عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > مصر > محمد الطهطاوي > ما لي أراك نحولا عُدت كالقَلم

مصر

مشاهدة
592

إعجاب
0

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

ما لي أراك نحولا عُدت كالقَلم

ما لي أراك نحولا عُدت كالقَلم
وَشكل جسمك حاكى أَحرف الكلم
فَما عَسى بك من كلم ومن أَلَم
أَمن تذكر جيران بذي سَلم
مزجت دَمعاً جَرى من مقلة بدم
أَو ابتُليتَ من الدنيا بقاصمة
متن الظهور وَللذات هازمة
أَو فكرة لهموم اللَيل ناظمة
أَم هبت الريح من تلقاء كاظمة
وَأومض البرق في الظلماء من أضِم
فإن تقل مُقلتاي القلب قد حَمتا
من الغَرام وَما بي عاذلي شِمتا
وَالحال مثل مَقالي الدهر قَد صَمتا
فَما لِعَينيك إن قلت اكففا همتا
وَما لِقَلبك إن قلت استفِق يَهم
الصبر للعشق مَهما طال مُنهزم
وَفيهِ كل حساب اللب مُنخرم
كَذاك حبل اِستتار فيه مُنصَرِم
أَيحسب الصب أَن الحب منكتم
ما بين مُنسجم منه وَمُضطرم
فقل لمن مسّه شيء من الخلل
بحب من ماس في حلي وَفي حُلَل
وَباتَ ينكره ستراً إلى الزلل
لَولا الهَوى لَم تُرق دَمعاً عَلى طلل
وَلا أَرِقت لذكر البان والعلم
وَلا قواك لما كابدته جهدت
وَالنفس في غير من هامَت به زَهدت
وَالعين من حر قَلب بالجوى سهدت
فَكَيفَ تنكر حباً بعد ما شهِدت
به عليك عدول الدمع وَالسقم
وعدت من شجن جسما كعود قناً
لَم يعنه أَي شان غير شان عناً
وَالسهل أَصبحَ حزناً وَالصفا حزنا
وَأَثبت الوجد خطى عبرة وضنى
مثل البهار عَلى خديك وَالعنم
يا مُلحفاً بسؤال عنه شوّقني
لمن يُسائِلني عنه ورنقّني
جهراً أجيبك حيث السر لم يَقني
نعم سَرى طيف من أَهوى فأرَّقني
وَالحب يعترض اللذات بالأَلَم
وإن لي في احتمال الوجد مقدرة
أعُدّها في سَبيل الحب مأثرة
وأسأل اللَه للزلات مغفرة
يا لائمي في الهوى العذريّ مَعذِرة
مني إليك وَلَو أَنصفت لَم تلُم
واربأ بنفسك لا تسأل عَن الخبر
فإن في العين ما يُغني عن الأثر
وَلَيسَ مثلي في بَدو وَلا حَضر
عَدَتك حاليَ لا سرّي بمستتر
عَن الوشاة وَلا دائي بمُنحسم
اقصِر فإن فؤادي لا يروّعه
شيء وَلَو كانَ في ذا الحب مصرعه
وَلا اِرعواء إلى من ذاك منزعُه
محَّضتني النصح لكن لست أَسمعه
إن المحب عَن العذال في صَمم
أرِح فُؤاد أَسير الحب من جَدَل
وَمن لَجاج بسمع الصّب مبتذل
وَلا ترجّ اِعتدالي مع هَوى غزل
إني اتهمت نصيح الشيب في عذل
وَالشيب أَبعد في نصح عَن التّهم
وَأَين مني امرؤ نفسه يقِظت
بكلمة لهداها إِثرَ ما لُفظت
أَو آية بلسان الحق قد وعظت
فإنّ أَمارتي بالسوء ما اِتعظت
من جهلها بنذير الشيب وَالهِرَم
ماذا أَقول غَداً لِلَّه معتذرا
إذا كتابي بما لَم يُرضِه نُشرا
وَالنفس للخير ما أَبقت به أَثرا
وَلا أَعدّت من الفعل الجَميلِ قرى
طيف أَلَم برأسي غير محتشم
إذا تصابى فؤاد المرء يعذره
طيش الصبا وَقَليل من يعزّره
لكن تهتّك مثلي الشيبُ ينكره
لَو كنت أَعلَم أَنّي ما أوقره
كتمت سراً بدا لي منه بالكَتَم
أَشكو إِلى اللَه نَفساً خلف رايتها
قد سِرت سير أَسير نحو غايَتها
فطوَّحت بي إلى أَقصى عمايتها
من لي يردّ جِماح من غَوايتها
كَما يُرَدّ جِماح الخيل باللجُم
إِن حكمت رأيها طوعاً لقوّتها
حَتّى تَهيأت الأعضا لنزوتها
وَخانك العزم إِذعاناً لنزعتها
فَلا تَرُم بالمَعاصي كسر شهوتها
إن الطَعام يقوي شهوة النهم
واعزم عَلى عدم الإصرار بعد ولا
تكن سوى رجل قَد مالَ واِعتدلا
فكل من رام هجر الريم عنه سَلا
وَالنَفس كالطفل إِن تُهمله شبّ عَلى
حُب الرضاع وإن تفطمه يَنفطم
كَم منَّت القَلب خدعاً أن تحليَه
إذا اِمتَطى صَهوة الأهوا وتوليَه
لكن توبتها شاءَت تخليه
فاِصرف هَواها وَحاذر أَن توليه
إن الهَوى ما تَولى يُصم أَو يَصم
