نِصْفُ قَرنٍ وَ لَمْ أُبدِّلْ حِذَائِي
|
وَ رِدِائِي قَدْ صَارَ مِنْ أَعْضَائِي
|
نِصْفُ قَرْنٍ ونَيِّفٍ وَ الرَّزَايَا
|
تَنْفُثُ القَهْرَ وَ الأَسَى في دِمَائِي
|
نِصْفُ قَرْنٍ لَمْ يَرْتَسِمْ لِيَ ظِلٌّ
|
وَ كَأنِّيْ أَهِيمُ في دَهْمَاءِ
|
أَتَلَوَّى وَ البُؤْسُ يَنْهَشُ أَحْشَائِيْ
|
بَأَنْيَابِ حَيَّةٍ رَقْطَاءِ
|
صَامِتٌ وَاجِمٌ أُدَنْدِنُ أَوْجَاعِيْ
|
أُغَنِّيْ أُنْشُوْدَةَ الأَشْقِيَاءِ
|
لَيْتَنِيْ لَمْ أَكُنْ أَتَيْتُ إلى الدُّنْيَا
|
فَكُنْتُ اسْتَرَحْتُ مِنْ أَعْبَائِي
|
يُقْبِلُ اللَّيْلُ وَ النَّهَارُ وَ يَمْضِيْ
|
وَ شَقَائِيْ يَجْتَرُّ مُرَّ شَقَائِي
|
شَاءَنِيْ الدَّهرُ أَنْ أَكُوْنَ تَعِيْسَاً
|
فاسْتَضَافَ الآلامَ في أَحْشَائِي
|
كَفَحِيْحِ الحَيَّاتِ بَيْنَ ضُلُوْعِيْ
|
وَ عَوِيْلِ الرِّيَاحِ في البَيْدَاءِ
|
وَ سَعِيْرٌ في دَاخِلِيْ يَتَلَظَّى
|
كَلَهِيْبِ النِّيْرانِ في الرَّمْضَاءِ
|
أَوْغَلتْ غَضْبَةُ الحَيَاةِ فَأَصْبَحْتُ
|
رَمِيْمَاً يَمْشِيْ عَلَى الأَشْلاءِ
|
كُنْتُ أُصْغِيْ إِلَيْهِ وَ اللَّيْلُ دَاجٍ
|
وَ فُؤَادِيْ يَنُوْءُ بِالأَرْزَاءِ
|
وَ تَدَاعَى وَ قَدْ أَفَاقَ مِنَ الحُمَّى
|
وَ عَادَتْ إِلَيْهِ رُوْحُ البَقَاءِ
|
|
هَذِهِ قصَّتِيْ فَقُلْ أَيَّ شَيءٍ
|
عَنْ عَذَابِيْ وَ مِحْنَتِيْ وَ عَنَائِيْ
|
قُلْتُ يَا صَاحِبِيْ وَ قَدْ غَلبَتْنِيْ
|
هَزَّةُ العُنْفُوَانِ وَ الغُلَوَاءِ
|
إنَّ جُرْحَاً كَمِثْلِ جُرْحِكَ هَذَا
|
سَوْفَ يَبْقَى شَهَادَةً لِلوَفَاءِ
|
كُنْ قَوِيِّاً وَ لا تُبَالِ فَهَذِيْ
|
الأَرْضُ صَارَتْ أُسْطُوْرَةً لِلْفِدَاءِ
|
كُنْ كَمَا تَقْتَضِيْ المُرُوْءَةُ وَ اشْمَخْ
|
قِمَّةُ البَذْلِ مَذْهَبُ الشُّرَفَاءِ
|
مَنْ سِوَى التَّافِهِ الَّذِيْ يَبْتَغِيْ
|
الشَّأنَ وَ يَسْعَى مِنْ أَجْلِ ذُلِّ الثَّرَاءِ
|
مَنْ عَظِيمٌ كَمِثْلِ هَذا الَّذَيْ
|
أَعْطَى دِمَاهُ هَدِيَّةَ العَلْيَاءِ
|
عَشِقَ المَوْتَ كَيْ يَكُوْنَ عَزِيْزَاً
|
رُغْمَ أَنْفِ الطُّغَاةِ وَ الجُبَنَاءِ
|
غَضَّنَتْ وَجْهَهُ السِّنينُ وَ قَدْ
|
غَارَتْ بِعَيْنَيْهِ وَمْضَةُ النَّعْمَاءِ
|
عَزَفَتْ أَنْمُلُ القِفَارِ أَغَانِيْهِ
|
نَشِيْدَاً مُفَجَّعَ الأَصْدَاءِ
|
في وَمِيْضِ البُرُوْقِ في دَجْنَةِ اللَّيْلِ
|
وَ زَجْرِ الرُّعُوْدِ في الأَنْوَاءِ
|
أيُّهَا الفَارِسُ الَّذِيْ نَصَّبَ المَجْدُ
|
بِعَيْنَيْكَ عِزَّةَ العُظَمَاءِ
|
قُلْ لِهَذا المَدَى تَوَقَّفْ فِإِنِّيْ
|
