|
والقلب مضطربٌ والعقل مخبول
|
أشكو الفراق وعقد الصَّبر محلول
|
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول | |
|
| متيَّم إثرها لم يفد مكبول |
|
في قومها ظعنت يخذى بها الجملُ
|
فعبرة العين منِّي ديمةٌ هطلُ
|
ونار جزل الغضا في القلب تشتعلُ
|
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا | |
|
| إلاَّ أغنُّ غضيض الطَّرف مكحول |
|
ما مثلها أبصرت عينٌ مخدَّرةً
|
فاقت صباحتها المصباح مسفرةً
|
وأين منها نجوم اللَّيل مزهرةً؟
|
هيفاء مقبلةً عجزاء مدبرةً | |
|
| لا يشتكى قصرٌ منها ولا طولُ |
|
حوراء عيناء عمَّا شان قد سلمت
|
لها محاسن في أترابها عدمت
|
أسنانها دررٌ في سمطها نظمت
|
تجلو عوارض ذي ظلمٍ إذا ابتسمت | |
|
| كأنَّه منهلٌ بالرّاح معلول |
|
مدامةٍ كدموع الصَّبَّ قانيةٍ
|
صهباء كاساتها دارت بأنديةٍ
|
على تغاريد قيناتٍ مغنِّيةٍ
|
شجَّت بذي شبمٍ من ماء محنيةٍ | |
|
| صافٍ بأبطح أضحى وهو مشمول |
|
وردٌ إذا جاءه الظمآن نشَّطه
|
وعن تناوش ماء الثَّلج ثبَّطه
|
الله من مزنةٍ وطفاء أهبطهُ
|
تنفي الرِّياح القذى عنه وأفرطه | |
|
| من صوب ساريةٍ بيضٌ يعاليل |
|
أحسن بها غادةٍ نجلاء إذ رمقت
|
وللقلوب بنبل اللَّحظ قدر شقت
|
وفي الجمال نساء الحيِّ قد سبقت
|
أكرم بها خلَّةً لو أنَّها صدقت | |
|
| موعدها أو لو أنَّ النُّصح مقبول |
|
أو أنَّها سمحت يوماً بمقدمها
|
ومن غليلٍ شفت أكباد مغرمها
|
وأبرأت كلم قلبي من تكلُّمها
|
لكنَّها خلَّة قد سيط من دمها | |
|
| فجعٌ وولعٌ وإخلافٌ وتبديل |
|
لم تحظ من وعدها نفسي بمأربها
|
فأشكل الأمر لَّما صار مشتبها
|
إذ حالها كلَّ حينٍ في تقلبها
|
فما تدوم على حالٍ تكون بها | |
|
| كما تلوَّن في أثوابها الغول |
|
لم ترث قطُّ لمضناها ولا رحمت
|
وكم بمطلٍ جفت قلبي وكم كلمت
|
وكلَّما بوصالٍ عاهدت ندمت
|
ولا تمسِّك بالعهد الَّذي زعمت | |
|
| إلاَّ كما يمسك الماء الغرابيل |
|
كم أيَّست طامعاً فيها وكم طردت
|
وكم خلالٍ لها بالغدر قد شهدت
|
وكلَّما رمت منها القرب قد شردت
|
فلا يغرَّنك ما منَّت وما وعدت | |
|
| إنَّ الأمانيَّ والأحلام تضليل |
|
متى جنحت إليها تبتغي أملا
|
فأنَّها خيَّبت من وصلها سألا
|
وعن معرَّة غدرٍ لن ترى حولا
|
كانت مواعيد عرقوبٍ لها مثلا | |
|
| وما مواعيدها إلاَّ الأباطيل |
|
أيَّام هجر وبينٍ طال مدّتها
|
حتَّام لا تنقضي تزداد عدَّتها
|
وبي تباريح لا تنجاب شدَّتها
|
أرجو وآمل أن تدنو مودَّتها | |
|
|
ألهمُّ أفعى بأحشائي ويلدغها
|
قد غادر الكبد أفلاذا ويمضغها
|
وكم دموعٍ من العينين أفرغها
|
أمست سعاد بأرضٍ لا يبلَّغها | |
|