وكل نفس لها حال ملائمة
فَراقِب اللَه لا تأخذك لائمة
وَخذ حذارك منها وَهي صائمة
وَراعها وَهي في الأعمال سائمة
وإن هي اِستحلت المرعى فَلا تُسم
صوَّر فَديتُك هذي النَفسَ خاتِلَةً
للخير تاركة للشر فاعِلة
فَماشِها واخش منها الدهر غائلة
كَم حسنت لذة للمرء قاتلة
من حيث لَم يَدرِ أَن السم في الدّسم
ثم اِحتمل واحترس يا صاح من خُدع
وَداو أَدواءها من غير ما جزع
واسلك سَبيل الهدى دَوماً بِلا بدع
واخش الدَسائس من جوع ومن شبع
فَرُبَّ مخمصة شر من التُخم
مرآة نفسك تجلى كُلما صدأت
بتوبة فتعهدها إذا ابتدأت
وداوِها بِنَقيع الصبر إن ظمئت
واِستفرغ الدمع من عين قَد امتلأت
من المَحارِم وَالزم حمية الندم
لكن بمائدة الطاعات كن نَهِما
واِسبق سواك إلى الألوان مُلتَهِما
وَقُم بعزمك في الأسحار نحو حِمى
وَخالِف النفس وَالشيطان واعصهما
وإن هما محضاك النصح فاتّهم
هما عدواك مهما كنت معتصما
فاحذر وَلا تَكُ في الميدان منهزِما
فَلا تعاملهما بيعاً وَلا سَلما
وَلا تُطِع منهما خصما وَلا حَكما
فأَنتَ تعرف كيد الخصم وَالحكم
إني ومُ اللَه فيما صُغت من جُمَل
كناقة تدَّعي حملا بِلا جَمل
إذ لَم أضحّ بكبش لا وَلا حمل
أَستَغفِر اللَه من قول بِلا عَمَل
لَقَدنسبت به نَسلا لِذي عقم
وَقَد عجبت لِقَلبي من تقلبه
وَهجره نهج هدي بل تنكبُّه
وَلَيسَ يبلغ وانٍ باب مطلبه
أَمرتك الخير لكن ما ائتمرت به
وَما اِستقمت فَما قَولي لك اِستقم
وَلا صحبت لحج البيت قافلة
وَلَم أَزر روضة المختار حافلة
وَلا اِعتبرت بروح الناس آفلة
وَلا تزوّدت قبل الموت نافلة
وَلَم أُصلّ سوى فرض وَلَم أَصُم
أُوتيت عِلماً وَلَم أحسن به العملا
فَكَيفَ أَطمع في أَن أبلغ الأملا
وَالأَمر لِلَّه لا حولٌ إليَّ وَلا
ظلمت سنة من أَحيا الظَلام إلى
إن اشتكت قدماه الضر من ورم
ما ضل يوما وَلا خانته قط قُوى
فطراً وَصوما كَثيراً ما عليه نوى
وَلَم يُزغ قَلبه المعصومَ غيُّ هَوى
وشدّ من سغّب أَحشاءه وَطوى
تحت الحجارة كشحا مُترف الأدَم
وَلَم يُدارِ قويّا ضل من رَهَب
في الحق من قومه حَتّى أَبي لَهب
وَالجوع ما عاق عزما منه عَن أُهَب
وَراودته الجبال الشُم من ذهب
عَن نفسه فأراها أَيما شَمَم
وَأوقَفت مدّ عينيه بصيرتُه
وَزخرفُ العَيش لَم تخدعه صورته
وَلا اِستمالته دنياه غَرورته
وأكدت زهده فيها ضرورتُه
إن الضرورة لا تعدو عَلى العِصَم
كَم قد رَماه بمكروه لديه زمن
وَأحدقت فتن من حوله ومِحَن
فلم تملهُ إليها فى الخطوب إِحن
وَكَيفَ تَدعو إِلى الدنيا ضرورةَ من
لَولاه لَم تخرج الدنيا من العدم
ذاكَ الَّذي هُوَ من روحي أَحَب إلي
ومن ضيا ناظري حقا أَعز عَلي
مَن شرَّف الناس تَعميما وخص قُري
محمد سيد الكونين وَالثقلي
نِ وَالفَريقين من عُرب وَمن عَجَم
ما للأنام سواه قط مُلتَحد
يوم الزحام وخلق اللَه مُحتَشِد
ذاكَ الَّذي اهتز مرتاحاً له أحدُ
نَبينا الآمر الناهي فَلا أَحد
أَبرّ في قول لا منه وَلا نَعم
كنز الثَراء لمن قلَّت بضاعته
مَلجا الضَعيف إذا وَلَّت جَماعته
عَروس يوم تُشيب الطفلَ ساعته
هُوَ الحَبيب الَّذي تُرجى شَفاعته
لكل هول من الأهوال مقتَحم
قَد اِمتَطى العزم إدراكا لمطلبه
في الدين لَم تثنه أَوصاب منصبه
أنعم بِشرعته أَكرم بمذهبه
دَعا إِلى اللَه فالمستمسكون به
مستمسكون بحبل غير مُنفصِم
كأَنه مع كِرام الرسل في أفُق
لاحوا بدوراً لِهدى الخلق في غَسق
لكنه وَسناه زادَ عَن فلق
فاقَ النبيين في خَلق وَفي خُلُق
وَلَم يدانوه في علم وَلا كَرَم
شمس الوجود جَميع الشهب مقتبس
منها الضياء كَمِشكاة بها قَبَس
فنورهم منه كالمرآة منعكس
وَكلهم من رَسول اللَه ملتمِس
غرفا من البحر أَو رشفا من الديم
قد أشربوا حِكما منه بمدِّهم
