لمَّا علمت بطرفٍ منك منسجم
|
ظننت فيك غراماً غير منسجم
|
فقلت: قل لي بربِّ البيت والحرم
|
أمن تذكُّر جيرانٍ بذي سلم | |
|
| مزجت دمعاً جرى من مقلةٍ بدم؟ |
|
أم لاح زهرٌ على أرجاء قائمةٍ
|
أم فاح زهرٌ على أنفاس ناسمةٍ
|
أم فاح ورقٌ بألحانٍ ملائمةٍ
|
أم هبّت الرِّيح من تلقاء كاظمةٍ | |
|
| وأومض البرق في الظَّلماء من إضم |
|
أراك صبَّاً وظنِّي ما جرى غلتا
|
ما أنت إلاَّ قنيصٌ ليس منفلتا
|
فأن زعمت الَّذي قد قلته بهتا
|
فما لعينيك إن قلت اكففا همتا؟ | |
|
| وما لقلبك إن قلت استفق يهم؟ |
|
حلَّت فؤادك نيرانٌ لها ضرم
|
من حرِّها الدَّمع من عينيك منسجمٌ
|
على الصَّبابة كلٌّ منهما علمٌ
|
أيحسب الصبُّ أنَّ الحبَّ منكتمٌ | |
|
|
حشا الحشا بين من تهواه من غللٍ
|
فلا تزال تفيض الدَّمع من مقلٍ
|
وبالكرى كسليمٍ غير مكتحلٍ
|
لولا الهوى لم ترق دمعاً على طللٍ | |
|
| ولا أرقت لذكر البان والعلمِ |
|
عليك آثار أقساء السَّقام بدت
|
وفيك مذ شبَّ نار الشَّوق ما همدت
|
والعين ما رقأت حيناً ولا رقدت
|
فكيف تنكر حباً بعدما شهدت | |
|
| به عليك عدول الدَّمع والسَّقم؟ |
|
وبعد ما انقلب العيش الهنيئ عناً
|
وجرَّعتكَ تباريح الجوى محناً
|
وأترعتك مقاساةُ النَّوى شجناً
|
وأثبت الوجد خطّي عبرةً وضنىً | |
|
| مثل البهار على خدَّيك والعنم |
|
أي والَّذي لجاب الوصل شوَّقني
|
أتاح لي ما بنار الوجد أحرقني
|
أجل بقلبي غرامٌ حلَّ أقلقني
|
نعم سرى طيف من أهوى فأرَّقني | |
|
| والحبُّ يعترض اللَّذات بالألم |
|
نفسي لأمر الهوى أضحت مسخَّرةً
|
لو رمت خلفاً لما ألفيت مقدرةً
|
لمّا لحاني عذولي قلت تبصرةً
|
يا لائمي في الهوى العُذريِّ معذرةً | |
|
| منِّي إليك ولو أنصفت لم تلم |
|
مُذ ذُقت خمر الهوى ما زلت ذا سكر
|
والقلب ذا كدرٍ والطَّرف ذا سهرٍ
|
والجسم ذا ضمرٍ كالشَّعر من ضرر
|
عدتك حالي لا سرِّي بمستترٍ | |
|
| عن الوشاة ولا دائي بمنسجم |
|
حذَّرتني عن هوىً بالوعظ تطبعه
|
لا ينتهي باللُّحاة الصَّبُّ تردعه
|
تقول: ما ذو الهوى يصفو تمتُّعه
|
محَّضتني انُّصح لكن لست أسمعه | |
|
| إنَّ المحبَّ عن العذال في صمم |
|
لعلَّ مكرك مبنيٌّ على دخلٍ
|
فخلِّ عنّي فأني عنك في شغلٍ
|
دني وشأني فلا أصغي إلى دغلٍ
|
إنِّي اتَّهمت نصيح الشَّيب في عذلي | |
|
| والشَّيب أبعد في نصحٍ عن التُّهم |
|
إلى المهاوي بي الأهواء قد لفظت
|
وصرن لي حجباً دون المنى غلظت
|
دنا رحيلي ونفسي بعد ما يقظت
|
فأنَّ أمّارتي بالسُّوء ما اتَّعظت | |
|
| من جهلها بنذير الشَّيب والهرم |
|
ولا انتهت عن فعالٍ أورثت ضررا
|
نعم ولا أنفقت في طاعةٍ عمرا
|
ولا احتست من معاناة التُّقى صبرا
|
ولا أعدت من الفعل الجميل قرى | |
|
| ضيفٍ ألمَّ برأسي غير محتشم |
|
نزيلُ خيرٍ يضيف المرء يأمره
|
|
عليَّ من حقِّه ما ضاع أكثره
|
لو كنت أعلم أنِّي ما كنت أوقِّره | |
|
| كتمت سراً بدا لي منه بالكتم |
|
يا ويح نفسي تناهت في جنايتها
|
قد أرشدت فتعامت عن هدايتها
|
تنبي بدايتها عن قبح غايتها
|
من لي بردِّ جماحٍ من غوايتها | |
|
| كما يردُّ جماح الخيل باللُّجم |
|
أطلب سعادتها في قمع لعوتها
|
وفي إفاقتها من بعد نشوتها
|
تخشى التَّردي في مهواة شقوتها
|
فلا تَرُم بالمعاصي كسر شهوتها | |
|
| إنَّ الطَّعام يقوِّي شهوة النَّهم |
|
من الرِّياضيات منها عالجن عللا
|
لا ترض في طاعة المولىلها كسلا
|
وأبدُر إلى ودع مألوفاتها عجلا
|
والنَّفس كالطِّفل إن تهمله شبَّ على | |
|
| حبِّ الرِّضاع وإن تفطمه ينفطم |
|
تريد للمرء بالدُّنيا تملِّيه
|
إن استعدَّ لعقبى لن تخلِّيه
|
إن شئت للقلب بالتقوى تحلِّيه
|
فاصرف هواها وحاذر أن تولِّيه | |
|
| إنَّ الهوى ما تولى يُصم أويَصِمِ |
|
منها ملاحظة العادات دائمةٌ
