عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > مصر > محمد الطهطاوي > أَتُرى مَدى عُمري يُمدّ قَليلا

مصر

مشاهدة
1080

إعجاب
0

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

أَتُرى مَدى عُمري يُمدّ قَليلا

أَتُرى مَدى عُمري يُمدّ قَليلا
وَأَرى مقاما لِلرَسول جَليلا
لا قولَ قولك يا شهاب مثيلا
هَذا اللقاء وَما شفيت غَليلا
كَيفَ اِحتيالي إن عزمت رَحيلا
وأنادي يا مَولاي أَدعو فاستَجِب
في روضة عَن خاطري لَم تحتجِب
من يَدعُ فيها رَبَّه كرما يُجب
يا دار من أَهوى وَحقك لَم أُجِب
داعي التفرق لَو وجدت سَبيلا
دار تَفوق الدور من حيث السنى
لسناء ساكنها أَجل من اِبتَنى
فَمَتى أَقول إليك يا دار الهنا
أَأَروم عنكِ وَقَد بلغت بكِ المنى
يوما عَلى طول الرجاء بَديلا
نَفسي عَن الدنيا وَما فيها نأت
إلا رحابك وَالمَديح استمرأت
ومن الوَرى ذي الافتراء تبرأت
هَيهات أَينَ ليَ البَديل وَقَد رأت
عيني معالم للهدى وطلولا
إِن شمت مكة ثم طيبة وَالحمى
وَشفيت قَلباً من قديم مغرما
بالحج ثم زيارة تروي الظما
فَلتَصنَع الأيام ما شاءَت فَما
أَبقَت لِقَلبي بعدها مأمولا
واهاً ليَوم فيه أَحظى باجتلا
أَنوار بيتِ اللَه كعبة ذا المللا
وَأَقول قربَ ضَريحه متوسلا
أَصبحت في الحرم الشَريف بحيث لا
أَحتاج فيه إِلى الرَسول رَسولا
ماذا أقدّم لؤلؤاً أَو جوهرا
لمقام من أَعطاه ربي الكوثرا
وأذلّ كسرى ثم أَخضع قيصرا
أُثني عليه بما أطيق مقصّرا
وأبث أَشواقي إليه مُطيلا
وَأَبوح بالآمال تلك حقائق
تُرجى إذا صحت لديه عَلائقُ
وَبه أَلوذ وَكأس صفوي رائق
وأكَفكِف العبراتِ وَهي سوابق
لا يَرعوين وَقَد وَجدن سَبيلا
وَالعين من فرط السرور تكرّما
تَسخو بفيض لا يَفيض تألما
لَكِنَّني أبقي بكائي ريثَما
وَأَقول يا إنسان عيني فربما
تَهوى وَلا تك بالدموع عَجولا
وتملَّ بالأحباب وَقتا قد رأوا
فيه اللقا واشكر كَثيراً ما ارتأوا
ثم اِغتَنِم زَمنا به بُعداً أَبوا
واصبر فإن وَراء يومك إن نأوا
بهواك سبحا في الدموع طَويلا
سُقي الحجاز وأشرقت آثارُه
وَالساكِنون به كَذا زوّارُه
وَتألقت طول البقا أَنوارُه
طوبى لمن أَضحى بطيبة داره
لا يُضمَرُ الأزماع وَالتَحويلا
من سار شوقا نَحوَ يَثرِب أَو سَرى
يحمد بزورة أَحمد غِبّ السُرى
ومن اِجتَباها موطنا فاقَ القُرى
يَلقى الحَبيب مَتى أَراد وَلا يرى
إلا مقاما بالهدى مأهولا
لِلَّه أَشكو من شواغل ذا الزَمن
وَعوائق رمت العَزائم بالوَهن
أَما حَنيني فَهوَ حَتّى في الوَسن
أمنازلَ الأحباب لَيسَ الصبر عن
هَذا الجمال وإن بعدت جَميلا
ما حيلَتي ما حيلَتي لَم يَبقَ لي
إلا ضراعة مُبتلى للمُبتَلي
فَمَتى أَراكِ وَفي رحابِك أَختَلي
لوحي لعيني في الدنو لأجتلي
واصغي إلى ما أَشتَكي لأقولا
أمسي وأصبحُ في البعاد مسلّما
وَمناجيا بتذلل آل الحمى
متوسلا بهم إِلى رب السَما
لا تحجبي عنهم سلامي كلما
حملته مني صَباً وَقَبولا
من لي بِتَمتيع النواظر في رُبى
كثبان طي أَو سهول في قُبا
وَرياض من أَهواه من عهد الصبا
حيّتك يا دار الهَوى ريح الصَبا
وافتر روضك بالنَدى مَطلولا
لا زلت جنة ذا الوجود كُرُومها
دُنيا القُطوف وَكالبساط أَديمها
وَجفتك أَيام الحَرور سمومها
وونى صَحيحا في رُباك نَسيمها
وأُجل قدرَك أَن أَقول عَليلا
وَبَقيت عند المحل طيبةَ الأُكل
يَرتادك الزوار من كل السُبل
وَبجودك الوسميّ سقيا للنزُل
وَترقرقت في ساحتيك مدامع ال
عشاق هامية الشؤون هُمولا
فَعَلى جُفوني فرض عين كلما
برق أَضاء مبشراً آل الحمي
بالخصب وَالرحمات من مُزن السما
مطر تزيد به القلوب عَلى ظما
فيهن ريّا وَالجفون محولا
يا رَوضة الدُنيا وحقك ما لنا
شيء سواك محقق آمالنا
فَلقاك يُنسينا بحق آلنا
ولأَنت أَحلى ما تخيله لنا
أَحلامنا وأجلُّها تنويلا
لِلَّه إن شمتُ الرياض بواسما
وَقَضيت للحج الشَريف مراسما
وَشهدت في دار النبي مواسما
فلألثمنَّ من المطي مَناسِما
أدنت إليك وأكثر التَقبيلا
ولأَنفحن عَبد الضَريح بحُلتي
وَهناكَ أَشكو للحَكيم بعلَّتي