كالبَحر فيه ومنه كُلُّ صيدهم
لكنهم دونه في نهج قصدهم
وَواقفون لديه عند حدهم
من نقطة العلم أَو من شكلة الحِكم
لِلَّه تكوينه لِلَّه فِطرته
جاءَت كَما شاءَها المولى وقدرته
لا غرو أَن شرُفت في الناس عِترته
فهوَ الَّذي تم معناه وَصورته
ثُمَّ اِصطَفاه حَبيبا بارئ النسم
جَمال ظاهره من نور باطنه
كَبَدرِ تِم تجلى من مواطنه
أَو طالع اليمن يَبدو في مَساكنه
مُنزَّه عَن شريك في محاسنه
فجوهر الحسن فيه غير منقسم
يا أَفصح الناس فانيهم وحيّهم
ماذا تَقول وَقَد باؤوا بعيّهمِ
عَن دَرك شأوِ مديح في سميّهم
دَع ما ادّعته النَصارى في نبيهم
واحكم بِما شئت مدحاً فيه واحتكم
واصرف قواك فَما بالصرف من سَرَف
في جمع أَوصافه من روضة الطُرَف
وَقف وقوف فَتى بالعجز معترف
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف
وانسب إلى قَدره ما شئت من عِظَم
سفائن الشعر لم تبلغ سواحله
إِذ أبحر المدح قد أَعيت فطاحِله
وَالمنتهي فيه لَم يَبرح أَوائله
فإن فضل رَسول اللَه لَيسَ له
حد فيُعرب عنه ناطق بِفَم
فلذ بِباب الَّذي ساد الوَرى قدما
عَساكَ تثبت في أعتابه قَدما
وَصُغ من الدر عقد المدح منتظما
لَو ناسبت قدرَه آياتُه عِظما
أحيا اسمه حين يُدعى دارس الرّمم
وَقل لمن سار شوطاً في تجنبه
طوعاً لعامل جهل من تعصبه
وَمُنكر ما تبدّى من غَرائبهِ
لَم يمتحنا بِما تعيا العقول به
حرصاً عَلَينا فَلَم نَرتَب وَلَم نَهِم
وقل لمن أَمعن الأنظار وَالفِكرا
في دَرك كنه نبيّ للسماء سَرى
وَنالَ في العرش من مَولاه خير قرى
أَعيا الوَرى فهم مَعناه فَلَيسَ يُرى
للقرب وَالبعد فيه غير مُنفحم
قد ينكر الناس قدرَ المرء من حسد
أَغشى البَصائرَ كالأبصار من رمدِ
فَلا يَرون له فضلا عَلى أَحد
كالشَمس تظهر للعينين من بُعد
صَغيرة وتُكلّ الطَرف من أمم
ضل الألى خالفوا جهلا طَريقَته
كَما اِستظل الأُلى أَمّوا حديقته
وَالكل لَم يَعلموا حقاً وَثيقته
وَكَيفَ يدرك في الدنيا حقيقته
قوم نيام تسلوا عنه بالحُلم
مَهما اشرأبت إِلى عليائه فكر
وَحامَ حول هيولا ذاته نظر
وَقالَ في المدح من لم يُعيِه حصر
فمبلغ العلم فيه أَنه بشرُ
وأنه خير خلق اللَه كلهم
شواهِد الفضل أَعيَت عد حاسبها
وَذاته قد تَناهَت في مَناقبها
فَكَيفَ يحصرها تبيان كاتبها
وكل آي أَتى الرسل الكِرام بها
فإنما اِتصلت من نوره بهم
إِنَّ النبوة قد ضاءَتَ قوالبُها
بنوره قدر ما اِستدعى تناسبُها
من عهد آدم حَتّى لاحَ صاحبُها
فإنه شمس فضل هم كواكبُها
يُظهرن أَنوارَها للناس في الظلَم
طَلق المُحيا فَما بَدر وما فَلَق
حلوُ الشَمائِل لا نزق وَلا مَلَق
طابَت عَناصرُه مَع أَنَّها عَلَق
أَكرِم بخَلق نبيّ زانه خُلق
بالحسن مشتمل بالبِشر متسِم
ما اِمتازَت الناس إلا في صفا نطف
عَن الشوائب من نقص ومن سَخف
لِذاكَ كانَ بِما أوليه من تحف
كالزَهر في تَرَف وَالبدر في شرف
وَالبحر في كرم وَالدهر في همم
عَذب الفُكاهَة مرّ في بسالته
عَلى عتلّ تَمادى في جَهالته
يُهاب هيبة سيف في حِمالته
كأنه وهو فَرد من جلاله
في عسكر حين تَلقاه وَفي حَشم
لا تعجبنَّ لصب مغرم دَنِف
بحب مدح رَسول اللَه ذي شغف
من زهر روض رَبيع الحسن مقتطف
كأَنَّما اللؤلؤ المَكنون في صَدَف
من مَعدنى منطق منه وَمُبتَسم
وَصفوة القول أَنَّ اللَه أكرمه
وَمجمع الرسل في الإسراء قدّمه
وباصطفاه حَبيب الذات عظّمه
لا طيبَ يعدُل تُرباً ضم أَعظمه
طوبى لمنتشق منه وَملتئم
مُذ آن للكون تَشريف بمظهَره
وَحانَ للأفق إِشراق بنيّره
وحنَّ ملك الوَرى شوقاً لقيصَره
أَبانَ مولدُه عَن طيب عنصُره
يا طيب مبتدأ منه ومختتَم
يوم به آله الأمجاد سرّهم
أن قد تبدى لعين الخلق سِرّهُم
يوم تحقق للعربان ظنهمُ
