لا تعتب الوَغد اللَئيم إِذا أَسا |
وَاِصبر عَلى مرِّ الإِساءة وَالأَسا |
فَلرُبَّ عَتبٍ لا يفيدُ سِوى العَنا |
أَو أَن تُهان بِهِ النُفوس فَتبخَسا |
لا ذَنبَ إِلّا لِلزَمان فَقَد بَغى |
حَتّى دَعا الأَذناب أَن تَتَرأسا |
تَبّاً لَهُ زَمَناً لَو اِستَقضيته |
حَقّاً لَكانَ مِن اِبنِ يَوم أَفلَسا |
زَمَن يُؤخّر كُلّ رَبّ شَهامَةٍ |
وَيُقدّم السفهاء أَن تَتَحَمَّسا |
زَمَنٌ بِهِ ذلّ الأُسود كَما بِهِ |
عزّ الكِلاب جُرأةً وَتَفرّسا |
زَمَنٌ بَنى بَيت الكَمال عَلى شَفا |
جُرُفٍ وَبَيت النَقص شادَ وَأَسَّسا |
زَمَن تنكّر كُلّ مَعرفة بِهِ |
أَوَ ما تَرى علَمَ العُلوم مُنَكَّسا |
أَوَ ما تَرى مَن كانَ خَير منعَّمٍ |
أَمسى بِبَأساء الخُطوب مبأّسا |
أَو ما تَراهُ قَد اِدلهمَّ بخطبهِ |
حَتّى أَراك مِن السِنين الحرمسا |
يَلقى اللَئيم بِوَجهِهِ مُتَبَسِّماً |
حَتّى إِذا لَقيَ الكَريم تَعبَّسا |
زَمَنٌ دَعاني أَن أُقابل وَجهَ مَن |
لَو قابل البَحر الخضمّ لنجّسا |
وَلَو اِنّ ذرّة رَوث كَلب أَجرَب |
قيست بِهِ كانَت أَعَزَّ وَأَنفَسا |
لا شَمَّتت صبح الولادة حامِلٌ |
إِن رامَ بَعدُ بمثلهِ أَن يَعطسا |
وَلرُبَّ يَوم قَد ذرعت بِهِ الفَلا |
أَفري المهاد تَعسّفاً وَتَوعّسا |
بِمَهامهٍ قفرٍ يَضلُّ بِها القَطا |
وَيَظلُّ حرباءُ الهَجير مرهمسا |
عَبثت بِها هوجُ الرِياح فَطالَما |
دَعَت المَعالم دونَها أَن تطمسا |
فَغَدَوت أَسأل عَنهُ كُلّ مُقبَّحٍ |
فَظٍّ تَشعّث صورَةً وَاِعلنكسا |
حَتّى وَصَلت لِداره لا حُيّيت |
طللا وَلا رحبت فناً وَمعرّسا |
فَنَظرت بَيتاً لا أَشكّ بِأَنَّهُ |
بَيت الخَلاء لِمَن يُريد تَنفّسا |
وَدَليله أنّ الخَنافس أَقسَمَت |
أَن لا تُفارق في فَناه الجِرجِسا |
وَتَسابق الجرذان في عَرصاته |
زُمَراً تَنوَّع جَيشها وَتجنّسا |
وَبِهِ العَناكب طالَما قَد خَيّمَت |
أَو طنّبت حَتّى تَستّر وَاِكتَسى |
نَسجت لَهُ أَردى كِساً فَكَأَنَّما |
نَسجت لَهُ إِستَبرَقاً أَو سُندسا |
بَيت بِهِ الحَشَرات وَالحَسرات تَس |
تدعي بِهِ العفريت أَن لا يَجلسا |
بَيت تُجاوره القُبور وَما بِهِ |
مَن يَستَحقّ إِذا قَضى أَن يرمسا |
فيهِ الذُباب تَنوَّعَتَ أَلوانُهُ |
ما بَينَ أبرش مسبطرّ وَأَدبسا |
أَو أَزرَق قَد سَدَّ عَين الشَمس أَو |
مَلأَ الفَضا لَو رامَ أَن يَتَشَمَّسا |
وَبَنات وردان إِلَيهِ تَوارَدَت |
وَتَصادَرَت لَمّا أَتَتهُ تَبهلسا |
وَالبقّ كادَ بِهِ يَسير تَزحزحاً |
لَو لَم يَكُن فَوقَ المَزابل قَد رَسى |
وَنَما فَأَوشك أَن يَمور تَخاسفا |
وَأحقّ مِنهُ بأهله أَن يخفسا |
وَبِهِ بَراغيث تَكاد لِجوعها |