لَمْ أَزَلْ كَالشُّعَاعِ في الظَّلْمَاءِ
|
أَنْتَ يَا صَرْخَةَ الزَّمَانِ وَ يَا صَمْتَ
|
اللَّيَالِيْ يَا مُلْهِمَ الشُّعرَاءِ
|
كَحَّلَ الفَجْرُ جَفْنَهُ بِكَ لمَّا
|
نَزَفَ الجُرْحُ هَازِئَاً بِالفَنَاءِ
|
إنَّنِيْ أَقْرَأُ الزَّمَانَ مَجِيْدَاً
|
بَيْنَ جَفْنَيْكَ أيُّهَا المُتَنَائِيْ
|
نَحْنُ أُسْدُ العَرِيْنِ أَهْلُ السَّجَايَا
|
نَحْنُ رِفْدُ العَطَاءِ والكِبْرِيَاءِ
|
قَالَ لِيْ كُلَّمَا تَذَكَّرْتُ نَفْسِيْ
|
في هِضَابِ الجَوْلانِ كَبْشَ فِدَاءِ
|
أَرْعَدَ الكِبْرُ في كَيَانِيْ وَ خلْتُ
|
البَرْقَ مُهْرِي وَ الحَشْرَ تَحْتَ حِذَائِي
|
وَ تَرَاخَى وَ أَطْبَقَ الجَفْنَ مَحْمُومَاً
|
وَ هَزَّتْهُ رَعْدَةٌ مِنْ حَيَاءِ
|
يَرْقَبُ الصُّبْحَ كَيْ يَزُفَّ إِلَيْهِ
|
قَبَسَاً مِنْ تَأمُّلٍ وَ رَجَاءِ
|
تَتَرَاءَى في مُقْلَتَيْهِ الأمَانِيْ
|
وَ بِعَيْنَيْهِ عَالَمٌ مِنْ شَقَاءِ
|
لَمْ تُزَعْزِعْ مِنْهُ الرَّزايَا مَضَاءً
|
فَازْدَرَاهَا بِنَظْرَةٍ خَرْسَاءِ
|
أَتْعَبَ الصَّبْرَ صَامِدَاً مِثْلَ طَوْدٍ
|
في مَهَبِّ الزَّوَابِعِ الهَوْجَاءِ
|
كَعُقَابٍ أَرْخَتْ جَنَاحَاً وَ نِسْرٍ
|
زَعْزَعَتْهُ الرِّيَاحُ في الأَجْوَاءِ
|
حَمَلَ الجُرْحَ بَاسِمَاً يَتَبَاهَى
|
بِسِلاحَيْنِ نَخْوَةٍ وَ مَضَاءِ
|
هَكَذَا كَانَ وَ الشُّموخُ بِعَيْنَيْهِ
|
رَصِيْنٌ مُضَمَّخٌ بالرَّجَاءِ
|
ضَاحِكَاً سَاخِرَاً يُجَرِّرُ أَذْيَالَ
|
المآسِيْ إلى المَتَاهِ النَّائِيْ
|
كَالغزَالِ الجَرِيْحِ ضَلَّ طَرِيْقَ السِّرْبِ
|
يَمْشِيْ مِنْ شِدَّةِ الإِعْيَاءِ
|
حَضَنَتْهُ مَفَازَةُ القَفْرِ مَنْهُوكَاً
|
كَلِيْلاً مُضَرَّجاً بِالدِّمَاءِ
|
فَهَوَى يَلْثُمُ التُّرَابَ وَ في عَيْنَيْهِ
|
عُنْفُ الحِجَارَةِ الصَّمَّاءِ
|
أينَ مِنْكَ العَطَاءُ يَا وَاهِبَ
|
النُّعْمْى لأَرْضٍ تَبَارَكَتْ بالعَطَاءِ
|
هَذِهِ الأَرْضُ لَنْ تُذَلَّ وَ فِيْهَا
|
أَلْفُ وَجْدِيْ وَ خَالِدٍ وَ سَنَاءِ
|
أمَّةٌ تُشْرِقُ المَكَارِمُ فِيْهَا
|
مِنْ سَنَاءٍ مُعَمَّدٍ بالسِّنَاءِ
|
فَتَمُرُّ الأَجْيَالُ تَسْأَلُ عَنْ
|
قَوْمٍ أُبَاةٍ تَأَزَّروا بالإِبَاءِ
|
حَمَلُوا رَايَةَ الجِهَادِ وَ سَارُوا
|
كَأُسُوْدٍ في سَاحَةِ الهَيْجَاءِ
|
إنَّها أُمَّةُ المَيَامِيْنِ أَرْضُ الفَخْرِ
|
وَ العِزِّ وَ العُلا وَ العَطَاءِ
|
حَبَّذَا المَوْتُ في سَبِيْلِكِ يَا أَرْضَ
|
البُطُوْلاتِ .. قِبْلَةَ الشُّهَدَاءِ
|
لَنْ تُسَمَّى الأَمْجَادُ إلاَّ إِذَا صِيْغَتْ
|
وَ خُطَّتْ بِأَحْرُفٍ مِنْ دِمَاءِ
|