وَبقبلة الأعتاب أشفي غُلتي
وأعفّر الوجنات في الأرض الَّتي
جرَّت بها آل النبي ذيولا
ولأنشدنَّ قَصائدي مترنما
بمديحه كالدر صيغ منظما
لا بَل أَراه في النفاسة أَعظما
ولأَشكرنَّ الدهر حين وفى بما
أَملت منه وَكانَ قَبلُ مَطولا
ولأبسطنَّ يديَّ في طلب الجدا
من أَجود الكرماء في الأعطايدا
وأُهني جيدي إذ أراه مُقلّدا
ولأغبطنَّ الجفن لما أَن غدا
بِتُراب تربة أَحمد مكحولا
قد عَقَّ عيسى نَهلُها بَل عَلَّها
وَلَها اِستَوى حزن الفَلاة وَسهلها
حَتّى تَلوح لَها الرياض وَنخلها
يا صاحبي هذي الديار وأَهلها
فَعلام لا تَقِف المَطيُّ قَليلا
وتني بِنا بالقرب منها فترة
فيها نبرّد بالحُشاشة جمرة
وَنقيم غُدوة يَومنا أَو بُكرة
لنزوّد الأجفان منها نظرة
تَبقي بها آثارهم تخييلا
فَهُناكَ نَشكو وَالهموم قواهِرُ
وَهُناكَ نَدعو وَالقلوب طواهِرُ
وَهُناكَ نَبكي وَالشؤون مواطر
وَنردد الحسرات وهي ظواهر
وَنبث وجداً في الفؤاد دَخيلا
وَنُريح بالزَفرات نَفساً ما اِشتكت
وَلَو انَّها من همها قَد أَوشكَت
وَكذاك نفس الحُر دَوماً لَو زكت
وَنَتوب عَن فعل الغَمائم إن بكت
مثلي وَمثلك بكرة وَأَصيلا
يا قَلب دع ما أَنتَ فيه تألما
وَكَفاكَ مِمَّن قد أَساء تظلما
فَعَسى يضيء إليك حظ أَظلما
أَو ما ترى الأنوار تُخفي كلما
طلعت سنا بدر السماء أُفولا
وَيَعود لي عهد الصفا وَسروره
والأنس تشرق في الديار بدوره
برجا الَّذي جئنا لذاك نزوره
أَوَ ما تَرى حرم النَبي وَنورُه
كالشمس قَد أَضحى عليه دَليلا
حرم يَلوح لدى خلوّ آنسا
وَتُرى لنفسك من سَناه مؤانسا
وَجَميع ما فيه يُرى متجانسا
وكأَنَّما فيه النبي مُجالِسا
أَصحابه وَمخاطبا جبريلا
كَم من فَتى بالغم بات مُعفّرا
فَدَعا الإله بجاهه واِستغفرا
حَتّى اِنجَلى عنه بصفو أسفرا
فاسأل فثَمَّ ترى النوال موفرا
وَالخَير جمّا وَالعَطاء جَزيلا
واغنم وصالا بالأُلى أَحببتهم
يا لَيت آلي قد حُظوا يا لَيتهم
فَصغ الدعاء لهم وَقَد خلفتهم
واشفع لصحبك وَالَّذين تركتهم
يَرجون نفعك إن وجدت قبولا
أَبشر بِتَحقيق الَّذي تَرجوه مذ
حزت القبول ببابه فاطلب وخذ
وَبساحة الفيض العَميم اليوم لذ
فَلَقَد قدمت عَلى كَريم من يَعُذ
بحماه عاد مكرّما مسؤولا
ملجا الضَعيف ان ضاقَ يوما ذرعه
وَثِمال من بالجدب صوَّح زرعه
ومجنّ من ثقبت بسهم درعه
يا سيداً لَولا هُداه وَشرعه
لَم نعرف التَحريم وَالتَحليلا
يا منهَل الورّاد يا خير الملا
طرّاً وَأَحلى ذا الأنام شمائلا
أولاك مُولي الناس أَنواع الحُلى
لَولاك ما قطعت بنا عرضَ الفلا
عيس تَبارينا ضَنىً وَنحولا
قَد شفّها وجدانها فأحالها
أَنضاء لا تَشكو لغيرك حالها
ومن اِشتياق للقاء أَمالها
تسري بنا عَنَقا فإن غنّى لها
حادي السُرى سارَت إليك ذميلا
كَم بين هذي العيس من دنف زمن
وَبراحة مِمّا يُعانيه قمِن
بل كلّها متجلدات لَم تئن
شُعث ضوامر كالقِسي تُقل من
شُعث سواهم كالسهام حُمولا
حجاج بيت اللَه أَكرم عصبة
سارَت عَلى حرّ الهَجير لقربة
وَبرغم آل بيوتهم وأحبة
هجَروا الظلال وَيمموا من طيبة
ظلا هناك عَلى العُفاة ظَليلا
لِلَّه ما أَزكى نفوسهمُ اِرتَضَت
بدل استراحتها شَقاً وتمرَّضت
فلِذا وأَخطار المفاوز قَد قَضَت
يَتلفتون إذ الوهاد تعرضت
فَتَرى عيونهم الصَحيحة حولا
إن شمتهم فوق الرحال رحِمتهم
وَالشوق أَنساهم جَميعا قوتهم
وَبكيت عطفاً لَو هناك رأَيتهم
يَبكون والأنضاء ترزِم تحتهم
فكأنّ كلا قَد أضلَّ فَصيلا
لكن إذا خنقتهموا عبراتهم
وَتصاعَدت من تَوقهم زفراتُهم
ورثت إِلى ذاكَ العناء عداتهم
تحدو بذكرك في الفلاة حُداتهم
فكأنها فيهم تدير شَمولا
لأحبة سكِروا براح ودادهم
وَشَفوا بقربك غلة بفؤادهم
فَتَقدموا من بعد طول بعادهم
يَرجون منك شفاعة لمعادهم
إذ لَيسَ غيرك شافِعاً مقبولا
بالأمس في الأوطان كان محلّهم
يَغشاه بالإكرام منهم خِلّهم
وَيحيط آلهموا بهم أو جُلّهم
والآن قد صاروا إليك وكلهم
ضيف لديك وَلَن ترد نزيلا
نعم الرِفاق بغربة ما عِبتهم
يَوما بشيء أو عليه عَتَبتهم