تَرعى التُراب أَو الأَصمّ الحرمسا |
مِن كُلّ ذي جسم تَراهُ جرافسا |
وَتَخالهُ عِندَ الوُثوب حبرقسا |
وَثَباتها وَثب الفُهود رَشاقَةً |
وَثَباتها مثل الأُسود تَفرّسا |
وَالفارسيّ النمل فيهِ لَقَد غَدا |
أَسطى مِن اللَيث الهصور وَأَفرَسا |
وَعَقارب سود تسلّ صَوارماً |
بيضاً لَها حمر المَنايا مُكتَسى |
وَأَراقم رقطٌ تَهزّ أَسنّة |
زُرقاً تَقدّ بِها الحَديد الأَملَسا |
بَيت الخَنا لا صَيف فيهِ وَلا شِتا |
يُلفى كَما لا صُبح فيهِ وَلا مسا |
بَيت لَوَ اِنّ الخَلق ضاقَ بِها الفَضا |
ما ودَّ إِنسان بِهِ أَن يَأنَسا |
وَلَو اِنّ آصف قَد عَصاهُ الجنّ لَم |
يَحكم عَلَيهِ بِغَيرِهِ أَن يُحبَسا |
وَلَقَد أَقول وَقَد طَرقت فَناءه |
وَشَهدت هاتيك الرُسوم الدرَّسا |
ما لِلكِلاب نَوابِحاً بوصيده |
أَفَغير خنزير هُناك فَيحرسا |
فَأَتيته وَأَمام مَهريَ خادم |
قَد كانَ يُدعى قِرقِساً أَو مرجسا |
وَدَعاهُ أَن يَأتي إِليَّ فَجاءه |
مُتحسّساً مَتململاً مُتحَمِّسا |
وَسَعى إِلَيَّ وَقَد تَزمَّل برنساً |
في مشيةِ الكَلب العَقور تبرنسا |
فَفطنت مِن خلل الستار بِكُلّ ما |
شَيطانه في صَدرِهِ قَد وَسوَسا |
مَكر لَو اِبتليَ الصَباح بذرّةٍ |
مِنهُ لَعادَ عَلى البَديهة حُندسا |
وَلوَ اِنّ إِبليس اللعين أَتى لَهُ |
وَرَأى حَبائل مَكره لتحرَّسا |
حَتّى ظَهَرتُ لِوجهِهِ فَرَأيتهُ |
قَد خمَّس الفكر الخَبيث وَسدَّسا |
وَلَقد أَحالوني بِقبض دَراهمٍ |
مِنهُ عَلَيهِ فَحينَ لَم يَستأنِسا |
وَلّى وَقَهقهر وَاِكفهرّ بخلقةٍ |
شَخناءَ تَكسوها الدجنّة عنجسا |
وَأَبى وَفكَّرَ ثُم قَدَّرَ ثُم أَد |
بَرَ باسِراً فَغَوى فَضلّ فَأَبلسا |
وَطَمعت مِنهُ بِفَجر وَعدٍ كاذبٍ |
فَرَأَيت لَيل الخلف طالَ وَعَسعَسا |
حَتّى أَيستُ مِن الصَباح لِأَنَّهُ |
لَو كانَ في قَيد الحَياة تَنَفَّسا |
مَن للرذيلِ بِأن يكونَ له بهِ |
ذكرٌ على طولِ المدى لا يُنتسى |
ألبستهُ خزيَ المذمّة وَالهجا |
فَكَأَنَّهُ حلل المَدائح ألبسا |
مثل المؤمّل مِن مَواعدِهِ وفاً |
مَثَلُ المؤمّل مِن جهنّم مقبسا |
طَمع العَنيدُ لجهله بِهديّةٍ |
منّي تسهّل وَجهُهُ المدلمسا |
فَلأتركنه اليَوم مضغة قادحٍ |
يَرقى بِهِ بين الأَنام عرندسا |
بئس العَداوة أَن يُعادي شاعِراً |
من راح أَقداح الفُنون قَد اِحتَسى |
أَو لَيسَ لِلشُعراء سَيف قاطع |
ماضٍ يطيرُ عَن الرِقاب الأرؤُسا |
عِندي مِن الذمّ الذَميم دَراهم |
بِالصَرف مِنها لا تقلُّ فَأفلسا |
وَغُصون أَقلامي النديَّة ما اِنبَرَت |
مُنذُ اِنبَرَت في رَوض طرسي ميَّسا |
تسقى بِماءٍ قَطّ ما سُقيت بِهِ |
إِلّا زَكَت أَصلاً وَطابَت مغرسا |
عقد إِذا نَفثت بِهنّ مَحابر |
