لياليكِ يا بغدادُ في الحسنِ كالفجر |
معطّرة الأَنفاسِ طيّبة النشْرِ |
وَللنورِ والسحرِ المبينِ سوادُها |
كذاك سوادُ العينِ للنورِ والسحرِ |
وَما روعةُ الإشراقِ أو رونقُ الضحى |
بأحسن مِنْ لألآءِ أنجمِها الزُهر |
ففي كلِّ شطرِ من صفاءِ سماءِها |
يلاقيك وَجهٌ بالطلاقة والبشر |
وَما القبةُ الزرقاءُ لولا نجومُها |
وَلولا ازدهارٌ للهلالِ وَللبدر |
إذا الريحُ مرّتْ فوق (دجلة) رفرفتْ |
بأجنحةٍ فيها الزوارقُ إذْ تجري |
وَباتَ شعاعُ النورِ في الماءِ شعلةً |
تشبُّ بأَحشاءِ المياه وَتستشري |
وَربَّ فتى أمسى عَلَى الشطِّ منشداً |
عيون المها بَيْن الرُصافةِ والجسر |
فأوردني ما قَدْ تحاميتُ وِردَه |
زماناً وَهاجَ الوجدَ والشعرَ في صدري |
"فيا ليلةً من دونها ""ألفُ ليلةٍ""" |
سأذكرُها بالخيرِ ما مُدّ في عمري |
شهدتُ بها ما يملأُ النفسَ بهجةً |
وَيقضي على العينين والقلبِ بالأَسر |
كأن الحسانَ الغيدَ يخطرنَ بيننا |
ملائكةُ الرحمن في ليلةِ القدر |
فكمْ غادةٍ تصبي الحليمَ بسحرِها |
تضيءُ ظلامَ الليل كالكوكبِ الدري |
تَفَتَّحَ أعلى الثوب عن غضِّ جسمِها |
كما انشقَّ كمُّ الزهرِ عن ناضرِ الزهر |
تَقَلَّصَ عن صدرٍ وَظهرٍ سوادُه |
كما انشقَّ ليلٌ عن عمودٍ من الفجر |
تشبَّثَ لما زلَّ أعلاه عنهما |
بناهدِ ثدييها وَدار عَلى الخصر |
تموّج دون الكشحِ وانداحَ ذيلُه |
فكانتْ كمن يطفو عَلَى لججٍ خضرِ |
يزيد بريقاً عقدُها فوق نحرِها |
فنورٌ عَلَى نورٍ حُلاها عَلَى النحر |
إذا رطَنَتْ كانت لكسرى وَقيصر |
وَإِن أَعربتْ فهي الصريحةُ من فهر |
أَرى سهري فيها أَلذَّ من الكرى |
بعيني طليحٍ من سهادٍ وَمن سكر |
وَما أنسَ من شيءٍ فلا أَنس ليلةً |
تبسّم فيها الأُفقُ عن بارقٍ يسري |
بدا من أهاضيبِ السحابِ كأنه |
خوافقُ راياتٍ عَلَى عسكر مجر |
تأَلَّق في الأُفق الشآميِّ موهناً |
يضيءُ ويخبو كالمشيرِ إلى أمر |
فحيّا قباباً في العراقِ منيفةً |
وأيقظَ من نومٍ (أبا الهولِ) في مصر |
رجوتُ (لبغدادَ) رجاءَ المحبِ أَنْ |
تعود لياليها بأيّامها الغرِّ |