عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > العراق > نور الدين البريفكاني > لا حول إلا بالإلَهِ السَرمَدِي

العراق

مشاهدة
1658

إعجاب
2

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

لا حول إلا بالإلَهِ السَرمَدِي

لا حول إلا بالإلَهِ السَرمَدِي
فباسم الله المجيدِ أبتدى
سبحانه مِن ماجدٍ مَنّانِ
ذى الجُودِ والإكرامِ والإحسانِ
أسأله العصمةَ في الدارين
والفَوزَ بالرؤية رأى العَينِ
هو المرادُ والمريدُ والحكم
هو الذى أتقَنَ تأليفَ الحكم
لا يجدُ العبدُ الضعيفُ غيرَهُ
مِن فضلهِ المسكينُ يرجو خيرَهُ
يا مَن تجلّى باسمه اللاهُوتِ
أظهَرَهُ في برزخ الناسوت
فلا إلَهَ في الوَرى إلاَ هو
وكلُّهم في كُنهِهِ قد تاهوا
أسأله مِن فاقِةِ العُبُودَة
آلاؤُهُ في فاقتِي مَوجَودَة
جميلُ وصفهِ لوصفى جابِرُ
بلطفهِ الواسعِ وهو القاهرُ
إن لم يكن منِّ له فَمنِه لى
هذا الذى سمّيته محمداً
أرسلتَهُ من أكرم الأصلابِ
أيَّدتَه بِمُعجزِ الكتابِ
جعلتَه البرزخ بَينَ العلما
وقبلةً في أهل أرضٍ وسما
وهو من الأعيان عينُ العينِ
زيتونةُ المصباحِ في الكَونَيينِ
أدنَيتَهُ بالذاتِ من ذاتِكَ لا
كقابَ قَوسَينِ غدا مُتّصِلا
وبلّغِ الشيخين من رضوان
والحَسَنَينِ باهر الإحسان
أعظِم بهم أصحابَ نورِ وصفا
أولئك السادةُ نعمَ الخلفا
ومَن قفا أولئك الموالى
فحفّهم بالفضل والإجلالِ
من أهل بيتِ المصطفى الأمجادِ
وسائرِ الصحابةِ الأسياد
وأُلطَف بمن قَفَاهُمُ من تابِعِ
وأحشُر بهم عبدَك ذا ياسامع
أشارَ سيّدى الإمامُ الأوحدُ
تاجُ الكرامِ العارفينَ أحمدُ
في قوله المرشدِ للاخلاص
علامةُ الوَلاءَ وإختصاص
أن لا يَرَى عبدٌ له أعمالاً
ولا مَقَاماتٍ ولا أحوالا
علامةُ اعتمادِهِ على العمل
نقصانُ ما يرجو لِوُجِدانِ الزَلَل
فَليَشهَد الخالِقَ للأفعالِ
يَنجُ من الإشراكِ والوَبالِ
مستسلماً لقهرهِ مُفَوِّضاً
ولا يَزُغ من أمرهِ عندَ القَضَا
فالحولُ والقوّةُ للقهّارِ
إنّ التبرّى عَلَمُ الأخيار
وإشهَد أخِى مِنَّتهُ فيما مَنَح
ولتَلكُ مَن مالَ إليه وجَنَح
وإرضِ بما يصنعُ مولاكَ ولا
تَسخَط إذ النازلُ يوماً نرلاً
ليسَ بمحتاجٍ إلى حُسنِ العمل
عند السماحِ لا يُبَاليِ بالزلل
أو شاء للعبدِ عقوباتٍ فَمَن
يَصُدُّه وليس يَرضى بالثَمَن
هو الغنيُّ عن وجودِ العِللِ
فكيف يحتاجُ إلى المعلل
