قالَ الفَقيرُ المُذنِبُ الجاني الأَقَلّْ |
عَبدَ الجَليلِ ذو الخَطايا وَالزلَل |
هُوَ اِبنُ ياسينَ سَليلَ الهادي |
مُستَمنِحا مَواهِبَ الجَوادِ |
الحَمدُ لِلّهِ الكَريمِ المُنعِم |
مِن ذِكرِهِ أَنس الحَنيفَ المُسلِم |
ثُمَّ الصَلاةُ مَع سَلامٍ دائِم |
عَلى النَبِيِّ المُصطَفى مِن هاشِم |
وَالآلُ وَالأَصحابُ وَالأَتباعُ |
ما لَذَّت النُزهَةُ في الطِباع |
وَبَعدَهُ فَخَيرٌ لِذاتِ الدِنا |
طَيِّبُ اِجتِماعٍ بِالكِرامِ الفَطنا |
لا سيما في مُنتَزَهٍ رَضي |
يُفصِحُ كُلٌّ فيهِ ما قَد يَقتَضي |
مِن كُلِّ مَعنى في الحَديثِ مُبتَكَر |
كَأَنَّهُ زَهرُ الرِياضِ في البكر |
تَجني ثِمارُ الجِدِّ في فُنونِ |
طوراً وَطوراً مِلح المَجون |
فَذاكَ لا رَيبَ أَهنى مُكتَسَب |
لا يَرتَوي مِنهُ الظَريفُ ذو الأَدَب |
كَذا أَبو الوَليدُ عَبدِ المَلِك |
قَد صَحَّ عَنهُ أَن ذا عَنهُ حَكي |
مِن قَولِهِ شَبِعَتُ مِمّا أَشتَهي |
إِلّا أَحاديثُ الرِجالِ النبه |
وَكانَ مِمّا يَسُرُّ الرَبُّ الحَفى |
أَنّا خَرَجنا نَقصِدُ النُزهَةَ في |
صُبحِ الخَميسِ النِصفِ مِن شَهرِ رَجَب |
في خامِسِ الحوتِ وَذا فَصل يُحِب |
مِن سنة في ضَبطِها أَرخنا |
عَني لِلنُزهَةِ قُل خَرَجنا |
في رِفقَة غر الوُجوهِ كَمل |
ما مِنهُم إِلّا فَصيحَ المَقول |
قَومٌ كِرامُ مِن كِرامٍ تُنمى |
مِمَّن زَكى خالاً وَطابَ عَمّا |
قَد مَلَكوا مَحاسِنَ الأَخلاقِ |
مِن كُلِّ قُرم لِلعَلى سَبّاق |
باعوا الخِلافَ وَاِشتَروا وِفاقا |
فَالكُلُّ في حُسنِ الطِباعِ فاقا |
قَد أَوثَقوا العَهدَ عَلى صِدقِ الإِخا |
في حالَةِ الشِدَّةِ أَو حالِ الرَخا |
مِن طَبعِهِم إِيثارُ ما تَشاءُ |
لَهُم بِذلِكَ اليَد البَيضاء |
أَنعَم بِهِم مِن مَعشِرَ أَكارِم |
قَد اِرتَقوا إِلى ذَرى المَكارِم |
جَزاهُم اللّهُ بِخَير ما جَزى |
لِصالِحِ الإِخوانِ في يَومِ الجَزا |
وَقَد أَزاحَ اللّهُ عَنّا الثِقَلا |
فَلا تَرى إِلّا ظِرافا نُبَلا |
غِلمانُنا كُل خَفيف الروحِ لا |
يَنفَكُّ في بَشر وَطبع سَهلا |
لا يَعبِسونَ في صُعوبات الخَدم |
يَخشونَ أَن يُقالَ فيهِم ما يُذَم |
مِن كُلِّ سِباقٍ إِلى المُرادِ بِهِ |
كُلٌّ أَبى سِبقاً يَرى لِصاحِبِهِ |
سِلاحَنا الأَسيافُ وَالبَنادِقُ |
وَبِالرِمايَةِ الجَميعُ حاذِق |
وَقَد صَحِبنا مَعَنا أَسفارا |
نَقطِفُ مِن أَسطارِها أَزهارا |
مِن نُكتَةٍ نادِرَةٍ لَطيفَه |
