عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > مصر > محمد الطهطاوي > أَمن تذكر جيران بذى سَلَم

مصر

مشاهدة
1271

إعجاب
0

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

أَمن تذكر جيران بذى سَلَم

أَمن تذكر جيران بذى سَلَم
أرِقت ليلك لم تهجع وَلَم تَنَم
هم ودعوك وَفاء بالعهود فَهَل
مزجت دَمعاً جَرى من مقلة بدم
أَم هبت الريح من تلقاء كاظمة
فاِستنشق الصب منها نشر روضهم
أَو هاج شوقك بالأسحار طيفهم
وَأَومض البرق في الظلماء من إِضم
فَما لِعَينيك إن قلت اكففا هَمتا
هَلا يَخافان من يَرميك بالكلم
وَما بِعَقلك يَزداد الذهول به
وَلما لِقَلبك إن قلت اِستفق يَهم
أَيحسب الصب أَنَّ الحُبَّ مُنكَتِم
وَالدَمع أَقوى من الشهاد للحَكم
رِفقاً بجسمك هَل يرجى البَقاء له
ما بينَ منسجم منه وَمضطرم
لَولا الهَوى لَم ترق دَمعاً عَلى طلل
وَلا وقفت تناجي دارس الرخم
وَلا عددت نجوم الليل ساهرة
وَلا أَرقت لذكر البان وَالعَلَم
فَكَيفَ تنكر حباً بعد ما شهدت
به العَواذِل لَولا العشق لَم تُلَم
إِن لَم يَكونوا عَلى صدق فَقَد نَطَقَت
به عليك عدول الدمع وَالسقم
وَأَثبت الوجد خطى عبرة وَضنىً
تَنازعاك فكفكف هاطل الديم
أَو بُح بسرك حيث الشجو سطّره
مثل البهار عَلى خدَّيك وَالعنَم
نعم سرى طيف من أَهوى فأرقني
لَيلا فمن ذاك لَم أهجَع وَلَم أَنَم
لا يعرف الحب إلا من يكابده
وَالحب يَعتَرِض اللذات بالأَلَم
يا لائمي في الهَوى العذريّ معذرة
ما لَومك اليوم إلا رنة الرنُم
شُكراً عَلى ذكر من أَحيا بسيرتهم
مني إليك وَلَو أَنصفت لَم تلم
عدتك حالي لا سري بمستتر
أَنا المشوق وأنف العذل في الرغم
أَرح فؤادك لَم أَحفل بِما نقلوا
عَن الوشاة وَلا دائي بمنحسم
محضتني النصح لكن لست أَسمعه
أعذل مثلك يثنيني عَن الخيَم
لا أَقبل الرأي من ذي لومة أَبَداً
إن المحب عَن العذال في صَمم
إني اتهمت نصيح الشيب في عذلي
فَلا ارعواء إذا ما لاحَ في اللمم
وَهوَ النَذير الَّذي ما قالَ عَن كذب
وَالشيب أَبعد في نصح عَن التهم
فإن أَمارتي بالسوء ما اِتعظت
وَساعدتها بسعي في الخطا قدمي
تباً لها حيث ما أَبدَت إِفاقتها
من جَهلِها بِنَذير الشيب والهِرَم
وَلا أَعَدَّت من الفعل الجَميل قرى
إِلى وقور جَليل القدر ذي حُرَم
فَما لَها أكرمت كل الضيوف سوى
ضيف أَلَمَّ بِرأسي غير محتَشم
لَو كنت أَعلَم أَنّي ما أوقره
لما تمنيت طول العمر وا ندمي
أَو كنت أَحسب أَنَّ الشيب ذو نذر
كتمت سرّاً بدا لي منه بالكتم
مَن لي برد جِماح من غوايتها
تَقودني قَود راع بُهمة الغَنم
فاثن الزمام ورد النفس عن سفه
كَما يُرد جماح الخَيل باللجُم
وَلا تَرُم بالمَعاصي كسر شهوتها
وَسُدَّ خلة ما قد كانَ من وحم
وَلا تطعها إذا ما شمتها طمعت
إن الطعام يقوي شهوة النهم
وَالنَفس كالطفل إن تهمله شب عَلى
مَيل عَن القصد أَو عدَّلت يستَقِم
كَذا إِذا لَم تُذقه الخبز يرغب في
حب الرضاع وإن تفطِمه ينفطم