|
وفي العبادات حول الحظ حائمةٌ
|
رُضها إلى أن تراها وهي حازمةٌ
|
وراعها وهي في الأعمال سائمةٌ | |
|
| وإن هي استحلت المرعى فلا تسِمِ |
|
كم أصبحت عن طريق الحقِّ عادلةً
|
|
وبدَّلت برياض الخلد عاجلةً
|
كم حَسَّنت لذَّةً للمرء قاتلةً | |
|
| من حيث لم يدر أنَّ السُّم في الدَّسم |
|
وعدِّ عن طمعٍ يفضي إلى طبعٍ
|
وكن لغير حلالٍ غير مبتلعٍ
|
ولازم القصد في أكلٍ بلا جشعٍ
|
واخش الدَّسائس من جوع ومن شبعٍ | |
|
| فربَّ مخمصةٍ خيرٌ من التُّخم |
|
مرآة قلبك صقلٌ طالما صدأت
|
واردع عن الذَّنب نفساً طالما خطئت
|
واطلب لها القرب من مولاك فهي نأت
|
واستفرغ الدَّمع من عينٍ قد امتلأت | |
|
| من المحارم والزم حمية النَّدم |
|
وكن بشرع رسول الله معتصما
|
وللعبادات والطاعات مغتنما
|
وعن تعاطي مناهي الحقِّ ملتجما
|
وخالف النَّفس الشَّيطان واعصهما | |
|
| وإن هما محَّضاك النُّصح فاتَّهم |
|
هما عدواك بل أعدى العدى قدما
|
كم هتَّكا حرماً كم ألكا أمما
|
فجاهد نَّهما إن كنت منتقماً
|
ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً | |
|
| فأنت تعرف كيد الخصم والحكم |
|
أطنبت في الوعظ أمليه على عجلٍ
|
لكنَّني خجلٌ منه على وجلٍ
|
إذا لم أكن عاملاً بالعشر من كسلٍ
|
أستغفر الله من قول بلا عمل | |
|
| لقد نسبت به نسلاً لذي عقم |
|
نبَّهت غيري وإنِّي غير منتبه
|
نهيت عن فعل محظورٍ ومشتبه
|
ولست مجتنباً للسُّوء من سفهي
|
أمرتك الخير لكن ما اتمرت به | |
|
| وما استقمت فما قولي لك استقم |
|
ما النَّفس منِّي إلى الطّاعات مائلةً
|
ولا عيوني على التَّفريط هاملةً
|
لم أعتبر قطُّ بالأقران راحلةً
|
ولا تزوَّدت قبل الموت نافلةً | |
|
| ولم أصلِّ سوى فرضٍ ولم أصمِ |
|
بترك أعمال برِّ أكسبت جذلا
|
وباجتراح خطايا أعقبي خجلاً
|
وترك نفسي على إبعادها أجلا
|
ظلمت سنَّة من أحي الظَّلام إلى | |
|
| أن اشتكت قدماه الضُّر من ورم |
|
ومن هوى الله ألغى منه كلَّ هوى
|
وعاش ما عاش بسّاماً طويل جوى
|
أدام جوعاً مدى عمرٍ شديد قوى
|
|
| تحت الحجارة كشحاً مترف الأدم |
|
وكان ينفق ما يأتيه من نشب
|
على ذوي الدِّين من عجمٍ ومن عربٍ
|
ولم يكن قطُّ في الدُّنيا بذي رغبٍ
|
وراودته الجبال الشُّم من ذهبٍ | |
|
| عن نفسه فأراها أيَّما شممِ |
|
بالصَّدِّ والرَّدِّ لم تجلب كدورته
|
بل هشَّ قلباً وابتشَّ صورته
|
وزاد نوراً على نور بصيرته
|
|
| إنَّ الضَّرورة لا تعدو على العصم |
|
جلَّت لديه من الله الكريم منن
|
له الزَّهادة والتَّقوى حلىً وسنن
|
على الضَّرورات ما نحو الحطام ركن
|
وكيف تدعو إلى الدُّنيا ضرورة ُمن | |
|
| لولاه لم تخرج الدُّنيا من العدم |
|
الله قال أحبُّ المرسلين إليَّ
|
وأكرم الأنبياء المصطفين عليَّ
|
وخير من ولدت أشراف آل قصيّ
|
محمَّدٌ سيِّد الكونين والثَّقلي | |
|
| نِ والفريقين من عربٍ ومن عجم |
|
حاوي فضائل ى يحصى لها عدوٌ
|
هادٍ لأقوام دينٍ ما به أودٌ
|
أقواله حججٌ والكلُّ معتمدٌ
|
نبيَّنا الآمر النَّاهي فلا أحدٌ | |
|
| أبرَّ في قول لا منه ولا نعم |
|
هو الثراء لمن قلَّت بضاعته
|
هو النَّجاة لمن طالت شناعته
|
كشاف خطبٍ وإن جلَّت فضاعته
|
هو الحبيب الَّذي ترجى شفاعته | |
|
| لكلِّ هولٍ من الأهوال مقتحم |
|
لمّا أتى الوحي ممَّن جلَّ عن شبه:
|
أن أخرج النّاس من كفرٍ وغيهبه
|
|
دعا إلى الله فالمستمسكون به | |
|
|
لمّا تجمَّع فيه كلُّ مفترقٍ
|
من كلِّ وصف كمالٍ رائقٍ عبقٍ
|
ومن سناه أنجلى ما كان من غسقٍ
|
فاق النَّبيين في خَلقٍ وفي خُلقِ | |
|
| ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم |
|
وهم مناهل كلٌّ منه منبجسٌ
|
وهم نجومٌ إليها النُّور منعكسٌ
|
منه فكلُّ نبيٍّ منه مقتبس
|
