وادي ارجيوس حسبي ما أقاسيه |
شيبت رأسي كما شابت نواصيه |
كفاك سجن غريبٍ بين مجتمعٍ |
يعده كأسير من أعاديه |
ضيعت ويلك شطراً من شبيبته |
قد ظنه برغيد العيش يقضيه |
يشكو إلى الليل من صبح يعيد له ال |
بلوى وللصبح من ليل يداجيه |
عامين فيك وقد مثلت لي بهما |
مالم يمثله عصر في مآسيه |
حتى تحجر قلبي من تجلده |
كأن باطن صدري صخرة فيه |
بحيث أصبح لا الأخطار تفزعه |
ولا حراب الليالي السود تدميه |
تهون كل صروف الدهر لو نزلت |
إذا الفتي ذهبت عنه أمانيه |
ومن توسط غاب الوحش بات به |
كأنه آمن مما يلاقيه |
لم يبق بعد ابتعادي ما أحاذره |
فلصنع الغاب ما شاءت ضواريه |
لو صور الله في الدنيا إلى ملإ |
دار الجحيم لقالوا أنت واديه |
حكم الممالك في الدنيا له أجل |
إن لم يكن قد دنا فالظلم يدنيه |
يمشي الزمان رويداً في تقلبه |
فلست تسمع ركزاً في تمشيه |
تقول لي النفس والأحداث ما برحت |
تجري وفاقاً إلى ما أنبأت فيه |
ما أنت والركب دعه في ضلالته |
فلست في هذه الدنيا بحاديه |
مرت عليه قروت وهو في ظمإ |
يظن أن بريق الآل يرويه |
دعه إلى الغيب تحدوه الظنون به |
لو في فروق هدى ما عز هاديه |
ورب جرح ممض عاد متسعاً |
علاجه قد تعدى طوق آسيه |
خل الزمان يداويه بمبضغه |
إذا استحال على قوم تداويه |
متى تعارضت الأمراض في بدن |
وأحرضته فلا يرجى تلافيه |
إذا ذكرتك يا بغداد أرقني |
ذكرى حبيب بروحي كنت أفديه |
تركته ساعة التوديع في وله |
لم يدر كيف عن الأنظار يخفيه |
وبين جنبيه نفسٌ لا تطاوعه |
على النوى وفؤاد لا يواتيه |
كطائر غاب عنه السرب وهو لقى |
يرنو إلى الأفق من شتى نواحيه |
رام اللحاق فما اغنت قوادمه |
من ذعره حين خانته خوافيه |
وأوشك الدمع لولا الصبر يحبسه |
خوف الشماتة يجري من مآقيه |
ناشدتك الله يا بغداد أن تدعي |
ماء السكينة رهناً في مغانيه |
وأبعدي عنه نجوى اليأس خشية أن |
يلبي القلب منه صوت داعيه |
قولي له أنا حي لا أزال وإن |
ما بيننا الدهر قد حالت عواديه |
لعل في الغيب أياماً نعيد بها |
تلك الكؤوس فيسقيني وأسقيه |
عهدي به أن لا بُعدي يغيره |
ولا الليالي وإن جارت ستنسيه |
إن الذي عنه أقصتني وشايته |
لا بد للسوء من عقبى تجازيه |
ليت النوى كتمت عني إساءته |
كي لا تذكرني يوماً بماضيه |
ولست أرضى لنفسي أن تناجزه |
أو أن تقابل وغداً في مساويه |
لا غرو أن كنت بالإحسان أغمره |
فقد يصيبك سهم أنت باريه |
جاف اللئيم وحاذر أن تجاوره |
فاللؤم كل شريف من مراميه |