لم تَلثُ عاملا بشيءٍ وغدا
قضاؤه المَحتُومُ قبلُ مُوجِدا
وقال شيخى كامل الأنوارِ
يدعوك للجنّة خيرَ الدار
إذا أقامكَ الالهُ فامتَثِل
واصبر على مَرضِيّهِ وال تَمِل
فَرُبّما صفت لك الأسبابُ
واستوفيت في نورها الآدابُ
فههنا إعلَم أنّه أرادكَ
وشاءَ في إستيفائها إسعَادَكَ
علامةُ إستقامةِ الأسبابِ
كونُكَ مدعوًّا لفتح الباب
وأن يرَى العبدُ صفاءَ العملِ
عن كل ما مآله للخطل
وأن يرى التوبةَ في المعاصى
إن لم يكن بدٌّ مِن الخلاص
وأن يرى اللهَ لدى أفعالهِ
معَ الرضا باللهِ في أحوالِهِ
لا أن يرى الراحة من شقَّتها
وراحة الدنيا بلا كدرتها
فلا صفاءَ لامرىءٍ من شَغَبِ
ولا خلاصَ لأمرىء من عَطَبِ
ولا زوالَ من وجودِ الغَصَصَ
وليس في الدنيا سوى مُنعَرصِ
وحيثِما صفا لك التجريدُ
مستغرِقاً لقلبك التوحيدُ
واستقرّتُ من وقتك الأسبابُ
وهي التي مآلُها العذاب
وتركتكَ بعدما توجهت
وأدِّيَت فرائضُ وما وَهَت
فاعلم بأنّ الله قد ارادَهُ
منك فلا تُضِع له مُرادَهُ
فاخرج من الأسبابِ إذ لا حَرَجٌ
فاللُبثُ منها بعد هذا عَوَجُ
علامة إستقامة التَجرِيدِ
حصولُ ما أوجبَ من توحيد
وأن تقومَ فيه بالحقوقِ
والشغلِ باللهِ عن المخلوق
فمن دَعاهُ اللهُ للتجريدِ
فَليَترُك الأسبابَ مع تفريد
لقلبه مع كاملِ التَشمير
من غير فَترَةٍ ولا تقصير
وليس هذا شَهوةٌ خَفِيَّةٌ
ولا إنحطاطُ الهِمَّةِ العَليَّةِ
الناسُ أقسامٌ ثلاثٌ فيها
أوَّلُهُمُ مُقَصِّرٌ مُردِيها
فالهِمَمُ القواصِرُ اللّواتي
تأبى من العزمِ سوى النِيّاتِ
تعزمُ للفعلِ ولا تَفعَلُهُ
وليس يأتى عازماً مأمَلُهُ
من انفعالِ المُنيَةِ المَرُومةِ
فهى التي في عَزمِها مَحرُومَة
ثمّ تليها متوسطاتُ
وهي لما تعزم فاعلاتُ
لكنّها لا تَصِل إنفعالاً
وإن تجد في حَزمِها إكمالاً
لمّ تليها الهِمَمُ السوابقُ
وهي التي آمالها طوابقُ
أقسامُها أربعة فَعَائِنُ
فَكَم خبائثٌ له كَمَائِنُ
وساحرُ مؤثِّرُ في نَفَثِهِ
وعقدةُ تأثيرهِ من خُبثِهِ
ومتريّضُ لتجريد القُوى
يفعل في تجريدها كما هى
وكلّ هذا بقضاءِ اللهِ
فلا تكن في رِيبَةِ إشتباهِ
فإذ علمت أنّه لا يقلب
وأنّه لكنّها مُسَبِّبُ
فكن مَرِيحَ النفسِ عن تدبيرِ
مُفَوِّضَ الأمورِ للقَدِير
فما أقامَ فيه مولاكَ فلا
تقم به إذ لا ترى مُحَصِّلاَ
تدبيرنا يَعقُبُهُ تكلّفُ
وقد يكونُ بعده تخلَّفُ