يوم تفرس فيه الفُرس أَنّهم
قد انذروا بحلول البؤس وَالنقم
لَم يبق بعد ضياء الحق منخدع
بما يروجه في الناس مبتدِع
وَقَد أَحسَّ بنسخ الشرك مرتدع
وَباتَ إِيوان كسرى وهو منصدع
كشمل أَصحاب كِسرى غير ملتئم
ما شأن شرفاته تنحط عَن شرف
وَشأنه حينما قد كفَّ عَن صَلَف
فَهَل أحسّ بذا ما فيه من غُرَف
وَالنار خامِدة الأنفاس من أَسف
عليه وَالنهر ساهي العين من سَدم
وَهَل حديقته جفت خُضيرتها
أَم يا تُرى كَيفَ ما كانته سيرتُها
بالطبع غادرت الغدران ميرتها
وَساءَ سارة أَن غاضت بُحيرتها
ورُدَّ وارِدُها بالغَيظ حينَ ظِمي
فَربما صحت الأجسام بالعِلَل
وحوَّل اللَه بحراً مَصَّة الوَشَل
وَفي التحاويل ما يغني عن المثل
كأنَّ بالنار ما بالماء من بلل
حزناً وَبالماء ما بالنار من ضرم
ما مِثل آمنة في الناس واضِعة
وَلا سواها لشأن الكون رافعة
في لَيلة شمسها بالسعد طالعة
وَالجن تهتف والأنوار ساطعة
وَالحق يظهر من مَعنى ومن كلم
وافى الوجودَ وجهل الناس عمَّ وَطَم
وَغاية الهدى أَن يجثوا أمام صَنَم
لِذا وَقَد لاحَ نور مثل نار عَلَم
عموا وَصموا فاعلان البَشائر لم
تُسمع وَبارقة الأنذار لم تُشَم
فَلا وَرَبك ما اِمتنَّت محاسنهم
من ذا وَلا رضيت عنهم أَماكنهم
وَلَم يُقم حولهم إلا مُداهنهم
من بعد ما أخبر الأقوام كاهنهم
بأنَّ دينهم المعوجَّ لَم يقم
وإِثر ما حفّ بالميلاد مِن عَجب
أَماط عنهم بحق كل ذي حُجُب
وَزادَ في نَشب بالجود من سحب
وَبعدما عايَنوا في الأفق من شهب
منقضة وفق ما في الأرض من صنم
تعجب الجن إذ لَم يَروِ ذا قِدَم
شُهب رأوها بمن في الأرض تصطدم
فَهالهم أَن من تمسسه منهدم
حَتّى غَدا عَن طَريق الوحي منهزم
من الشياطين يَقفوا إِثر منهزم
وَلى الجَميع بأَشباح مشوَّهة
مِمّا دَهاهم وَأَرواح مُولهة
بحالة لفراش النار مُشبهة
كأنهم هرباً أَبطال أَبرَهة
أَو عسكر بالحصى من راحتيه رُمي
حدّث عَن البحر تَقريباً لشأنهما
فإنه يحكى جوداً بعض منهما
والرمى لِلَّه تَحقيقاً لظنهما
نبذاً به بعد تَسبيح ببطنهما
نبذ المسبّح من أَحشاء مُلتقِم
قامَت لبعثته الآيات شاهدة
بالرغم عَن فئة ظَلَّت معاندة
وَبينَما أَبَت الإذعان جامدة
جاءَت لدعوته الأشجار ساجدة
تمشي إليه عَلى ساق بلا قدم
ماست بهيف قدود حينما طربت
بأنها سعدت منه إذ اِقتربت
وَفوقَ ذلك ما مادت وَلا اِضطربت
كأنما سطرت سطراً لما كتبت
فروعها من بَديع الخط باللقَم
أَنعم بها حينما أمته زائرة
وَللمنابت عادت بعدُ طائرة
لَم تعدُ قط لخط السير دائرة
مثل الغمامة أَنى سار سائرة
تَقيه حر وَطيس للهجير حمي
أكرم بفطرة من لَو شاء بدَّله
بالترب تبراً فَما أَعلى تَنازله
فصفه ما شئت لا تحصي شَمائله
أَقسمت بالقمر المنشق ان له
من قَلبه نسبةً مَبرورة القَسَمِ
فإنه البدر إذ أسري إِلى حرم
وَطيبة قد زهت تيهاً عَلى إِرم
فأين مدح زُهير في عُلا هرم
وَما حوى الغار من خير ومن كرم
وكل طرف من الكفار عنه عمي
إنَّ الكَريم له من جنسه كرما
يصفونه الود مهما ضاقَ أَو حُرما
وَالعهد بينهم لا يُلفى منصرما
فالصدق في الغار وَالصديق لَم يرما
وَهم يَقولون ما بالغار من أرم
وَفي كَثير يخون الناس عهد وَلا
وَلا يُراعون إِلا لِلقَريب وَلا
حَتّى إلى القَتل لكن للخطوب جلا
ظنوا الحمال وظنوا العنكبوت عَلى
خَير البَريَّة لَم تَنسج وَلَم تحُم
وَيل لمن شذ منهم عَن محالفة
وَناهضَ الحق حباً في مخالفة
فَلَم يضِره بكيد أَو مقارَفة
وقاية اللَه أَغنَت عن مضاعفة
من الدروع وَعَن عال من الأطُم
وَأَسعدُ الناس حظاً في تحبُّبه
من فازَ منهم بقسط من تقربه
وكانَ من حزبه حقاً ومذهبه
ما سامني الدَهرُ ضَيما واِستجرت به
إلا ونلت جواراً منه لَم يُضَم
وَما تجاوزَ حداً في تمرّده