مِنها اِستَعاذ أَخو الحجا أَن يُبئسا |
عَقدوا عَلَيها بِالخَناصر أَنَّها |
عقد تحلُّ بِها الكُروب تَنَفّسا |
شَمّاءُ ما لانَت لِغَير مكرَّم |
كَلّا وَلا مِنهُ الفُؤاد لَها قَسا |
مِن كُلّ مَمشوق القَوام تَخالهُ |
في تيهه الرَشأ الأَغنّ الأَلعسا |
ينسيكَ سحبان البَيان فَصاحَةً |
وَتَظنّهُ قَبل التَكَلُّم أَخرَسا |
تَخذ السَواد مِن المداد مَلابِساً |
سوداً فَكانَت تِلكَ أَحسَن مُكتَسى |
وَغَدا لَهُ أَسنى البَياض مواطِئاً |
وَلِذا اِستَحَقَّ لِأَن يجلّ وَينفسا |
تِلكَ الَّتي هِيَ خلّة لِذَوي الوَفا |
وَعَلى الأَعادي لا تَزال درومسا |
نَزّهتها عَن ذَمّ أَفجر ناقص |
كَي لا يَقولوا قَد هَجَوت مبرطسا |
تَعرو قَراطيس النِظام إِهانَةً |
مِن ذِكرِهِ فَتَكاد أَن لا تمسسا |
وَيُراع إِن فاه اليَراعُ بِبَعض ما |
طبعت عَلَيهِ طِباعه أَن يدنسا |
مَن علَّل النَفس الأَبيّة بِالمُنى |
لا شَكّ يوشك أَن يَملّ فَييئَسا |
وَمَن اِرتَدى بِالخلف عُرّيَ حَيث لا |
يَلقى سِوى العار المَهين لَهُ كسا |
عَكف العَنيد عَلى الخَديعة مِثلَما |
عَكَفت عَلى رَوث البَهيم الخُنفسا |
وَالصلُّ أَشأَم ما يَروعك معطبا |
مِنهُ وَأَنعَمُ ما يَروقك مَلمَسا |
أَنّى يَكون لَدى الأَنام مكرَّما |
مَن كانَ أَشأم مِن طويس وَأَنحَسا |
أَيَطيب أَصلاً وَهوَ أَقبَح مِن قَذىً |
لا أَصَل يُدعى للدعيّ فيأرسا |
فَدعاءُ ما حَلَبت عشار قَبيلةٍ |
إِلّا اِستَحال الدرُّ أن يَتبَجّسا |
لَمّا دَعاهُ قَومهُ بِاِبن الخَنا |
غَلطاً وَكانَ أَذلّ مِنهُ وَأَنجَسا |
أَضحى يُعارضهم فَأَنكَر وَاِدَّعى |
نَسَباً وَكانَ بِما اِدَّعاهُ مدلسا |
وَاِعتادَ أَكل البعر حَتّى ظَنَّهُ |
أَحلى مِن الرطب الجنيِّ وَأَسلَسا |
وَربا فَكانَ إِذا تَمرّض طَبعه |
وَأتوا بِهِ كَي يَعرضوه عَلى الإِسا |
وَصَفوا لَهُ بَول الكِلاب تَرشّفاً |
قَبل المَنام وَبَعد ذَاكَ تَغطّسا |
وَعقيب ذَلك أَن يَكون غِذاؤُهُ |
مِمّا سلحنَ تَمعلكاً وَتَمعلسا |
يا أَرذل القَوم اللئام إِلى مَتى |
أَملي يَعلّله لعلَّ وَهَل عَسى |
كَلّفتني نظمَ الهِجاء وَلَم يَكُن |
دَأبي وَلَكنَّ الأَسى لا يُنتَسى |
وَلَقد أَتَتكَ فَريدة لَو شامَها |
إِبليس يا اِبن الأَرذلين لأُبلسا |
قابلت طولك يا بَليد بطولها |
بَل لَيسَ مَوضوع هُناكَ فَيعكسا |
وَتَعجرفت أَلفاظها بِمعجرفٍ |
فَهيَ العملّس حَيث كُنت غَملّسا |
لَكنّ مَعناها أَرَقّ مِن الصبا |
لطفاً لَدى مَن بِالقَريض اِستَأنَسا |
تَشتمُّ نَشر عَبيرها فَكَأَنَّما |
تَشتمّ مِن رَوض العَباهر نَرجسا |
وَإِذا أَساءَ إِليّ مثلك أَنشَدَت |
لا تعتب الوَغد اللَئيم إِذا أَسا |