وَمن المَلائكة الكِرام حسبتهم
قَدِموا بِزاد من تُقى وَصحبتهم
أبدي اليسار وأكتم التَطفيلا
لُذنا بروضتك السنية علّنا
بالعز من مَولاك نُكفي ذُلنا
وَيَعود يرغبنا الَّذي قد مَلّنا
فاقبل ضراعتنا إليك وكن لنا
يَوم القيامة بالنَجاة كَفيلا
بك نَغتَني عَن آلنا مع صحبنا
وَعن الألى رغبوا جفاً عَن قربنا
واِستبدلوا بالمزق خالص حبنا
فاللَه قَد أَعطاك من لطف بنا
جاهاً عَريضاً في المعاد طَويلا
من شاء في الدارين سعداً فليلذ
بحماك يا خَير البَريَّة وَليَعُذ
فَبناصري أَرجوك في الحالين خُذ
فاللَه أَعطاك الشَفاعَة يوم إِذ
كل غَدا عَن قومه مَشغولا
لَيتَ الدراري تدنون لِناظم
ليصوغ عقدا في البهاء كخاتم
لنبوَّة مذ جئت أسمى خاتِم
أَنتَ المُبوّأ من ذؤابة هاشِم
شرفا أَناف عَلى الكواكِب طولا
قد صين عُنصرك الشَريف من الأزل
في ظهر آدم طيباً حتّى وصل
لأبيك عَبد اللَه أشرف من نَسَل
بك كَرَّم اللَه الجدود وطهر ال
آباء إِذ ولدوك جيلا جيلا
بك أُمَّة الإسلام أَشرف أمة
حازَت بهذا الدين أكمل نعمة
وَبنور شرعك أُخرجت من ظُلمة
وَبك استَفاد أبوك أعظم عصمة
أَضحَت عَلى كرم النجار دَليلا
من ذا يُسامي نور شمسك قد نسخ
أَضواء أَسنى فرقد مهما بَذَخ
وإليك أذعن كل سام قد شمخ
وَلك المقام وَزَمزَم ولأجلك اخ
تص الفداء أَباكَ إِسماعيلا
عفوا إذا قَلَمي مديحك لَم يُجِد
إذ شبه ذاتك في البَريَّة ما وجد
وَبنات حوّا قط مثلك لم تَلد
حملتك آمنة الحصان فَلَم تجِد
عِبئا كعبء الحامِلات ثَقيلا
حقا وَذاتك إنَّها لعناية
من ربك الأعلى بها وَرعاية
رُفِعت لها شرفا بوضعك راية
ووُلدت مَختونا وَذلك آية
مَشهورة لا تقبل التَعليلا
بظهور دينك كل دين قَد بُهِت
وَالشرك إذعاناً لِتَوحيد كبِت
وَالعالم العلويّ كالسفلي لُفت
وَرأت لك الأحبار وَالرُهبان في الت
تَوراة وصفا طابق الإنجيلا
بعض الرؤس ذَوو الرئاسة أكبروا
أن يخضَعوا فلذا عموا واِستَكبَروا
وَذوو البَصائِر للحَقيقة أبصَروا
فاِستبشروا بك إذ ظهرت وبشروا
إلا قَليلا حرّفوا ما قيلا
ساوَت قريش في الصفا بك يعرُبا
واهتز حين ولدت من طرب قبا
وَغدت تهني مكَّة بك يَثرِبا
وَكذاك بشرت الهواتف في الرُبا
بك وَالكواهِن أجملت تَفصيلا
وَبيُمنك المَولى كَفى الناس المِحَن
بالخسف عند السخط أَو مسخ السحن
وَرمى الأُلى زاغوا بأصناف الاحَن
وَالجن تُرمى بالكواكِب بعد أن
كانَت تطيق إلى السماء وصولا
أَنتَ المظلل بالغَمامة حيث حل
وَعَلَيكَ كالتَسليم قد أرغى الجمل
وَالنخل بالهامات حيّا واِبتهل
وَخمود بيت النار من آياتك ال
لاتي ترد الطرف عنك كَليلا
كَم ناظِم قبلي بمدحك قد قصد
سرد الَّذي أعطاكه الفرد الصمد
من معجزات مع مَزايا لا تُعد
وَكذا بُحيرة ساوة غاضَت وَقَد
كانَت جوانبها تَفوق النيلا
قامَ المَسيح مبشراً بك آلَه
وَكذاك يوسف حاز منك جمالَه
وَالبدر منك قد استمد كَماله
والموبذان رأى مَناماً هاله
وَسَطيح شرف باسمك التأويلا
كل لشأنك قد أَشارَ بموجَز
وَاللَه كانَ لذاكَ أَقدَر مُنجِز
بعلوّ قدرك فوقَ كل معزَّز
وَكذاكَ في الإيوان أَعظَم معجِز
بهر العقول وحيّر المَعقولا
ما باله وَمشيده طول العُمُر
ما أَثّرت بشهوقه غيرٌ تمرّ
ماذا أحسّ الجص أَم شعر الاجر
لما هَوَت شرُفاته وانشق مُر
تجس البناء مشطراً مخذولا
ما الشمس يا مَولاي في برج الحَمَل
يَوماً بأَشرق منك في المهد الأجل
وَالخير يَوم وُلدت للناس انهمل
واِسترضعتك حَليمة فَرأت من ال
برَكات ما أَغنى أَخاً وَخَليلا
وَالغَيث جاد عَلى المَزارِع بالجَدا
من بعد ما قد كادَ يقتلها الصدى
لكن ذاكَ صدى صفاتك في الندى
وَبيُمن وَجهك صدَّ خالقك العدا
عَن بيت كعبته ورَدّ الفيلا
أَنعم بجسم بالطهارَة قد غُذي
واكرم بقلب بالمثاني معوذ
من شر وسوسة لإبليس القذي
وَلَقَد رأى العلمانُ جبريل الَّذي
شق الفؤادَ وردَّه مغسولا
الشمس تُغمِضُ إن رأتك من الحَيا
وَالبدر معترف بِفَضلك في الضيا
يا من ولدت مكحلا متحليا
وَنشأت يُستَسقى بغُرَّتك الحَيا
وفضلت بالصدق الورى تَفضيلا
