قفا نبك من ذكرى العذيب وبارق |
ونأسى على عهد من العيش سابق |
بكائي على حلو الصبابة فيهما |
بكاءُ جريح الجانبين مُفارقِ |
وثقت غداة البين بالعود إنما |
هي الحرب لم تترك رجاء لواثقِ |
أرى الأرض وهج النار ملء جهاتها |
طعان القنا فيها وصدم الفيالق |
ملايين من أبنائها هبطوا الثرى |
وما انفك يهوي لاحق إثر لاحقِ |
فهل تجد الأنهار في الأرض مسبحاً |
وفي الأرض طوفان الدماء الدوافق |
وهل تجد الأطيار في الجو مسرحاً |
وفي الجو أفواج النفوس الزواهق |
ترى أتنحى خالق الكون أم قضى |
فأصبح هذا الكون من غير خالقِ |
عيالٌ على أعشاشها مطمئنة |
تناولها صرف الزمان بطارق |
يجرد من أحشائها مهجاتها |
ويقذفها مذبوحة في الخنادق |
حدائق تجتاح الرياح غصونها |
نوائح تذريها وراء الحدائقِ |
هنالك ساحات العراك أديمها |
تعصفر مصبوغاً بلون الشقائقِ |
سقاها دم الآباء والدم طاهر |
فأنبت للأبناء غير الزنابقِ |
خشوعاً عليها أيها الخلق حرمةً |
لما تحتها من أكبدٍ ومفارقِ |
ولا تقطعوا أغصانها وصخورها |
فكمظللت من موجعٍ متضايقِ |
ولا تأكلوا من طيرها ودبيبها |
فما هن إلا من لحوم الخلائقِ |
ولا تبسموا ثغراً لحمرة وردها |
فحمرة ذاك الورد من دم عاشقِ |
هناك قبور الوالدين وحولها |
يجود اليتامى بالدموع الغوادقِ |
وثم قبور العاشقين وفوقها |
تسيل حشاشات الحسان العواتق |
يطيب لأسراب الحمام جوارهم |
ويحلو لأغصان الفلاة البواسق |
وتأخذ منهم وردة القبر فوقها |
وتشرب من دمع اليتيم المفارقِ |
حنانيك عرش الترك ما لك ملقياً |
على عربي الشرق وطأة ساحقِ |
يقول وقد أرهقته ليت أننا |
صرمنا مع الأتراك حبل العلائقِ |
وليت لنا بغداد أو ليت جلقاً |
ويا ليت أنا واثقون بواثقِ |
ينغصه من باذخ العز ما مضى |
ويجرحه ذكر العصور السوابق |
ممالكه كانت وكان انبساطها |
مغاربها موصولة بالمشارقِ |
تنوش الرماح السمهرية كفه |
ووتركزها بين العراق وطارق |
ولم تك إلا مطلع النور أرضه |
يضيء لهم من شرقها كل شارقِ |
تخيّرها عيسى بن مريم مهبطاً |
ولاح لهم منها رسول الحقائقِ |
أطعنا رجال الترك ما تأمرونه |
وسرنا على آثاركم في المزالقِ |
وإني رأيت الجسم للرأس طائعاً |
وإن كان فكر الرأس غير موافقِ |
ألم يك منا في العجاجة فتية |
دفعتم بهم عنكم رماح القوازق |
ألم يك من أزنادهم وصدورهم |
مضائق حالت دون فتح المضائق |
تضج لما تأتون في الشرق مكةٌ |
ويثرب حتى ما أرى غير حانقِ |
لئن تطلبوا أكبادنا وقلوبنا |
فلن تبلغوها عن طريق المشانقِ |
وإني رأيت العنف بالخلق صدمةً |
تميل بركن الدولة المتواثقِ |
خليليّ تلهو النفس بالذكر فاذكرا |
لذائف قد مرّت مرور الدقائقِ |
تنكّرت الأوطان حتى كأنها |
خيالة حلم جاز أو لمع بارقِ |
أطل فألفى كوكب الفجر شعبها |
ينازع مخنوقا بقبضة خانقِ |
وأبصر من لبنان فرخ حمامةٍ |
تناثر يدمي في أظافر باشقِ |
وجازت نجوم الليل فوق عراصها |
وأصغت فلم تسمع سوى صوت ناعق |
بلادي إله العرش فاستبقِ أهلها |
وصن صدرها المكشوف من سهم راشق |
وزحزح ثقال النائبات وهاتها |
ليحملها عن عاتق الشعب عاتقي |
إذا مت عن قومي وعن وطني فدىً |
فإني أعدّ الموت نعمة رازقِ |