وكلُّهم من رسول الله ماتمسٌ | |
|
| غرفاً من أليمِّ أو رشفاً من الدِّيم |
|
|
|
|
|
| من نقطة العلم أو من شكلة الحكم |
|
هو الَّذي أشرقت شمساً بصيرته
|
عن مدحه أعرب الأعراف سورته
|
إن رمت إدراك ما شاعت ضرورته
|
فهو الَّذي تمَّ معناه وصورته | |
|
| ثمَّ أصطفاه حبيباً بارئ النَّسيم |
|
أمين حقٍّ على ما في خزائنه
|
مفتاح كلِّ كمالٍ في معادنه
|
مصباح كلِّ سناً بادٍ وكامنه
|
منزَّهٌ عن شريكٍ في محاسنه | |
|
| فجوهر الحسن فيه غير منقسم |
|
قالت نصارى طغوا من فرط غيِّهم:
|
كفراً، به مدحوا مبعوث حيِّهم
|
ويلٌ لهم نشروا أرجاس طيِّهم
|
دع ما أدَّعته النَّصارى في نبيِّهم | |
|
| واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم |
|
في وصفه أستعملن ما فيك من ظرفٍ
|
وأستقص ما يتأتّى فيه من طرفٍ
|
نظماً ونثراً أثارا وجد ذي شغفٍ
|
وأنسب إلى ذاته ما شئت من شرفٍ | |
|
| وأنسب إلى قدره ما شئت من عظمٍ |
|
إذا أردت بمدحٍ أن تبجِّله
|
مستوعباً ما له الرَّحمن أهَّله
|
ما أسطعت من مجملٍ منه مفصَّله
|
فأنَّ فضل رسول الله ليس له | |
|
|
الرُّسل والأنبياء كانوا له أمماً
|
فلا معاجزه نحصي ولا حكماً
|
لكنَّها دون قدرٍ خصَّه قدماً
|
لو ناسبت قدره آياتهٌ عظماً | |
|
| أحي أسمه حين يدعى دارس الرّمم |
|
قد جاءنا بحنيفيِّ بلا شبه
|
|
فهماً وأسمحه أخذاً وأعذبه
|
لم يمتحنّا بما تعي العقول به | |
|
| حرصاً علينا فلم نرتب ولم نهم |
|
قد فاق صورته في حسنه الصُّورا
|
كذاك سيرته قد فاقت السِّيرا
|
لمّا حوى كلَّ فضلٍ أمكن البشرا
|
أعيى الورى فهم معناه فليس يرى | |
|
| للقرب والبعد فيه غير منفحم |
|
ما دار في عقل ذي لبٍّ ولا خلدٍ
|
ما كنهه؟ ما عليه فاض من مددٍ؟
|
مثِّل وقل هو لا يخفى على أحدٍ
|
كالشَّمس تظهر للعينين من بعدٍ | |
|
| صغيرةً وتكلُّ الطَّرف من أمم |
|
الله عظَّم إجلالاً خليقته
|
وصدًّ عن فهم معناه خليقته
|
من رام عرفانه أخطا طريقته
|
وكيف يدرك في الدُّنيا حقيقته | |
|
| قومٌ نيامٌ تسلَّوا عنه بالحلم |
|
لحصر أوصافه لا يهتدي نظرٌ
|
فما مديح رسول الله منحصرٌ
|
والكشف عن نبذةٍ من فضله عسرٌ
|
فمبلغ العلم فيه أنَّه بشرٌ | |
|
| وأنَّه خير خلق الله كلِّهم |
|
وكلُّ ما حاز رسلٌ من مواهبها
|
وكلُّ ما بلغته من منا صبها
|
فأنَّما من رسول الله واهبها
|
وكلُّ آيٍ أتى الرُّسل الكرام بها | |
|
| فأنما أتَّصلت من نوره بهم |
|
من معجزاتٍ بدت منهم عجائبها
|
عن النَّواحي بها أنجابت غياهبها
|
وفي الحقيقة خير الخلق واهبها
|
فأنَّه شمس فضلٍ هم كواكبها | |
|
| يظهرن أنوارها للنّاس في الظُّلم |
|
أعظم بأوَّل خلقٍ جوده غدقٌ
|
ومن بنور محيّاه أنجلى غسقٌ
|
والكون ذو أرجٍ من نشره عبقٌ
|
أكرم بخلق نبيٍّ زانه خلقٌ | |
|
| بالحسن مشتملٍ بالبشر متَّسم |
|
ما زال من عصمة الرَّحمن في كنفٍ
|
من علمه قد تروّى كلُّ مرتشفٍ
|
مشابهٌ أربعاً في أربع طرفٍ
|
كالزَّهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ | |
|
| والبحر في كرمٍ والدَّهر في همم |
|
أين المصاقع منه في مقالته
|
وأين منه اللُّيوث في بسالته
|
|
كأنَّه وهو فردٌ في جلالته | |
|
| في عسكرٍ حين تلقاه وفي حشم |
|
في ثغره وحديثٍ منه مؤتلفٍ
|
صنوف أوصافهم يشفين من دنفٍ
|
وخير ما فيهما عن مفلقٍ تقفٍ
|
كنَّما اللُّؤلؤ المكنون في صدفٍ | |
|
| من معدني منطلقٍ منه ومبتسم |
|
ضريحه فاز من في الرَّكب يمَّمه
|
ومن يمرِّغ به مع أنفه فمه
|
لا طيب يعدل طيباً ضمَّ أعظمه | |
|
|
واهاً لأوَّل مخلوقٍ ومصدره
|
سبحان مولىً من السُّبحات مظهره
|
لمّا لأتى من زمانٍ خير أعصره
|
|
|
يومٌ أزال عن الكفّار أمنهم
|
وعن سماءٍ بشهبٍ صدَّ جنَّهم
|
وقد أدام على الكهّان حزنهم
|
يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنَّهم | |
|
| قد أنذروا بحلول البؤس والنِّقم |
|
وبان ما منه دين الحقِّ مرتفعٌ
|
وكان ما منه أمر الكفر متَّضعٌ
|
ولاح آيٌ بها من ضلَّ مرتدعٌ
|
وبات أيوان كسرى وهو منصدعٌ | |
|
| كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم |
|
ملك السَّلاطين قد أشفى على تلف
|
والقلب مضطربٌ من كلِّ معتسفٍ
|
والموبذان رأى رؤياه ذا لهفٍ
|
والنّار خامدة الأنفاس من أسفٍ | |
|
| عليه والنَّهر ساهي العين من سدم |
|
تلك المجوس على الأيقاد غيرتها
|
خبت على رغمها فاشتدَّ حيرتها
|
وسرَّ جيرة بيت الله ميرتها
|
وساء ساوة أن غاضت بحيرتها | |
|
| وردَّ واردها بالغيظ حين ظمي |
|
للنّار هل كان إخمادٌ بمنهلٍ
|
والماء هل كان إيقادٌ بمشتعلٍ
|
كلٌّ تحلّى بوصفٍ غير محتملٍ
|
كأنَّ بالنّار ما بالماء من بللٍ | |
|
| حزناً وبالماء ما بالنّار من ضرم |
|
وأستبشر الوحش، والأطيار ساجعةٌ
|
والأرض مخصيةٌ للجدب قامعةٌ
|
وكلُّ نفسٍ من الكهّان جازعةٌ
|
والجنُّ تهتف والأنوار ساطعةٌ | |
|
| والحقُّ يظهر من معنى ومن كلم |
|
لم يغن ما شاهدوا من جاليات ظلم
|
ولا الهواتف فيما أظهرت لأمم
|
إذ الأله على تلك القلوب ختم
|
عموا واصمُّوا فأعلان البشائر لم | |
|
| تسمع وبارقة الأنذار لم تشم |
|
على المجوس لقد ضاقت أماكنهم
|
كادت تميَّز من غيظٍ مدائنهم
|
وقد أصرَّت على كفرٍ بواطنهم
|
من بعد ما أخبر الأقوام كاهنهم | |
|
| بأنَّ دينهم المعوجّ لم يقم |
|
وبعد ما علموا علماً بلا ريبٍ
|
أن حان أن يبعث المختار من عربٍ
|
وأن أظلَّهم الأبّان من كثبٍ
|
وبعد ما عاينوا في الأفق من شهبٍ | |
|
| منقضَّةٍ فوق ما في الأرض من صنم |
|
إذ حلَّقت للسّما من جنَّةٍ أممٌ
|
فصدَّهم شهبٌ منها أنجلت ظلمٌ
|
فعرَّدوا حيث منها مسَّهم ضرمٌ
|
حتَّى غدا عن طريق الوحي منهزمٌ | |
|
| من الشيَّاطين يقفو إثر منهزم |
|
أقبح بطائفةٍ أصحاب ترَّهةٍ
|
ذوي وجوهٍ وأنيابٍ مشوَّهةٍ
|
فرُّوا بما رجموا من غير ما جهةٍ
|
كأنَّهم هرباً أصحاب أبرهةٍ | |
|
| أو عسكرٌ بالحصى من راحتيه رمي |
|
ففي حنينٍ وبدرٍ عندما أضطرما
|
كفَّاً تناوش من حصباء ثمَّ رمى
|
فطار نحو العدى ذاك الحصى زِيَما
|
نبذاً به بعد تسبيحٍ ببطنهما | |
|
| نبذ المسبِّح من أحشاء ملتقمِ |
|
ما فاه إلاّ بوحيٍ ما تنحَّله
|
ولا حلِّي منامٍ أو مؤوَّلة
|
إلا على قلبه ذو العرش أنزلهُ
|
لا تنكر الوحي من رؤياه إنَّ له | |
|
| قلباً إذا نامت العينان لم ينم |
|
|
لم يرض أضغاث أحلامٍ لصفوته
|
وكم أراه رؤىً فاهت بحظوته
|
وذاك حين بلوغٍ من نبوَّته | |
|
|
ما زال ينسك ذا جدٍّ وذا نصبٍ
|
لأجل زُلفى لوحي غير مرتقبٍ
|
فجاءه الوحي موهوباً بلا طلبٍ
|
تبارك الله ما وحيٌ بمكتسبٍ | |
|
| ولا نبيٌّ على غيبٍ بمتَّهم |
|
قد أعجز اللُّسن من عرب فصاحته
|
|
كم من جريحٍ به طابت جراحته
|
كم أبرأت وصباً باللَّمس راحته | |
|
| وأطلقت إرباً من ربقة اللَّمم |
|
كم من شقيٍّ به قد زال شقوته
|
وربَّ قاسٍ به قد زاح قسوته
|
وكم به قد علت للمرء حظوته
|
وأحيي السَّنة الشَّهباء دعوته | |
|
| حتى حكت غُرَّةً في الأعصر الدُّهن |
|
فاخضرَّت الأرض من شرقٍ لمغربها
|
وعن قراها أنتفى محل وسبسبها
|
من المعايش قد فازوا بأطيبها
|
بعارضٍ جاد أو خلت البطاح بها | |
|
| سيبٌ من اليمِّ أو سيلٌ من العرم |
|
كم من معاجز أبداها مساهدةً
|
أحيى بقاعاً بفقد الجود هامدةً
|
ومقلةً ردَّها بالفقأ فاسدةً
|
جاءت لدعوته الأطيار ساجدةً | |
|
| تمشي إليه على ساقٍ بلا قدم |
|
|
وأصلها في محلِّ الغرس منه ثبت
|
قال المشاهد إذ أغصانها سحبت
|
كأنَّما سطرت سطراً لما كتبت | |
|
| فروعها من بديع الخطِّ باللَّقم |
|
أبدى خوارق للأصحاب باهرةً
|
صارت إليها عيون النَّاس ناظرةً