أَبدى الأنام إليك طرّاً تَوقَهم
مذ وافقت منك الشَمائل ذَوقَهم
وأسرت باللطف الرفاق ونوقَهم
وَرأى بَحيرا ركب مَكَّة فوقهم
ظل الغمامة يشبه الإكليلا
فَغَدا لربك بالضمير موحّدا
وإلى سويّ صراط مَولاك اِهتدى
لا غروَ مذ قَد شامَ مصباح الهدى
وَرآك والأشجار حولك سُجَّدا
لك حيث مِلت تفيأت لتميلا
وَمَضى مَع الأشواق إِثرَ جِمالهم
مستأسراً لجلالهم وَجمالهم
متفيأ معهم بساط ظِلالِهم
فرآك وَهي عليك عند رحالهم
فَسَعى إليك وأَكثر التَبجيلا
وَلَقَد تمنى أَن يَكون ملازما
للركب ثم إلى ركابك خادِما
مذ شام جوداً منك يُنسي حاتما
وَجلاك أَوصافاً وَشاهد خاتما
لَك ثم فاز بلثمه تَقبيلا
كلّ يسرّ بذاك جِدّاً لَو طُلِب
عبداً إليك حفيدَ عبد المطلب
لكن بحيرا راهب لَم يَنقَلِب
وأسر للعمّ الشَقيق بأن لاب
نِ أَخيكَ شأناً في الوجود جَليلا
سيؤيّد الرسل الكِرام وَدينهم
وَيُري البَريَّة شكَّهم وَيقينهم
وَبهديه يُعلي الإله شؤونهم
فاحذر عليه من اليهود فإنهم
إن يقدروا يَوماً عليه اغتيلا
صحت فراسته بما أَنبا فَلم
يُخطي الَّذي قَد خَطَّ باللوح القلم
وَبرؤية الهادي انجلت عنه الظُلم
طوبى له نظر الهدى فأتاه لم
ما أَن رآه وَلَم ير التَعطيلا
قل للواتي شِمنَ يوسفَ ليتكُن
قرَّت بنور البدر طه عينكُن
أولى لحسنك أن يشار بذا لكن
وَلَقَد رأى كل حُلاك وَلَم تكن
لَولا الهدى عند امرئ مَجهولا
قَد قمت تصدع بالدعاء لملّة
بأعزة نُصروا بجمع القِلَّة
وَرَموا جموع الأكثرين بذلة
حَتّى علت أَعلام ملتك الَّتي
عمت حزونا في الوَرى وَسهولا
وَاللَه شاءَ بأن يتم ظهورها
فسرت نجوم قَبائل وَبدورها
يسعون حيث سعى بهم منصورها
فَأَضاءَت الدنيا وأشرق نورها
وَبَدا الهدى وَغَدا الضلال ضَئيلا
نور أَبي مَولاك أن لا يَنطَفي
بالرَغم عَن أَفواه ذي الشرك الخَفي
فَلِذاك كل سار خلفك يَقتَفي
وَأَتاكَ بالوَحي الأمين وأنت في
أقصى حِرا متبتلا تَبتيلا
في شكل دحية حاكيا لاهابه
غض الشَباب مسربلا بثيابه
أَقراك من بعد انكشاف نقابه
فوعيت ما أُوحي وَقَد ألقي به
قَولا من الذكر الحَكيم ثقيلا
ثِقَل ولكن لم نجد من مَلّه
بل كل إنسان تَلاه أجلّه
وَهداه منه إذا هواه أضله
نور كأن بكل قلب حلّه
لضياء باطنه به قنديلا
يا ما أُحَيلى في النفوس حلوله
وَقعا وأسلس للسماع وصوله
لكن رأى البلغاء أن مَقوله
عجز الوَرى عنه فَما اِسطاعوا له
حاشاه تشبيها وَلا تَمثيلا
إن تَتلُ أَجزاه تجد مَعسولها
حلوَ المكرَّر قد نفى مَعسولها
من ذا الَّذي في الأنس يأتي مثيلها
بل آية منه لَو اِجتَمَعوا لَها
والجن عادوا خاسئين نكولا
قَد أنزلت آياته اللاتي اِرتقت
في لَيلَة القدر الَّتي قد أشرقت
فغدوت تَتلوها كَما قد نسقت
وَصدعت بالحق الضلال فمزقت
أنوار شرعك ثوبه المسدولا
وَقرأت باسم اللَه علّم بالقَلَم
فأريت نهج الارتقا كلَّ الأمم
سيّان عُرب الناس عندك وَالعجم
فأجاب من سبقت له الحسنى وَلَم
يحتج وَقَد وضح الطَريق دَليلا
عرف اللَبيب مَعاشه وَمعاده
فَسَعى وَراءَك يَبتَغي إسعاده
ومن التُقى وَالخير أَكثر زاده
وَعصاك من خَتم الشقاء فواده
فَغَدا وَقَد وضح الهدى مَكبولا
كَم صُوّبت من كل وغد منهمُ
لعلاك عَن قوس الجهالة أَسهُمُ
وَعتادهم داء وَهديك مَرهم
فصبرت تَدعوهم وَتحلم عنهم
وَتَروضُ جامِحَهم وَتُلطِف قيلا
ويل لِقَوم كبرهم أَرداهم
وَثناهم نحو الضلال هواهُم
أَنى لهم في الحق أن يَتوهموا
وَرأى انشقاق البدر كل منهم
فعموا وَزادوا بالهدى تَضليلا
بسعود حظك عاد عاثر جَدّهم
يبدي الملام لزيدهم وَعبيدهم
مدو الشباك فقصَّرت عَن صيدهم
وَحماك ربك من حبائل كيدهم
ليتم سابق أَمره المَفعولا
ساءَت قلوب قَد تَناهَت غِلظة
وَكَذا طباع قد تبدَّت فَظَّة
أَو لَم يَروا في معجزاتك لحظة
أَسرى إلى الأقصى بجسمك يقظة
لا في المَنام فيقبل التأويلا
قد صدَّق الإسراء مِمَّن قد أسن
صديقك المحيي الفَرائض وَالسُّنَن
وَمن الشَبيبة والد السبط الحَسن
إذ أَنكرته قريش قبل وَلَم تكن
لترى المهول من المنام مهولا