| إلاَّ العتاق النَّجيبات المراسيل |
|
يا حسرتا قد تناءت وهي هاجرةٌ
|
طار الكرى عن عيوني فهي ساهرةٌ
|
وعن وصولِ ثراها الخيل قاصرةٌ
|
ولن يبلغَّها إلاَّ عذافرةٌ | |
|
| لها على الأين إرقالٌ وتبغيل |
|
شملَّةٌ في المسير الطَّرف قد سبقت
|
بلحظةٍ جابت البيداء واخترقت
|
كمرِّ بارقةٍ من غيمها برقت
|
من كلِّ نضَّاخة الذِّفرى إذا عرقت | |
|
| عرضتها طامس الأعلام مجهول |
|
كم مهمةٍ قطعت واللَّيل في غسقٍ
|
لم تكتحل عينها بالغمض من أرقٍ
|
وبالنَّهار خدت والرَّكب في عرقٍ
|
ترمي الغيوب بعيني مفردٍ لهقٍ | |
|
| إذا توقَّدت الخزّان والميل |
|
وكم سباسب حادي القوم يوردها
|
ما دمَّثتها الخطى والشَّوق يسعدها
|
والرّيح تغبطها والرَّيح تحسدها
|
ضخمٌ مقلَّدها فعمٌ مقيَّدها | |
|
| في خلقها عن بنات الفحل تفضيل |
|
ما إن على شكلها نوقٌ مصوَّرةٌ
|
لها على نصب الأسفار مقدرةٌ
|
تشابهت هي في هامٍ وقسورةٌ
|
غلباء وجناء علكومٌ مذكَّرةٌ | |
|
| في دفَّها سعةٌ قدّامها ميل |
|
|
|
والمتن أغلظ جلمودٍ وأملسه
|
وجلدها من أطومٍ لا يؤيِّسه | |
|
| طلعٌ بضاحية المتنين مهزول |
|
وكم محاسن حازتها مزيِّنةٍ
|
وكم بها من علاماتٍ محسَّنةٍ
|
أمثالها في نياقٍ غير ممكنةٍ
|
حرفٌ أخوها أبوها من مهجَّنةٍ | |
|
| وعمُّها خالها قوداء شمليل |
|
|
|
وفي الحصى عندما تمشي تفِّرقه
|
يمشي القرد عليها ثمَّ يزلقه | |
|
|
كوماء ما مسَّها البأساء من مرضٍ
|
زفَّت براكبها نبلاً إلى غرضٍ
|
من غير ما نصبٍ منها ولا حرضٍ
|
عيرانةٌ قذفت بالنَّحض عن عرضٍ | |
|
| مرفقها عن بنات الزور مفتول |
|
ما كان أحسنها! ما كان أملحها
|
تعوَّدت من صنوف السَّير أمرحها
|
وأوتيت من خطى الآبالِ أفسحها
|
كأنَّ ما فات عينها ومذبحها | |
|
| من خطمها ومن اللَّحيين برطيل |
|
تسعى الرَّواحل في حزنٍ على مهلٍ
|
وهذه إنَّما تمشي على عجلٍ
|
زفيفها واحدٌ في سهلٍ أو جبلٍ
|
تمرُّ مثل عسيب النَّخل ذا خصلٍ | |
|
| في غارزٍ لم تخوَّنه الأحاليل |
|
في مشرق الأرض لا يلفى ومغربها
|
كها قذ عملةٌ في حسن منقبها
|
قد يقصر الطَّير عنها مذهبها
|
قنواء في حرَّيتها للبصير بها | |
|
| عتقٌ مبينٌ وفي الخدَّين تسهيل |
|
إذا تألَّق في البيداء بارقةٌ
|
والسُّحب تهمع والأرجاء غاسقةٌ
|
حنَّت لها في المهارى وهي سابقةٌ
|
تخدي على يسراتٍ وهي لاحقةٌ | |
|
| ذوابلٌ مسُّهنَّ الأرض تحليل |
|
لم تلف مذ ولدت بأساً ولا سقما
|
في حرَّةٍ إن مشت واستقبلت رجما
|
فأنَّ أخفافها لا تشتكي ألماً
|
سُمرُ العجاياتِ يتركن الحصى زيما | |
|
| لم يقهنَّ رؤس الأكم تنعيل |
|
كالنبَّل منها الخطى عن قوسها مرقت
|
لو سابقتها جياد الخيل قد سبقت
