أهزةٌ أيقظت من روعها البلدا |
أم أنه الأجل المحتوم فيك حدا |
يا راحلاً شيعته النفس خاشعةً |
والعين دامعةً والقلب مرتعدا |
في موكبٍ وجلال الموت يقدمه |
مشى بنعشك كالمحموم متئدا |
أضنتك دنياك حتى عفتها تعباً |
لكي تنام بأحضان البلى رغدا |
دنيا أقمت كأزهار الربيع بها |
أو كالشباب عليها مر محتفدا |
نعاك للوطن الناعي فقلت له |
نعيت وي إليه المخلص النجدا |
واستقبلت نعيك الأمصار في هلعٍ |
من حيث عدَّتك في الجلَّى لها عضدا |
يوم رأيتك أزمعت الرحيل به |
نفضت فيه من الخل الوفي يدا |
ناشدتك الله لو للميت سامعةٌ |
كيف اتخذت اليك اللحد ملتحدا |
وقد عهدتك حراً لم يسعك إذا |
ما ضيم واديك ريفاً كان أو بلدا |
المرء يولد والأحداث ترقبه |
كأن منها على أنفاسه رصدا |
ولا تفارقه إلا إذا انطفأت |
حياته كسراجٍ زيته نفدا |
إن المنية كانت عنك في سعةٍ |
لولا كعادتها تمشي بغير هدى |
لم يعجز الموت عمن يفتديك به |
لو شاء ساق من الأنذال ألف فدا |
لكنها حكم لله بالغةٌ |
لا يدرك العقل من أسرارهن مدى |
يا ابن الأباة الألى طالت حياتهم |
فخراً وإن قصرت أيامها عددا |
أولئك الشم من أبناء فاطمةٍ |
الوارثين الإبا من سيد الشهدا |
لا تأسفن على الدنيا فليس بها |
للحق صوت ولا للصالحات صدى |
وكيف يأسف ذو عقل على زمن |
فك الجموح وعنها عاق بالوتدا |
تطيش أسهمها عن كل ناعقةٍ |
من بومها وتصيب الطائر الغردا |
ما استفحل الشر في دنياك لو نجبت |
فليتها لم تلد وَغلاً ولن تلدا |
وللنجابة فضل في أمومتها |
على الحياة إذا ما أنجبت ولدا |
أضفى الحياء عليه من نجابته |
حتى حكى الخفرات الكنس الخردا |
صلب العقيدة عنها لا يغيره |
من ذم يوماً ولا يغريه من حمدا |
يقابل الخصم في طول الأناة فلا |
يبدي له قط لا لينا ولا لددا |
أبا الأماجد هل في الكون معجزةٌ |
تعيد أيامك اللاتي مضت جددا |
مرت لعمري كثغر الصبح مبتسماً |
وكالخمائل ريا والصبا ثأدا |
في طيب نفس كماء المزن صافية |
ما أضمرت لامرئ حقداً ولا حسدا |
تسعى إلى الخير سراً كالسحاب همى |
وما استطار له برقٌ ولا رعدا |
تبش في وجه من يلقاك متخذاً |
من البشاشة كي تخفي الأسى ضمدا |
وتستعين على ما فيك من كمدٍ |
بالصمت كما تعاني وحدك الكمدا |
لم تعتذر قط من راجٍ كأن له |
عليك في كل ما يرجوه منك يدا |
أبت سجاياك إلا أن تساعده |
لذاك لم تر من إنجاده حددا |
ولا رأى منك يوماً ما يكدره |
في حين لا تعدم الحسناء منتقدا |
أجهدت نفسك في وقتٍ ظننت به |
أن سوف تقوى على إصلاح ما فسدا |
حتى رجعت من الفوضى ومحنتها |
مستيقناً أن ذاك الجهد ضاع سدى |
فقلت من أسفٍ دعها سيصلحها |
كدأبه بدلاً منك الزمان غدا |
وارفق بنفسك قدر المستطاع فقد |
تسوء عقبى الضنى لو زدتها أودا |
خفف حنانيك عنها ما تنوء به |
حذار من أن يواري قبرك الجسدا |
قد حدَّتني الليالي وهي صامتةٌ |
ما لم يحدث به ذو منطق أحدا |
أن الزمان كبحر والذين به |
بانوا لعينيك لو جربتهم زبدا |
لم يُجدني بعد خبري عنهم خبرٌ |
إذ لم يزدني بهم علماً ولا رشدا |
كم موقفٍ لك قد شاهدته وبه |
رأيت نفسك بين القوم منفردا |
وكل من جرب الدنيا استبان له |
أن الحياة بها مملوءة عقدا |
وما احتيالك فيمن لا يحس بها |
لو كان لم يتنفس خلته نضدا |
يأبى زمانك إلا أن يقاسمنا |
منه الشقاء ومنا الصبر والجلدا |
ما أكثر الناس في الدنيا الذين شقوا |
وما أقل الذين من بينهم سعدا |
قد يخفض الهام قومٌ رغم كثرتهم |
ويرفع الرأس رهطٌ دونهم عددا |
وهكذا الدهر يمضي في عقوبة من |
عاشوا طرائق في أوطانهم قددا |
وهكذا يتولى الأقوياء بهم |
تنفيذها دون أن يرجو لهم مددا |
وهكذا فرضت دنياك قاعدةً |
كن في الحياة قوياً تأمن القودا |
وما الفضيلة في عرف الطغاة سوى |
نسج العراة لهم من غزلها بردا |
هذا جزاء مناكيدٍ بها اختلفوا |
ومن يرد الأذى لا يعرف النكدا |
قل لي بربك هل في الموت راحتنا |
إذا الحياة استحالت كلها صفدا |
أم أنه شر صابٍ سوف نجرعه |
فتزهق الروح من آلامها صعدا |
إني وإن طال عمري راحلٌ وكما |
وردت حوض الردى لا بد أن أردا |
وتلك ساعة فصلٍ لا شفيع بها |
للحي ما دام حكم الموت مطردا |
لم يبق منك سوى ذكراك في خلدي |
والذكريات لنفسي لا تبل صدى |
نهدي إليك من الدنيا تحيتها |
كالفجر يهدي إلى الأزهار قطر ندى |
إني أراك على قيد الحياة بها |
والحي من لم يفارق ذكره الخلدا |
لسوف تبقى مثالاً للحياة كما |
تبقى الحقيقة مثلي سرمداً أبدا |
لم يحل بعدك نادٍ كنت زينته |
وأي فضل لجيد فارق الجيدا |
لئن توسدت أحجار الثرى وسناً |
فقد تركت لعيني بعدك السهدا |
وإن تعذر في الدنيا الخلود فهل |
رأيت حياً بها من قبلنا خلدا |