فإن يكن فيه من المَدَبِّرِ
مشيئةٌ لا خُلفَ للمدَبِّرِ
أو لم يشأ فلا يكونُ أبداً
وإن يكن كلُّ الورى مؤيِّدا
تفوّضُ الأمورَ بالتوكلِّ
لخالقِ الأمورِ والموصِلِ
وقُم على الصالحِ من أعمالِ
بئس إمرءاً تراهُ ذا إهمَالِ
فمن أطاعَ اللهَ بالاقبالِ
أتَته دنياهُ من الحلالَِ
لكنّما العُقبى بلا أعمالِ
تَسَلُّمُ الانسانِ للنَكَالِ
القلبُ يخفى عن شهودِ البَّصَرِ
وليس يخفى للفَتى عن أثَرِ
بصيرةُ الكاملِ في الأنوارِ
تدعو إلى التَكَلانِ للجبّارِ
سَريرَةُ الناقصِ عن ظلمتِهِ
ندعوه أن يجهد في شِقوَتِهِ
ويكسبُ الدنيا نَسِيَّى الآخرة
بئس إمرءاً يتبعُ داراً خاسِراً
لذّاتُها سريعةُ الفسادِ
أينَاؤها فى وَهدَةِ الإبعادِ
فحيثما أقبلت الدنيا فقط
طَغَيتض والشاهدُ بالحقِّ شَهِد
قد ضَمِنَ اللهُ لنا دنيانا
وطالبَ المَسعى لما عُقبَانا
علامةُ الجاهدِ في المَضمُونِ
لغائب تلهّفُ المحزون
وتركُ تقوى اللهِ في التحصيلِ
وغفلةٌ عن واجب التعديل
ومن علامَةِ الذى لا يَجهَدُ
لذلك المضمونِ بل يَعتَمِدُ
على الوكيل طلبٌ مع الرِضا
بما أرادَ اللهُ من مُرِّ القضا
وكاملَ التقوى بحالِ الطلبِ
والأخذُ بالأسبابِ حفظُ الأدبِ
فكون دنيانا لنا مَنعُوتُ
نهرٍ أتى في قومِهِ طالوتُ
وليس ينجو طالبٌ من رَغَدِهِ
إلا الذى يشربُ غَرفاً بِيَدِهِ
مستغرقٌ في أملِ دنياه
آلَ به الطَمسُ إلى عَمَاهُ
الله ضامن لنا إجابة
مهما طَرقُنا في الدعاءِ بابَه
إذا دَعوَناهث مع الإلحَاحِ
يجيبُ في الأحاديثِ الصحاحِ
واليأسُ عندَهُ علامةُ الردا
إذا تأخَّر العطاءُ أمَداً
ثلاثة مراتِبُ الدُعاتِ
مُفَوِّضُ للهِ في الفاقاتِ
عُبُودَةٌ آثر بالتَعَلّقِ
بربِّهِ بأحسنِ التحقُّقِ
يرضى به عندَ الوُجودِ والعَدمَ
إذ كان ثابتُ اليقين والقَدَم
مراده من الدعاء عُبُودَهُ
وأن يبثّ عنده معبودة
ورجلٌ بابِ مولاهُ وقَف
منتظراً نزولَ مُوهُوبِ التُحَف
مرادُه من ربّه نَيلُ الغَرَض
ويعبد اللهَ لتحصيل العِوَض
فذاك رُبّما يشكُ في الوفا
وقد نأى في يأسِهِ عن الصفا
فليعلم الإنسانُ مقصود الدعاء
وهو إلى اللهِ إفتقارٌ باللَجَا
فمن يكن عند العَطَا يُفَرَّجُ
فاعلم يقيناً أنّه مستدرجُ
وقال شيخنا إذا العبدُ دعا
مشرطِ ما مرَّ تحقَقَ العطا
والحقٌّ ضامنٌ لأن يجيب
كان كما في نَصَّهِ قريباً
لكنه يختارُ عَينَ المقصدد
من حيثُ علمُ عبده لا يهتدي