|
فالشِّمس ردَّت له في الأفق غائرةً
|
مثل الغمامة أنّى سار سائرةً | |
|
| تقيه حرَّ وطيشٍ للهجير حمي |
|
لم يدر من أحدٍ ما الله خوَّله
|
|
على البريَّة بالآيات فضَّله
|
أقسمت بالقمر المنشقِّ أنَّ له | |
|
| من قلبه نسبةً مبرورةً القسم |
|
وما حباه به مولاه من حكمٍ
|
وما به خصَّ دون الناس من شيمٍ
|
وما أفاض عليه الحقُّ من نعمٍ
|
وما حوى الغار من خيرٍ ومن كرمٍ | |
|
| وكلُّ طرفٍ من الكفّار عنه عمي |
|
يا حبَّذا ذلك الكهف الشَّريف حمى
|
طافت قريشٌ به ما أبصروا أرما
|
قد كفَّ أبصارهم أن ينظروا قدما
|
فالصِّدقُ في الغار والصِّدَّيق لم ير ما | |
|
| وهم يقولون ما بالغار من أرم |
|
إذ صادفوا الباب منسوجاً ولا خللاً
|
والبيض يلمع لم يكسر ولا أنتقلا
|
قالوا: فليس دخول الغار محتملا
|
ظنُّوا الحمام وظنُّوا العنكبوت على | |
|
| خير البريَّة لم تنسج ولم تحم |
|
حماهما الله مولي كلِّ عارفةٍ
|
من شرِّ عصبة كفرٍ شرَّ طائفةٍ
|
ومن به لاذ يوقى كلَّ صارفةٍ
|
وقاية الله أغنت عن مضاعفةٍ | |
|
| من الدُّروع وعن عالٍ من الأطم |
|
|
وجاه من ما نحا شخصٌ لمطلبه
|
إليه إلاّ إحتظى منه بمأربه
|
ما سامّني الدَّهر ضيماً واستجرت به | |
|
| إلاّ ونلت جواراً منه لم يضم |
|
|
إلاّ حظيت بما أبغيه من لده
|
ولا توجَّه قلبي نحو مرقده
|
ولا التسمت غنى الدّارين من يده | |
|
| إلاّ استلمت النَّدى من خير مستلمِ |
|
يا سامعاً للمقالات الَّتي ذكرت
|
تبغي مدائح أنشيهنَّ قد بهرت
|
مدامع العين من إنشادهنَّ جرت
|
|
| ظهور نار القرى ليلاً على علم |
|
أتتك منِّي في تعدادها كلمٌ
|
نظماً حكى درراً يغلو لها قيمٌ
|
بذلك النَّظم منِّي قد جرى قلمٌ
|
فالدُّرُّ يزداد حسناً وهو منتظمٌ | |
|
| وليس ينقض قدراً غير منتظم |
|
محاسن المصطفى من كان مشتغلاً
|
بنظمها مفكراً فيه ومرتجلاً
|
فأنَّني لست أقضي منه لي أملا
|
فما تطاول آمالي المديح إلى | |
|
| ما فيه من كرم الأخلاق والشَّيم |
|
|
|
على ابتغاء رضا المولى محثحثةٌ
|
آيات حقٍّ من الرَّحمن محدثةٌ | |
|
| قديمةٌ صفة الموصوف بالقدم |
|
من العمى وضلالاتٍ تبصِّرنا
|
وعن قبائح أعمالٍ تحذِّرنا
|
وبالفلاح وجنّاتٍ تبشِّرنا
|
لم تقترن برمانٍ وهي تخبرنا | |
|
| عن المعادِ وعن عادٍ وعن إرم |
|
فيا لمعجزةٍ للدِّين مبرزةٍ
|
للحقِّ ممّا سوى حقٍّ مميِّزةٍ
|
وللسَّعادة في الدارين منجزةٍ
|
دامت لدينا ففاقت كلُّ معجزةٍ | |
|
| من النَّبيِّين إذ جاءت ولم تدم |
|
ما إن لها بكلام النّاس من شبهٍ
|
تهدي بأنوارها من ضلَّ في عمهٍ
|
وأيقظت لاهياً تنجيه من ولهٍ
|
محكَّمات فما يبقين من شبهٍ | |
|
| لذي شقاقٍ ولا يبغين من حكم |
|
ومن بها صدَّقوا صافين عن ريبٍ
|
أعطاهم الله ما يبغون من أربٍ
|
ومن بها كذَّبوا باتوا على غضبٍ
|
ما حوربت قطُّ إلاّ عاد من حربٍ | |
|
| أعدى الأعادي إليها ملفي السَّلم |
|
من أجل ما أودعته من غوامضها
|
ومن لطائف فاضت من عوارضها
|
عن فهمها عجزت أرباب خائضها
|
ودَّت بلاغتها دعوى مُعارضها | |
|
| ردَّ الغيور يد الجاني عن الحرم |
|
هي الشِّقاء لذي بلوى وذي كمدٍ
|
من بحرها يثني ريّان كلُّ صدٍ
|
بها دقائق أسرارٍ بلا عددٍ
|
لها معانٍ كموج البحر في مددٍ | |
|
| وفوق جوهره في الحسن والقيم |
|
فيها أتت من عباداتٍ رغائبها
|
|
ومن علومٍ وأحكامٍ غرائبها
|
فلا تعدُّ ولا تحصى عجائبها | |
|
| ولا تسام على الأكثار بالسأم |
|
طوبى لمن أصبح القرآن منهله
|
ومن به دائماً مولاه أشغله
|
وللتدبُّر في الآيات أهَّله
|
قرَّت بها عينُ قاريها فقلت له | |
|
| لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم |
|
من حاد عنها ضلالاً مال عن رشدٍ
|
لا غرو إن جحدتها العمي عن حسدٍ
|
أو من به مرضٌ في القلب أو جسدٍ
