كلا القبيلين في ويلٍ وفي حربِ |
يا نكبة الشرق من تركٍ ومن عربِ |
من للسياسة والآداب عندهما |
وقد مضى الحين بالعلامة الدربِ |
جاران تفصل في التاريخ بينهما |
ضغينة ليس تمحوها يد الحقب |
فلم يكن من وفاقٍ في شعورهما |
يوماً على غير هذا الفاجع الحرب |
تفجعت دولة الأحكام يوم قضى |
وأجفلت دولة الأقلام والكتب |
ففي فروق وفي دارات أنقرة |
ما في دمشق من البلوى وفي حلب |
وعند كل بلاد أهلها عرب |
ما عند لبنان من نوحٍ ومن جلب |
لا تسألا هل بكت بيروت نائبها |
وهو الذي رد عنها غارة النوب |
كأنني يوم مسّ النعش شاطئها |
أبصرتها وهي قد خرّت على الركب |
وفي الربى دقةُ الأجراس مرسلة |
إلى القرى صيحة الناعي من القبب |
قضى الإمام فرهط العلم في غصص |
على الإمام وصحف العلم في ندب |
وشعب لبنان لو يستطيع أودعه |
نعشاً من القلب لا نعشا من الخشب |
هذا الذي خلّف الأثار خالدةً |
في الدهر مثل خلود الأرز في الهضب |
تاهت على اللؤلؤ الغالي يراعته |
وما يراعته إلا من القصب |
له مقدمة فيها مقدمة |
على الروائع من نظم ومن خطب |
يا فارساً بزّ والميدان مزدحم |
فوارس البأس والتبريز والغلب |
من يدّرع بالصفات الغرّ باهرة |
وجدّ في طلب العلياء لم يخب |
كنت الكبير فلم تصحب على دخل |
ولم تخادع ولم تثلب ولم تعب |
منزّه النفس لم يعلق بها وصب |
وأنفس الخلق لا تخلو من الوصب |
في صوغ رأيٍ وفي تدبير مملكة |
خالٍ من الكيد معصوم من الكذب |
أصاب رأيك يوم العرش خطته |
خوض القتال ورأى العرش لم يصب |
كنت الوزير وكنت المستجار ولم |
تمدد يديك إلى مال ولا نشب |
أيام كفك في الألقا ملطقة |
لكن عففت فلم تطمح إلى لقب |
قم خبّر النشء في لبنان كيف جرت |
بك المطامع تزجيها إلى الرتب |
ما إن هززت أمام العرش مبخرة |
ولا خنعت لما ترتاد من أرب |
ولم تقف قط في أبواب مقتدرٍ |
ولم تعفر جبين النبل في عتب |
إني عرفتك يا ابن الأرز معرفةً |
قد غبت من بعدها عني ولم تغب |
أيام بيروت عاليها وسافلها |
حول النيابة في هرجٍ وفي صخب |
فصاح باسمك في الهيجاء لي فلم |
ماضي الشباة كريم الزند لم يهب |
إن الجوار الذي في الجرد يجمعنا |
رمى به في صميم النار واللهب |
هي النفوس إذا شط المزار بها |
كان الجوار لها ضرباً من النسب |
أكرم بناحية سمحاء كم ولدت |
فطاحلاً من رجال العلم والأدب |
جادت على اللغة الفصحى مراقمها |
بالمعجمين وبالإلياذة العجب |
يا حبذا ذلك الوادي ومن حملت |
هضابه الشمّ من صيَّابة نجب |
شرتون شاكية والعين باكية |
والدير ثكلى وبيت الدين في كرب |
يا جار يؤلمني إن كنت ذا كلف |
حتى تؤوب إلى المغنى ولم تؤب |
قضيت لم تر شمس الأرز طالعة |
والحقل يرفل في أثوابه القشب |
ولم تزر في عقيق النجد ساقيةً |
ولم تطأ في الأعالي كرمة العنب |
فكم صبوت إلى دارٍ نشأت بها |
وكم حننت إلى سلسالها الحصب |
وكم هفوت إلى الأفياء من شجرٍ |
حنا عليك زمان اللهو واللعب |
نم في الضريح قرير المقلتين فقد |
ظفرت بالراحة الكبرى من التعب |
قضيت مغترباً لكن قبرك في |
ظلالة الأرز فارقد غير مغترب |
هناك في النشز العالي تحيط به |
خواشع السرو والصفصاف عن كثب |
جم الوقار إذا مرت به سكنت |
بلابل الحقل عن شدوٍ وعن طرب |
وأدمع الوطن المفجوع هاملةً |
تغني أديم الثرى عن أدمع السحب |