فاصرف هواها وَحاذِر أَن توليّه
كَي لا يُرى السيد المَخدوم في الخدَم
وَنحها عَن سَبيل اللَهو محتمياً
إنَّ الهَوى ما تَولى يصم أَو يَصِم
وَراعها وَهي في الأعمال سائمة
وَنم بعين وَبالأخرى فَلا تنم
وَالرشد أنك تَبغي خلفها أَبَداً
وإن هي اِستحلت المَرعى فَلا تُسم
كَم حسنت لذة للمرء قاتلة
وَلَيسَ يَعلَم أَنَّ الداء في الأدم
كَشارِب الراح مَقتولا بما مُزجت
من حيث لَم يَدرِ أَنَّ السمَّ في الدَسم
واخش الدَسائس من جوع وَمن شبع
كَم أَعجز الطب ما عاثت يد البَشم
واجعل غذاك من التَقوى وكن فطناً
فرب مخمصَة شر من التُخم
واِستفرغ الدمع من عَين قد امتلأت
وَالأزم يشفى كَما قالوا بطبهم
فاربأ بنفسك عَمّا كانَ في صغر
من المَحارِم وَالزم حمية الندم
وَخالف النفس وَالشيطان واعصهما
واحذر خَديعة وجه منه مبتسم
لَن يأمراكَ بخير قط ما أمرا
وإن هما محضاك النصح فاتهم
وَلا تطع منهما خصما وَلا حكما
ما أَضيعَ الحق عند الفاسد الذمم
وَهَل عدوك يَقضي ما تسر به
فأَنتَ تعرف كَيد الخصم وَالحَكم
أَستَغفِر اللَه من قَول بِلا عَمَل
مثل الحَكيم يُداوي وَهوَ ذو سقم
أَيَنفَع النصح إن قصرت في عَمَلي
لَقَد نَسبت به نسلا لِذي عُقُم
أَمرتك الخير لكن ما ائتمرت به
وَملت للشر حَتّى كنت ذا قَرَم
وَحدت عَن سبل الرشد الَّتي شرعت
وَما اِستَقَمت فَما قَولي لك اِستَقِم
وَلا تزوَّدت قبل المَوت نافلة
أَلَم أَخَف ظلمة المَسدود بالرجم
وَما قرأت بِلَيلي ما تيسر من
وَلَم أَصلّ سوى فرض وَلَم أَصم
ظلمت سنة من أَحيا الظَلام إِلى
عود الضياء وَهزم الصبح للظلم
ما كانَ يهجَع حباً في الصَلاة إلى
أَن اِشتَكَت قدماه الضر من ورم
وَشد من سغب أَحشاءه وَطوى
وآثر الغير هذا مُنتَهى الكرم
وَالريح لَو نشرت ذَيل القبا نظرت
تَحتَ الحِجارة كشحاً مُترف الأدم
وَراودته الجبال الشمّ من ذهب
فَما رآها تُساوي الزهد في القيَم
مالَت إليه تُرَجّي أَن ترغّبه
عَن نفسه فأَراها أَيما شمَم
وَأَكدت زهده فيها ضَرورته
وَكانَ في ذاكَ دَوماً ثابت القَدم
وَكَيفَ يَجزَع من فقر وَمسغَبة
إنَّ الضَرورة لا تَعدو عَلى العصم
وَكَيفَ تَدعو إِلى الدنيا ضَرورة من
بَدا فَكان كَروح الكَون من قِدَم
وَالنور ما كان إلا من سَنى قمر
لَولاهُ لَم تخرج الدنيا من العدم
محمد سيد الكَونين وَالثقلَي
نِ جل عَن شبه في عاد أَو جُشم
مَن ذا يُساوي امام الحق وَالحَرمَي
نِ وَالفريقين من عُرب ومن عجم
نَبينا الآمر الناهي فَلا أَحد
يرد أَمراً وَلا نهياً لمحتكِمِ
وَالصدق شيمَته في الحالَتين وَلا
أَبَرَّ في قول لا منه وَلا نعم
هُوَ الحبيب الَّذي تُرجى شَفاعَتهُ
يَوم الذهول بخطب فادح الغُممِ
نَراه عند اشتداد الأمر عُدتنا
لكل هول من الأَهوال مقتحم
دَعا إِلى اللَه فالمُستَمسِكونَ به
لاذوا بحصن وَحلوا ذروة الأطم
وَالمُهتَدون بِما جاءَ البَشير به
مستمسكون بحبل غير منفصم
فاقَ النَبيين في خَلق وَفي خُلق
لذاكَ أَصبح فيهم صاحب العَلَمِ
وَسار تحت لواه كل جيشهم