جاءَ البراق إِليك يا خير الملا
مُتَبَختِراً يحكي أغرّ محجلا
متَسربِلا بالخزّ زُركِش بالحُلى
فَعرجت تَختَرِق السموات العُلى
شرفاً عَلى الفلك الأثير أَثيلا
قد حزت سبق الأنبيا مِمَّن خَلوا
من عهد آدم مع بَنيه وَلَو عَلوا
فلذاك مذ حضروا الجماعة واِقتدوا
صليت والأفلاك خلفك قد تلوا
فيها كليما سابقا وَخَليلا
من حلَّ حيثُ حلَلت في الأقصى أمن
وَلنفسه منك الشَّفاعةَ قد ضمن
مذ سِرت في ركب بإجلال قمن
وَصعدت مَع جبريل حَتّى القاب من
قوسين أَو أَدنى بلغت حُلولا
يا لَيلة عَن وصفها أَفواهُنا
عجزت وَفيها قد دَعاك إلهُنا
لحظيرة جبريلُ إذ عَنها وَنى
جاوزت موقفه وَقلت إلى هنا
يا صاحبي يَدع الخَليل خَليلا
أَمسَيت للمولى الكَريم مُكلما
وَمشاهد اللذاتِ في عرش السما
وَمذ اِصطَفاكَ عَن الكليم تَقدُّما
أوحى إليك اللَه ما أوحى وَما
كذب الفؤاد وَلا استراب ذُهولا
طُويت فَيافي الكون من أُم القُرى
لِلقدس ثم إِلى الطِّباق بلا افتِرا
حتّى حَظيت بذات ربك لامِرا
وَرجعت وَاللَيل الَّذي فيه السُّرى
وَالعَودُ ما خَلَع السوادُ نُصولا
يا سعد مَن مِن آل مكة أُلهِموا
تَصديق ما أَخفاه لَيلٌ أدهَمُ
فَرَضيت ثم لِلَّه قَبلَك عنهمُ
وَدَعوت إذ آذاك قوم منهمُ
علما بأنهمُ أَضلُّ سبيلا
كَم قَد دَعوت لهم بهدي كلَّما
زادوا التَفنّن في أَذاكَ تحكُّما
فوكلت لِلَّه قِصاصاً صارِماً
فأصابهم ما قلت وانصرعوا كَما
أَخبرت كلا حيثُ رُمت جَديلا
باتوا وَقَد بُهِتوا مساء هَجرتهم
من بعد أن حاججتَهم وَحججتَهم
فَلِذا مع الحب المزيد مَججتهم
وَخرجت يا بُشرى لقوم جئتهم
وَخسار من فارقتهم مملولا
سوء النَوايا وَالحفائظ منهم
طَبعا ثنى منك العَواطِف عنهمُ
فتركتهم حيث الجفا لديهمُ
وأويت كَي تخفي سُراك عليهمُ
غاراً وَصاحبك اتخذت زَميلا
بعثوا سُراقة فارِساً من حيث خَف
وَسواه من فرط العَماية وَالسخف
للحاق من بعناية المولى التَحف
فَتَقول حين تَرى خُطاهم لا تخف
وَكَفى بِثاني اثنين فيه وَكيلا
سلمت خُطاك وَلا تَزال رَفيعة
من شيمة رفضت إليك شَريعة
ساروا وَراءَك مضمرين وَقيعة
فَبنى عليه العَنكبوت خَديعة
بهمُ وصاح به الحمام هَديلا
كادوا إليك فرد ربك كيدَهم
في نحرهم وَرمى بهزم جندهم
وأذل سيدهم إليك وَعبدهم
وأتى سراقة يَبتَغي بك عندهم
مالاً غدا لغُواتهم مبذولا
وَالمرء إن ولِعت به حُسّاده
يَسمو إِلى أَوج السماك عماده
بعثوه عَن رأي جفاه سداده
فَوَهت عزيمته وَساخ جواده
في الأرض مرتطما به مَشكولا
كَم باتَ بالمرصاد وغد راصِدا
من لَم يسئ قصداً فَخاب مقاصدا
فَكذاك كنت نظير غرسك حاصداً
وأتيت خيمة أم معبد قاصداً
فيها وَقَد حمي الهَجير مقيلا
واها لها مذ قد مكثت هُنيهة
وَالسعد وافاها بذاك بَديهة
وَالفقر حال لا تزال كريهة
فَرأَيت في كسر الخباء شويهة
عجفاء يابسة الضروع هزيلا
طبع الكَريم عَلى التكرم غالِباً
حَتّى تَراه مَع الخصاصة واهيا
لا غرو حين رأَيت دَراً ناضِباً
فمسحت ضرعيها فدرَّت حالبا
رِسلا يظنّ له المَعين رسيلا
يدك الَّتي فاضَت بنبع بحارها
أَجرت عيون الدر من أَغوارها
وَبذاك أمكنها قرى زوّارها
فشربت وَالرهط الَّذين بدارها
وَتركتها شكرى الضروع حفولا
وَتركت ربتها بُعيد القلّة
لا تَشتَكي للضيق أَدنى علة
ما دام في الأخلاف قوت اللَيلة
وأتيت طيبة دار هِجرتك الَّتي
تُحدى إليها الراقِصات قُفولا
فُتحت نواديها إليك رَحيبة
وَاليُمن رد بها الرياض خَصيبة
وصغت قلوب للدعاء مجيبة
وأَتتك أَملاك السماء كَتيبة
في يوم بدر فوارسا وخيولا
من شاء مولاه المهيمن عصمه
لا يَستَطيع الناس يَوما وصمه
من ذا لجيشهم يحاول قصمه
وَرآهم من كان يقصد خصمه
فَيراه من قبل الوصول قتيلا
كَم مِن كَريم بالوَلاء ملكته
وَعَظيم قوم بعد ما أَمسكته
منّا عليه لنفسه ملّكته
وَالجذع حن إليك حين تركته
وعلوت منبرك الشريف عدولا
أبدى إليك غَرامه فرحمته
لمّا علمت بوجده وَفهمته
واِهتز من طرب وقد كلمته
حتّى رجعت إليه ثم ضممته
فَغَدا يئن كمن يحن عَليلا
ساد الجذوع وَتاه مذ باركته
وَشفيت علته وَما تاركته
