خيالٌ سَرى لِي مِن بلادٍ بَعيدةِ | |
|
| لِشدِّ الأَوَاخِي والعُهودِ القَديمةِ |
|
تَخَطَّى رقاباً في طِلابِي كثيرةً | |
|
| لإِرغامِ واشِينا ورَدِّ التحيَّةِ |
|
ويَسألُني باللَّهِ لا تَنسَيَنَّنِي | |
|
| ومِن أَينَ لِلظّامِي تناسِي الأحبةِ |
|
فيا زائِراً أَنعمتُ بالِي بقُربِهِ | |
|
| قليلاً فلمَّا سارَ ودَّعتُ مُهجَتِي |
|
لكَ الخيرُ عاوِدنِي ويا عَينِيَ اهجَعِي | |
|
| ولا تسأمِي يا عينُ مِن طولِ هَجعَتِي |
|
لهوتُ به ليلَ التَّمام وللدُّجى | |
|
| علَينا ستورٌ سابغاتُ الأَظلَّةِ |
|
ضَجِيعينِ ضم الشَّوقُ مِنّا مفارقاً | |
|
| تفوحُ علينَا بالعبيرِ المُفَتَّتِ |
|
نَفُضُّ خَوَاتِيمَ السَّرائِرِ بَيننا | |
|
| لَفِيفَينِ في بُردَى حَيَاءٍ وعِفَّةِ |
|
فيا لَكَ مِن صيدٍ بأشرَاكِ مُحرِمٍ | |
|
| أَذودُ الهَوى عَنهُ بكُلِّ تَعِلَّةِ |
|
سَقانِي بكاسِ العاشِقينَ وعَلَّنِي | |
|
| مِنَ الباردِ البسامِ صافِي الأَشعةِ |
|
يَمُجُّ ذَكِىَّ المِسكِ منهُ مُفلَّجٌ | |
|
| كنورِ الأَقاحِي أَو دَرارٍ نَضِيدةِ |
|
عليهِ خِتامٌ مِن عَقيقٍ شِفاهُهُ | |
|
| هنيئاً لنفسٍ مِن لَمَاها تروَّتِ |
|
وفي فترةِ الأَجفانِ والعذرُ لائحٌ | |
|
| دَعا مُهجتي داعي الغرامِ فلبَّتِ |
|
وأَوحى إِلى قلبي مَثانِي جمَالِهِ | |
|
| مفصَّلةً جاءَت بفصلِ قضيَّةِ |
|
فمِن قدِّه ثارٌ مِن الحبِّ مُدرِكِي | |
|
| ومِن خدِّهِ نارٌ بأَحشايَ شَبَّتِ |
|
يَعِزُّ عَلى مِثلِي كُثَيِّرُ عَزَّةٍ | |
|
| ويجمُلُ في عينِي جميلُ بُثَينَةِ |
|
وأَبكَى قَتيلَ الشَّوقِ مِن آل عُذرَةٍ | |
|
| وأَندُبُ قَيساً مُوبذان المحبَّةِ |
|
أولئِكَ أَشياعِي مَضَوا لسبيلِهِم | |
|
| وأَقبلت أُخراهُم بشملٍ مشتَّتِ |
|
مُجاوِرُ قَفرٍ ما لهُ مِن مُجاوِرٍ | |
|
| سِوى نفسِهِ أَصغَى إِليها وأَصغَتِ |
|
متَى يَضحكِ البرقُ الحجازِيُّ يَنثَني | |
|
| عَلى كَبِدٍ لَولا الهَوى لَم تُفَتَّتِ |
|
نَسيمَ الصَّبا عرِّج فَهل فيكَ راحةٌ | |
|
| بتبريدِ أَنفاسِي وتنفِيسِ كُربَتي |
|
لقَد طالَ يا سعدُ انتِظارِي فعُج بِنَا | |
|
| إِلى كلِّ شِبهٍ من أصارِيمِ وَجرَةِ |
|
وفي بطنِ نعمانٍ بمجتمعِ الهَنا | |
|
| قِبابٌ على أعتابِ كلِّ ضَنِينَةِ |
|
كَلَفتُ بِها حُمراً تلوحُ كأنَّما | |
|
| عليهَا أراقَ البَينُ ماءَ شَبيبَتي |
|
مطامحُ أَنظارِي مسارحُ فكرَتِي | |
|
| مدارجُ أَوهامِي مَعارِجُ همَّتِي |
|
أَيا حسرتا ضاعَ الزَّمانُ ولم أَفُز | |
|
| بطيبِ اللِّقا منكُم أُهيلَ موَدَّتِي |
|
