أَسيغوا البثَّ واحتبسوا الزَّفيرا |
وَإِنْ ملأَ الجوانحَ والصُّدورا |
فما يرضي الحسين بأَن تطيشوا |
وَإن كان المصابُ به كبيرا |
فصبراً واستمدوا منه روحاً |
تعيدُ جَزوعكم جَلْداً صبورا |
أَلم يكن أُسوةً في كلِّ خطبٍ |
يدكُّ بهولِ هدَّته (ثبيرا) |
عَلَى أَنَّ (الحسينَ) وَإِنْ نعوه |
كتابٌ بالخلودِ غدا جديرا |
صحائفُه المجيدةُ ليس تُطوى |
عَلَى الأيامِ بل تَطوي العصورا |
فيا رمزَ الحياةِ أَفضْ علينا |
عزائمَ في الشدائدِ لَنْ تخورا |
تمطّى ليلُ محنتِنا فلمّا |
سفرتَ سفرتَ صبحاً مستنيرا |
وَكدنا ندفنُ الآمالَ حتى |
أَهَبْتَ بنا فكنتَ لها نُشورا |
صدقتَ فكنتَ أَوفى الناسِ عهداً |
وَأَنقاهم وَأطهرَهم ضميرا |
ظللتَ عَلَى الصراحةِ حين راغوا |
وَوَفَّيْتَ المواثقَ والنذورا |
فلما أيسروا خذلوك بَغْيا |
وَكنتَ لهمْ بشدَّتِهم نصيرا |
وَليس عليك إنْ نكثوا وَخانوا |
وليس عليك إنْ وَعَدوك زورا |
هَوَيْتَ فزدتَ يومَ هويتَ قدراً |
وَلم يك فوزَهمْ إلاّ غرورا |
فكنتَ ككفَّةٍ رجحتْ وَفاءً |
وَكانوا كفَّةً شالتْ خفورا |
هويتَ فكنتَ صاعقةً عليهمْ |
تشبُّ عَلَى مطامِعهمْ سعيرا |
كذاك السيفُ أَمضى وَهو هاوٍ |
وَأَقطع مضرباً منه شهيرا |
حكيتَ (محمَّداً) لمّا أَتته |
قريشٌ تبذلُ المالَ الكثيرا |
فقالوا خلّ ما تدعو إليه |
وَكنْ إنْ شئتَ ملكاً أَو أميرا |
فقال وَعينه بالدَّمع شكرى |
يروّي دمعُها الأملَ النَّضيرا |
أَما واللهِ ربي لو وَضعتمْ |
بكفي الشمسَ والقمرَ المنيرا |
لمّا خَلَّيْتُ ما أدعو إليه |
وَلو إدراكُهُ أَمسى عسيرا |
أبا الأملاك إنَّكَ طودُ عزٍ |
يردُّ الطرفَ من زيغٍ حسيرا |
أَعدتَ لنا (أَبا الحسنين) كَهْلا |
وَشيخاً شيبة الحمد الوقورا |
وَجلَّلك المشيبُ فكان تاجاً |
يفيض جلالة وَهدى وَنورا |
وَأشبهتَ (الوصيَّ) أَباك بأْساً |
وَجدَّك (أحمداً) كرماً وَخيرا |
خلعتَ الملكَ عَنْ كتفيك لمّا |
بدا لك ثوبُه ضَيْقاً قصيرا |
تبوأْتَ القلوبَ سريرَ ملكٍ |
غداة بذلتَ تاجَك والسريرا |
ركلتَ التّاجَ لا ترضاه غلاّ |
وَغيرُك يعقدون التّاجَ نيرا |
وَربَّ مملَّكين علوا عروشاً |
كأَنهموا بها نزلوا قبورا |
أَروني في أديمهمُ مصحاً |
أَكنْ لهمُ (الفرزدق) أَو (جريرا) |
رضيتَ بأنْ تكون وَأنتَ حرٌ |
لتنقذنا وَتفدينا أَسيرا |
فكنتَ وأنتَ مأْسورٌ عزيزاً |
(كقيصر) (والرشيد) (وَأزدشيرا) |
غضبتَ (لثالثِ الحرمين) حياً |
فكنتَ لحفظه سيفاً طريرا |
وما أَغفلته ميْتاً ولكنْ |
ربضتَ ببابه أسداً هصورا |
تقدسَّ حين قبَّل نعل طه |
وضمَّك تربُه فغدا عبيرا |
سعيتَ وما بلغت مناك لكنْ |
شرعتَ لنا الطَّريقَ فَلَنْ نجورا |