وَصفيته ودّا وَما مازقته
لَو ذابَ من كمد وقَد فارقته
أسفاً لذلك لَم يكن معذولا
من معجزاتك بدر هذا الكون شق
وَالأمر لو للشمس أُصدِر لَم يشق
لا غرو أن أدنيت أَنجم ذا الأفق
وَدَعوت بالأشجار فاِبتدرت تشق
ق الأرض خاضعة إليك ذلولا
ما إن رأَينا الغرس قبلا مغرما
يجني الرؤوس إلى سواك مُسلّما
لا غرو مذ شرفتها متكلما
وأمرتها بالعود فاِنتصبت كَما
كانَت وَما وجدت لذاك ذُبولا
كالوَرد أَزهر زاهياً في كمه
متمني التَشريف منك بشمّه
وَشكا البَعير إليك فادح همّه
وَكذاك أَخبرك الذراع بسمّه
في الزاد حين أَتوا به محمولا
كَم قَد عفوت تكرماً عمن جنى
فغدت ثمار العفو طيبة الجنى
وَصفحت عَن من قد هجا مستهجِناً
وَمنحت في بدر عُكاشة مِحجنا
فَغَدا حساما في يديه صقيلا
سعد الَّذي بالقَلب أَمسى مُصغيا
لك وده ومن التكلف مُعفيا
فمنحته منك الرضاء موفيّا
وَكَذا ابن سلم وابن جحش الفيا
عود الجريد مُهَنّدا مَسلولا
نمرود أَوقد لِلخَليل وأَضرما
ناراً غدت برداً وَسلما سلّما
وَالروح أوحى بالمَسيح لمريما
ورددت طرف قتادة من بعد ما
أَودى فأضحى كالصَحيح كحيلا
كَم علَّة أَبرأتها حين اِلتَوَت
طرق العلاج عَلى أساة قد كوت
وأعدت ناضرة نفوساً قد ذوت
وَكَذا رفاعة وابن عمك إذ حوت
عَيناه ريقك فيهما متفولا
حقاً خلقت لذي البَسيطة محورا
وَغدوت للأرجاء طرا مُبصِرا
لا غرو أن حدّثت عما لا يرى
وَنعيت بالغَيب ابن عمك جعفرا
مَع صاحبيه وَقَد غَدا مَقتولا
كسرى أَنو شروان قد حاسنته
وَهِرقل عَن يد جزية هادنته
وَحفظت عهد مَقوقس ما خنته
وَكَذا النَجاشيّ الَّذي عاينته
قد راحَ فوق سَريره مَحمولا
فهم ابن داود الحَديث لنملة
وَقَضى بإنصاف أَبوه لسخلة
ضَد الَّذي جافى أَخاه بزَلّة
وأمرت عزقاً شامِخاً في نخلة
شماء فاِبتدر الصَعيد نزولا
وَلَقَد شفى بالقرب منك تباعدا
وَحظى فَقَبَّل راحتيك وَساعدا
فرضيت عنه بادئا أَو عائدا
وأمرته فَثنى إليه صاعِدا
حَتى استقر به المكان حلولا
وَلئن مشت نحو الكليم عَلى حَيا
مبعوثة من والد مستسقيا
فَلَقَد سقاها وحدها مستجديا
وَدعوت عام المَحل فانهلَّ الحيا
حَتّى دعوت وَقَد طفى ليَزولا
وَلَئن سعت كالحيَّة الرَقطا العَصى
بيد له ابيضت وَلَم يك ابرصا
فالكل منك معمّماً وَمخصصا
وَكَذا الطعام لديك سبّح وَالحصى
بيديك أسمعَ مصغياً وَذَهولا
لاذ الأَديب بمدح مَولى قد غُذي
بلبان آداب له يَشكو البَذي
نعم الملاذُ لمادح متعوّذ
وأَتاكَ جابر يَشتَكي الدين الَّذي
لَم يَكتَفوا بالتمر فيه مَكيلا
وَالدائنون إن اِستَباحوا رِقهم
لمدينهم كتبوا بذلك صَكَّهم
وَلِذا التجا يَرجو بجاهك محقهم
فجلست فاكتالوا فكمّل حقهم
وكأنهم لَم ينقصوه فَتيلا
من جاده المَولى بوابل فيضه
رُزق الأداء لنفله مع فرضه
فإليك فضل زيادة عَن قرضه
وَالزاد أَشبعت المئين ببعضه
وَالكل كانَ لجائعين قَليلا
غُمِرت بغيث الجود منك صحابة
وَبفضلك اِعترفت إليك سحابة
لم لا تهيم بهم إليك صَبابة
وَالماء روّى الجيش وهو صُبابة
بيديك ثم طَغى بها ليسيلا
للمعجزات وكمّها مع كيفها
حكَم تحار عقولنا في كشفها
لا غرو أن أُعطيتَ أَعجب صنفها
وأتيت عين تبوك وهي لضعفها
لا تَستَطيع من المعين مسيلا
عين ولكن لا تُروّي قاصِداً
قد أَمّها لشفا الغَليل من الصدى
فكأنهابالاسم عين كالصدى
تبدي يسيراً كالصّبابة راكِدا
وَتُبِضّ ماء كالسراب قَليلا
حَتّى الرعاة شكوا لطول رِشائها
وَشقا الدلاء لشحّها بروائها
وَكدورة أعيت مريد صفائها
فغسلت وجهك وَاليدين بمائها
وأعدته فيها فَعاد سيولا
لِلَّه أَرض بِالفلاة سحيقة
جدباء من صهد الحَرور شريقة
باتَت بسيب يديك وَهيَ غَريقة
وَغدت كَما أخبرت وَهي حَديقة
تحوي مَزارع جمّة وَنَخيلا
كَم قَد شكا لك ضُرَّة ذو علة
فكشفته بالمس أَو بالتفلة
من ريقك الترياق شافي الغلة
وَكَذاك في بئر الحديبة الَّتي
أَلفيتها وَشلا المعين محيلا
بئر كبحر الشعر ذادت بالثَرى
غُصصا فَلَيسَ بها إِرتواء للوَرى
أَو كالمضيف الخُلو من زاد القِرى
نزحت فَكاد قرارها أن لا يرى