ومِثلُهُ الزمانُ فاصطبِر لَهُ
ولا تكن من جهلهِ أعجَلَهُ
وانظر لما دعا بِهِ الكَلِيمُ
ثم أخوهُ الأفصحُ العليمُ
وصحّ مدّعيهما يَقيناً
دعاؤُهُ قد كان أربعينَا
وفي الحديث من دعا مَولاَهُ
إمّا يكون نائِلاً مُنَاهُ
أو الثوابُ للمعادِ يُدَّخَر
أو مثلُ مادعا لَهُ صرفُ الضًَرر
وحكمَةُ التأخيرِ في الموعودِ
وخِيرَةُ المقصدِ للمعبود
عنايةُ اللهِ ورِفقٌ بالفتَى
فإنّه الجاهلُ في عينِ العطَا
فإنّه يعطيه ما أولى بِهِ
حاشاهُ أن يَطرُدَ من في بابِهِ
وثانياً فذاك إبقاءُ لِما
حقَّقهُ اللهُ على كلّ الورى
وهو عُبُودِيَّتُنَا لَهُ فلو
أنتُفِيَت عن العبادِ لعلو
وثالثاً به طُهَورُ الفاقَة
وقد قضى تَكلِيفَنا إستحقاقة
ولا يُشَكِنَّكَ في الوعدِ أبد
تأخُّرُ العطا إلى طولِ الأمدِ
وأعلم بأنّ ذلّةَ العبيدِ
شرطٌ لهم في بُلغَةِ الموعُودِ
واعتبِرَن بقصّةِ الأحزابِ
وفتح مِكّةَ من الأصحاب
قد أصبحوا أذلّةً فَنُبصِرُوا
وفي حنين أعجِبُوا فكُسِرُوا
واعتَبِرَن بقصّةِ البَدرِيّةِ
وذاكراً لآية نَصرِيّة
فهذه من حِكَم الإلَه
ثلاثة فخذ بلا تَبَاهِ
والشكُ يهديكَ إلى بصيرةٍ
مُظلِمَةٍ ومَخمَدِ السَرِيرَةٍِ
الفقرُ والذلّةُ والبلاءُ
والمرضُ المُسقِمُ والعَناءُ
وما يضاهِيهِ من الاحوالِ
تعرّفٌ في حضرة ذى الجلال
ليعلَمَ العَبدُ له إنكساراً
على الإلَه الحقَّ واضطراراً
فأوجُهُ التعريف لاتنحصِرُ
والغرضُ الأكبر منها العِبَرُ
من العبادِ من يروا حدوداً
ولا يروا لنفسهم وجوداً
وذاك سِرّ وجهَةِ التعريفِ
والسَبّبُ الباعثُ للتكليف
حقيقةُ الناسِ غَدَت جَهُولاً
وإن حبَاهَا ربّنا عُقولاً
عرّفهم لتبرز الخَفَايا
من جوهر الإنسان والجنايا
جوهره الفاقة وإنكسارُ
وسِرُّهُ الفقرةُ واضطرارُ
وأودعَ القُوّةَ مع صُنُوفِ
نعيمه الفائقِ من ألوف
مع أنّه الظَلُومُ في الودائعِ
وجاهل في الحِكَم البدائعِ
وناظر لظاهرِ الوُجُودِ
يَنسَى فعالِ الواحد المجيد
أجهله في أوّل الأمور
أظلمه لناجِزِ الغُرُورِ
ثم أراد العلمَ والعِرفانَ
بربه منه على ما كانَ
وأن يرى حقائِقَ المخلوقِ
وضَعفَهُ العاجِزَ بالتحقيقِ
فآلَ أمره إلى التعريفِ
بأوجُهِ الذلّةِ والتكليفِ
أشهَدَهُ عجزَيةً حتى يرى
في عجزِه إلَهَهُ مقتدرا
أشهَدَهُ الفاقَةَ وافتقاراً
ليعرف الغنىَّ والقهّارَ
أشهَدَهُ ضَعفَ الذى لَدَيهِ
حتى يرى توكّلاً عليه
