبابِ وَمُنشِدٌ | |
|
| يُغَنّي بِشِعرِي بَينَ رَقصٍ وَنَقرَةِ |
|
وَحَرَّكَ مِنّي الشِعرَ وَالشِعرُ تابِعي | |
|
| فَصُغتُ فَريدَ الدُرِّ يُروى كَشُهرَتي |
|
وَجُدتُ بِما قَد كانَ عِندي مُخَبَّأً | |
|
| أَضِنُّ بِهِ الأَيّامَ إِلّا لِعِترَتي |
|
وَيا زَهوَ نَفسي حينَ أَسمَعُ مِدحَتي | |
|
| فَأَزداد نَظماً مِن جَواهِر جَعبَتي |
|
قَضَينا لَيالِي لَو تُتاحُ لِفاقِدٍ | |
|
| وَحيداً لَهُزَّ القَلبُ مِنهُ كَهِزَّتي |
|
غَدَونا وَجُلُّ الأَهلِ يَصحَبُني إِلى | |
|
| أَغَنَّ ضَحوكِ الكِمِّ أَخصَبِ تُربَةِ |
|
مَشَيتُ عَلى الهِينَى أَرومُ خَميلَتي | |
|
| أُرَوِّحُ عَن قَلبٍ بِهِ نارُ حُرقَتي |
|
وَجَدنا صُفوفَ النَخلِ تَبدو كَعَسكَرٍ | |
|
| وَفيها مِنَ الغُلبِ الَّتي قد تَعالَتِ |
|
وَفيها مِنَ الرُّمّانِ ما مُزَّ طَعمُهُ | |
|
| وَتُفّاحُها يَزهو كَخَدِّ حَبيبَتي |
|
وَفيها مِنَ الزَيتونِ ما طالَ دَوحُهُ | |
|
| وَلَيمونُها حُلوٌ غَزيرُ العُصارَةِ |
|
وَفيها مَن الأَعنابِ ما عَزَّ صِنفُهُ | |
|
| وَفاكِهَةٍ زَوجَينِ تدنو لراحتي |
|
ومن برتقالٍ فاق وصفاً ضريبَهُ | |
|
| وريحانها يحكي رَواحاً رَويحَتي |
|
وَسِدرٌ بِها قَد عَطَّرتهُ تُرُنْجُها | |
|
| خِلافَ كَثيرٍ لا يُعدُّ لِنِعمَتي |
|
طَباني عَلى هَمّي نَضيرُ بِساطِها | |
|
| فَخِلتُ كَأَنّي في رِياضِ الجَنَّةِ |
|
وَفيها نُوَيعيرٌ يَئِنُّ وَما اَشتَكي | |
|
| صَبابَةَ وَجدٍ في الحَياةِ كَأَنَّتي |
|
وَفيها عُيونُ الماءِ تَجري سُلاسِلاً | |
|
| وَفيها السَواقي غادِياتٍ كَفِكرَتي |
|
رَأَيتُكَ تَوّاقاً إِلى أَصلِ شيعَتي | |
|
| فَإِنّي إِلى عُليا جُهَينَةَ نِسبَتي |
|
وَحَمّادُ صَحبٍّ مِن عَلِيٍّ تَشَعَّبَت | |
|
| إِلى عُقبَةَ بنِ العامِرِيِّ قَبيلَتي |
|
فَما زالَ مِنّا الشاعِرُ الناثِرُ الَّذي | |
|
| إِذا قامَ هَزَّ القَلبَ عَذبُ عِبارَةِ |
|
وَمِنّا الفُوارِسُ أَينَ حَلَّت رِكابُهُم | |
|
| تَخِرُّ لَهُم كُلُّ الجِباهِ لِقُوَّةِ |
|
وَعُثمانُ وَاِبنُ العاصِ عَمرٌ وَرَهطُهُ | |
|
| تَسامى إِلَينا نَبعُهُم مِن أُمَيَّةِ |
|
فَهَلّا رَوَيتَ الخِبرَ عَن فَتحِ جَيشِنا | |
|
| لِمِصرَ وَما أَبداهُ رَجلُ جُهَينَتي |
|
أَقَمنا بِسوهاجٍ فَعَزَّ مَكانُها | |
|
| وَدانَت لَنا الدُنيا عَلى بُعدِ شِقَّةِ |
|
تَرَكنا بِبُلبيسٍ وَبِنها عِمارَةً | |
|
| وَزادَت قِنا فَخراً رِجالُ حجازَةِ |
|
مَغاني جَميعِ الحَيِّ بِالكِلسِ دُعمُها | |
|
| تُشادُ بِصاروجٍ صَليبٍ بِنورَةِ |
|
تَرامَت مَدى الأَطرافِ عَرضاً فَطولُها | |
|