طَرف الرشاء بمائه مَبلولا
وأَبى الكَريم وأَنتَ أَكبر مُنقِذ
للجيش إلا أن يُغاث بمَنفذ
وَالماء عزَّ وقل قوت المغتذي
فتفلت فيها فاِغتذى الجيش الَّذي
أَوردته بنميرها معلولا
ما عزّ قطّ عليك أبعد ملتمس
في الجو أَو في البحر طار أَو انغمس
حَتّى شفيت برقية مخبول مَس
وأصاب صحبك في الفلا ظمأ فما اس
طاعوا هناك لقطرة تحصيلا
وَغدت نفوس القوم تبغي مُعللا
لجسومها تَخشى من العطش البِلى
وَصَدى المجاهد شرّ أنواع البَلا
فَبَعثت في وادي كُدا امرأة عَلى
بكر يقل مَزادَها محمولا
كيما تَعود بقوة لجهادها
بعد الكفاف بربّها وبزادها
وَالنار لا توري بدون زنادها
فأتوك بالماء الَّذي بمزادها
فسقيت منه واِستقيت حمولا
حَتّى شفيت أُوام من منهم أغص
وَالماء يَنبوع الحَياة كذاك نُص
ورويت كل حشى بغُلّته مُغِص
وأعدت ما بمزادها لم ينتقِص
شَيئا وزدت لها القِرى تنفيلا
كَم عقدة مولى الموالى حَلّها
وَضغينة طيّ القلوب استلها
وأحل باللطف الوَلاء محلّها
وَصَلاة عصر لَم تجِد ماء لها
إلا قَليلا لا يبلّ غَليلا
وَرأَيت تركهم الصَلاة أَهمهم
وأداءَها في الوقت ينفي همهم
وَسلاحها الماضي يشدد عزمهم
فوضعت كفك في الاناء فعمهم
غررا بفضل وضوئهم وَحُجولا
لَو شئت تحويل التراب بلمسة
تبراً لكان كَما أَردت بهمسة
أَو رمت تُحي كالمَسيح بمسَّة
وَاللَه خصك في الأنام بخمسة
لَم يُعطها بَشر سواك رَسولا
وَزيادة عنها السيادة في الأزل
وَعَلَيكَ أَحكم كُتب مَولانا نزل
ومن الحقوق لِذي الحَماسة لا الغَزال
حل الغَنائِم في الجهاد وَلَم تزَل
للنار يوم تَقرّب مأكولا
وَالقُرب من ذات العلا وَخطابها
قربا تقدره القِسيّ وَقابها
وَالقبلة الغرا كذا محرابها
والأرض أَجمع مسجد وَترابها
طُهُر يبيح الفرض وَالتَنفيلا
وَشمول من واليت جوداً بالألا
وَعِقاب من عاداك بغياً بالقِلى
من بعد أن أَعددت داركَ موئِلا
وَشفاعة عمَّت وارسال إلى
كل الوَرى طُراً وَجيلا جيلا
قَد خابَ في الدارَين من لَم يعتقد
تَسليم ما في وصف ذاتك قد سُرد
وَبأنك المولى بُعِثت بدين جِد
وَنُصِرت بالرعب الشَديد فمن تُرِد
تَغزوه بات بذُعره مخبولا
شاهَت وجوه وَالتراب لديهم
مثل النبال وحق ذاك عليهم
وَبنصر ربك فقت حقاً عنهم
وَبقبضة في وجه جيش منهم
أَلقَيتها فَغَدا بها مَغلولا
سحقت جسوم مع نفوس سوّلت
لهم العداء لرب ذات كملّت
فَلِذا المصاعب كلها لك ذُللت
وَكَذا الصبا نصرتك ثم ونكلت
مثل الدبور بمن عصى تَنكيلا
أَنتَ الَّذي طابَ الثَرى برُفاته
وَبجوده أَثرى جَميع عُفاته
مذ سدت خلق اللَه في عرفاته
يا سيداً لَو رمت حصر صفاته
أَلفيت صارم منطقي مفلولا
كادَ اِشتياقي للحجاز يَهدُّني
وَعَن الزيادة ذا الزَمان يصدُّني
فَعَسى المَدائح للقاء تُعدّني
قسما لَو ان البحر كانُ يمدُّني
لَم أَستَطِع لأقلها تحصيلا
بي أَحدقت وسط العُباب عواصِف
بالي وحق علاك منها كاسف
فلعل رَبي لِلشَدائد كاشِف
ماذا به يحصي صفاتِك واصف
وَاللَه نزّل ذكرها تَنزيلا
حقق إِلاهي للمُعنى ظنّه
واهزِم زَعانف في المضايق خنّه
حيث اِحتَمي بالمَدح يَرجو منّه
ماذا يَفوه به امرؤ لو أَنه
نظم النجوم من القَريض بَديلا
نظّم يراعي مدح راجي عطفه
ما تَستَطيع لكله أَو نصفه
وَدَع الَّذي يَلهو بملعب قَصفِه
الأمر أعظم أَن يحاط بوصفه
من رام عدّ القطر كان جهولا
يا ملة الإسلام يا قومي سَلوا
فأمامكم بحر خِضمّ مرسل
فَعَسى ذنوبكمُ بفيض تغسل
يا من به الرسل الكرام توسلوا
فَغَدا توسلهم به مَقبولا
إِنّي بجاهك لي عليك معوّل
ولكل حال في الوجود تحول
فَكَم التجا لك بائِس متسول
يا خاتم الرسل الكِرام وأول
فيهم وآدم طينة مجبولا
بالعَجز جاء إلى رحابك مُرتد
وَبجَدِّه حسّانِ مدحُك مُقتدِ
يَزهو بنسبته لأكرم محتِد
يا سيد الكرماء دعوة مجتد
جادَ الزَمان له وَكانَ بَخيلا
بفؤاد مشتاق من البعد اتقد
متلذذ بالسُهد يَجفو من رقد
لَم يثنه من لام جهلا واِنتقد
أَدناه منك ولاؤُهُ فغدا وقد
مثلت ضراعته إليك مُثولا
فليهنِ مادحك الشهابَ وصوله
وَدخوله حرماً به مأموله