خَلِيلَيَّ حُطّا عَن قَلُوصِيَ رَحلَها | |
|
| إِذا فصَلَت مِن ذِي طُوى وَالثَّنيَّةِ |
|
وفاضَت علَى البَطحاءِ من أرضِ مَكةٍ | |
|
| وألقت جِراناً بالهَنا والمسرَّةِ |
|
وقولا لها يا ناقُ ما شئتِ فانعَمِي | |
|
| فلَن تَبأسِي طولَ الحَياةِ برحلَةِ |
|
فيا بلدَةَ اللَّهِ الَّتي عزَّ شَأنُها | |
|
| ومِن تحتِها سَوَّى مِهادَ البَسيطَةِ |
|
هِي الدَّارُ لا شامٌ ولا يمنٌ ولا | |
|
| مرابِعُ هَجرٍ في أَقاليمَ سبعَةِ |
|
بها كعبَةُ اللَّهِ التي كان حَولَها | |
|
| مطافٌ لأملاكٍ وإنسٍ وجِنَّةِ |
|
إِذا الملكُ الجبّارُ ذو الشَّانِ رامَها | |
|
| تَداعَت عُروشُ المُلكِ مِنهُ وثُلَّتِ |
|
وَفيها مقامٌ للخَليلِ وعندَهُ | |
|
| مُصَلَّى لأَهل اللَّهِ مِن كلِّ مخبِتِ |
|
وَفي ساحَةٍ بَينَ الحطيمِ وزمزمٍ | |
|
| مَعاهدُ لذَّاتٍ مشاهدُ زينةِ |
|
ألا لَيت لِي مِن ماءِ زَمزَمَ بَلَّةٌ | |
|
| بِها بُرءُ عِلاتِي وتَبريدُ غُلَّتِي |
|
صَدىً لَم يكُن إلا إلَى مَورِدِ اللِّقا | |
|
| وكَم بِبلادِي من نِطافٍ وَغَمرَةِ |
|
وَيا حبَّذا ما بَينَ مروَةَ وَالصَّفا | |
|
| مَساعِي كرامٍ بالوَفا والمُرُوَّةِ |
|
لئِن أَزلَفَتنِي صوبَ مُزدَلفاتِهِم | |
|
| عَوارفُ بِرٍّ مِن عواطِفَ بَرَّةِ |
|
فقَد أشعرت قَلبِي على المَشعَرِ الَّذِي | |
|
| علَيه شِعارٌ مِن جلالٍ وهيبَةِ |
|
ومنَّتنِيَ الحُسنى علَى الخَيفِ من مِنىً | |
|
| فبِاللَّهِ أجِّلنِي غَريمَ مَنِيَّتِي |
|
سَلامٌ علَى تلكَ المعاهِدِ إِنَّها | |
|
| مَنازلُ سَعدٍ لا كطَرفٍ وَجَبهَةِ |
|
فيا حَمدُ المجتَازُ منها بسُدَّةٍ | |
|
| إِلَيها تَناهَت كلُّ أَحبَارِ مِلَّةِ |
|
أَقِم واستَقِم فالبابُ سَهلٌ حِجابُهُ | |
|
| لغَاشي فِناهُ بِافتِقارٍ وَرَغبَةِ |
|
لَئِن كُنتَ فيما تَدَّعِي اليومَ صادقاً | |
|
| ليُوشِكُ أَن تَرعَى رِياضَ الحَظيرَةِ |
|
حَظيرَةِ قُدسٍ ما لها مِن مَعارِجٍ | |
|
| سِوى صُعُداً أنفاسُ نفسٍ رصيَّةِ |
|
إذا سمعت باسمِ الفِرَاقِ تَقَعقَعَت | |
|
| مَفاصِلُها من شُؤمِ كلِّ خطِيئَةِ |
|
وإِن سمِعت باسمِ اللِّقاءِ تَزَعزَعَت | |
|
| نُزُوعاً إِلى أَوطانِها الأَوَّلِيَّةِ |
|
وَيا حَمَدٌ هل تَسمَعَنِّي فإِنَّني | |
|
| سأُهدي لَكَ الأَشواقَ مع كُلِّ نَسمَةِ |
|
إِذا ضِقتَ ذرعاً بالحِجازِ وَعَيشِهِ | |
|
| فجنَّاتُ عَدنٍ بالمكارِهِ حُفَّتِ |
|
لِتَصرِف عَن الدُّنيا عنانَكَ راضِياً | |
|
| كأنَّكَ بِالدَّاعِي إِلى خَيرِ نُزهَةِ |
|
فَما هِيَ إِلا ساعةٌ ثُمَّ تَنقَضِي | |
|
| وَتعقُبُ خُلداً مِن نعيمٍ وَشِقوَةِ |