شَيطانَ بَغي طَغى في سوء مقصده
إلا اِنتصرت بمولى الكون سيده
وَلا التمست غنى الدارين من يده
إلا استلمت الندى من خير مستَلم
جل الَّذي ببَديع الحسن جمَّله
وَبالمَحاسِن والأخلاق كمَّلَهُ
وَكَيفَ ما شاءَ سَوّاه وعدَّله
لا ننكر الوحي من رؤياه إن له
قَلباً إذا نامَت العَينان لَم يَنَم
فاقَ الألى قاربوه في فُتوّته
إِذ كانَ يُعطى لكل حسن قُدوته
فَهاك ديدنه إِيّان نشأته
وَذاكَ حين بلوغ من نبوَّته
فَلَيسَ يُنكَر فيه حالُ مُحتلم
وَكَم تشبه بالمختار ذو نَسب
من غيرة في فؤاد غير ذي حسب
فعزهم دَرك ما قد نال من كَثَب
تَبارَك اللَه ما وحيٌ بمكتسب
وَلا نبي عَلى غيب بمتهم
إن ضقت ذرعاً بما تَخشى فداحته
ففرجة الخطب مهما اشتدَّ ساحته
وَهوَ الَّذي تُرتجى دَوماً سماحتُه
كَم أبرأت وصِباً باللمس راحته
وأطلقت أَرِباً من ربقة اللعم
زادَت حَليمَة من يمن بنوَّتُه
سعداً وأَبناءَها أَيضاً أخوَّته
واعتز كل فَتى ضمته عزوتُه
وَأَحيت السنةَ الشَهباء دعوتُه
حَتّى حَكَت غرة في الأعصر الدهم
فَعادَ غافِل هذي الأرض منتبها
بِما تَجدَّد من إِحيا جوانبها
وَحار للخصب جدا كلّ مجدبها
بعارض جادَ أَو خلت البطاح بها
سَيبٌ من اليمّ أَو سَيل من العرم
يا عاذِلي لا تَلم عَيني إذا سَهِرَت
تسرّح اللحظ في روض به انبهرت
وَتلك سيرته الغرَّا الَّتي اِشتهرت
دَعني وَوَصفي آياتٍ له ظهرَت
ظهور نار القري لَيلا عَلى عَلم
وَلا تصمني بشعر كلُّه حِكم
فَقَد تفاوتَت الألباب والكلمِ
كالماء يَركدُ أَحياناً وَينسجم
فالدر يزدان حسناً وهو منتظم
وَلَيسَ يَنقص قَدراً غَيرَ منتظم
قَد صُغتُ مدحي لعلّي أَبلغ الأملا
وإنني كلما كررت ذاك حَلا
لكن مداه لمن يَبغي اِنتهاه عَلا
فَما تطاولُ آمال المَديحِ إلى
ما فيه من كرم الأخلاق وَالشيَم
ماذا تُحيط به وَصفاً مخمّسة
أَو تَحتَويه وَلَو فاقَت مسدَّسة
وَهوَ الَّذي فيه جاءَتنا مقدسة
آيات حق من الرحمن محدثة
قَديمة صفة المَوصوف بالقِدَم
بها أَرادَ إله الخلق فاطرُنا
أَن يهتَدي لسواء القصد سائرُنا
سيان أَوَّلُنا فيها وآخرُنا
لَم تقترن بزَمان وهي تخبرنا
عَن المَعاد وَعن عاد وَعَن إِرَمِ
يعيا البَليغ وَلَو عَن شرح موجزَة
منها وَيرجع مَوسوماً بمعجزة
فَيا لقَومي لآيات معجّزةٍ
دامَت لدينا فَفاقَت كل مُعجزة
من النبيين إذ جاءَت وَلَم تَدُم
لا عذر قط لمرتاب وَمُشتَبه
وَقَد تجلت مَعانيها لمنتبه
لانها وَلَو أن اللفظ ذو شَبَه
محكّمات فَما يُبقين من شبه
لذي شقاق وَما يَبغين من حِكم
كَم مِن زَنيم من الأعجام أَو عرب
أَرادَ تجريحها من غير ما أَرب
وَفاته أَنَّها وَالوغد ذو هرب
ما حوربت قط إلا عاد من حَرب
أَعدى الأعادي إليها مُلقي السلَم
فَقُل لناثر أَلفاظ وَقارِضها
مَهلا فبحركما من سَيل عارضها
فإنها إن تقس بكر بفارضها
ردت بَلاغتها دَعوى معارِضها
رد الغَيور يد الجاني عَن الحَرَم
ما قورنت بمقال قط في صدَد
إلا تَبَدَّت كماء وهو من زبد
وَالفضل للروح في قول وَفي جسد
لَها معان كَمَوج البحر في مَدَد
وَفَوقَ جوهره في الحسن وَالقِيَم
قَد أَعجزت كل منطيق قوالبها
بِما تَحَلَّت به عفواً غَرائبها
فَليَخشَ شانِئُها وَليخسا عائبها
فَما تعد وَلا تُحصى عَجائبها
وَلا تُسام على الإكثار بالسأم
إن شاء مَولاي سعد العبد حمّله
منها كَثيراً فَما أَسمى تحمّله
واِختارَها ورده الصافي ومنهلهُ
قرَّت بها عَينُ قاريها فَقُلتُ له
لَقَد ظفِرتَ بحبلِ اللَه فاِعتصم
أَبشر أخيَّ إذا ما عشتَ محتفظا
بما قويتَ له حفظا وَمتعظا
وَكانَ قَلبُك في تَكريرها يقظا
إِن تتلها خيفة من حر نار لظى
أَطفأت حرَّ لظى من وَردِها الشبم
فازَ الَّذي قد رآها خلو مشربه
إن باتَ محمومَ قَلبٍ من تلهبه
فَكَم جلت عَن فؤاد همّ غَيهبهِ
