أَبى العِلمُ إِلّا أَن يَضُرَّ بِنا العِلمُ | |
|
| فَأَعذَبُهُ مُرٌّ وَبَلسَمُهُ سُمُّ |
|
تَنازَعَهُ ضِدّانِ عادٍ وَعادِلٌ | |
|
| فَذاكَ بِهِ يَهوى وَهَذا بِهِ يَسمو |
|
وَلِلعِلمِ فَاِعلَم شَوكُهُ وَزُهورُهُ | |
|
| فَأَزهارُهُ تَذوي وَأَشواكُهُ تَنمو |
|
فَما رَقَّ حَتّى عادَ فَاِزدادَ غِلظَةً | |
|
| وَهَل يُؤمَنُ الرامي وَفي يَدِهِ سَهمُ |
|
أَيَخفِضُ ما أَعلى وَيَهدِمُ ما بَنى | |
|
| إِذاً فَبِناءُ العِلمِ كانَ بِهِ الهَدمُ |
|
أَطاحَ بِهِ مِن عالَمِ الشَرِّ طائِحٌ | |
|
| فَلا عَدلُهُ عَدلٌ وَلا حَزمُهُ حَزمُ |
|
وَسَخَّرَهُ الإِنسانُ لِلظُلمِ وَالأَذى | |
|
| فَأَشقاهُ وَالإِنسانُ شيمَتُهُ الظُلمُ |
|
أَغارَ بِهِ وَحشاً نَهيماً عَلى الوَرى | |
|
| وَغايَتُهُ التَخريبُ وَالفَتكُ وَالرَجمُ |
|
عَلى الماءِ مِنهُ ماخِرٌ يَقذِفُ الرَدى | |
|
| إِذا ثارَ مادَ البَرُّ وَاِضطرَبَ اليَمُّ |
|
تَهابُ تَنانينُ البِحارِ اِقتِرابَهُ | |
|
| هُوَ الحوتُ إِلّا أَنَّ مَأكَلَهُ الفَحمُ |
|
وَفي الماءِ قَنّاصٌ مِنَ الصُلبِ كامِنٌ | |
|
| بِهِ المَوتُ لا يُحصي فَرائِسَهُ رَقمُ |
|
قَذائِفُهُ نارُ الجَحيمِ إِذا رَمى | |
|
| بِها الفُلكَ دَوّى الرَعدُ وَاِستَحكَمَ الوَجمُ |
|
وَإِمّا تَصَدّى لِلبَوارِجِ صائِلاً | |
|
| تَطايَرَتِ الهاماتُ وَاِنتَثَرَ اللَحمُ |
|
قَريعٌ مِنَ الجِنِّ اِلتَقى بِقَريعِهِ | |
|
| وَقَرمٌ مِنَ الغَيلانِ نازَلَهُ قَرمُ |
|
وَفي الأَرضِ مِنهُ حاصِدٌ يَحصُدُ الوَرى | |
|
| مَناجِلُهُ النيرانُ وَالأَسهُمُ الصُمُّ |
|
يَخُبُّ بِدَبّاباتِهِ فَكَأَنَّها | |
|
| مِنَ الدُهمِ إِذ لَم تُنجِ رُكّابَها الدُهمُ |
|
مَطايا مِنَ الفولاذِ لا تَعرِفُ الوَجى | |
|
| تَسيرُ وَيَعدُو إِثرَها النَهبُ وَالغُرمُ |
|
وَنارٌ مِنَ البارودِ أَجَّ شُواظُها | |
|
| مَواقِدُها الأَشلاءُ وَاللَحمُ وَالعَظمُ |
|
وَعَمَّ الخِصامُ الأَرضَ حَتّى بُطونَها | |
|
| فَتَحتَ الثَرى خَصم وَفَوقَ الثَرى خَصمُ |
|
وَفي كُلِّ صقعٍ صاعِقٌ مِن دَمارِهِ | |
|
| يُدَوّي كَقَصفِ الرَعدِ مِدفَعُهُ الضَخمُ |
|
وَفي الجَوِّ مِنهُ طائِرٌ يُمطِرُ اللَظى | |
|
| إِذا اِنقَضَّ سادَ الرُعبُ وَاِنتَشَرَ الهَمُّ |
|
لَهُ أَجنُحٌ مِن خالِصِ الصُلبِ رُكِّبَت | |
|
| عَلى هَيكَلٍ قَد حارَ في أَمرِهِ الفَهمُ |
|
يَكادُ يُجاري الريحَ عِندَ اِنطِلاقِها | |
|
| وَيَبلُغُ حَتّى النَجمَ لَو شاقَهُ النَجمُ |
|
إِذا ما أَرادَ الضُرَّ كانَ جَسيمَهُ | |
|
| وَإِن هُوَ رامَ النَقعَ عَمَّ بِهِ النُعمُ |
|
جَحيمٌ مِنَ الأَهوالِ زُجَّ بِهِ الوَرى | |
|
| فَمَن لَم يَنَلهُ السَيفُ أَودى بِهِ اللَغمُ |
|
وَبَحرٌ مِنَ الوَيلاتِ يَزخَرُ بِالدِما | |
|
| وَيَمخُرُ فيهِ الشَرُّ وَالشَرَهُ الجَمُّ |
|
فَظائِعُ يَصلى الأَبرِياءُ بِنارِها | |
|
| وَيَعجزُ عَن تِبيانِها النَثرُ وَالنَظمُ |
|
فَكَم طِفلَةٍ تَبكي أَباها وَقَد قَضى | |
|
| بَعيداً عَنِ الأَوطانِ لَيسَ لَهُ جُرمُ |
|
وَكَم زَوجَةٍ سَكرى العُيونِ حَزينَةٍ | |
|
| تَوَزَّعَها التَرميلُ وَالثُكلُ وَالسقمُ |
|
وَكَم غادَةٍ حَسناءَ تَبكي خَطيبَها | |
|
| وَكَم مِن رَضيعٍ عَضَّهُ البُؤسُ وَاليُتمُ |
|
فَقُل لِعُداةِ السَلمِ رِفقاً بِعَهدِهِ | |
|
| فَما عَهدُهُ إِلّا التَسامُحُ وَالحِلمُ |
|
إِذا ما جَعَلتُم عِلمَكُم وَنُبوغَكُم | |
|
| شَقاءً فَلا كانَ النُبوغُ وَلا العِلمُ |
|