سعدت بذاك فروعه وأصوله
قطع القفار إليه لَيسَ يهوله
طي المفاوز رحلة وقفولا
فَمَتى أراني لِلديار مفارِقا
وَلآل بيتي القاعدين معانقا
مثل الشهاب وَمذ حظى بك وامقا
حَط الرجاء بِباب برّك واثِقا
أَن يَنثَني بنواله مشمولا
وأتاك الانصاري بنظم عقوده
مبعوثه للبعد طي بريده
فبحق جودك حلّ عاطل جيده
واجعل اجازة قصده وَقصيده
منك القبول ليبلغ المأمولا
يا سعد عبد حلّ ناديك الندي
بالروح والأموال ذاتك يفتدي
ودعا بأعلى صوته كن مسعدي
وأَعِذ بجاهك كفّه أَن يغتدي
في عنقه بذنوبه مغلولا
لي من قديم في المديح مواقِف
أدّى لها حسن الشهادة ناصف
أدعوك مشتاقا وَدَمعي واكف
ما لي سوى أَني ببابك واقِف
صَبّ أردّد حسرة وعويلا
كَم جولة بالحق يوما جُلتها
لحِمى الضعاف وَصولة قد صُلتها
راجيك كشف شدائد حمّلتُها
مستنصر بك من ذنوب خِلتها
لَولا نداك تردني مَخذولا
عطفا عَلى هَذا المحب وَقَلبه
جافى المَضاجع للهموم بجنبه
وَنأى بها عَن آله مع صحبه
فاللَه أعطى من أتاك لذنبه
متشفعا بك رحمة وَقبولا
قد داهَمتني بالقَضاء مسائل
دَمعي العصيُّ لها وَحقك سائل
وَلحلّها عزَّت عليَّ وَسائل
يا سيدي وَوسيلتي أنا سائل
وَنداك كَم أَعطى لمثلي السولا
ما لي عَلى غير الإله معوّلُ
وَلبيت آمالي مديحك مَدخل
والأمر لِلَّه المُهيمن مُوكَلُ
أَأَعود دون الناس إذ أنا مثقَل
بالذَنب محروم الشقاء عَليلا
ما في السؤال مذلة فاِبسط يدا
ما دامَ مسؤول الأيادي سيّدا
يَرتاح لا يَرتاع من طلب الجدا
حاشا لعزَّة جاهك الجمّ الندا
إني أَعود كَما أَتيت ذَليلا
كُن للشكاية يا كَريم سميعها
لَولاك لَم أَكُ في الأنام مُذيعها
فَمَتى أشاهد طيبة وَبقيعها
يا لَيت أَيّام الحَياة جميعها
يمددن أيّامي بطيبة طولا
لا خير في خيل وَلا صَهواتها
إن لم تسر بي نحوها بقواتها
وَعَسى المطيّ تجد بي خطواتِها
لا سرّ طرف الطرف في عَرَصاتها
متعثرا بدموعه وأجيلا
يا من سما فوق السماك تقربا
وَحباهُ مَولاه بعرش ما حبا
وَبليلة الإسراء أُسمِع مرحبا
صَلى عليك اللَه ما هبت صبا
وارفَضّ سلك غمامة محلولا
وَسقت عيون بالفَلا وَمنابِع
حجاج بيت للحَياة تَدافعوا
وَشَكا الرفيع من الدناة ترافعوا
وأَهلَّ بالإحرام قوم تابعوا
فيه هداك وأكثروا التَهليلا
وَعليك صَلى اللَه ما طفل غُذي
أو لاذ يَشكو كلَّ باغ من أذي
وعليك صلى اللَه ما خزي البَذي
وَعَلى أَبي بكر خَليفتك الَّذي
كانَ الخَليل لَو اِتخذت خَليلا
صديق أمتك الجليل بصدقه
وَصديقك الشيخ الوقور بحقه
حاز الخلافة عنك منك بسبقه
وَكَذا عَلى عمر الَّذي في نطقه
قالَ الصواب ووافق التنزيلا
من سار فيها سير شهم معتدل
بالحق جاءَ وَباطِل الأعدا خُزل
ما لامرئ قد عز باللَه مُذل
وَعلى ابن عفان الشهيد مرتل ال
قُرآن في خلواته ترتيلا
كَم قد أَساء الظن في شيخ فُتي
وَرَماه جهلا بالَّتي ثم اللّتي
فَقَضى ينادي خُذ بثاري يا بُني
وَعَلى ابن عمك هازم الأحزاب لي
ث الغاب أقربهم لديك قَبيلا
زوج الَّتي سادَت بناتك واِقتدت
بكما وَذكركما بنسل خلّدت
فَعَلَيك صَلى اللَه ما الورقا شَدَت
وَكَذا عَلى عميك وابني من غدت
في نسكها مثل البتول بتولا
وَخديجة الكبرى وَعائشة سوا
وَعموم من بحماك من زوج ثَوى
وَالسيدات الرافِعات بك اللوا
وَبقية الصحب الكرام ومن حوى
هَذا المقام ومن أجد رَحيلا
والآل والأنصار من منهم أَنا
برضاك عنا سيدي نلنا المُنى
فَعَلى النبي منا السلام مع الثنا
لا كانَ هَذا العهد آخر عهدنا
بك بل نَراك وَربعك المأهولا
من شاء أَن يأتي بأحسن فَليَقُل
بعدي فهذا جهد ما اِسطاع المُقل
وَالسعد لي إن كانَ مَدحي قد قُبل
وأجابني للسول فضلا من سُئل
إن الكَريم يحقق المأمولا
حقق بفضلك يا إلاهي قصدنا
واحبط بحولك كل مسعى ضدّنا
حَتّى نَرى من خان بغيا ودَّنا
أَو نقدنا مِمَّن علا أو من دَنا
من غلّه أَو فقره مَقتولا
محمد الطهطاوي
بواسطة: حمد الحجري
التعديل بواسطة: حمد الحجري
الإضافة: الخميس 2014/05/15 12:04:47 صباحاً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com