تَختارُ لِلسَّمعِ بِها تَشنيفَه |
أَو بَيتِ شِعرٍ ذي مَعانٍ حالِيَه |
أَو قِصَّةٍ عَنِ القُرونِ الخالِيَه |
كَذلِكَ الفِقهُ لَدَينا مِنهُ |
ما لَم يَكُن لَنا غِناءً عَنهُ |
كَذا مِنَ الحَديثِ سِفر كافي |
وَهُوَ لِداءِ الجَهلِ خَيرُ شافي |
قَد اِمتَطَينا قارِبَينِ حَفا |
بِحُسنِ تَيسيرِ الإِلهِ لُطفا |
قَد أَحكَما صِناعَةَ وَعِدَّه |
أَسرَعُ مِن طَرف تَطيلُ مَدَّه |
أَرفَه مَركوب وَفي خَير مَقَر |
تَضَمنا ضَم الصَناديقِ البَدر |
لا كَالجَوارِ المُنشَآتِ في العَظمِ |
إِذا رَأَيتَها حَسِبتَها عَلم |
بَل إِنَّما هُما لَطيفاً جَرم |
لَيَجرِيا في البَحرِ إِذ لَم يَطُم |
لَمّا رَكِبنا كانَتِ الريحُ لَها |
تَحَرُّكَ مُطابِق لِلمُشتَهى |
سِرنا عَلى اِسمِ اللّهِ في مَجراهُما |
كَذاكَ بِاِسمِهِ لَدى مَرساهُما |
حَتّى قَدَّمنا بِاِعتِجالُ سَترِهِ |
وَاللّهِ مُسبِل عَلَينا سَترَهُ |
تَرى بِها النَخيلُ باسِقاتٍ |
مِن كُلِّ نَوعٍ لَذَّ لِلجِنات |
فيها يَنابيعُ المِياهِ قَد جَرَت |
في بَرِّها وَبَحرِها تَفَجَّرَت |
فَمَد نَزلناها ضَحى النَهارُ |
في دارِ بَخاخ بِلا اِستِقرار |
أَقبَلَ دَعبَل بِما نَحتاجُ لَهُ |
مِن حَطَب النَخلِ وَذاكَ ناقِلَه |
مِن ذلِكَ الأَكّارُ أَكارِ السَري |
مُبارك الاِسمُ كَريمُ العُنصُر |
نَجلُ الهِمامِ الباسِلِ المِغوارِ |
إِذا عَلَت غَياهِبُ الغُبار |
وَخَفَّ قَلبُ البَطَلِ الكرار |
تَلقاهُ عِندَ الرَوعِ مِثلُ الضاري |
يَخضِبُ مِتنَ الصارِمِ البَتار |
مِن هامَّةِ القَرم الجَرِيِّ الواري |
عَنَيتُ عَبدَ اللّهِ نَجلُ أَحمَد |
سامي الذَرى رَبُّ العُلى وَالسودد |
الماجِدُ النَدبُ الجَوابُ العَبقَرِي |
كَهفُ العُفاةِ غَيثُ مَحل مَغبَر |
أَمَّ الوَفودُ نَحوَهُ أَفواجا |
لِرَفدِهِ قَد قَطَعوا الفِجاجا |
يُعرَفُ كُلُّ باغِض حَسود |
بِأَنَّهُ الوَفِيُّ بِالعُهود |
عاشَ بِهِ الجارُ عَلى الوِقار |
في مَنعَة وَعِزَّة الجِوار |
مِن مَعشَرٍ شَمَّ تَعاقَدوا عَلى |
حُسنِ السَجايا وَاِكتِسابٍ لِلعُلى |
آلَ خَليفَة عِظامُ المَفخَرِ |
مِن كُلِّ قَرم ماجِد غَضَنفَر |
وَمُذ غَنِمنا نُزهَةَ الجَزيرَه |
سِرنا إِلى جَوٍّ بِحُسنِ سيرَه |
المَنزِلُ الَّذي عِفتُ رُسومَهُ |
مُذ أَفلَتَ مِن أُفُقِهِ نُجومَه |
مِن بَعدِ ما كانَ مَحَطَّ الرحل |
يَلقى بِه االطارِقُ خَيرَ أَهل |
وَمَعقَلُ الوُفودِ وَالضُيوفِ |