هو القَوّىُّ والقديرُ والغَنى
هو العزيزُ وسواهُ مُنحنَى
فهذه خَصائصُ الإلَهِ
فإعرف لَهُ صفاتِهِ كما هى
وإعرف وجُودَك القديمَ تفلحُ
وقِف على الحدودِ حقّا تربَحُ
فبعدما اللهُ رأى إنساناً
ما فارقَ الجهلَ ولا نسيَانِ
أشهَدَهُ صِفاته القديمة
حتى يرى أحكامَهُ اللئيمةُ
فسلّطَ البَلا عليه والغنَى
والسقمَ والصحة ثمّ المِحَنَ
ليشكرَ اللهَ على الغِناءِ
يصحبَ الصَبرَ على البَلاءِ
وهكذا في سائر الأحوالِ
مختلفات الحكمِ والأفعالِ
والقصدُ منها رؤيةُ الرُبُوبَةِ
بِجقِّها فإنّها المقصُودَةُ
وبعدَها العرفانُ بالعُبُودَةِ
بحقّها فإنّها المقصُودَةُ
فَمَن هداهُ اللهُ يدرى وصفَهُ
من حيثما بحقَهِ عَرَّفَه
ومَن أضلَ اللهُ لا يُبالي
بكلّ ما عَرَّفَه الموالى
فأوجُهِ التعريف جاءت واسعة
ولا يعيها غير أذُنٍ سامعة
فعارفٌ مَن صَرضفَ السمعَ إلى ال
وجهَةِ تعريفاً وإن قَلَّ العمل
فالحقُّ لا يُعرَفُ إذ إلاّ بها
أو لا لإلحاء إلى أعجَبِها
فانظر إلى حديث بطنِ الوادى
فأتِ صالةَ سيّد الأسيادِ
وذاك حتّى يُعرَفَ إستضعافَهُ
ولا يُوارى قَدرُه أوصافَهُ
فيا أخى إذا الغلَهُ فتح
وِجهَتَهُ فقد حَبَاكَ مِنَحاً
وقلّةُ الاعمالش مع تعرّفِ
منه إليك أنت فيها مُكتَفِ
ليس الذى يعرفُ من أكثرها
يَعرِضُ عن وُجُوهِ من قدّرها
وإنَّما العارفُ من حقَقَ فى
أمرٍ أتاهُ مالَهُ من مُصرِفٍ
اللهُ يرضى أن تكونَ عارِفاً
بحكمه وأن تنالَ الشرفا
وكُل ما توجه اللهُ به
لا بدَّ من التعريف مِنه فَبِه
دواءُ تعريِفكَ بالخصوصِ
فألجأ به لمبلغ التَخصيصِ
وأنظر على آدمَ لمّا هَبَطَ
حينَ على ذلِّ وعجزِ سقطَ
وانظر إليه عند أكل الشجرةِ
ألهَمَهُ اللهُ لكلِّ قَدَّرَهُ
فصارت الذلَّة أىَّ عزّةٍ
وفازَ بالتكريمَ والمَعَزَّة
إذ عَلِمض الأمرَ الذى لا يُصرَفُ
وأنّ ربَّهُ بِه مُستَعرِفُ
فذَنبُهُ أصبحَ خيرَ طاعةِ
وعِجزَهُ بُدِّلَ باستطاعه
فكلّ وَجهِ هو شافِ داءٍ
وماله بالغِيرِ من شِفَاءِ
وموقفُ التعريفِ بالإجمال
معرفَةُ المعبودِ بالإجلال
مع هوَانِ النفسِ والدُنيا وما
فيها وأن يَعرِفَ منها الحِكَمَا
ويَعرِفَ الخلقَ على ماكانُوا
وأنَّهم للحكمِ ما إستبانوا
إن فعلوا خيراً وشرّاً فلقد
أرشدهم أفعالُهُم كلّ رشد
فبعضهم يحقُّ للتقديم
وبعضهم أجدَرُ للتحريم
فانظر لخلاّقِ الفِعالِ منهم
ولا تحوَّل حكمَ شرعٍ عنهم
ما مَنَحَ اللهُ لك التوجيه
