شبابي مضى ما كنت فيه بناهضِ
|
إلى عمل الطَّاعات غير فرائضي
|
تحلَّيتُ باللَّذات حلوٍ وحامض
|
أأنعم عيشاً بعد ما حلَّ عارضي | |
|
| طلائع شيبٍ ليس يغني خضابُها |
|
لقد ضقت ذرعاً من طوارٍ طوارق
|
علاني همومٌ صرت فيها كغارق
|
عراني وهنٌ دام غير مفارقَ
|
خَبَت نار نفسي باشتعال مفارقي | |
|
| وأظلم حالي إذ أضاء شهابها |
|
ومنذ بدا شيبي تأوَّد قامتي
|
فناديت لمَّا أن رأيت علامتي
|
علامة قربى من قيام قيامتي
|
أيا بومةً قد عشَّشت فوق هامتي | |
|
| على الرَّغم منِّي حين طار غرابها |
|
علمت قحول الجسم والقدَّ منحني
|
وحلاً عليها أمر وكرك ينبني
|
على غفلةٍ فاجأتني فذعرتني
|
رأيتِ خراب العمر منِّي فزرتني | |
|
| ومأواك في كلِّ الدُّنيا خرابها |
|
نشأت فتىً في العيش حلف خصيبهِ
|
ومن كلِّ نعمى أخذاً بنصيبه
|
فنغَّص شيبي العيش من بعد طيبه
|
ولذَّة عيش المرء قبل مشيبه | |
|
| وقد فنيت نفسٌ تولَّى شبابها |
|
إذا شاب فود المرء يكسف بدرهُ
|
وضاق بأشراف المنيَّة صدره
|
وعند الغواني الغيد ينقص قدره
|
إذا أسودَّ لون المرء وأبيضَّ شعره | |
|
| تنغَّص من أيَّامه مستطابها |
|
وقِّر ذوي القربى وأوقر ركابهم
|
وَصِل جيل أحبابٍ وأنجح طلابهم
|
وأحسن إلى الأحرار تملك رقابهم | |
|
| فخير تجارات الكريم اكتسابها |
|
ومن مال للدُّنيا فأنِّي خدمتها
|
وبالغتُ في تحصيلها ولممتها
|
حقيقتها لمَّا بدت لي سئمتها
|
ومن يذق الدُّنيا فأنِّي طعمتها | |
|
| وسيق إلينا عَذْبُها وعَذَابُها |
|
إذا رمت إفلاحاً وقدراً منوَّها
|
وأن تتحلَّى بالتُّقى متنزِّها
|
وتدخل جنُّاتٍ بها كلُّ مشتهى
|
فدع عنك فضلات الأمور فأنَّها | |
|
| حرام على نفس التَّقي إرتكابها |
|
إلى طاعة الرَّحمن سارع مبادراً
|
وعن كلِّ جرمٍ كن لنفسك زاجراً
|
تواضع لمن تلقى ولو كان صاغراً
|
ولا تمشين في منكبِ الأرض فاخراً | |
|
| فعمَّا قليل يحتويك ترابها |
|
وفكَّرت فيها: هل أصادف طائلاً
|
وفتَّشت عنها: للمشايخ سائلاً
|
فألفيتها شغلاً عن الدِّين شاغلاً
|
فلم أراها إلاّ غروراً وباطلاً | |
|
| كما لاح في ظهر الفلاة سرابها |
|
وما أهلها إلاّ نفوسٌ ذليلةٌ
|
وما لهم إلاّ قلوبٌ عليلةٌ
|
|
وما هي لإلأأّ جيفةٌ مستحيلةٌ | |
|
| عليها كلابٌ همُّهنَّ اجتذابها |
|
وذي عظةٌ ما إن سمعت بمثلها
|
ترق قلوب السَّامعين لأجلها
|
إذا أهلها ناووا محاول وصلها
|
فإن تجنبها كنت سلماً لأهلها | |
|
| وإن تجتذبها نازعتك كلابها |
|
مفاسدُها سدَّت سبيلُ إنحصارِها
|
فكن زاهداً في نضِّها ونضارِها
|
ومن يدنُ منها يصلى بنارِها
|
فطوبى لنفسٍ أوطنت قعر دارها | |
|
| مغلقَّة الأبواب مرخىً حجابها |
|
لقد عُمِرَ الدُّنيا بجميل خيارها
|
وأحبارِها أهلِ التُّقى وكبارها
|
وقد آذنت من بعدهم ببوارها
|
فلم تخربِ الدُّنيا بموت شرارها | |
|
| ولكن بموت الأكرمين خرابها |
|
عبيدك معروفٌ عصى عن تهوُّك
|
غدا سالكاً بالذَّنبِ أفظع مسلك
|
ندمت على الإجرامِ أخشى تهتُّكي
|
فياربِّ هب لي توبةً قبل مهلكي | |
|
| أفوزُ بها من قبل أن يغلق بابها |
|
سؤال سوى المولى دليلُ رباجةٍ
|
ومدُّ يدٍ للخلق شرُّ سماجةٍ
|
سل الله حتَّى ملح بيض دجاجةٍ
|
إذا انسدَّ باب عنك من دون حاجةٍ | |
|
| فدعه لأخرى ينفنح لك بابها |
|