نُفخَ الصورُ فهبّوا مسرعينْ |
مثلَ ما نفرَّتَ طيراً بالصفيرِ |
وعَلَى الصهباء كانوا عاكفينْ |
من رأَى سربَ مها حولَ غَديرِ |
كم فتاةٍ فتنةٍ بالمقلتين |
واعتدالِ القدِّ والجيدِ التليعِ |
جمّتِ الشعرَ إِلى السالفتين |
فاستبدتْ بابنِ هاني والصريع |
أَخذتْ من ذيلها للركبتينْ |
ومن الطوقِ إِلى أقصى الضلوعِ |
ومن الكمّينِ حتى المنكبَين |
فبدتْ في درِعها غيرِ المنيع |
من عَرَاءٍ واكتساءٍ بينَ بينْ |
بل من الحسنِ بجلبابٍ بديع |
وفتى من حسنه ملءُ العيون |
حَسَن اللفتة كالظبيِ الغرير |
هو لو لمْ يتخذْ زِيَّ (الذينْ) |
عُدَّ من حزبِ (اللواتي) في الأَثيرِ |
كلُّ إِلفين انضوى شملهما |
أَقبلا فاعتنقا أَيّ اعتناقْ |
لو صببتَ الماءَ ما بينهما |
لم يكدْ يخلُصُ من فرطِ اعتلاقْ |
علقتْ كفٌ بكفٍ منهما |
شركاً واختلفتْ ساقٌ وساقْ |
ودنا الخدانِ منْ بعضِهما |
حينما الجيداِ هّما بالتلاقْ |
وعَلَى الأَنغامِ كانتْ لهما |
خطواتٌ باتزانِ واتساق |
رقصا شتى ضروبٍ وفنونْ |
من دبيبٍ خافتٍ أَو ذي صريرِ |
بينما عومُهما عومُ السفينْ |
إِذ هو بالحَجلِ كالطيرِ الكسير |
خلتُ ثدييها إِليه انتقلا |
فرطَ إِلحاحٍ بضمٍ واقتراب |
لم أَجدْ صدرَ فتى قد حملا |
قبله فيما مضى نهدَيْ كعابِ |
كيفَ ترجو صحوَ من قد ثملا |
بمدامٍ وغرامٍ وشبابِ |
أَيَّ نجوى وحديثٍ أَرسلا |
همسُها همسُ دلالٍ وعتاب |
وهو لا ينفكُّ يروي العللا |
وله غُنَّةُ رُجعي ومتاب |
أُخذٌ أَيسرها سحرٌ مبينْ |
هي ما بينهما أَوحى سفير |
تبعثُ الشوقَ وتغري وتلين |
وتثيرُ الوجدَ في القلبِ وتوري |
نَفَسٌ مَعْ نَفَسٍ ممتزجُ |
طيِّبُ النكهةِ معسولُ المذاقِ |
وتباريحُ هوى تعتلجُ |
عجزتْ عن كظم واريها التراقي |
وعلافاتُ نفوسٍ تشج |
بين جذبٍ والتفافٍ وعناق |
شبَّ في كل لهاةٍ وهَجُ |
وعَلَى بَرْحِ الجوى يحلو التساقي |
ليت شعري كيف حال الراقصينْ |
بعدما الرقص غزا ذات الصدورِ |
أَيّ وجدانٍ وحسُ يجدون |
من هوى النفسِ وخلجاتِ الضمير |
خَبَتِ الأَنوارُ إِذ داروا معاً |
لا يلوحُ النجمُ إِلا في الظلامِ |
شمّ تَرَ البُهرَةَ روضاً ممرعاً |
أَلَّفتْ ما بينَ أَزواجِ الحمامِ |
أَو خضماً بالجواري أَترعا |
تتبارى مسرعاتِ للأَمامِ |
أَو سماءً أُفقُها قد أَطلعا |
أَنجماً دارتْ بومضٍ واضطرام |
كل مثنى، فرقدان اجتمعا |
يستعينان بضمٍ ولزام |
هكذا كل مشوقٍ ذي شجونْ |
أَبصرَ المنيةَ في الليلِ الضريرِ |
فإِذا الأَنوارُ ضاءَتْ بعد حين |
نمّتِ الوجناتُ عن سرّ الثغور |
كلما الفصلُ انقضى أَو كربا |
لجَّ بالتصفيقِ كي يستأْنفا |
من رأَى ورقاء تغدو أَزغبا |
كلما زادته زَقَّا أَلحفا |
فإِذا ما فصلتْ عنه حبا |
وجناحاه عليها رفرفا |
هكذا كفاً بكفٍ ضربا |
يستجيشُ العزفَ لما وقفا |
وإِذا الفترةُ كانت، ذهبا |
مستفيضين، وزارا المقصفا |
ثم عاد الرقصُ أَورى ما يكونْ |
زندُه والعزفُ موصولُ الهدير |
وعَلَى غيرِ القذى غضّ الجفون |
من رأَى الإِلفين في عيشٍ قرير |
كل عضوٍ لهما عاد مشاعا |
فله من نهدها مستندُ |
جعلتْ زنارَها منه الذراعا |
وعَلَى عاتِقِهِ تعتمدُ |
وبفضلِ الرقصِ نالا ما استطاعا |
إِن للرقصِ يداً لا تجحد |
زعموه يورثُ الجسمَ اضطلاعاً |
ونشاطاً وهو لهْوٌ ودد |
وأَراه بين أَهواءٍ صراعا |
ريضتِ النفسُ به والجسد |
كلُّ صعبٍ فهو بالرقص يهونْ |
وعسيرُ الأَمر فيه كاليسيرِ |
ربّ جدٍ كامنٍ طيّ مجونْ |
وكبير مبتداه من صغير |