وَلَم يدانوه في علم وَفي كَرَم
وكلهم من رسول اللَه ملتمس
فَهوَ الإمام لهم في واضح الثكم
من نوره اِقتَبَسوا من سره ائتنسوا
غرفاً من البحر أَو رشفاً من الديم
وَواقفون لديه عند حدهم
كدارة هو فيها مركز القلم
حلوا بِذاك مَقام المجد واِقترَبوا
من نقطة الفضل أَو من شكلة الحِكَم
فَهوَ الَّذي تم مَعناه وَصورته
وَنزه اللَه منه القلب عَن أُضُم
ساد البَريَّة طراً وَهوَ واحدها
ثم اِصطَفاه حَبيباً بارئ النسم
منزه عَن شَريك في محاسنه
عقد الشَمائل أَغناه عَن التوم
خص الجَمال بفرد في ملاحته
فجوهر الحسن فيه غير منقسم
دَع ما ادعته النَصارى في نَبيهم
جهلا وصغ كل قول فيه منتظم
وَصفه بالعبد إن اللَه سيّدَه
واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
فإن فضل رسول اللَه لَيسَ له
كُنه يَراه ذكاء الحاذق الفَهِم
مذ كانَ كالبَحر لَم يعرف لآخره
حد فيعرب عنه ناطق بفم
لَو ناسبت قدره آياته عظما
أَجابَ دعوته من حل في الأدَم
أَو كانَت الذات عين الاسم في أَثر
أَحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
لَم يمتحنا بما تعيا القول به
علماً بأَنَّ مزيد الخير في الأمَم
فَجاءَ بالمعجزات الغُرّ واضحة
حرصاً عَلَينا فَلَم نرتب وَلَم نهِم
أَعيا الوَري فهم مَعناه فَلَيسَ يُرى
إلا كمثل خيال طاف في ظُلم
ما فاه بالمدح والأوصاف معجزة
في القرب وَالبعد فيه غير منفحم
كالشَمس تظهر لِلعَينين مِن بُعُد
إن استدارتها تربو عَن الخَتم
ما الذَنب إلا لطرف خالها كرة
صَغيرة وَتُكِل الطرف من أُمَمِ
وَكَيفَ يدرك في الدنيا حَقيقته
ذَوو البَلاغة والإسهاب كالبكم
أَو يكشف السر والألباب ذاهلة
قوم نيام تسلّوا عنه بالحُلمِ
فَمبلغ العلم فيه أَنه بشر
نالَ الكَرامة في عرش وَفي حَرم
والأنبياء جميعا دون رتبته
وأنه خير خلق اللَه كلهم
وكل آي أتى الرسل الكِرام بها
فانقاد للرشد بعض من شعوبهم
كانَت كمثل الصدا من صوت دعوته
فإنها اِتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضل هم كواكبها
كالغَيث أَوله قطر من الرهم
وَالفضل للشمس لا للزهر إذ سطعت
يظهرن أَنوارها للناس في الظُلم
أَكرم بخلق نَبي زانه خُلق
فاقَ الأكابر فيه غير محتَلمِ
ماء الحَياة جَرى في وجه مبتسم
بالحسن مشتمل بالبشر متسم
كالزهر في ترف وَالبدر في شرف
قد جل عن صلف وازداد في شمم
وَالصبح في فلق وَالمسك في عبق
وَالبحر في كرم وَالدهر في همم
كأنه وهو فرد من جلالته
يَروع كل كمي في الوَرى رُزم
أَحاطه النصر حَتّى ظُن منفردا
في عسكر حين تَلقاه وَفي حَشَم
كأَنّما اللؤلؤ المَكنون في صَدف
ثغر يَفوه بلفظ منه منسجم
أَو الدراري بها الغواص جاء لَنا
من معدني منطق منه وَمُبتَسم
لا طيب يعدل تُربا ضم أَعظمه
وَكَيفَ لا وَهوَ أَزكى الخلق في الشيم
لِذاك طيبة طابَت في القرى أَرجا
طوبى لمنتشق منه وَمُلتَئم
أَيان مولده عَن طيب عُنصره
بِلا عَناء وَلا طلق وَلا وَحم
قَد جاءَ أَكحَل مَختونا كسرته