وَمَأمَنُ الطَريدِ وَالمَخوف |
يُزَيِّنُهُ غُرٌّ بِهِ سكان |
هُم الحُماة الصَيدِ وَالشُجعانُ |
مِن كُلِّ فاضِل نَقِيِّ العَرضِ |
أَشَم غَطريف جَواد مَرضي |
دار لِرَبّاتِ الحِجالِ الخُرَّد |
مِن كُلِّ هَيفاءَ بِقَد أَميد |
ذاتُ اللُمى المَعسولِ وَالثَغرِ الشَنَب |
وَعَقرَبُ الصَدغِ إِضناها تَدب |
تُرسِلُ مِن شُعورِها أَفاعِيا |
تَنهَشُ قَلبَ الصَب وَهيَ ماهِيا |
فَأَصبَحَت أَطلالُها تُسائِلُ |
أَينَ الدُمى وَهاتِكَ الخَلاخِل |
قَضى عَلَيها الدَهرُ بِالخَرابِ |
حَتّى غَدَت مَساكِنُ الضَباب |
وَذاكَ أَمرُ اللّهِ حَيثُ أَحكَمَهُ |
بَدا بِأَهلِها اِختِلافُ الكَلِمَة |
وَاِحتَوشَت أَرجاءُ أَهلَيها العِدى |
جُندُ سُعود وَالَّذي بِهِ اِعتَدى |
ظُلماً فَجاءَها بِكُلِّ مَصلَت |
وَقَد أَمَدَّهُم إِمامُ مَسكَت |
وَبَعضُ أَهلَيها نَحى الخِيانَةِ |
بَغياً بِلا جُرمٍ وَلا اِمتِهانَه |
بَل قادَهُم لِذلِكَ الرَجيمُ |
وَمَن يَخونُ غادِرَ ذَميم |
فَاِختارَت الأَشياخَ مِنها الرِحلَة |
مِن قَبلُ أَن تَلحَقَهُم مَذَلَّة |
فَعادَت الدارُ طُلولا خاوِيَة |
فَلا يُجيبُ الرُبعُ مِنها داعِيَة |
سَوى فَريقٌ حَلَّ مِنها ناحِيَة |
وَكُلُّهُم في الصَيدِ هادَ داهِيَة |
مُمَيَّز الأَجناسُ وَالأَنواعُ |
في سَردٍ أَسماها طَيلَ الباع |
لا يَجهَلُ الحيتانُ فَرداً فَرداً |
يُعرَفُ بدء صَيدُها وَالحدا |
مَن حاذق في صَيدِها مَنعوت |
شِباكُهُ آفَةٌ كُل حوت |
يَقولُ هذا النَوعُ فَصلُهُ دَخل |
يَرى غَداً وُسطَ الشِباكِ قَد حَصَل |
وَفَصلُ ذا قَد اِنتَهى مِن أَمسِ |
فَلَم يَرُد بَعدَ غَد في حَدسي |
فَبادَرونا مِنهُ بِالغَضِّ الطَري |
مِن خَيرٍ مَوجودٍ بِزُعمِ المَخبَر |
وَكُل جَرجور طَويلِ السَيفِ |
فَأَكثِروا مِنهُ بَغَيرِ حَيفِ |
وَقَد وَرَدنا مَنهَلا مُستَصفى |
فيها مَريئاً سُكَّرِيّاً أَصفى |
بِتنا ثَلاثاً فيهِ بِالتَوالي |
لِعِبرَةٍ بِهالِكِ الأَطلالِ |
ثُمَّ اِرتَحَلنا الصُبحَ لَلجَنوبِ |
فَزادَ فينا الريحُ بِالهُبوبِ |
حَتّى تَجاوَزنا ضُحى حَدِّ الجَمَل |
هُناكَ أَرسَينا بِمَنزِلٍ يُمَل |
في قِفرَة لَيسَ بِها أَنيسُ |
إِلّا اليَعافيرُ وَإِلّا العيسُ |
ثُمَّ قَطَعنا مُنتهَى البَحرَينِ |
صُبحاً وَجَريُ الريحِ بِالهَوينُ |
حَتّى نَزَلنا الرَأسَ لِلعياشِ |
مِن غَيرِ إِزعاجٍ وَلا اِنكِماشِ |
بِتنا بِأَرضِ خَيرٍ ما فيها الحَطبِ |
