يَا سَائِلي بَعدَ رُكُوبِ البَحرِ |
عَنِ الَّتي عِنَانُهَا فِي الدُّبرِ |
إنَّ الَّتي تُدعَى بِقَبرِ الكَافرِ |
لمَا حَوَت مِنَ العَذَابِ الوَافِرِ |
عِندِيَ مِن آفاتهَا أَخبَارُ |
وهُنَّ عَن رُكُوبِهَا إنذَارُ |
مِن ذَاكَ دَاءٌ سمُهُ الهَدَامُ |
وَهوَ لأَجسادِ الوَرَى انهدَامُ |
وَيَجعلُ المَوتَ لِشدَّةِ العَنَى |
لِلهَادمِ الشَّقِيِّ غَايَةَ المُنَى |
صَاحِبُهُ مِن أَلَمِ البَلاءِ |
ليسَ مِنَ المَوتَى وَلا الأَحياءِ |
لَو كَانَ حيّاً لَتَنَاوَلَ الغِذا |
أَو كَانَ مَيتاً مَا أَحَسَّ بِالأَذَى |
تظلُّ مِن أَوصَابهِ فِي حَالِ |
يَجعَلُ مُرّاً لكَ كُلَّ حَالِي |
فَتَحسبُ الزَّادَ الشَّهِيَّ سُمَّا |
وَتَكرهُ الطِّيبَ إذا أَلمَّا |
وَتُبصِرُ الإخوَانَ كَالعُدوَانِ |
وَتَلحظُ الرَّبَّانَ كَالشَّيطَانِ |
لا تَطلبَنِ لدَائِهِ العِضَالِ |
بُرءاً فَتُشقِي النَّفسَ بالمَحَالِ |
فَمَالَهُ فِي جُملةِ الأَدوَاءِ |
إلاَّ نُزُولَ البَرِّ مِن دَوَاءِ |
وَإنَّ مِن عَذَابِها الكُلِّيِّ |
مَبرَزَهَا المَوسُومِ بالزَّولِيِّ |
وَيلٌ لَهُ وَيلٌ لِمَن أَتَاهُ |
مَاذَا تُلاقِي مِن جِوىً أمعَاهُ |
إِذَا رَأَى لَدَيهِ ابصَارَ المَلا |
شَاخصَةً إلَيهِ أَوكَى الأَسفَلا |
فَيُمسِكُ النَّجوَ لِمَا دَهَاهُ |
كأَنَّهُ لِحَاجةٍ أبقَاهُ |
وَيَحبِسُ البَولَ لِهذَا الجَاري |
كَأَنَّهُ أُمَّ بَنِي عَمَّارِ |
فَيُحزنُ السَّعيدَ مَا عَرَاهُ |
مِن ذَلِكَ الكَربِ الَّذِي يَرَاهُ |
وَإن يَكُ الأَسفلُ بِالحبَسِ رُمي |
فَإنَّهُ بالقَيِّ مُطلَقُ الفَمِ |
فَاليهنِهِ فِي البَحرِ هذَا الحَالُ |
فَإنَّهث فِي البَرِّ لا يُنَالُ |
وَلَو شَمَمتَ مَا عَلا للجَمَّه |
مِن نَتَنٍ يَشقَى بِهِ مَن شَمَّه |
لَقُلتَ مِن شِدَّةِ مَا قَد آذَا |
يَلَيتنَي قَدمُتُّ قَبلَ هذَا |
وَكَم سِوَى الجَمَّةِ فِيها رَائِحة |
غَاديَةٌ بِخُبثهَا وَرَائِحَة |
رِيحُ الكَنِيفِ عِندَهَا عَبِيرُ |
وَالمِسكُ فِيها خَاسئٌ حَسِيرُ |
وَاسمَع عَنِ الضِّيق بِهَا مِنِّي خَبَر |
فَفِتنَهُ الضِّيقِ بَهَا إحدَى الكِبَر |
خُذ وَصفَهُ فِي جُملةٍ مُختَصرَة |
يُسجَنُ فِي قَدرِ ذُراعٍ عَشَرَة |
مَا هكَذا الأَمواتُ حِينَ تُقبرُ |
وَلا كَذَا السِّمسِمُ حِينَ يُعصَرُ |
حَالٌ به تُبَدَّلُ الحَالاتُ |
مِن عُسرِهِ وَتُنكَرُ الخِلاَّتُ |
فَكَم بِهِ تَبَاغَضَ الأَحبَابُ |
وَمِنهُ قَد تَعَادَت الأَصحَابُ |
وَحَاربَ الصَّديقُ لِلصَّدِيقِ |
وَالكُلُ مَعذُورٌ لِفُرطِ الضِّيقِ |
لَئِن جَرَى بَينَهُمُ القِرَاعُ |
