تَذَكَّرَ ماضيهِ فَأَبكاهُ حاضِرُه | |
|
| حَليفُ سَقامٍ والِهُ القَلبِ صابِرُه |
|
تَكَتَّمَ حَتّى نَمَّ عَنهُ اِصفِرارُهُ | |
|
| وَأَفشى هَواهُ ما تُسيلُ نَواظِرُه |
|
صَريعُ العُيونِ السودِ سَكرى عُيونُهُ | |
|
| بَواطِنُهُ باحَت بِهِنَّ ظَواهِرُه |
|
أَهابَت بِهِ ذِكرى الهَوى فَأَجابَها | |
|
| بِدَمعٍ سَخينٍ لا تَجِفُّ بَوادِرُه |
|
وَما كانَ عَنها في سُلُوٍّ وَإِنَّما | |
|
| هُوَ الوَجدُ فَاِسلَم قَد تَجَدَّدَ ثائِرُه |
|
تَذَكَّرَ لُبناناً فَجاشَ حَنينُهُ | |
|
| وَعاوَدَهُ مِن شَوقِهِ ما يُساوِرُه |
|
وَعَهداً صَفَت فيهِ الحَياةُ عَلى الهَوى | |
|
| أَدالَ الجَفا مِنهُ وَدالَت أَواصِرُه |
|
شَقِيٌّ بِذِكراهُ سَعيدٌ مُعَذَّبٌ | |
|
| مَريضٌ صَحيحٌ باسِمُ الحَظِّ عاثِرُه |
|
تَمَثَّلَ أَيّامَ الوِصالِ وَمَن لَهُ | |
|
| بِإِرجاعِها أَو مَن عَلَيها يُؤازِرُه |
|
وَأَيّامَ بكفَيّا وَكَيفَ بِمِثلِها | |
|
| سَقاها وَحَيّاها مِنَ الغَيثِ باكِرُه |
|
عَرينَةُ أَشبالٍ وَخيسُ ضَياغِمٍ | |
|
| وَمَربَضُ آرامٍ حَمَتهُ جَآذِرُه |
|
أَطَلَّت عَلى بَيروتَ وَالصُردُ دونَها | |
|
| يُفاخِرُها في حُسنِهِ وَتُفاخِرُه |
|
وَجاوَرَها صنّينُ حَتّى كَأَنَّهُ | |
|
| يُراوِدُها عَن نَفسِها وَتُحاذِرُه |
|
يُسارِقُها الأَلحاظَ وَهيَ حَيِيَّةٌ | |
|
| تهيمُ بِهِ لَكِنَّها لا تُجاهِرُه |
|
وَلَو أَنَّها أَلقَت عَلَيهِ بِنَظرَةٍ | |
|
| لَزُلزِلَ راسيهِ وَشُقَّت مَرائِرُه |
|
كَأَنّي بِهِ شَيخاً ثَوى فَوقَ عَرشِهِ | |
|
| قَدِ اِخضَرَّ مَعراهُ وَشابَت غَدائِرُه |
|
إِذا الثَلجُ حَيّاهُ تَبَلوَرَ جيدُهُ | |
|
| وَغنَّت سَواقيهِ وَفاضَت أَساجِرُه |
|
وَإِمّا كَساهُ الصَيفُ وَشيَ زُهورِهِ | |
|
| أَرَتكَ أَفانينَ الجَمالِ مَآزِرُه |
|
وَإِمّا بَكَت عَينُ السَماءِ تَبَسَّمَت | |
|
| جَنائِنُهُ وَاِفتَرَّ في الرَوضِ زاهِرُه |
|
لَعَمرُكَ ما لُبنانُ إِلّا كَقائِدٍ | |
|
| ظَفيرٍ وَهاتيكَ القِلاعُ عَساكِرُه |
|
رِعانُ رَواسيهِ وَكورُ نُسورِهِ | |
|
| وَأَمّا مَآوي أُسدِهِ فَمَغاوِرُه |
|
وَأَوداءُ قاديشا قُبورُ عُداتِهِ | |
|
| وَأَمّا وَشيجُ المُنحَنى فَبَواتِرُه |
|
هُوَ الخُلدُ وَالغيدُ الأَماليدُ حورُهُ | |
|
| وَتِلكَ الطُيورُ الصادِحاتُ شَواعِرُه |
|
وَما أَرزُهُ إِلّا سُدورُ نَعيمِهِ | |
|
| وَهَذي الجِبالُ الشامِخاتُ مَشاعِرُه |
|
وَما الأُفقُ إِلّا هَيكَلٌ وَنُجومُهُ | |
|
| شُموعٌ وَأَنفاسُ النَسيمِ مَباخِرُه |
|
وَما اللَيلُ إِلّا كاهِنٌ وَضَبابُهُ | |
|
| بُخورٌ وَعَقدُ النَيِّراتِ مَنابِرُه |
|
وَما هَينَماتُ الريحِ إِلّا صَلاتُهُ | |
|
| وَما الرعَدُ إِلّا وَعظُهُ وَحَناجِرُه |
|
وَما القَمَرُ الوَضّاءُ إِلّا ذَبيحَةٌ | |
|
| وَما وَمَضانُ البَرقِ إِلّا مَجامِرُه |
|
وَما الكَونُ إِلّا شاعِرٌ في سُكونِهِ | |
|
| قَصائِدُهُ هَذي وَتِلكَ خَواطِرُه |
|
طَروبٌ غَضوبٌ ضاحِكٌ مُتَجَهِّمٌ | |
|
| صَموتٌ فَصيحٌ ناعِسُ الجَفنِ ساهِرُه |
|
تَأَلَّقَ وَجهُ الفَجرِ مِن بَسَماتِهِ | |
|
| وَسالَ النَدى مِمّا تَسِحُّ مَحاجِرُه |
|
فَلِلَّهِ قُطرٌ كَالنَعيمِ وَمَوطِنٌ | |
|
| تُحَدِّثُ عَن جَنّاتِ عَدنٍ مَناظِرُه |
|
حَكى عَن سَجاياهُ صَفاءُ أَديمِهِ | |
|
| حَديثاً رَوَتهُ لِلنَسيمِ أَزاهِرُه |
|
وَكَم بَعَثَت فيّ الشُعور شُموسُهُ | |
|
| وَكَم أَيقَظَت فيّ الخَيال دَياجِرُه |
|
رَفيعُ الذُرى ناهيكَ مِن حُسنِهِ وَما | |
|
| يَرى مِن أَفانينِ الحَفاوَةِ زائِرُه |
|
لَئِن هاجَ أَشواقي فَرُبَّ مُتَيَّمٍ | |
|
| تَذَكَّرَ ماضيهِ فَأَبكاهُ حاضِرُه |
|