لكِنَّ مِنَ الشَمسِ أَتى بَعضُ التَعَبِ |
ما شَأنُها إِلّا مخاض طالا |
لِبُعدِهِ قَد أَتعَبُ الرِجالا |
وَأَصبَحَ الضَبابُ كَالنِساجِ |
بَرداً يَمُدُّهُ عَلى الفِجاجِ |
وَقَد تَرَكنا ذلِكَ المَكانا |
وَغَيرِهِ نَحَتهُ قارِبانا |
وَذلِكَ اليَومُ الهَوى عنا ركد |
بِقَدرِ ما يَنسِجُ في البَحرِ زَرَد |
حَتّى تَجاوَزنا إِلى دوباس |
في رَبوَةِ بِتنا شَمالَ الراس |
يا حَسنُهُ مِن بَندَر مَقارِب |
حَبلُ الخِباء عِندَ حَبلَ القارِب |
أَرضٌ بِها تَنشَرِحُ الصُدورِ |
عَنها تَقولُ الصحب لا نَسير |
في رَملَةٍ كَأَنَّها الدَهناءُ |
طِيَّة لَذَّ بِها الثَواءُ |
رِياضَها تَحَفُّها كِثبانُ |
يَنبِتُ فيها الشَيحُ وَالحوذانُ |
كَذلِكَ الطُرَفاءُ وَالثِمام |
وَالمَرخ وَالأَرطاة وَالرِمرام |
فيها كَثيبُ زانٍ بِاِرتِفاع |
تَنظُرُ مِنهُ غالِبُ البِقاع |
يا طيبُ لَيلَتَينِ قَد بِتناها |
في هاتِكَ الرَبوَةُ ما أَهناها |
فيها أَتانا اِبنُ هِلالٍ جُمعَه |
إِذ مازَجَ اللُؤمُ عِياناً طَبعَه |
لا يُحسِنُ القَولَ وَلا اِستِماعَهُ |
يَحسَبُنا نَغصِبُهُ مَتاعَه |
نَقولُ بِعنا بَعضَ ذي الحيتانِ |
بِها تَرى مِن أَحسَنَ الأَثمانِ |
بِحُكمِكَ الجائِرُ نَحنُ نَرضى |
فَاِحكُم وَخُذ وَأَدِّ هذا البَعضا |
وَهُوَ يَصيحُ إِنَّكُم نهابَة |
وَلَم يَزَل بِهذِهِ المَثابَة |
قُلتُ دَعوَه وَدَعوا جَرابَه |
هذا مِنَ القُبحِ حَشا إِهابَه |
لا خَيرَ في غالِبٍ جَلابي السمك |
طِباعَهُم لِلُّؤمِ تُغني عَن شِركِ |
ثُمَّ اِرتَحَلنا الصُبحَ لَلشَمالِ |
نَطوي قُرى الساحِلِ بِالتَوالي |
نَقولُ ذي الزَلاقِ قَلعَةٌ صَدَد |
نَنطُرُها مِن سبد وَمِن لَبَد |
لَم يَكُن الساحِلُ ذا اِبتِعاد |
مَلاحِنا يُجيبُ نَجوى الحادي |
وَذلِكَ النَهارُ قُلنا في العَقا |
رِيَة المُقيلِ فيها لَم يَطق |
فيها البَعوضُ صائِلُ وَالساحِلُ |
في النُتنِ ذاكَ مُستَراحُ سائِل |
تُظِلُّنا عَرشُ بِها وَخَيمَة |
يا قُبحِها منازِلا ذَميمَة |
مَبيتُنا كانَ برمل سلس |
بِخَير مَوضِع لَطيفٌ سَلِس |
أَنزه سبسب مِنَ الصَحاري |
في قُربِ جَدوَلِ زَلالٍ جاري |
فيها بَشير جاءَ بِالمَطعوم |
كُل لَذيذ ساغٍ في الحَلقوم |
وَأَم نَعسان نَحوِها عِبرُنا |
وَمُذ رَأَينا وَضَعها اِعتَبَرنا |
شاطِئُها غَرباً بِهِ كَهف جَبَل |
بِطولِهِ يَقطُرُ ماءً لِلنَهلِ |
يَجري إِلى البَحرِ وَيَنبِتُ القَصب |