فَالنَّفسُ عَنهَا وَجَبَ الدِّفاعُ |
فَلَو رَأَت عَينَاكَ ذَاكَ المُعتَرَك |
وَالقَومُ مِن ضِيقِ المَجَالِ فِي شَرَك |
وَرَأسُ ذَا فِي دُبِر هذَا يُدغَمُ |
وَالمدُّ مَا بَينَهُما مُحَرَّمُ |
لَقُلتَ بِئسَ الحَالُ لِلكُفَّارِ |
إن كَانَ هذَا حَالُهُم فِي النَّار |
تَرَاهُ فِي الكَثرَةِ كَالرِّمَالِ |
لَكِنَّهُ فِي العُظمِ كَالجِمَالش |
لَهُ بهَا مِن زَمَنِ الطُّوفَانِ |
مَنَازلٌ كَثِيرةُ السُّكَانِ |
قَد أَغفَلَتهُ عِندَهَا المَنِيَّة |
وَكَثُرَت فِيهَا لَهُ الذُّرَّية |
فَطَبَّقَ الأَرجَاءَ والأَكنافَا |
وَأَصبَحَ الشَّرُّ بِهِ أضعَافَا |
فَلَيسَ يَكفِيهِ دمُ الأَنَامِ |
عَنِ اللُّحُومِ وَعَنِ العِظَامِ |
فَلَو رَأَيتَ الهَادِمَ المُعَذَّبَا |
وَقملُهُ عَليهِ قَد تَأَلبَا |
لَقُلتَ سُبحَانَ الَّذِي أَبقَاهُ |
وَحَتفُهُ فِي بَعضِ مَا لا قَاهُ |
وَهَل أَتَاكَ مِن لِسَانِ الوَاصِفِ |
حَدِيثُ أَمرِهَا مَعَ العَوَاصِفِ |
وَرَقصِهَا وَالقَلبُ مِنهَا يَخفقُ |
وَالبَحرُ بِالموَجِ لَهَا يُصَفِّقُ |
وَالفُلكُ مِن كُلِّ الجِهَاتِ تَشرَبُ |
وَالمَوتُ يَأتي وَالحيَاةُ تَذهَبُ |
هُنَاكَ يُتلَى كُلُّ شَيءٍ هَالِكُ |
إلاَّ الَّذِي لِدَفعِ ذَاكَ مَالِكُ |
مَا أَنتَ فِيهَا مِن هُبُوبِ الرِّيحِ |
وَلا سُكُونِهَا بِمُستَرِيحِ |
إن هَبَّتِ الرِّيحُ فَما تَرَىَ |
مِن فَادِحِ الخَطبِ الَّذي قَدِ أعتَرَى |
أو لَم تَهُبَّ فَعذَابُ النَّفسِ |
مِن عَدَمِ السَّيرِ وَطُولِ الحَبسِ |
هذَا وَلا تَطلِب وَلا أَذَاكَا |
مِن وَصفِهَا وَاقنَع بِمَا أَتَاكَا |
فَبَعدَ مَا فِيهَا مِنَ الآفَاتِ |
مَا هُوَ فِي نَظمٍ وَنَثرٍ آتِي |
تَبَّاً لَهَا أُمِّ الرَّزَايَا وَالعَطَب |
كَمِثلِ مَا تَبَّت يَدَا أَبِي لَهَب |
كَأَنَّهَا مِمَّا حَوَت مِن دَاهيَة |
قَبرُ يَزِيدِ الرِّجسِ أَو مُعَاوِيَة |
أَلا حَمَانَا اللهُ عَن رُكُوبِهَا |
كَي لا نُلاقِي الحَتفَ مِن كُرُوبِهَا |
إنِّي لِمَا ذُقتُ بِتِلكَ الجَاريَة |
مِنَ البَلا كَرهتُ كُلَّ جَارِيَة |
وَلَو بَدَت مِن حُسنِهَا فِي حِلَّة |
تَغدوُ بِهَا الأَلبَابُ مُضمَحِلَّة |
فَلا صَحِبتُ بَعدَ تِلكَ المَعطبَة |
فِي زَمَني غَيرَ العَجُوزِ الشَّهرَبَة |
كَانَ صَوَاباً مَا فعَلتُ أَم خطَا |
أرضَى الملا فِعِلي لَهُ أَم أسخَطَا |
ولنَختِمِ النَّظمَ بِمِسكِ القَولِ |
وَهوَ صَلاةُ رَبِّنَا ذِي الطَّولِ |
عَلَى النَّبيِّ أَحمدِ المُختَارِ |
وَآلِهِ وَصُحبهِ الأَبرارِ |
مَا أَصبَحُوا مِن لُجَجِ المخَافَة |
سُفنَ نَجَاةٍ مَا بِها مِن آفَة |