يا طيب مبتدإ منه وَمختتم
يوم تفرس فيه الفرس انهم
دالَت سيادتهم للعُرب في الخيم
وانهم بطلوع السعد بينهمُ
قَد أنذروا بحلول البؤس وَالنقم
وَباتَ إِيوان كسرى وَهو منصدع
من هزة الأرض إِجلالا لذي العلم
وعقد شرفاته قد باتَ منفرطا
كشمل أَصحاب كسرى غير ملتئم
وَالنار خامدة الأنفاس من أَسف
بالرغم عن موقد للأَمر مُنفحم
كَذاكَ كان لتنور الوقود أَسىً
عليه وَالنهر ساهي العين مِن سَدَم
وَساء ساوة أَن غاضَت بحيرتها
من بعد ماء جَرى كالفيض من ديم
بكى الغَدير عليه وَالنَبات معاً
ورُدَّ واردها بالغَيظ حين ظَمي
كأَنَّ بالنار ما بالماء من بَلل
أَحالَ منها اللظى لِلبارد الشيم
كشأن نار لنمرود الخَليل خَبَت
حزنا وَبالماء ما بالنار مِن ضَرم
وَالجن تَهتف والأنوار ساطِعة
لطلعة المُصطَفى كالبدر في الظلم
حَتّى رأى الشامَ من في مكة غسقا
وَالحق يظهر من معنى ومن كلم
عموا وَصموا فاعلان البَشائِر لَم
يكن لدى البُهم إلا شبه مُنبهم
لا بَل تعاموا لذا تلك القَوارِع لَم
تسمع وَبارقة الانذار لم تُشم
من بعد ما أخبر الأقوام كاهنهم
بأنه أَحمَد المَوعود من قِدم
وإنه صاحب الدين الحَنيف قَضى
بأن دينهم المعوَجّ لم يقم
وَبعد ما عاينوا في الأفق من شهب
تَهوي كترس من الأجواء مضطرم
وَشاهدوا بعيون كل صاعقة
منقضة وفق ما في الأرض من صنم
حَتّى غَدا عَن طَريق الوَحي منهزِم
قَد جاءَ مُستَرِقا لِلسَمع من أمم
فَشاء ربكَ حرق الفوج حين غَدا
من الشَياطين يَقفو إِثر منهزم
كأَنَّهم هَربا أَبطال أَبرَهَة
في الخزي حين تصدوا ساحة الحرم
تخالهم أَنَّهم أَشلاء ملحَمة
أَو عسكر بالحصى من راحتيه رُمي
نبذا به بعد تَسبيح ببطنهما
لِلَّه بارئ هَذا الكَون من عدم
لكن نبذهما قَد كانَ واعجبا
نبذ المسبح من أَحشاء ملتقم
جاءَت لدعوته الأشجار ساجدة
هاماتها لِلَّذي من شامه يَهِم
وَما سمعنا بأشجار وَلا بَشر
تَمشي إليه عَلى ساق بِلا قدم
كأَنَّما سَطرَت سطراً لما كتبَت
بلوح أَرض خطتها خطو منتظم
وَتممت ذاكَ شكلا حينما رَسمَت
فروعها من بَديع الخط باللقم
مثل الغمامة أَنى سار سائرة
في إِثره سير صب هائم بسمي
لَها ظَليل ظلال فوق هامته
تفيه حر وَطيس للهجير حَمي
أَقسمت بالقمر المنشقّ أن له
من نوره قبسا لَولاه لَم يُشَم
وإن ذا الانشقاق الفَخم أَكسبه
من قلبه نسبة مبرورة القسَم
وَما حَوى الغار من خير ومن كرم
يزري بحاتم رب الجود أَو هرَم
مذ أَخرَجوه وَقاه اللَه كيدهمُ
وكل طرف من الكُفار عنه عَمي
فالصدق في الغار وَالصديق لَم ير ما
لذا حَواليه شك القوم لم يَحُم
وَقَد تعدّوه لا يَبغون مَدخلَه
وَهم يَقولون ما بالغار من أرم
ظنوا الحمام وظنوا العَنكَبوت عَلى
باب المَغارة لا تبقى لِذي قَدم
وإن كلتيهما لَو شامتاه وَلَو
خَير البَريَّة لَم تنسج وَلَم تحُم
وَقاية اللَه أَغنَت عَن مضاعفة
مِن التوقي بتُرس أَو مِجنَّ كَمي
أَو الصوارِم أَو سمر الرماح كَذا
من الدروع وَعَن عال من الأطم
ما سامني الدهر ضيما واِستجرت به