|
قد تنكر العين ضوء الشَّمس من ركدٍ | |
|
| وينكر الفم طعم الماء من سقم |
|
يا خير من أبدع الباري صباحته
|
يا معطياً من إليه مدَّ راحته
|
ما خاب من رفده راجٍ سماحته
|
يا خير من يمَّم العافون ساحته | |
|
| سعياً وفوق متون الأينق الرُّسم |
|
يا منقذ الخلق من غيٍّ ومن غيرٍ
|
يا من هو المطلب الأقصى لمفتكرٍ
|
ومن هو النُّصرة الأقوى لمنتصر
|
ومن هو الآية الكبرى لمعتبرٍ | |
|
| ومن هو النِّعمة العظمى لمغتنم |
|
بينا جنابك عند الحجر في حلمٍ
|
إذ بالبراق أتى جبريل في ظلمٍ
|
ركبته فمشى برقاً على قدمٍ
|
سريت من حرمِ ليلاً إلى حرمٍ | |
|
| كما سرى البدر في داجٍ من الظُّلم |
|
إن كنت ممَّن بها ما زال متَّعظا
|
وتاركاً غفلاتٍ ذاكراً يقظا
|
رقَّقت منك حجاباً طالما غلظا
|
إن تتلها خيفةً من حرِّ نار لظى | |
|
| أطفأت حرَّ لظى من وردها الشَّبم |
|
هي السَّماء تبدّى كلُّ كوكبه
|
تراه من مشرقٍ يجري لمغربه
|
واليمُّ أمَّ ظماءٌ ورد مشربه
|
كأنَّها الحوض تبيضُّ الوجوه به | |
|
| من العصاة وقد جاوه كالحمم |
|
حوت شرائع إسلامٍ مكمَّلةً
|
كأنًّها الروضةُالغنّاء مخصلةً
|
أنهارها قد جرت فيها مسلسلةً
|
وكالصِّراط وكالميزان معدلةً | |
|
| فالقسط من دونها في النّاس لم يقم |
|
واظب عليها مدى عمرٍ تكرَّرها
|
وأعمد لذكر معانيها تقرَّرها
|
والزم تلاوتها جهراً تحبّرها
|
لا تعجبن لحسودٍ راح ينكرها | |
|
| تجاهلاً وهو عين الحاذق الفهم |
|
ما زاغ طرفك بالرَّحمن مشغلةً
|
رأيت آياته الكبرى مفصَّلةً
|
وسدرة المنتهى بالنُّور مشعلةً
|
وبتَّ ترقى إلى أن نلت منزلةً | |
|
| من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم |
|
حباك ربُّك من دنياً بأطيبها
|
|
|
وقدَّمتك جميع الأنبياء بها | |
|
| والرُّسل تقديم مخدومٍ على خدم |
|
قد رحَّبوا بك يا مولى كتائبهم
|
صلُّوا وقوفاً وراك في مراتبهم
|
ودَّعت تعرج تمضي في مواكبهم
|
وأنت تخترق السَّبع الطَّباق بهم | |
|
| في موكبٍ كنت فيه صاحب العلم |
|
ما كان هذا لمخلوقٍ بمتَّفق
|
سوى جنابٍ لحجب النُّور مخترقٍ
|
ما زلت مرتقياً واللَّيل في غسقٍ
|
حتّى إذا لم تدع شأواً لمستبقٍ | |
|
| من الدُّنوِّ ولا مرقى لمستنم |
|
|
على فرائض خمسٍ والمزيد نبذ
|
وإذ جنابك للمرقى الأجلِّ جبذ
|
خفضت كلَّ مقام بالأضافة إذ | |
|
| نوديت بالرَّفع مثل المفرد العلم |
|
الله خصَّك بالمعراج عن بشرٍ
|
ورؤيةٍ وخطابٍ صحَّ في خبرٍ
|
وقد حباك بقربٍ جلَّ عن فكرٍ
|
كيما تفوز بوصل أيِّ مستترٍ | |
|
| عن العيون وسرِّ أيِّ مكتثم |
|
وقفت في موقفٍ يا خير ذي نسكٍ
|
علا على كلِّ ما غادرت من فلكٍ
|
ما ناله قطُّ من إنسٍ ولا ملكٍ
|
فحزت كلَّ فخارٍ غير مشتركٍ | |
|
| وجزت كلَّ مقامٍ غير مزدحم |
|
وصلت ما نلته من غير ما تعبٍ
|
من هذه الغاية القصوى بلا طلبٍ
|
أدركتها غير موعودٍ ومرتقبٍ
|
وجلَّ مقدار ما ولِّيت من رتبٍ | |
|
| وعزَّ إدراك ما أوليت من نعم |
|
لقد رأيناك في الدّارين معقلنا
|
مفيض كلِّ منىً مزيح كلِّ عنا
|
فقلت شكراً على ما الله خوَّلنا
|
بشرى لنا معشر الأسلام إنَّ لنا | |
|
| من العناية ركناً غير منهدم |
|
الله قدَّر أنّا من جماعته
|
فنحن من لا يضاهي في براعته
|
|
لمّا دعا الله داعينا لطاعته | |
|
| بأكرم الرُّسل كنا أكرم الأمم |
|
وبعد ما مرَّ حين من نبوَّته
|
وحلَّ طيبة في أصحاب قوَّته
|
وشاع بين البرايا صيت دعوته
|
راعت قلوب العدى أنباء دعوته | |
|
| كنبأةٍ أجفلت غفلاً من الغنم |
|
مذ جاءه أمر بارينا على ملكٍ
|
بغزو من وقعوا بالشِّرك في شركٍ
|
كي يخرجوا بسنا الأيمان من حلكٍ
|
ما زال يلقاهم في كلِّ معتركٍ | |
|
| حتّى حكوا بالقنا لحماً على وضم |
|
وكان يغلبهم في الغزو أغلبه
|