كَأَنَّها الحوض تَبيض الوجوهُ به
من العصاة وَقَد جاؤوه كالحُمَمِ
وَكَيفَ لا نفضُلُ الأقوال منزلة
وَقَد أَتَتنا بمقدار مُنزَّلة
كَفيصلٍ في القضا كم فض مشكلة
وَكالصراط وَكالميزان معدلة
فالقسط من غيرها في الناس لَم يقم
لا بَل هي الراح للأرواح تسكرُها
إن قامَ صيتُ قراء يكررُها
وَكُلما تليت يَحلو مكرّرُها
لا تعجبن لحسود قامَ ينكرُها
تجاهلاً وَهوَ عَينُ الحاذق الفهم
تبت يَدا حاسِد للناس ذي كَمد
يَبغي عَلى رافع الزّرقا بِلا عَمَد
أَيَجهَلُ الغرّ أَنَّ الأمر للصّمدِ
قد تنكرُ العَينُ ضوء الشمس من رَمد
وَينكر الفم طعم الماء من سقَم
بُشرى لمادحه المبدي فَصاحته
بما يُناسب في قدر رَجاحَته
كَذاك من لنداه مدّ راحته
يا خير من يمَّم العافون ساحته
سعيا وَفوق مُتون الأينق الرسم
مَولاي من جاء للأكوان بالعبر
فتم مبتدأ منها بذا الخبر
منوّر الخلق حَتّى ساكن الوبر
ومن هو الآية الكبرى لمعتبر
وَمن هُوَ النعمة العظمى لمغتنم
وَحينَ أَنشاكَ باري الخلق من عدم
أسمى البَريَّة في مجد وَفي كرم
حَتّى الكَليم وَما أَولاه من كلم
سَريت من حرم لَيلا إلى حرم
كَما سَرى البدر في داج من الظلَم
ما جزتَ في ذلك الإسراء مرحلة
إلا تسابقت الأنحا مؤهِلة
كذا مَعالمها اهتَزَّت مُهلّلة
وَبِتَّ تَرقى إلى أَن نِلتَ منزِلَة
من قاب قَوسين لَم تدرك وَلَم تُرَم
مكانَة جدّ كل في تطلّبها
من النَبيين حبا في تقربها
فخصك اللَه تَفضيلا بمنصبها
وَقدمتك جَميع الأنبياء بها
وَالرسل تقديم مخدوم عَلى خَدم
زيدوا سموّ مقام في مراتِبهم
وَبُلغوا فيك أسمى من مراتبهم
مذ سرت سير أَمير في كتائبهم
وَأَنتَ تخترق السبع الطِباق بِهِم
في موكب كنت فيه صاحب العلم
وَلا اختراق سراج الكون في أُفق
يَجتاز من طبق عال إلى طبق
وَالشهب في إِثره تسري عَلى نسق
حَتّى إذا لم تَدَع شأواً لِمُستَبِق
من الدنو وَلا مرقى لمستنِم
وَفي حظيرة قدس اللَه حَيثُ نُبِذ
عَنها الحِجاب كَما بالصدق عنك أُخِذ
ومنذ أوحى بما أُوحي إليك وَمُذ
خفّضت كل مقام بالإضافة إِذ
نوديت بالرفع مثل المفرد العَلم
أولاكَ مَولاك فيها عزم مقتدر
وَروح تَقوية في السمع وَالبصر
وَبتَّ ضَيفا قِراه حُظوة النظر
كيما تَفوز بوصل أَيّ مُستَترِ
عَن العيون وَسر أَيَّ مُكتتم
ما البدر ما الشمس بل ما دارة الفلك
في جنب مقصورة حَتّى عَن الملك
فيها تقدمت عَن جبريل للملك
فخرت كل فخار غير مشترك
وَجزت كل مقام غير مزدحم
أنعم بما نلت من مجد ومن حسب
وَقَد رأَيت إله العرش عَن كَثَب
وَصين قَلبُك من مَين ومن رهب
وَجل مقدار ما وُليت من رُتَب
وَعزَّ إِدراك ما أوليت من نعم
مَن ذا يسامي حَبيب اللَه مأملنا
مِنَ النبيين سرّا كانَ أَو عَلَنا
روحَ الوجود ومولى الخلق موئلنا
بشرى لَنا معشر الإسلام إنّ لنا
من العناية ركنا غير منهدم
أَو مَن يُضاهيه قَلباً في ضَراعَته
وَمن يحاكيه قَولا في بَراعته
لا فخر إلا بأنا من جماعته
لما دَعا اللَه داعينا لطاعته
بأكرم الرسل كنّا أَكرم الأمم
بقدر ما شرفت أَعضاء أسرَته
وَعطر الكون طيباً نفحُ سيرته
وَتَمَّ أَمنٌ بإيمان لشيعته
راعَت قُلوبَ العدا أَنباءُ بعثته
كَنبأة أَجفلت غُفلا من الغنم
كَم مِن حَبائل مدوها ومن شَبك
كَيداً لإيقاعه في هُوَّة الشرَك
وَهَل يُصادُ كميّ في ذُرى الحُبك
ما زالَ يَلقاهُم في كل معترَك
حَتّى حَكَوا بالقَنا لَحماً عَلى وَضَم
وَعندَما ضلَّ كلّ وجه مذهبه
وفُلّ جيش تَناهى في تألّبه
وَجاءَه النصر ينبي عَن تغلبه
ودّوا الفرار فَكادوا يَغبطون به
أَشلاء شالَت مَع العِقبان وَالرخم
شدت مَلائكة الرَحمَن عُدتَّها
تَرمي العدو بحرب ذاق شدتها
لِذا وَقَد سَئِموا حَرباً وَمُدتها
تَمضي الليالي وَلا يدرون عدَّتها