إلا أراني زَماني وجه مُبتسِم
وَلا لجأت إلى ناديه محتميا
إلا ونلت جواراً منه لَم يُضَم
وَلا التمست غنى الدارين من يده
إلا كَساني نداه سابغ النعم
وَلا أممت كَريما أَرتَجيه جداً
إلا استلمت الندى من خير مُستلم
لا تنكر الوحي من رؤياه إن له
بالعرش رابطة في النوم وَالحلم
حيث الَّذي خلق الإنسان أودعه
قلبا إذ نامَت العينان لم ينم
وَذاكَ حين بلوغ من نبوته
بأمر من علم الإنسان بالقلم
والأمر أَكبر من درك العقول له
فَلَيسَ يُنكر فيه حال محتلم
تَباركَ اللَه ما وحى بمكتَسب
إلى مُسيلمةِ بالسجع وَالنغم
وَما سَطيح وَلا أَمثاله صدقوا
وَلا نبي عَلى غيب بمتهم
كَم أَبرأت وَصبا باللمس راحته
من بعد عجز طَبيب باهر الحِكم
كَذاك باليُمن يمناه قد اشتهرت
وأطلقت أرِباً من رِبقة اللمم
فأحييت السنة الشَهباء دعوته
وَالحقل بالجدب في عجفا السنين رُمي
فغيرت حالها حالا ضراعته
حَتّى حكت غُرَّة في الأعصر الدهم
بعارض جاد أَو خلت البطاح بها
طوفان نوح عليها طاف بالكرم
أَو أَنه حين عمّ الأرض أَجمعها
سيب من اليم أَو سيل من العَرِم
دَعني وَوصفي آيات له ظهرت
بالرغم عَن كل من منه الفؤاد عمي
وَكيف تنكر عين الناس مظهره
ظهور نار القرى ليلا عَلى علمِ
فالدر يَزداد حسنا وَهوَ منتظم
نظم الجوامع في سِمط من الكلمِ
وَالقَول رونقه يَزدان منتسقاً
وَلَيسَ بنقص قدرا غير منتظم
فَما تَطاول آمال المَديح إلى
إِيفاء وصف مقام جل عَن قلمي
وَكَيفَ يدرك مَهما خط مجتهدا
ما فيه من كرم الأخلاق وَالشيمِ
آيات حق من الرحمن محدثة
دلت عَلى أَنَّها في منتهى العظم
لكنها مع حدوث اللفظ إذ نزلت
قَديمة صفة المَوصوف بالقدمِ
لَم تقترن بزمان وهي تخبرنا
عَمّا مَضى من وجود الخلق للعدم
وكل شيء له أَحصى الكتاب فسل
عَن المعاد وَعن عاد وعن إِرم
دامَت لدينا فَفاقَت كل معجزة
بينا الأناجيل وَالتوراة لَم تقم
إِقامة طبق ما آياتها سمعت
من النبيين إذ جاءَت وَلَم تدم
محكمات فَما يبقين من شُبَه
إلا لباغ عَلى ذي الحق متهم
لكنَّها مفحمات الخصم إن تليت
لذي شقاق وَما يَبغين من حكم
ما حوربت قط إلا عاد من حرب
من رام تجريحها في خزي منهزم
أَو قلدت عوض إلا واِنثَنى كمدا
أعدى الأعادي إليها مُلقي السلَم
ردت بلاغتها دَعوى معارضها
كَباقل زيدَ من عيّ ومن بكم
أَبكار أَفكارها ردت مُقلّدها
رد الغيور يد الجاني عَن الحرم
لَها معان كَمَوج البحر في مَدد
فمن تصداه يُصدَم أَي منصدَم
لا بَل تفوق محيط الكون زاخره
وَفوق جوهره في الحسن وَالقيَم
فَما تعد وَلا تُحصى عَجائبها
وَلا يُحاول حصراً أَيما رقم
وَكُلما كُررت يَحلو مكررها
وَلا تُسام عَلى الإكثار بالسأم
قرَّت بها عين قاريها فقلت له
بشراك إن كنت تَدري كنهها فهم
وَفي الشَدائد لذ واشدد يديك بها
لَقَد ظفرت بحبل اللَه فاِعتصم
إن تتلها خيفة من حرّ نار لظى
يَشوي الوجوه تصن من لاعج الألم
أَو تستمد عيوناً لليَقين بها
أَطفأت حر لظى من وردها الشيم