بَينَهُما وَذاكَ مِن أَوفى العَجَب |
فَالمَوجُ يُرقى لا يُميتُ الوَجمَه |
وَكُلُّ صُنعُ اللّهِ جَل أَحكُمُه |
في الكَهفِ حَوضٌ فيهِ صَبُّ البارِدا |
مِنهُ اِرتَواءُ مِن يَمُرُّ وارِدا |
وَإِن في أَثنائِها أَوفى جَبَل |
دَكدَكَ بَعضُهُ وَباقيهِ قَلَل |
وَفيهِ كَم مَغارَة مُظِلَّة |
لَيسَت عَلى الداخِلِ بِالمَضَلَّة |
وَبَعضُها يُشبِهُ نَحتَ العَمَل |
وَمَوضِعُ البابِ مَعَ القِفل جَلي |
حَوضٌ مَريع أَتى في ذَروَتِهِ |
مَجرى السُيولِ قاصِد لِوَجهَتِهِ |
وَبَعضُ عِشبِ مَزهر في سَفحِهِ |
تَستَنشِقُ الطيبَ بِشم نَفحِهِ |
فيها مَراعي شَمِلَت أَكنافَها |
تُغني وَلَو لَم تُبلِغَن أَطرافَها |
وَقَد أَتانا العَصرُ إِبراهيمُ |
فيها هُوَ اِبنُ أَحمَد النَديم |
يُغَنّيكَ عَن سُمَيِّهِ وَنَجلِهِ |
الموصَلِيَّينِ بِحُسنِ فَضلِهِ |
فَن المويسيقى غَدا أُستادُهُ |
مَع حِفظِ ما نَطلُبُهُ إِنشادُه |
مِن آلِ بَرمِكَ نَشا في البَصرَةِ |
لَهُ بِها قَبيلَةٌ وَأُسرَ |
وَقَد رَأى الصَحبُ بِها كَم حَية |
مَيِّتَة فيها وَكَم مِن حَيَّة |
لِما تَرَكناها أَتى المَسيرُ |
بَينَ جَزائِر بِها الطُيور |
ما بَينَ واقِع بِها أَو طائِر |
قاطِنَة بِهاتِكَ الجَزائِر |
تَرتاعُ مِن شِدَّةِ جَري الماءِ |
لِضيقِ مَجرى هاتِكَ الأَرجاءُ |
حَتّى نَزَلنا في فَناءِ القَلعَه |
وَالنَخلِ حَولَها أَبان طَلعَه |
فَجاءَنا ريحانُ فيها عازِما |
وَاِبنُ رَضِيٍّ عازِماً مُنادِماً |
مُر بِنا في عامِر النَخيلِ |
راقَت وَلَو بِظِلِّها الظَليل |
أَشجارُها تَنَوَّعَت أَزهارُها |
غَنى عَلى أَفانِها هَزارُها |
كَأَنَّما الأَترَجُ في الأَوراقِ شَب |
في خَيمَةٍ خَضرا قَناديلُ ذَهَب |
وَزَهرُهُ في قُمعِهِ كَأَنمَلَه |
مِن فِضَّةٍ زُمرداً مُكَلَّلَه |
وَالوَردُ فيها قَد زَها اِحمِرارُهُ |
كَم سَكَرتَ بِظِلِّهِ أَطيارُه |
وَخَوخها مُعَطَّر الأَفياء |
وَزَهرَهُ كَالقُبَّة الحَمراءِ |
وَالماءُ جارٍ قَد صَفَت جَداوِلُهُ |
وَاِستَعذَبَت لِوارِدِ مَناهِلُه |
مَنظَرُ هذي القَلعَةِ العَظيمَةِ |
تَعرِفُ مِنها أَنَّها قَديمَة |
أَركانُها مُحكَمَة البِناء |
بِطُرفِها تُشيرُ لِلسَّماء |
صُخورُها مَنحوتَة مُرَبَّعَة |
عَظيمَة السُمكِ بِطولِ وُسعَة |
فَسيحَة بَديعَة التَفصيل |
يَقصُرُ عَنها الوَصفُ بِالتَطويل |
حاطَ بِها سوران ثُمَّ الخَندَقُ |