من كلِّ حزبٍ مبيداً أسد مقنبه
|
قلُّوا وذلُّوا وملُّوا من تحزُّبه
|
ودُّوا الفرار فكادوا يغبطون به | |
|
| أشلاء شالت مع العقبان والرَّحم |
|
|
أبطالهم أبدلت بالجبن نجدتها
|
عليهم قد أطال الدَّهر مدَّتها
|
تمضي اللَّيالي ولا يدرون عدَّتها | |
|
| ما لم تكن من ليالي الأشهر الحرم |
|
|
قتلاً وأسراً وعن كفرٍ إزاحتهم
|
فاستأصل الدِّين من قومٍ قباحتهم
|
كأنَّما الدَّين ضيفٌ حلَّ ساحتهم | |
|
| بكلِّ قرمٍ إلى لحم العدى قرم |
|
أتى بخيلٍ لنصر الدِّين صالحةٍ
|
وفي العلوم وفي الأعمال سارحةٍ
|
وللأعادي لدى الهيجا مكافحةٍ
|
يجرُّ بحر خميسٍ فوق سابحةٍ | |
|
| يرمي بموجٍ من الأبطال ملتطم |
|
للمصطفى قد أتاح الله من عربٍ
|
من في الوغى لزموا صبراً بلا هربٍ
|
وكم أذاقوا عداه الكأس من عطبٍ
|
|
| يسطو بمستأصلٍ للكفر مصطلم |
|
وكلُّهم بطلٌ أمر الجهاد لزم
|
بنشر أحكام دين الحقِّ كان يهم
|
أمسوا يسدُّون منه ما رأوه ثلم
|
حتى غدت ملَّة الأسلام وهي بهم | |
|
| من بعد غربتها موصولة الرَّحم |
|
محميَّةً بهم عن طعن ذي حربٍ
|
وعن تطرُّق تحريفٍ وعن ريبٍ
|
محفوظةً في صدورٍ ثمَّ في كتبٍ
|
مكفولةً أبداً منه بخير أبٍ | |
|
| وخير بعلٍ فلم تيتم ولم تئم |
|
هم الصَّحابة لا نحصي مكارمهم
|
قد فاز بالرُّشد من أضحى منادمهم
|
ومن ترضَّى عليهم صار خادمهم
|
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم | |
|
|
وكلُّهم كاان في يوم الوغى أسداً
|
كم فرَّجوا عن رسول الله جيش عدىً
|
فسل مشاهدهم تزداد معتقداً
|
وسل حنيناً وسل بدراً وسل أحداً | |
|
| فصول حتفٍ لهم أدهى من الوخم |
|
الفاتحين لبلدانٍ ولو بعدت
|
الفاتكين بيوم الحرب إذ وقدت
|
نفوس نوكٍ عن الأسلام قد شردت
|
المصدري البيض حمراً بعد ما وردت | |
|
| من العدى كلَّ مسودٍّ من اللَّمم |
|
والطّاعنين بأرماحٍ قد اشتبكت
|
أعداء دينٍ سبيل الغيِّ قد سلكت
|
والضّاربين جسوماً قطُّ ما نسكت
|
والكاتبين بسمر الخطِّ، ما تركت | |
|
| أقلامهم حرف جسمٍ غير منعجم |
|
قد كان بالنَّصر مولاهم يعزِّزهم
|
وعن كفاح العدى لا شيء يعجزهم
|
|
شاكي السِّلاح لهم سيما تميِّزهم | |
|
| والورد يمتاز بالسِّيما من السَّلم |
|
قد أكثر الله في القرآن ذكرهم
|
في الخافقين أشاع الله فخرهم
|
من ليس يعرفهم لم يدر قدرهم
|
تهدي إليك رياح النَّصر نشرهم | |
|
| فتحسب الزَّهر في الأكمام كلَّ كمي |
|
هم الغياث لراجيهم قضوا أرباً
|
هم الغيوث وفي محلس حكوا سحباً
|
هم اللُّيوث يذيقون العدى عطباً
|
كأنَّهم في ظهور الخيل نبت ربىً | |
|
| من شدَّة الحزم لا من شدَّة الحزم |
|
للحرب إن ندبوا قد أسرعوا عنقاً
|
إلى الدِّماء ظماءً أضمروا حنقاً
|
فلا تخال بهم اللِّقا شفقاً
|
طارت قلوب العدى من بأسهم فرقاً | |
|
| فما تفرِّق بين البَهم والبُهم |
|
من لم تقاوم عدوَّاً صال قدرته
|
فليستغث بالَّذي ما ضيم أسرته
|
علت على حضرت الرُّسل حضرته
|
|
| إن تلقه الأسد في آجامها تجم |
|
ما كان من خطرٍ لم يجل أو طرٍ
|
لم يقض أو من أثامٍ غير مغتفرٍ
|
لمن تشفَّع بالمختار من مضرٍ
|
ولن ترى من وليٍّ غير منتصرٍ | |
|
| به ولا من عدوٍّ غير منقصمٍ |
|
لمّا أتى بكتاب الله جملته
|
وأخرج النّاس من كفرٍ وذلَّته
|
وأوضح الدِّين حقَّاً عن أدلَّته
|
أحلَّ أمتَّه في حرز ملَّته | |
|
| كالليث حلَّ مع الأشبال في أجم |
|
كم من دليلٍ بلا ذامٍّ ولا خللٍ
|
حقٍّ صحيحٍ صريحٍ بيّنٍ جللٍ
|
عليه قام فلا يخفى على رجلٍ
|
كم جدَّلت كلمات الله من جدلٍ | |
|
| فيه وكم خصَّم البرهان من خصم |
|
حوى علوماً وآداباً مطرَّزةً
|
|
بهنَّ حضرته أضحت مميَّزةً
|
كفاك بالعلم في الأميِّ معجزةً | |
|
| في الجاهليّة والتاديب في اليتم |
|
ضيَّعت في الشِّعر عمري بادياً ولهي
|