كأنها الحوض تَبيض الوجوه به
من السواد اِعتَراها يوم مزدحم
حيث القُلوب هواء في جوانحها
من العصاة وَقَد جاؤوه كالحُمم
وَكالصراط وَكالميزان معدلة
لمن جَرى حسب أَمر اللَه واستقم
وَسارَ في فَلك الدنيا بموجبها
فالقسط من غيرها في الناس لَم يقم
لا تعجبن لحسود راحَ ينكرها
وَيدعي أَنَّها من قول متهم
وَعذ بربك من عينيه حين يُرى
تجاهلا وَهوَ عين الحاذِق الفهم
قَد تُنكر العين ضوء الشمس من رمد
لما أَلمَّ بها من حالِك الألم
والأذن تجهل صوت الرعد من صمم
وَينكر الفم طعم الماء من سقم
يا خَير من يمم العافون ساحتهُ
راجين راحة أَسمى الخلق في الهمم
وأم روضته الغنّاء ذو شغف
سعيا وَفوق متون الأينق الرسُم
وَمَن هُوَ الآية الكبرى لمعتبر
يَعض بعد اتعاظ إِصبعَ الندم
وَملجأ المُرتجي من ضيقه فَرجا
ومن هو النعمة العظمى لمغتنم
سَرَيت من حرم لَيلا إلى حرم
وَالناس كالسفن في بحر من الحُلم
سبحان رَبي الَّذي أَسراك في رجب
كَما سَرى البدر في داج من الظلَم
وَبتَّ ترقى إلى أَن نلتَ منزلة
جبريل قصّر عنها خطوة القدم
وَقَد حظيت بذات اللَه عَن كَثَب
من قاب قوسين لم تُدرك وَلَم تُرَم
وَقدَّمتك جَميع الأنبياء بها
وَقد وعدت بذاك الحظ في القِدَم
أَنتَ الأَحق بِتَقديم الملاك له
وَالرسل تَقديم مخدوم عَلى خدم
وَأَنتَ تَختَرِق السبع الطباق بهم
سَعياً إِلى ذِروة العَلياء لا القمَم
أَنعم بليلة معراج سرَيت بها
في موكب كنت فيه صاحب العَلم
حَتّى إذا لَم تَدع شأواً لمستبق
عَلى بُراق أَتى بالسَرج وَاللجُم
وَلَم تذر لنبيّ قدر خطوته
من الدنو وَلا مَرقى لمستنم
خفضت كل مقام بالإضافة إِذ
لا شيء أَرفَع مِمّا نلت في العظم
وَكَيفَ لا تَسمو عَن جمع الأنام وَقَد
نوديت بالرفع مثل المفرد العلم
كَي ما تَفوز بوصل أَي مُستَتِر
من صاحب العرش رب الناس وَالنعم
أَوحى إليك بما أَوحاه مختفيا
عَن العيون وَسر أَي مكتتم
فحزت كل فخار غير مشتَرك
من المَلائِكة السامين في الأمم
لما حَظيت بقدس اللَه منفرداً
وَجُزت كل مقام غير مزدَحم
وَجلَّ مقدار ما وُليت من رتب
حيث الكَليم سما في الطور بالكلم
أَعطاكَ ربك ما لَم يُعطه بشراً
وعزّ إدراك ما أُوليت من نعم
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا
في ناقة الناس انفازين بالشمم
وَقَد حلَلنا بدين الهاشمي العربي
من العناية ركناً غير منهدم
لما دَعا اللَه داعينا لطاعته
وهدم ما عبد الكُفار من صنم
وَشرَّف اللَه منا كل ذي ثِقة
بأكرم الرسل كنا أَكرَم الأمم
راعَت قلوب العدا أَنباءُ بعثته
وأنه اللَيث في ميدان مقتحم
وَالرعب كانَ له وَقع بأفئدة
كَنبأة أَجفلت غُفلا من الغنَم
ما زال يَلقاهُمو في كل معتَرَك
بالبيض وَالسمر في هام وَفي لمم
وَالظهر من خلفهم وَالصدر من أُمَم
حَتّى حكوا بالقنا لحما عَلى وَضم
وَدّوا الفرار وَكادوا يغبطون به
من فلّ يشكر منجاة بمنهزم
أَو من أَطارَت سهام الحرب جثته
أَشلاء شالَت مع العقبان وَالرخم
تمضي اللَيالي وَلا يَدرون عدتها