ما لَم تَكُن مِن لَيالي الأشهر الحُرُم
ما ضَرَّ لَو بسطوا للحق راحتهم
معاهدين الَّذي يَرجو هدايتهم
لا غرو أن فقدوا بالجهل راحتهم
كأنما الدين ضيف حلَّ ساحتهم
بكل قَرم إِلى لحم العدا قرم
سَليل غرّ ميامين جحاجحة
يرجى لدى السلم في لأواء جائحة
وَذي شكائِم عند الحرب حامحة
يجر بحر خَميس فوق سابحة
يرمى بموج من الأبطال ملتَطِم
عَفَّ الرداء غنيّ النَفس مكتَسِب
حمد الوَرى ولآل النُبل منتسِب
ماضي العَزيمَة طلاع رُبى حسب
من كل منتدِب لِلَّه محتسِب
يَسطو بمستأصل للكفر مصطلِم
قَضى تَوافقهم في حلو مشربهم
عليهمُ باتحاد في تحزّبهم
مُستَمسكين بحبل من تغلّبهم
حَتّى غَدَت ملة الإسلام وهي بهم
من بعد غربتها موصولة الرّحم
تَتيه مثل فَتاة باِعتلا نَسَبٍ
لكل ذي أَدَب سام وَذي نَشب
لا تَخشَ من مس عرض قط أَو ذهب
مَكفولة أَبَداً منهم بخير أَب
وَخير بَعل فَلَم تَيتم وَلَم تَئم
أباة ضَيم فَلا يَخشون ظالمهم
وَالوَيل يَوماً لمن يرمي محارمهم
وإن جهلت فخذ عني مَعالِمهم
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم
ماذا رأى منهم في كل مُصطدم
لا تُلف في الناس من أَمثالهم أَحدا
من الألى سبقوا أَو من يكون غَدا
فَسل بحار عطاء إن أَردتَ جَدا
وَسل حنيناً وَسل بدراً وسل أحدا
فصول حَتف لهم أَدهى من الوَخم
قَواعد البأس فيهم طرّاً اطردت
خلف الصناديد في البَيداء لو شردت
فاحذر ليوث الشرى في الحرب إذ مردت
المصدري البيض حمراً بعدما وردت
من العدا كل مسود من اللمَم
العارضين رماحاً في الصفوف حَكَت
أَغصان بان ببستان قد اِشتبكت
المهرقين دماء في الجهاد زَكَت
وَالكاتبين بسمر الخط ما تركت
أَقلامهم حرف جسم غير منعجم
ما كانَ عند اِشتداد الخطب يُعجزهم
أَمر الوصول إِلى فوز يعززهم
وَاللَه واعِدُهم عزاً وَمنجزهم
شاكي السلاح لهم سيما تميزهم
وَالوَرد يَمتاز بالسيما عَن السلم
رِد إن أَردت الشفا يا صاح بحرهم
واِستنشق العَرف تعرف بعد عطرهم
فإن سيرتهم طابَت وَسيرهم
تهدي إليك رياحُ النصر نشرهم
فتحسب الزهر في الأكمام كل كمي
كَم مزقوا جيش أَعداء لهم إِرباً
لَم يَستَطيعوا بفر منهمُ هرَبا
وَكرهم حوت موسى دونه سرباً
كأنهم في ظهور الخيل نَبت رُباً
من شِدة الحَزم لا من شدة الحُزمِ
وَعند ما اِصطف كل منهم فرَقا
ودق قِرن بسيف للوغى دَرَقا
وَقَد تصبب كل في اللقا عرَقا
حارت قلوب العدا من بأسهم فَرقا
فَما تُفرق بين البهم وَالبُهم
فَكَيفَ يهزم جمع فيه نُعرَته
والأمر فيه إِلى الهادي وإِمرته
وَكَيفَ تطفأ بالأفواه جمرتُه
ومن تكن برسول اللَه نصرته
إِن تلفهُ الأسد في آجامها تَجِم
أَنعم بمن عضدوهُ ساعة العُسَر
وَأَفصحوا بينما الأعداء في حَصَر
فقد أَعزوه فوق السمع وَالبصر
ولن ترى من وليّ غير مُنتصر
به وَلا من عدو غير منفصم
بجمع كثرَتِهِ من بعد قلته
من غرّ عترته أَو آل خُلته
وكل من أمَّهم هَديا لِقبلَته
أَحلَّ أمته في حرز ملته
كالليث حل مع الأشبال في أجَم
تَسنّموا ذروة العليا عَلى عجل
بكل ما صرَّف القرآن من مثل
فظل كل أَلدّ منه في خَجَل
كَم جدَّلت كلِمات اللَه مِن جَدل
فيه وَكَم خصم البرهان من خصم
بقدر ما جاءَت الآيات موجَزة
كانَت لشرّاح مَعناها معجزة
كَذا الأَحاديث قَفَّتها معززة
كَفاكَ بالعلم في الأميّ معجزة
في الجاهلية وَالتأديب في اليتم
فَبَينَما هام غيري في تشببه
بعزة الحسن وَصفا أَو بزَينبه
ما شاقَني النظم إلا في مَناقبِهِ
خدمته بمديح أستقيل به
ذنوب عمر مَضى في الشعر وَالخَدَم
وَكَيفَ تؤمن مِن قول معايبه
وَالفعل كَم عاد بالأوزار صاحبه
كلاهما في سجل جلَّ حاسبه
إِذ قلداني ما تُخشى عواقبه
كأَنَّني بهما هديٌ من النعم
ما لي وَقَد كُفيت عَيناي شر عمي