|
فما على خلقها من ناقةٍ خلقت
|
كأنَّ أوب ذراعيها إذا عرقت | |
|
| وقد تلفَّع بالقور العساقيل |
|
والرَّمل ملتهبٌ كالجوِّ متَّقدا
|
والعيس تمشي على الحصباء متَّئدا
|
وكم بها من لظى ذاك الهجير صدى
|
يوماً يظلُّ به الحرباء مصطخدا | |
|
| كأنَّ ضاحيه بالشَّمس مملول |
|
لمَّا تقلَّصت الأفياء واتصلت
|
بالدوح والرَّكب عن تأويبها ثقلت
|
توقَّفت وعن الأكوار قد نزلت
|
وقال للقوم حاديهم وقد جعلت | |
|
| ورق الجنادب يركضن الحصى: قيلوا |
|
مالوا جميعاً إلى التَّظليل بالسُّجفِ
|
ثمَّ استراحوا بما قالوا من الكلفِ
|
والنُّوقُ أشفت بما قاست على تلفٍ
|
شدَّ النَّهارِ ذراعا عيطلٍ نصفٍ | |
|
| قامت، فجاوبها نكدٌ مثاكيل |
|
حشا حشاها جراحاً أورثت ولها
|
نعي فرع وهذا الخطب خبَّلها
|
فأرسلت من دموع العين جدولها
|
نواحةٌ رخوة الضَّبعين ليس لها | |
|
| لمَّا نعى بكرها الناعون معقولُ |
|
من فرط شجوٍ عليها ضاق مربعها
|
تبكي دماً ويخدُّ الخدَّ مدمعها
|
وكلَّما عزِّيت يربو تفجُّعها
|
تفري اللّبان بكفَّيها ومدرعها | |
|
|
قد أغريت بي لحاةٌ ساء فعلهم
|
لا بارك الله فيهم طال عذلهم
|
وأينما حلَّ نضوي حلَّ رحلهم
|
تسعى الوشاة جنابيها وقولهم | |
|
|
عليَّ من وطني ضاقت منازله
|
وعفت ربعي فلا تحلو مناهله
|
لم أدر ما أنا لمَّا تهت فاعله
|
|
| لا ألهينَّك إنِّي عنك مشغول |
|
أحبَّتي جئتكم أرجو نوالكم
|
حر متموني وقطَّعتم حبالكم
|
قد ذدتم صادياً يبغي بلالكم
|
فقلت خلّوا سبيلي لا أبالكم | |
|
| فكلُّ ما قدًّر الرَّحمن مفعول |
|
كم باسلٍ شاع في الدُّنيا شهامته
|
وكم مليكٍ زهت بالتَّاج هامته
|
ذاق المنون بها قامت قيامته
|
كلُّ ابن أنثى وإن طالت سلامته | |
|
| يوماً على آلةٍ حدباء محمول |
|
إن كان أكرم خلق الله هدَّدني
|
فحسن ظنِّي به للباب أوردني
|
فالصَّفح عن تائبٍ من خلقه الحسن
|
أُبئتُ أنَّ رسول الله أوعدني | |
|
| والعفو عند رسول الله مأمول |
|
يا من عليه بوحيٍ جبرئيل نزل
|
ومن لساحته شدَّت رحال أمل
|
أتيت بابك والدمَّع الهتون همل
|
مهلاً هداك الَّذي أعطاك نافلة ال | |
|
|
يا سيَّداً خصَّه المولى بخير شيم
|
ومن يفيض على الرَّاجي سجال نعم
|
ومن هو الرَّحمة العظمى لكلِّ أمم
|
لا تأخذنِّي بأقوال الوشاة ولم | |
|
| أذنب وإن كثرت فيَّ الأقاويل |
|
قلبي حليف همومٍ في تقلبُّه
|
وقد غدا في دجى كربٍ وغيهبه
|
من هيبة المصطفى الهادي ومرهبه
|
لقد أقوم مقاماً لو يقوم به | |
|
| أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل |
|
عراه من وجلٍ ما كان زلزله
|
أو ليث غابٍ عن الأشبال أذهله
|
وكلُّ ضاري سباعٍ لو تأمَّله
|
