بغداد ظنوك العراق وما دروا |
أن العراق مواطن الأرياف |
الحاملات عناك وهي روازح |
والمطعمات بنيك وهي عوافي |
المسعداتك وهي فيك شقيةٌ |
والصابرات على حجاك الجافي |
جاريت يا بغداد عصرك وهي ما |
زالت تعيش بأعصر الأسلاف |
تتوثب الأوباء في أكواخها |
وثبات جيشٍ للوغى زحاف |
وتعج بالمرضى وأنت بمعزل |
عنهن كالمتفرج المتعافي |
لم يختلف عن عهد بابل ما بها |
من ظلمةٍ وتعاسةٍ وشظاف |
جهلٌ أناخ بأهلها فتحملوا |
بؤس الحياة ووطأة الإجحاف |
سكنوا البطائح كالهوام وبعضهم |
يحيا حياة الضب في الأحقاف |
من جهلهم تغلي الضغائن بينهم |
لم يرو غلتها دم الآلاف |
اسرفت يا دار الضيافة بالقرى |
حتى غصصت اليوم بالأضياف |
عجز الطهاة وما برحت ملحةً |
تجدين أن الزاد ليس بكاف |
زاد له تلك الكهوف مطابخٌ |
وله الجماجم للقدور أثافي |
ما أنت والأرياف إلا رقعةٌ |
محبوكة الأوساط والاطراف |
لا تقدرين على الدفيف بدونها |
فاليك هن قوادمٌ وخوافي |
بغداد لولاهن أنت كقاربٍ |
عطلٍ بلا ماءٍ ولا مجداف |
مهما عظمت فأنت بين ربوعها |
كالطفل محمولاً على الاكتاف |
هي منك ما حييت كقلبٍ نابضٍ |
وكمنبعٍ عذبٍ لريك صاف |
قلبٌ ولكن ما اهتممت بشأنه |
يوماً ولا فكرت بالإسعاف |
يمضي الزمان وأنت دائبةٌ على |
تعليله بدل الدواء الشافي |
الفرق بينك لو نظرت وبينها |
كالفرق بين الدر والأصداف |
أين الكهوف من القصور وزهوها |
أين الشقاء من النعيم الضافي |
وكأنني بك قد ضحكت تعجباً |
من مقصدي وسخرت من إلحافي |
وظننتني جهلاً بشأنك أنني |
ممن يعيش بعالم الأطياف |
وحسبت أحلامي إليك هي التي اخ |
اختلقت حياةَ نزاهةٍ وعفاف |
لا تضحكي بغداد إني عارفٌ |
بتضارب الأهواء والأهداف |
حزت السعادة واعتزلت عن الشقا |
وجمعت بين البخل والإسراف |
وظللت ماشيةً كأن الليل لا |
داجٍ ولا هوجَ الرياح سوافي |
ما جئت أنبئك الحديث لتحزني |
إن الحديث عليك ليس بخاف |
لكن بها فكري يجول كأنه |
أم الغريق تجولُ في الأجراف |
من لم أجد لي موضعاً في نفسه |
لم يعنه وجدي ولا استعطافي |
بغداد ما أشقى الحياة بعالمٍ |
متكالبٍ خالٍ من الإنصاف |
تمحو مطامعه الفضيلة مثلما |
تمحو نهى النشوان كأس سلاف |
ويطيع شهوته على آثامها |
كإطاعة الجلمين للصواف |
لو تسألين عرفت كم من حرمةٍ |
وظلامةٍ في هذه الأجواف |
إن فر من أيدي العدالة آثمٌ |
فالزيف قد يخفى على الصراف |
لا بدع إن أعلى رؤوس زعانف |
ولوى رقاب أماجد اشراف |
فلقد رأينا الماء بعد فساده |
لا يعتليه سوى الغثاء الطافي |