يُعجَبُ راءٍ عَرضُهُ وَالعُمقُ |
قُصورُها ناءَت عَنِ التَقصير |
وَقَد زَهَت بِزُخرُفِ التَعمير |
تَرى بِها عَجائِبُ المَباني |
دَلَّت عَلى عُلُوٍّ شَأنٍ الباني |
مَن شادَها مُرادَهُ التَخليدُ |
إِذا ما عَلى أَحكامِها مَزيدُ |
وَقَد قَضى اللّهُ بِنَفي الخُلدِ |
وَطالِبُ الخِلافِ غَيرُ مَهدي |
فَاِنكَشَفَتُ لِذاكَ خَيبَةُ الأَمَلِ |
إِذ رَجِعَت تِلكَ المَقاصيرُ طَلَل |
بِها اِعتِبارٌ لِذَوي الأَبصارِ |
دَلَّ عَلى نَفاذِ حُكمِ الباري |
فيها أَتانا ناصِر اِبنُ زين |
فَنِعمَ صاحِبٌ وَخَير خَدن |
أَفادَنا بِسائِرِ الأَسعارِ |
وَما طَرا مِن حادِثِ الأَخبار |
وَبَعدَما مِلنا إِلى الرُجوعِ |
لِلأَهلِ قَبلَ آخِرِ الأُسبوعِ |
هَبَّ عَلَينا عاصِفُ الشَمالِ |
فَلَم نَجِد وَجهاً لِلاِرتِحالِ |
ثُمَّ تَوَجَّهنا إِلى البِلادِ |
بِخَيرِ حالٍ مُقتَضى المُراد |
في ضَحوَةِ الخَميسِ مُنتَهى رَجَب |
جِئنا إِلى المَكانِ إِذ نِلنا الأَرَب |
بِهِ اِنتَهَت رِحلَتَنا المَيمونَة |
بِطالِعِ السَعدِ أَتَت مَقرونَة |
سَمِّيتُها بِنُزهَةِ الجَليسِ |
حَيثُ بَدَت بَديعَة التَأسيس |
وَبَعدَ ذا أَستَغفِرُ اللّهَ الَّذي |
لَم نَرَ غَيرِ عَفوِهِ مِن مُنقِذ |
يا مالِكِ المُلكِ وَيا رَبّاهُ |
يا سامِعِ العَبدِ إِذا دَعاهُ |
يا واجِبِ الوُجودِ يا أَللّه |
يا مَوئِلِ العاني وَمُلتَجاه |
يا راحِماً لَيسَ لَنا سِواهُ |
اِدعوكَ يا غَوثاهُ يا غَوثاه |
أَغث عُبَيداً خافَ ما جَناهُ |
إِذ لَم يُخالِفُ لَحظَة هَواه |
فَاِرحَم مَقَرّاً بِالذُنوبِ تائِباً |
باكَ ذَليلاً ذا اِفقِتارِ شائِباً |
وَاِمحِ إِلهي صُحُفَ الخَطايا |
فَضلاً فَأَنتَ مَوجِدُ العَطايا |
وُجودُكَ الواسِعُ لَن يَضقِيا |
بِنا فَقُل يا عَبدُ كُن عَتيقا |
مِنَ العَذابُ وَالحِساب المُتعَب |
إِذا جَثا الخَلقُ غَداً لِلرُكب |
وَالطُف بِنا في كُلِّ ما تُقَدِّر |
وَعافِنا مِن كُلِّ أَمر يُحذر |
وَاِعفُ عَنِ الآباءِ وَالجيرانِ |
وَعَم بِالعَفوِ ذَوي الإيمانِ |
وَاِغفِر لِأَهلي وَكَذا أَولادي |
كَذاكَ أَصحابي مَعَ الأُستاذِ |
وَاِبعَث إِلهي نَفحَة ذَكِيَّة |
مِن عاطِر الصَلاةِ وَالتَحِيَّة |
عَلى الحَبيبِ الهاشِمِيِّ الهادي |
لِمَهيَع النَجاة وَالرَشاد |
سَيِّدِنا مُحَمَّد وَآلِهِ |
وَصَحبِهِ وَمَن عَلى مِنوالِهِ |
ما أَضحَكَ الرَوضُ بُكاء المَزن |
أَو كَشَّفَ البَدرُ خِمارَ الدجَن |