ألا حتى رسما بوادي الأنباع |
قفاراً قد صارت من دون البقاع |
وعادت كناسا لجنس الظبا |
وأحدث فيها ربد وسباع |
وعم مغانيها نبت الشجر |
حتى صار السالك فيها يراع |
تحدث العارف رسمها قال |
لقد خلت عنا وخلت الضجاع |
ظننت عمارتها لن تكن |
وكاد الأمكان يضاهي الأمناع |
وذاك من تبديل شكل الرسوم |
كأنها لم تك مأوى الأنجاع |
بكيت عليها وحق البكا |
على ربعها عفت بعد الأمتاع |
تذكرت فيها زمان الصبا |
فقلت واهاً على تلك الصراع |
ونشفي سليمي وأم الفضيل |
ذوات الأعجار وضخم الأرصاع |
أوان الربيع في شهر ابريلز |
وهو يقطفهن من زهر الأبداع |
والأيك على الورق تبكي الفراق |
تنوح بصوت كنغم اليراع |
ونطق بلابل زاد الأشواق |
قد أطرق الغيد بينهن الأسماع |
هذبن وصدن أنيس الجليس |
بذاك تعلمن حسن الخداع |
يصدن الرجال بالسحر الحلال |
ويمنعن عمن يريد الأطماع |
عففن عن شيء سنوه اللئام |
كرهنه لم تسمح به الطباع |
لهن نفوس رقاق كرام |
وأفخاذهن من خرواع |
فإن رمت مثل هذا فصرت |
ولا تخش يوماً من عرب الكراع |
فعشق العفاف طريق الكرام |
وعكسه ذاك من فعل الرعاع |
فساق بالإطلاق خبث النفوس |
لئام بعذر الغريب ولاع |
تسل يا قلب عن هذا واصبر |
هيهات يعود زمان اليفاع |
وقد حنت شوقاً إليه العشاق |
فما نالوا غير البكا والأوجاع |
وما وقفوا له عن أثر |
ما عدا الأماني تبدي الاتساع |
ولولا الآمال لما تواكلا |
من فقد إخوان هواهم مطاع |
ومن لم يطاوع هواه جلمود |
من صلد أصم بعيد الأخشاع |
ومن كان فارغاً لا يلتوي |
فذاك حمار بليد الطباع |
ومن كان ينكر أهل الهوى |
فذاك من عالم خشاش البقاع |
ومن كان حقداً بعيد الرضى |
فذاك من عالم سود الآفاع |
ومن كان فظاً بقلب جفا |
فذاك من الغيل شاف الرضاع |
فهذه عادة جمع الأنام |
قد جف القلم بها في اختراع |
والنفس تغذي بطيب اللقاح |
تلبي وتصغي لنغم السماع |
إذا كنت عند أديب أريب |
روحانية ما لها من اشباع |
وإن كانت عند ثقيل جهول |
بهيمية بهواها تباع |
فيا صاح دع عنك ما لا يفيد |
ونح وابك عمراً في الاهمال ضاع |
ونح عن شباب مضى وانقضى |
وعن قرب يحدث سفر الوداع |
والشيب بياضه تحظى السواد |
كصبح قد أجلى الظلام بباع |
أو كعسكر من فارس قد غزا |
على قل بلد للحبش المبتاع |
فأسر أهلها ثم أمر |
عساكره تسكن تلك البقاع |
فهذي أمثال لغافل عن |
أمور عليها فلا تستطاع |
وما لك جاه ولا قدرة |
على دفع الضر وجلب الانفاع |
فاعمل لنفسك ما يرجى |
لها الخير به في يوم النزاع |
عساها تنجى يوما فيه الرضاع |
يشيب وهم في زمان الرضاع |
وينقطع الرجا من كل حي |
فلم يبق للعاص غير الاشفاع |
عليه من اللَه كل وقت |
صلاة وأزكى سلام باجتماع |
نبي الهدى ما حي الدين الردى |
فمن معجزاته نطق الذراع |
ومن معجزاته عين عمت |
فرديت بلمسة بعد الإقلاع |
ومن معجزاته الماء الغزير |
تفجر من بين فرج الآصباع |
ومن معجزاته نطق الظبا |
والظب كذاك الحجر والإفراع |
وما يحصى ذاك لو كان البحار |
مداداً والخلق في الكتب شراع |
فكيف واللَه في حقه قال |
محمد سيد كل من طاع |
واثنى عليه في نون والقلم |
بحسن الأخلاق وزين الطباع |