أَحْسَسْتُ أنَّ لَهِيْبَ نَارٍ في دَمِيْ
|
فَصَرَخْتُ ويْحَكِ يَا جِرَاحُ تَكَلَّمِي
|
هَلْ كَانَ حقَّاً مَا سَمِعْتُ ومَا أَرَى
|
أَمْ كَانَ مَحْضَ تَوَهُّمٍ بِتَوَهُّمِ
|
أمَّا وقَدْ طَغَتِ المَنُوْنُ وأَنْشَبَتْ
|
أَظْفَارَهَا وارْبَدَّ وَجْهُ الأَنْجُمِ
|
ثَارَتْ رِيَاحُ المَوْتِ مَا أَبْقَتْ سِوَى
|
أَشْبَاحِ لَيْلٍ مُدْلهمٍّ مُظْلِمِ
|
مَرَّتْ كَصَاعِقَةٍ وكَانَ عَزِيْفُهَا
|
مرَّاً فَلَمْ تَنْطُقْ وَ لَمْ تَتَكَلَّمِ
|
نَادَيْتُهَا: يَا رِيْحُ إِنَّ أحِبَّتِيْ
|
رَحَلُوا فَرِفْقَاً بِالقُلُوْبِ اليُتَّمِ
|
قَالَتْ: حِصَانِيْ كَانَ كَبْحُ جِمَاحِهِ
|
صَعْبَاً فَرَاحَ يَخُبُّ في لُجَجِ الدَّمِ
|
ما حِيْلَتِيْ؟ إِنْ كُنْتُ لَسْتُ بِقَادِرٍ
|
دَفْعَ الرَّدَى وصَلافَةَ البَطشِ العَمِي
|
مَنْ ذَا يُعِيْدُ لِمُهْجَتِيْ أَحْلامَهَا
|
والمَوْتُ يَنْفُثُ سُمَّهُ كَالأَرْقمِ
|
وَ وَقَفْتُ أَسْأَلُ ... يا حَمَائِمُ أينَ مَنْ
|
كانَ الصَّدَى لِلْبُلْبُلِ المُتَرَنِّمِ؟
|
أَيْنَ العَصَافِيْرُ الَّتِيْ فَرِحَتْ بِهِ؟
|
أَيْنَ الزَّمانُ بِوَجْهِهِ المُتَبَسِّمِ؟
|
خَلَتِ الدِّيارُ مِنَ الأَحِبَّةِ وانْطَوَى
|
سِفرٌ مِنَ الأَوْجَاعِ غَيْرُ مُتَرْجَمِ
|
ذَبُلَتْ أَزَاهِيْرُ الرِّيَاضِ وَ لَمْ تَعُدْ
|
تُذْكِيْ الجِوَاءَ بِعِطْرِهَا المُتَنَسَّمِ
|
قبلَ الأوانِ رَحَلْتَ يَا أَلَقَ الصِّبَا
|
وعَبَرْتَ أَنْفَاقَ المَصِيْرِ المُبْهَمِ
|
عَانَيْتَ مَا عَانَيْتَ مِنْ غُصَصِ الشَّقَا
|
وشَرِبْتَ أكوابَ النَّقيعِ العَلْقَمِ
|
لَهْفِيْ عليكَ وحَسْرَتِيْ وتَوَجُّعِي
|
يَوْمَ ارْتَحَلْتَ رَحَلْتَ غَيْرَ مُذَمَّمِ
|
مَا بَالُ جَفْنِكَ لا يُفارِقُهُ الكَرَى؟
|
وكأنَّهُ كالبُرْعُمِ المُتَفَحِّمِ
|
غَارَ الشُّعاعُ بِمُقْلَتَيْكَ فَأَسْبَلَتْ
|
عَيْنَايَ جَفْنَيْهَا فَقُلتُ لهَا اكْتُمِي
|
وتَزَاحَمَ الوَجَعُ المَرِيْرُ فَأَغْمَضَتْ
|
والدَّمعُ تحتَ الجَفنِ يغرقُ بالدَّمِ
|
وسَمِعْتُ أصواتَ النَّعِيِّ وَ قَدْ عَلَتْ
|
كَعَوِيْلِ رِيْحٍ في سَحَابٍ مِرْزَمِ
|
وَ وَجَمْتُ واسْتَعَرَ اللَّهيبُ بِدَاخِلِي
|
كَجَحِيْمِ نَارٍ في أَتُوْنٍ مُضْرَمِ
|
أتلمَّسُ الجُرْحَ النَّزيفَ وأَنْحَنِي
|
وَجَعَاً وأَصْرُخُ يا كُؤُوسُ تَحَطَّمِي
|
وَ رَجَعْتُ أَسْأَلُ خَافِقِيْ في حِيْرَةٍ
|
بِمَنِ الشَّقيُّ إذا تَهَالَكَ يَحْتَمِي
|
فَأَجَابَنِي ... إنَّ الَّذِيْ إِيْمَانُهُ
|
بِقَضَائِهِ وبِرَبِّهِ لَمْ يُهْزَمِ
|
ومَصِيْرهُ شَأْنُ الَّذينَ رَجَاؤهُمْ
|
بِالخَالِقِ الأَسْمَى العَلِيِّ الأَعْظَمِ
|
مَا مَاتَ مَنْ غَرَسَ الخِصَالَ حَمِيْدَةً
|
فَالذِّكرُ بَاقٍ لِلفَضِيْلةِ يَنْتَمِي
|
يَا أمَّ عامرَ لا مفرَّ مِنَ الرَّدَى
|
فَتَجَمَّلِي صَبْرَاً بِهِ وتَرَحَّمِي
|
إنَّ الحياةَ كَمَا تَرَيْنَ بَهِيَّةٌ
|
حِيْنَاً: وحِيْنَاً كالغُرَابِ الأَسْحَمِ
|