خدمت دنيا ألمُّ المال من شرهي
|
حاولت إدراك ما قد فات في سفهي
|
|
| ذنوب عمرٍ مضى في الشِّعر والخدم |
|
مضى بلا طائلٍ سنِّي أطايبه
|
فبي من الهمِّ ما لم يحص حاسبه
|
أين الخلاص وقد سدَّت مذاهبه
|
إذ قلَّداني ما تخشى عواقبه | |
|
| كأنَّني بهما هديٌ من النَّعم |
|
مذ شاب رأسي تركت الشِّعر والخدما
|
وصرت أبكي على ما جئته ندما
|
وقلت معترفاً يا أرحم الرُّحما
|
أطعت غيَّ الصِّبا في الحالتين وما | |
|
| حصلت إلاّ على الآثام والنَّدم |
|
يا ويح نفسي تمادت في جسارتها
|
حنت لدينا تعامت عن حقارتها
|
ولَّت عن الدِّين تسعى في عمارتها
|
فيا خسارة نفسي في تجارتها | |
|
| لم تشتر الدِّين في الدُّنيا ولم تسم |
|
ما لي أميل إلى الفاني وطائله
|
أغضُّ طرفي عن الباقي ونائله
|
ما لذَّة العيش إلاّ في خمائله
|
|
| يبن له الغبن في بيعٍ وفي سلم |
|
قلبي على قبح ما قارفت في حرضٍ
|
من كلِّ فعلس بنصِّ الشَّرع معترضٍ
|
وترك نفلٍ وإخلالٍ بمفترضٍ
|
إن آت ذنباً فما عهدي بمنتقضٍ | |
|
| من النَّبيِّ ولا حبلي بمنصرم |
|
أرجو بمن فيه أشعاري وتقفيتي
|
تهذيب جملة أخلاقي وتزكيتي
|
وفي سلوك طريق الحقِّ تربيتي
|
فأنَّ لي ذمَّةً منه بتسميتي | |
|
| محمَّداً وهو أوفى الخلق بالذِّمم |
|
هو الَّذي ينقذ اللَّهفان من كمدٍ
|
هو المشفَّع عند الواحد الأحد
|
ينجي من النّار ما لم يحص من عدد
|
إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي | |
|
| فضلاً وإلاًّ فقل يا زلَّة القدم |
|
ما زلت مذ برهةٍ مذ صرت مادحه
|
|
|
|
|
من رام ساحته في كربةٍ صعبت
|
أو نكبةٍ أو صروفٍ عنه قد ذهبت
|
أو إربةٍ قضيت أو منيةٍ وجبت
|
ولن يفوت الغنى منه يداً تربت | |
|
| إنَّ الحيا ينبت الأزهار في الأكم |
|
أردت من نظم أبياتٍ قد اُئتلفت
|
غفران ما نفس معروفٍ قد اُقترفت
|
وأن يسرَّ بها من فيه قد رصفت
|
ولم أرد زهرة الدُّنيا الَّتي قطفت | |
|
| يدا زهيرٍ بما أثنى على هرم |
|
يا سيَّداً ما له في الخلق منشبهٍ
|
يا فائقاً رسلاً في حسن منقبه
|
يا كاشفاً ما سواه غير مذهبه
|
يا اكرم الخلق ما لي من ألوذ به | |
|
| سواك عند حلول الحادث العمم |
|
يا شافع النّاس من عجمٍ ومن عرب
|
يا مسعفاً للمنى يا كاشف الكرب
|
أرجوك تنقذني في الحشر من عطب
|
ولن يضيق رسول الله جاهك بي | |
|
| إذا الكريم تحلّى باسم منتقم |
|
أرجوك تدفع عن نفسي مضرَّتها
|
وأن تعظَّم بالجدوى مسرَّتها
|
فلا تكابد يوم الحشر حسرتها
|
فأنَّ من جودك الدُّنيا وضرَّتها | |
|
| ومن علومك علم اللَّوح والقلم |
|
ناديت نفسي على الطّاعات إذ عزمت
|
وأحجمت عن خطايا الظَّهر قد قصمت
|
وصحَّحت توبةً عن كلِّ ما جرمت
|
يا نفس لا تقطني من زلَّةٍ عظمت | |
|
| إنَّ الكبائر في الغفران كاللَّمم |
|
كم من مراحم للرَّحمن يعلمها
|
ومن لها يتصدَّى ليس يحرمها
|
بها البرايا غداة الحشر يرحمها
|
لعلَّ رحمة ربَّي حين يقسمها | |
|
| تأتي على حسب العصيان في القسم |
|
يا ربِّ إنِّي من الطّاعات ذو فلس
|
أرجوك تخرجني للنُّور من غلسٍ
|
وغسل قلبي بماء التَّوب من دنسٍ
|
يا ربِّ وأجعل رجائي غير منعكسٍ | |
|
| لديك وأجعل حسابي غير منخرم |
|
هب ربِّ لي ما فؤاديمنك أمَّله
|
ونحَّ عن كاهلي حملاً قد أثقله
|
وخاطري كلَّ شيءٍ عنك أشغله
|
والطف بعبدك في الدّارين إنَّ له | |
|
| صبراً متى تدعه الأهوال ينهزم |
|
بحقِّ حبِّك هب لي حسن خاتمةٍ
|
واُغفر لنفسٍ على العصيان نادمةٍ
|
واُمنن بمزنٍ تحايا منك لازمةٍ
|
واذن لسحبٍ صلاةٍ منك دائمةٍ | |
|
| على النَّبيٍّ بمنهلٍّ ومنسجم |
|
وآله السّادة الأطهار أهل عبا
|
وصحبه الأكرمين القادة النُّجبا
|
وكلِّ شخصٍ إليه كان منتسبا
|
ما رنَّحت عذبات البان ريح صبا | |
|
| وأطرب العيس حادي العيس بالنَّغم |
|