لظلَّ يرعد إلاَّ أن يكون له | |
|
| من الرَّسول بأذن الله تنويل |
|
الدِّين ما خير خلق الله شارعه
|
من حاد عن دينه ساءت مصارعه
|
لم أدر ما أنا لمّا حرت صانعه
|
حتَّى وضعت يميني لا أنازعه | |
|
| في كفِّ ذي نقماتٍ قيله القيل |
|
|
وأحسن الخلق أخلاقاً وأعظمه
|
|
لذاك أهيب عندي إذا أكلَّمه | |
|
|
مع أنَّه منبع الحلم ومعدنه
|
|
|
من خادرٍ في ليوث الأسد مسكنه | |
|
| من بطن عثَّر غيلٌ دونه غيل |
|
مخضَّبٍ بدماءٍ مخلباً وفما
|
زئيره صوت رعدٍ مورثٌ صمما
|
أو مدفعٌ إذا يرمي به أطما
|
يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما | |
|
| لحمٌ من القوم معفورٌ خراذيل |
|
إن رامه بطلٌ يوماً ليقتله
|
|
ولَّى على عقبيه إذ تأمَّله
|
إذا يساور قرناً لا يحلُّ له | |
|
| أن يترك القرن إلاَّ وهو مجدول |
|
ليست بمسكنه الشُّجعان جائزةً
|
إذ لا ترى فرصةً للفتك ناهزةً
|
لا يستطيع له ضارٍ مبارزةً
|
منه تظلُّ سباع الجوِّ ضامرةً | |
|
| ولا تمشِّي بواديه الأراجيل |
|
وكم لحومٍ حواليها ممزَّقةٍ
|
وكم عظامٍ وأشلاءٍ مفرَّقةٍ
|
وكم دماءٍ صريعٍ ثمّض مهرقةٍ
|
|
| مطرَّح البَّز والدِّرسان مأكول |
|
مشارق الكون ضاءت مع مغاربه
|
بنور من لا يدانى في مناقبه
|
به الوجود تخلّى عن غياهبه
|
إنًّ الرَّسول لنورٌ يستضاء به | |
|
| مهنَّدٌ من سيوف الله مسلول |
|
في معشرٍ أسلموا جلَّت فضائلهم
|
من ذا يطاولهم؟ من ذا يماثلهم؟
|
قد كان فارسهم ليثاً وراجلهم
|
في فتيةٍ من قريش قال قائلهم | |
|
| ببطن مكَّة لمّا أسلموا: زولوا |
|
وكلُّهم بالعلى والفضل متَّصف
|
من بحر علم رسول الله مغترف
|
كم كربةٍ في الوغى عن وجهه كشفوا
|
زالو فما زال انكاسٌ ولا كشف | |
|
| عند اللَّقاء ولا ميلٌ معازيل |
|
بصحبة المصطفى طابت نفوسهم
|
من بأسهم حلَّ بالأعداء بؤسهم
|
|
شمُّ العرانين أبطالٌ لبوسهم | |
|
| من نسج داود في الهيجا سرابيل |
|
عنها السِّنان وعنها النَّصل منزلقٌ
|
إذا رآها العدى يغشاهم قلقٌ
|
وكم مرائر منهم شقَّها فرقٌ
|
بيضٌ سوابغٌ قد شكَّت لها حلقٌ | |
|
| كأنَّها حلق القفعاء مجدول |
|
ضياغمٌ في الوغى شاكٍ سلاحهم
|
|
بالنَّصر والفتح قد هبَّت رياحهم
|
لا يفرحون إذا نالت رماحهم | |
|
| قوماً وليسوا مجازيعاً إذا نيلوا |
|
قومٌ إذا احمرَّ بأسٌ كان يقدمهم
|
نبيُّهم للوغى والله يكرمهم
|
بنصرةٍ تهزم الأعدا وتقصمهم
|
يمشون مشى الجمال الزُّهر يعصمهم | |
|
| ضربٌ إذا عرَّد السُّود التَّنابيل |
|
هم النجُّوم فيستهدى بنورهم
|
ومن لقاء العدى أقصى سرورهم
|
إذا أتاهم عدوٌّ في ظهورهم
|
لا يقع الطَّعن إلاَّ في نحورهم | |
|
| وما لهم عن حياض الموت تهليل |
|