|
فَلا تحتَفِل باللائِمينَ فإِنَّما | |
|
| قلوبُهُمُ مِن رانِها في أَكِنَّةِ |
|
وهَذا سَبيلٌ واضِحٌ لِمَن اهتَدى | |
|
| ولَكِنَّها الأَهواءُ عمَّت فأعمَتِ |
|
فَخُذ بيَدِي أَنهَض إِليكَ فإِنَّني | |
|
| بكَ اليومَ أَولى مِن وَلِيِّ العصُوبَةِ |
|
ولا بُدَّ أن أًسعَى إليكَ بِهِمَّةٍ | |
|
| مطالبُها يا صاحِ غيرُ دنيَّةِ |
|
فإِما مَقاماً يضربُ المجدُ حَولَهُ | |
|
| سُرادِقَهُ بينَ السُّهَا والمجَرَّةِ |
|
وَإِن أَنا لَم أَبلُغ مَراماً أَرُومُهُ | |
|
| فَكَم حَسَراتٍ في نُفوسٍ كَرِيمةِ |
|
أَخِي ما غَرِيضٌ مِن قريضِكَ شاقَنا | |
|
| عَلَيهِ تعلَّلنا بكأسٍ رَوِيَّةِ |
|
نَظمتَ لنا فيهِ عُقُوداً حكَت لنا | |
|
| نَظِيماً مِن الجَوزَاءِ حينَ استَقَلَّتِ |
|
مَحَضتَ لنا فيهِ النَّصيحةَ فالهُدى | |
|
| يَلوحُ عَلينَا مِن خِلالِ الصَّحيفَةِ |
|
عَفا اللَّهُ عنهُ اللوذَعِيُّ ابنُ عَرفَجٍ | |
|
| لَقَد كانَ مَأموناً عَلى كُلِّ زَلَّةِ |
|
أَتاكَ بأنَّا عاتِبونَ عَليكَ فِي | |
|
| مَساعِيكَ والسَاعِي بِنا غَيرُ مُثبِتِ |
|
لِسانِي عنِ الأَهلِينَ والصَّحبِ ناطِقٌ | |
|
| فَطِب منهُمُ نَفساً بِحقِّ وَسِيلَتِي |
|
وَأَبرِد غَليلي يا خَليلي بِدعوةٍ | |
|
| تُنَزِّهُ سِرِّي في شُهُودِ جَلِيَّتِي |
|
وبلِّغ سَلامي من لدُنكَ عصائباً | |
|
| مِنَ القَوم أَربابِ القلُوبِ المُنِيبَةِ |
|
هُمُ نُصبُ عَينِي إِن لقيتُ حَبائباً | |
|
| وَهُم حَسبُ نَفسي مِن كُهولٍ وفِتيَةِ |
|
تَقدَّمتُ بالنَّجوى إِليكَ لأَنَّني | |
|
| حليفُ غرامٍ رُمتُ بثَّ شَكِيَّتِي |
|
فَهاكَ ابنَ وُدِّي مِن طِرازِي خرِيدَةً | |
|
| جمعتُ حُلاها من شُمُوسِ الظَّهِيرَةِ |
|
مِن الخَزرَجِيّاتِ الحِسانِ فمَا لَها | |
|
| سِوَى خِدرِنا إِن رُمتَها مِن مَظنَّةِ |
|
أَقامت ثَلاثاً بعدَ عِشرينَ لَيلَةً | |
|
| بأكنافِ قلبِي في رِياضٍ أِريضَةِ |
|
طَلبتُ لَها في القَوم كُفؤاً فلَم أجِد | |
|
| سِواكَ فأنتَ اليومَ كُفؤُ كَرِيمتِي |
|
طَوَت في لِقاكَ البِيدَ طَيَّ سِجِلِّها | |
|
| ولَولا حياها يَومَ وافَت لَحَيَّتِ |
|
فدُونكَ أَصدِقها قبولَكَ وَالرِّضا | |
|
| لِباسينِ أَبهَى مِن رداءٍ وحُلَّةِ |
|
وَلا تنسَنِي فيها بِغُفرانِ ذَنبِها | |
|
| وإِكرامِ مَثواها بألحانِ صَيِّتِ |
|
فَهذا وصلَّى اللَّهُ رَبِّي صلاتَهُ | |
|
| علَى المُصطَفى إِنسانِ عَينِ البَصيرَةِ |
|
نَبِيِّ الهُدى بدرِ الدُّجى سيِّدِ الوَرَى | |
|
| محمَّدٍ المُوفِي نظَامَ النُّبُوَّةِ |
|