وَالذُعر ينسي الفَتى ما عد بالرقم
وَلا يميّز أَوقاتا تمرّ به
ما لَم تكن من لَيالي الأَشهر الحُرُم
كَأَنَّما الدين ضيف حلَّ ساحتهم
يَرجو قراه فَما كانوا ذَوي كَرم
لِذا رَماهم بحق رَمي مُنتقم
بكل قرم إلى لحم العدا قَرِم
يجر بحر خميس فوق سابحة
تُنمى لأعوج بين الشهب وَالدهم
كأَنَّها السيل في البَطحاء منحدرا
يرمى بموج من الأبطال مُلتَطِم
من كل منتدب لِلَّه محتسِب
ما شاءَت الحرب من مال له وَدم
ما دامَ بالقَلب قبل السيف في يده
يَسطو بمستأصل للكفر مُصَطلم
حَتّى غدت ملة الإسلام وَهي بهم
أَعزّ من جبهة الآساد أَن تُرم
فأَصبحت أمة الهادي بهمته
من بعد غربتها موصولة الرحم
مكفولة أَبداً منهم بخير أَب
يفدي كَريمته بالروح ان تُضم
وَقَد تقوى بصهر حيث لا ولد
وَخير بعل فَلَم تيتم وَلَم تئِم
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم
إِذ باءَ جبناً برأس منه منحطم
واِستسمح الصدق أَن يُنبى مصارحة
ماذا رأى منهم في كل مصطَدم
وَسَل حنيناً وَسَل بدراً وَسَل أُحُدا
عَما بها كان من عُدم ومن عَدَم
تلق العَجائِب إذ تُلفى الرجال رضوا
فصول حتف لهم أدهى من الوخم
المصدري البيض حمراً بعدما وردت
حوض الرقاب مشوقات لشرب دم
الموردين لدى طعن أَسنتهم
من العدا كل مسودّ من اللمم
وَالكاتبين بِسمر الخط ما تركت
زجاجها أَيّ جلد غيرَ منخرِم
كأنه كاغد الكتاب ما نسيت
أَقلامهم حرف جسم غير منعجم
شاكي السلاح لهم سيما تميزهم
في كل وجه بنور الدين متّسم
إن الوجوه مَرايا قلب كل فَتى
وَالوَرد يَمتاز بالسيما عَن السلم
تهدي إليك رياح النصر نشرهمو
بالرغم عَن نتن الأعداء من رِمَم
طابَت عناصرهم طيبا كنافجة
فتحسب الزهر في الأكمام كل كمي
كأنهم في ظهور الخَيل نبت رُبى
يحكي الغصون لها ساق عَلى قدم
حين اِستووا أَلفات فوقَ صهوتها
من شِدة الحَزم لا من شدّة الحُزم
طارَت قلوب العدا من بأسهم فرقا
كأنها سِربُ طير ريع بالرجُم
كَذا حلومهمو طاشَت لدهشتها
فَما تُفرّق بين البهم والبُهم
ومن تكن برسول اللَه نصرته
لَن يَخشى حرب صروف الدهر باللغم
ومن يلذ بحمي حامى الوَرى وجلا
إِن تلقه الأسد في آجامها تجم
وَلَن تَرى من وليّ غير منتصر
فارع الوَلاء كَرعي الآل والذمم
كلا وَلا غادر من بَعد بَيعَتِه
به وَلا من عدو غير منقصم
أَحل أُمته في حرز ملته
لا غرو ان أمنت من هضم مهتضم
فليَخشَ أعداؤُها حصنا وَحارسَه
كاللَيث حل مع الأشبال في أجم
كم جدّلت كلمات الله من جدل
وَكلمة كبرت من فم ذي بكم
قَد قالَها في هَوىً من غير ما أثر
فيه وَكَم خصم البرهان من خَصِم
كفاك بالعلم في الأميّ معجزة
فاقَت عَلى غيرها في الحُكم وَالحكم
وبالأمانة تلقيبا عَلى صغر
في الجاهلية وَالتأديب في اليتم
خدمته بمديح أَستَقيل به
مِمّا تحملت من أَوزار مجترم
عَسى إلهي بعرض الجاه يغفر لي
ذنوب عمر مضى في الشعر والخدم
إِذ قلدانيَ ما تُخشى عواقبه
من رُمَّة الجيد أَو من أَدهم القدم
أَو رِبقة مثل نير شُد في عنقي