وكفَّ مَولاي عَن آذانيَ الصمما
وَقَد هَداني إِلى النجدَين من حَكما
أَطعت غي الصبا في الحالَتين وَما
حصلت إلا عَلى الآثام وَالندَم
أمّارتي قَد أَساءَت في إِمارتها
وَسار جند القوى في إِثر شارتها
ووافقتها عَلى مردي إِرادتها
فَيا خسارَة نفس في تجارتها
لَم تشتر الدين بالدنيا وَلَم تسمِ
بحر الحَياة مديد في سواحله
وَالناس طوعَ هَواهم في مجاهِله
وَمُعظَم الخلق مَخدوع بِباطله
ومن يَبع آجلا منه بعاجله
يَبن له الغبن في بيع وَفي سَلم
لَم يَبقَ لي في محيط العيش من غرض
في جوهر من لآلي البحر أَو عرض
سوى الوصول كَما أَرجو إِلى فُرض
إن آت ذَنبا فَما عَهدي بمنتَقِض
من النَبي وَلا حَبلي بمنصرمِ
وَلست أَخشى وَلَو أَهملت تَزكيَتي
لِلنَفس في مَذبح الحرمان تَضحيَتي
وَلا أَخاف حِساباً يَومَ تَسويَتي
فإن لي ذمة منه بتَسميَتي
محمداً وَهوَ أَوفى الخلق بالذمم
وَمدحتي هذه صكي وَمُستَنَدي
لَدى كَريم الأيادي سَيدي سندي
فإنه بعد عفو اللَه معتَمدي
إن لَم يكن في مَعادي آخِذاً بيدي
فَضلا وإلا فقل يا زلة القَدم
يَوم به يَشتَكي المَظلوم ظالمَه
وَسيد القَوم ساوى فيه خادمه
وَهوَ الشفيع الَّذي نَرجو مَراحمه
حاشاه أَن يحرَمَ الراجي مكارمَه
أَو يَرجع الجار منه غير محتَرمِ
ما خفت في زَمَني يَوماً طوائحه
وَلا اضطَربتُ وَلَو أَبدى جوائحه
من حين ما اِستنشَقت روحي روائحه
وَمنذ ألزمتُ أَفكاري مدائحه
وجدته لخلاصي خَيرَ مُلتَزم
عَلى مَكارِم طه حملتي حُسبت
سيّان إن كسبت نَفسي أَو اِكتسبت
إذ طالَما الفُلك عامت بعد ما رَسبت
وَلَن يَفوت الغنى منه يداً ترِبت
إن الحَيا يُنبت الأزهارَ في الأكم
وَكَم رياح بأَرواح الوَرى عصفت
وَبعد تَكديرها بالقاصِفات صَفت
وَذات مَظلمة من خصمها اِنتصَفَت
وَلَم أرد زَهرة الدنيا الَّتي اِقتطفت
بَدا زهير بِما أَثنى عَلى هِرَم
الدهر في الناس مَوصوف بِقُلَّبه
وَالناس أَبناؤُه أَسرى تقلبه
كالبَرق يخدع آمالا بخلبه
يا أَكرَم الخلق ما لي من أَلوذ به
سواك عند حلول الحادِث العمم
أَنا الَّذي رأس مالي كله أَرَبي
في مدح ذاكَ النَبي الهاشمي العَرَبي
فإنه ملجئي إن ضقتُ من كُربي
وَلَن يَضيق رَسول اللَه جاهُك بي
إِذا الكَريم تحلى باسم منتقم
هناك تبدي نفوس الناس غيرتها
لكل من أَكثرت في الخلق مِيرتها
فامنن عَلى نفس عافٍ عافَ سيرتها
فإن من جودك الدنيا وضرَّتها
ومن علومك علمَ اللوح وَالقَلَم
أَقول للنفس تطميعاً وَقَد ظلمت
مَطيَتي بارتكاب بعد ما هرمَت
وَهالَها ما عليه حسرة كظمت
يا نفس لا تَقنَطي من زلة عظُمت
إنَّ الكَبائِر في الغفران كاللمَم
كادَ التذكر للآثام يعدمُها
لَولا الرَجاء إذا ما هاجَ مؤلمها
وَهيَ الَّتي بعد علم اللَه تعلمُها
لعلَّ رحمة ربي حين يقسمها
تأتي عَلى حسب العصيان في القسم
فَيا حَكيم اكفني بحران منتكس
وَنجني من هوى قَد لَجَّ بي شَكِس
وَلا تردن صِفراً كفَّ ملتمس
يا رب واجعل رَجائي غير منعكس
لدَيكَ واجعل حِسابي غير منخرم
محمد فرغَلي الأنصاري أَذهله
ما قَد جَناه عليه البَغي وَالبَله
فاكشف مضرته إذ مسّه الوَلَه
وَالطف بعبدك في الدارَين إن له
صَبراً مَتى تَدعُه الأهوال ينهزم
واِمنن عَلَيه بإحسان وَخاتمة
حسنى وسوق بخير الكسب قائمة
وصنه من فتن في الناس نائمةٍ
وأذن لسحب صلاة منك دائمةٍ
عَلى النَبي بمنهلّ وَمنسجم
إنَّ الصَلاةَ بِها قَلب النَقي طَربا
يَميل ميل فَتى إِبان عهد صبا
عَلَيهِ أَزكى صَلاة مثل زهر رُبى
ما رنحت عَذباتِ البان ريح صَبا
وَأَطرَب العيس حادي العيس بالنغَمِ
محمد الطهطاوي
بواسطة: حمد الحجري
التعديل بواسطة: حمد الحجري
الإضافة: الخميس 2014/05/15 12:02:41 صباحاً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com