| سَحابَةُ يَومٍ مِن جُنوبٍ لِدارَتي |
|
بِسَفحِ جِبالِ اللوبِياءِ مَقَرُّها | |
|
| وَفي أَرضِها الحَصَبا كَدُرٍّ مُفَتَّتِ |
|
أَرى بَلَدي خَيرَ البِلادِ وَتاجَها | |
|
| لَبِست بِهِ النُعمى وَثوبَ شَبيبَتي |
|
عَرَفتُ بِهِ ما ضَمَّني مِن رِحابِهِ | |
|
| وَكانَت مَراحي بَعدَ مَنزِلِ جَدَّتي |
|
حَفِظتُ بِهِ القُرآنَ وَالنَحوَ وَاللُغى | |
|
| وَقَرضِيَ شِعراً سارَ فيهِ كَسيرَتي |
|
فَهَذا وَذاكَ الأَصلُ في ضَبطِ مُضغَتي | |
|
| وَعَونُ الفَصيحِ النابِهِ المُتَثَبِّتِ |
|
أَقَمتُ بِهِم شَهراً وَعِشرينَ لَيلَةً | |
|
| حَسِبتُ مَداها لَحظَةً مِن بُريهَةِ |
|
وَقَفتُ طَويلاً في وَدادِ قَبيلَتي | |
|
| وَأَهلي وَمَن قَد كانَ يَهوى لِلُمَّتي |
|
أُعَلِّلُ بِالآمالِ نَفساً حَزينَةً | |
|
| أُفَرِّجُ عَنها ما اِستَجَنَّ لِكُربَتي |
|
وَما أَنسَ لا أَنسَ الَّذي هُوَ سالِبي | |
|
| حَياتي وَعَقلي ثُمَّ قَلبي بِوَقفَتي |
|
وَكُنتُ كَنَخلٍ كَفكَفَ الريحُ سوقَها | |
|
| بَلى كَسَفينٍ بَينَ ريحٍ وَمَوجَةِ |
|
وَكانَ جَميعُ الواقِفينَ مُنَهنَهاً | |
|
| يساقِطُ دَمعاً مِن دِماء حُشاشَتي |
|
فطَوراً تَراهُم بَينَ يَأسٍ مُقنِّطٍ | |
|
| وآناً تَجيشُ بِهِم لَواعِجُ عَبرَةِ |
|
عَجِبتُ لِدَهرٍ فَرَّقَ الشَملَ بَينَنا | |
|
| وَمِن عادَةِ الأَيّامِ ظُلمٌ كَقِصَّتي |
|
صَبَرنا عَلى حُكمِ الزَمانِ وَقامَ لي | |
|
| مُعيِّبُ رَحلي يُنشِدُ الشِعرَ بُغيَتي |
|
وَجاءَ قَطينُ الحَيِّ بِالنُجبِ تَزدَهي | |
|
| وَتَنغِضُ رَأساً مَع صَهيلٍ وَرَكلَةِ |
|
رَكِبنا كَما جئنا عَلى الرَغمِ مِن أَسىً | |
|
| يُفَتِّتُ كِبدي ثُمَّ يَجرَحُ مُقلَتي |
|
وَذَكَّرني بَيني بَأَنَّ وُجودَنا | |
|
| وَإِن طال مَولودٌ يَعودُ لِبَدأَةِ |
|
وَصَلنا إِلى القَطرِ الَّذي كانَ فيهِ ما | |
|
| سَمِعتَ بِرَقصي ثُمَّ زَفَّ وَليجَتي |
|
رَكِبتُ جَزوعاً لا وَرَأسِكَ إِنَّني | |
|
| كَسيرُ الحَنايا مِن فِراقِ أَحِبَّتي |
|
هَضيمُ الحَشا وَالنارُ بَينَ أَضالِعي | |
|
| تَأَجَّجُ زَفراً مِن هَلوعٍ كَمُقلِتِ |
|
وَصَلتُ إِلى المِنيا وَلَستُ بِمُنيَتي | |
|
| وَعُدتُ إِلَيها وَالسَلامُ عَلى الَّتي |
|
بَنيَّ وَصاتي أَن أَراكُم عَلى المَدى | |
|
| مَساميحَ أَجواداً بِحَقِّ أُبُوَّتي |
|
فَما المَرءُ إِلّا كَالسِراجِ وَضَوئِهِ | |
|
| يُنيرُ قَليلاً ثُمَّ يَخبو كَسَفرَتي |
|
عَلَينا مِنَ اللَهِ الكَريمِ رِضاؤُهُ | |
|
| وَرَحمَتُهُ تَغشى جَميعَ كِنانَتي |
|
حَياةٌ وَمَوتٌ ثُمَّ عَودٌ إِلى اللِقا | |
|
| هُناكَ بِفِردَوسٍ تَدومُ إِقامَتي |
|