كأنني بهما هَدي من النعَم
أَطَعت غيّ الصبا في الحالَتين وَما
أَنبت عَن مسلكي إياه في الهِرم
فَما كسبت بسوق اللهو قط وَلا
حَصَلت إلا على الآثام والندم
فَيا خسارَة نفس في تجارتها
بيوم عَرض عروض الناس للحكَم
يوم يحق لها فيه التحسر إِذ
لَم تشتر الدين بالدنيا وَلَم تسم
ومن يبع آجلا منه بعاجله
من الغَنيمة يرجع غير مغتنم
ومن يفرط بجهل في معاملة
يَبن له الغبن في بيع وَفي سَلم
إن آت ذنبا فَما عَهدي بمنتقض
من الصفيّ الوفي بالآل وَالخدَم
وَلا ارتداد لمدح قد متتُّ به
من النبي وَلا حبلي بمنصرم
فإن لي ذمة منه بتَسميَتي
محمدا ولأنصار النبي نُمي
ومن يسمّي ابنه حب الوفاء به
محمدا فَهوَ أَوفى الخلق بالذمم
إن لم يكن في معادي آخِذا بيدي
وَالناس أَبصارهم زاغَت من الألم
أَو قائداً لكفيف ضَلَّ خطته
فَضلا وإلا فقل يا زلة القدم
حاشاه أن يحرم الراجي مكارمه
وَهوَ الَّذي مد آل الجود بالكرم
وَجَلَّ عَن أَن يُضيع اللائذين به
أَو يُرجع الجار منه غير محترم
وَمنذ ألزمت أَفكاري مدائحه
من الشَبيبة حَتّى شيبة اللمَم
أَلفَيتها عدتي في الحالَتين كَما
وَجدته لخلاصي خير ملتزم
وَلَن يَفوت الغنى منه يدا تَرِبَت
وَخانها الدهر في مال وَفي حشم
واليُسر وَالعُسر في الدنيا مداولة
إن الحيا يُنبت الأزهار في الأكم
وَلَم أُرِد زهرة الدنيا الَّتي اِقتطفت
طُلابها من حلال كانَ أَو حُرَم
وَلا مَطارف من خزّ لها اِنبسطت
يدا زهير بما أثنى عَلى هَرِم
يا أكرم الخلق ما لي من أَلوذ به
إذا مُنِيت مَع الشكران بالنقم
أَو ضاقَت الأرض بي يوما بما رحبت
سواك عند حلول الحادث العَمم
وَلَن يضيق رسول اللَه جاهُك بي
وَلَو أَتيتك في أَصفاد مؤتم
فللجناة برَوض العفو حُلو جَنى
إذ الكَريم تحلّى باسم منتقم
فإن من جودك الدنيا وَضرّتها
وكل ما بهما من حلية النعم
وَمن ضيائك نور النيرين أَتى
ومن علومِك علم اللوح والقَلَم
يا نفس لا تقنطي من زلة عظُمت
كَم عابس قد تبدى جد مبتسم
وَلَو رَبا ثقل آثامي عَلى أُحُد
إن الكَبائر في الغفران كاللمم
لَعلَّ رحمة ربي حين يقسِمها
أَفوز منها بقسط قيّم القيم
وَحُسن ظَني وَرَبي عند ظني أن
تأتي عَلى حسب العصيان في القِسَم
يا رب واجعل رَجائي غير منعكس
وارفع مضارع فعلي جا كمنجزم
وَلا تردَّ يدي صفراً بلا رَقم
لديك واجعل حسابي غير منخرم
والطف بعبدكَ في الدارَين إن له
قَلبا هواء من الأوزار ذا عشم
إِذ لا يطيق عَلى ثُقل بكاهله
صبرا مَتى تدعه الأهوال ينهزم
وأذَن لسُحب صَلاة منك دائمة
تسقي الضَريح كروض جيدَ بالديم
وارسل رياح الرضا مع رحمة وسِعَت
عَلى النبي بمنهلّ وَمنسجم
ما رنحت عذبات أَلبان ريح صبا
أَو مادح نمق القرطاس بالكلم
وَما تمايل للإنشاد ذو شجن
واطرب العيس حادي العيس بالنغم
محمد الطهطاوي
بواسطة: حمد الحجري
التعديل بواسطة: حمد الحجري
الإضافة: الخميس 2014/05/15 12:03:16 صباحاً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com