اِن سالَ مِن غَرب العُيونِ بُحور |
فَالدَهرُ باغ وَالزَمان غَدور |
فَلِكُلِّ عَين حَق مدرار الدِما |
وَلكل قَلب لَوعَة وَثُبور |
سَترالسنا وَتحجبت شَمسُ الضُحى |
وَتَغيبت بَعد الشُروق بدور |
وَمَضى الَّذي أَهوى وَجرعني الاِسا |
وَغَدَت بِقَلبي جذوة وَسَعير |
يا لَيتَهُ لِما نَوى عهد النَوى |
وافى العُيون مِنَ الظَلام نَذير |
ناهيكَ ما فَعَلت بِماء حَشاشَتي |
نار لها بَينَ الضُلوعِ زَفير |
لَوبث حزني في الوَرى لَم يَلتَفِت |
لِمُصاب قيس وَالمُصاب كَثير |
طافَت بِشَهر الصَومِ كاساتِ الرَدى |
سِحرا وَأَكوابُ الدُموعِ تَدور |
فَتَناوَلَت مِنها اِبنَتي فَتَغَيَّرَت |
وَجناتُ خد شانِها التَغيير |
فَذَوَت أَزاهيرُ الحَياةِ بِرَوضِها |
وَاِنقَدَّ مِنها مائِس وَنَضير |
لَبِسَت ثِيابَ السَقمِ في صغر وَقَد |
ذاقَت شَرابَ المَوتِ وَهُوَ مَرير |
جاءَ الطَبيبُ ضَحى وَبشر بِالشَفا |
اِنَّ الطَبيبَ بِطِبِّهِ مَغرور |
وَصف التَجرع وَهُوَ يَزعُم إِنَّهُ |
بِالبِرء مِن كُل السِقامِ بَشير |
فَتَنَفَسَّتُ لِلحُزنِ قائِلَة لَهُ |
عَجِّل بِبِرئي حَيثُ أَنتَ خَبير |
وَاِحمِ شَبابي اِن والِدَتي غَدَت |
ثَكلى يَثير لَها الجَوى وَتَشير |
وَاِرأَف بِعَين حَرمت طيب الكَرى |
تَشكو السُهاد وَفي الجُفونِ فُتور |
لِما رَأَت يَأسَ الطَبيب وَعَجزِهِ |
قالَت وَدَمع المُقلَتَين غَزير |
أَماه قَد كل الطَبيب وَفاتَني |
مِمّا أؤمل في الحَياةِ نَصير |
لَو جاءَ عراف اليَمامَةِ يَبتَغي |
برئى لِرد الطَرف وَهُوَ حَسير |
يا رَوعَ روحي حلها نَزع الضَنا |
عَمّا قَليل وَرقها سَتَطير |
أَماه قَد عَز اللُقا وَفي غَد |
سَتَرينَ نَعشى كَالعَروسِ يَسير |
وَسَيَنتَهي المَسعى اِلى اللَحدِ الَّذي |
هُوَ مَنزِلي وَلَهُ الجُموعُ تَصير |
قولى لِرب اللَحد رفقا بِاِبنَتي |
جاءَت عَروسا ساقَها التَقدير |
وَتجلدي بِاِزاء لَحدى بُرهة |
فَتَراكَ روح راعِها المَقدور |
أَماه قَد سَلَفت لَنا أُمنِيَة |
يا حُسنِها لَو ساقَها التَيسير |
كانَت كَأَحلامٌ مَضَت وَتَخلفت |
مُذ بانَ يَومُ البينِ وَهو عَسير |
عودى اِلى رُبعِ خَلا وَمَآثِر |
قَد خَلَفَت عَنّي لَها تَأثير |
صونى جِهازَ العُرسِ تِذكارا قَلى |
قَد كانَ مِنهُ اِلى الزَفافِ سُرور |
جَرَت مَصائِبُ فَرَّقَتى لَكَ بعدذا |
لَبس السَواد وَنفذ المَسطور |
وَالقَبرُ صارَ لِغُصن قَدى رَوضَة |
ريحانُها عِند المزار زُهور |
أَماهُ لا تَنسى بِحق بنوتى |
قَبري لَئِلّا يَحزن المَقبور |
فَأَحيَيتُها وَالدَمعُ يَحبِسُ مَنطقى |
هُو راحم بربِّنا وَغَفور |
بِنتاه يا كَبدي وَلَوعَة مُهجَتي |
قَد زالَ صَفو شانِه التَكدير |
لا نوصى ثَكلى قَد أَذابَ وَتينُها |
حُزن عَلَيكَ وَحَسرَة وَزَفير |
قَسما بِغض نَواظِر وَتَلهفى |
مُذ غابَ نسان وَفارِق نور |
وَبِقُبلَتي ثَغرا تَقضى نَحبه |
فَحَرَمت طيب شَذاهُ وَهُوَ عَطير |
وَاللَهُ لا أَسلو التِلاوَةِ وَالدَعا |
ما غَرَّدَت فَوقَ الغُصونُ طُيور |
كَلا وَلا أَنسى زَفير توجعي |
وَالقَد مِنكَ لَدى الثَرى مَدثور |
اِنى أَلفت الحُزنَ حَتّى إِنَّني |
لَو غابَ عَنّي ساءَني التَأخير |
قَد كُنتُ لا أَرضى التَباعُد بُرهَة |
كَيفَ التَصَبُّر وَالبِعادُ دُهور |
أَبكيكَ حَتّى نَلتَقي في جنة |
بِرِياض خُلد زينَتُها الحور |
اِن قيلَ عائِشَة أَقولُ لَقَد فَنى |
عيشى وَصَبري وَالاِله خَبير |
وَلَهى عَلى تَوحيدِهِ الحُسنِ الَّتي |
قَد غابَ بَدر جَمالِها المَستور |
قَلبي وَجِفني وَاللِسانُ وَخالِقي |
راض وَباكَ شاكِر وَغَفور |
مَتعت بِالرِضوان في خُلد الرِضا |
ما اِزينت لَكَ غُرفَة وَقُصور |
وَسَمِعتُ قَولَ الحَقِّ لِلقَومِ اِدخُلوا |
دارَ السَلامِ فَسَعيُكُم مَشكور |
هذا النَعيمُ بِهِ الاِحبَّة تَلتَقي |
لا عَيشَ اِلّا عيشه المَبرور |
وَلَكَ الهَناءُ فَصدق تاريخي بَدا |
تَوحيدُهُ زَفت وَمَعَها الحور |