بوجهَة إلاّ أراكَ فيها
تعريفَهُ إيّاكَ مِنَّةً فال
أعمالُ إن قلّت فما فيه خَلَل
تعريفه إيّاك فيما وجّه
اعظمُ من فعلِكَ فأهجر سفهاً
ولا تقُل فعلىِ حقيرٌ قلَّ
كيف به أعرفُ من تجلّى
فإنّه وجّهها إليك
أورَدَهَا من عنده عليك
وأنت للاعمالِ مَن يَهدِيها
إليه فإعلم حيثما تأتيها
فأينَ ما تهدى إليه مّما
هو له المَورِدُ فإبغِ علما
بينهما في الحُكمِ ما بينكما
فهو الجليلُ وهو ربُّ العظما
وأنت في غاية ضَعفٍ ودَنا
ءَةٍ وذلِّ ثم عجزٍ وَوَنَا
فأنت عبدٌ وهو ربٌ فإعلم
وأقبِل إذا عرّفَ امراً تحكم
ولا تقابل فعِلَهُ بفعلِكَ
وغن فعلتَ ذا فَيالِجَهلِكَ
تَنوّعُ الأجناس من أعمالِ
لوارِدات مُقتَضى الأحوالِ
فحال عند القومِ مُطلَق على
مَوارِدِ القلب لقهرً نزلا
والعملُ الأمرُ الذى يَصنَعُهُ
جِسمُكَ ثمّ حالنا مَرجِعُهَ
للأمرَينِ ليس للأركانِ
مَورِدهُ ولا على الجَنانِ
وإنّما الأعمال ما عمَهما
والحالُ إذ ذاك مُبَاينٌ لهما
فهو عبارةٌ عن التقلَّبِ
من التصاريفِ لربّ يَجتَبِى
كالفقرِ والغناءِ والعزِّ وذلِّ
ممّا عليه رتَبُ الحكم وجُلِّ
والحكمُ ذو اختلافٍ بإختلافِهِ
وليس مَصرُوفاً إلى خِلافهِ
لكلِّ حالٍ عملٌ يخصُّهَ
تصريفُ مُهدِيهِ لنا يَنُصُّهُ
فكلُّ ما فاتَ على العافِيَةِ
أدرِكَ بالصبرِ على البيّةِ
فقد علمنا أنّ ذا الأحوالِ
مُدارِكٌ بكثرةِ الأعمالِ
فحيثُ أضحى شاكراً وصابراً
وخاضعاً مُسامِحاً وغافراً
ونحوَ هذا من صُنُوفش العمل
فقَلبهُ بنور أحوالٍ جُلى
وسوف يأتي ليس حَظٌّ الذِكرِ
إلاّ لِباطنٍ كحالِ الفِكرِ
وقال من لوحِظَ بالإمدادِ
مُقدّسُ السرّ كبدرٍ بادِ
مُحَقّقاً لِما صفى من عمل
وإنّ في الشرِّ أيضاً يوجد
فَمن له حالٌ من الله رَدى
يَتبَعُه من عملِ ذاكَ صَدَى
فَصُورُ الاعمالِ حيثُ قامَت
بجوهر الإخلاصِ فاستقامت
وإنّما الإخلاصُ تركُ الخَلقِ
في عملٍ أَتَيتَهُ للحقَّ
وأوَّلَ الخلق هو النفس أجل
يتبعها الشيطانُ فإحذَر من خطل
فصحِّح الأعمالَ بالإخلاصِ
وصّح الإخلاصَ بالخَلاَصِ
من التَبَرّى مِن جميعِ القُوَّةِ
هناكَ تَهدِى لمُنى الفُتوَّةِ
ثم كما الإخلاصُ حِصنُ العملِ
كذلك الخُمولُ حِصنُهُ الجَلى
وهو إنطراحُ النفسِ في الدَناءةِ
والنقصِ والذلَّةِ والوَناءَةِ
فادفَن وجودَ النفس في الخمولِ
أرضٌ غدت مرزعةَ البُقُولِ
فما بِهِ تذكَرُ من كمَالِ
من عملٍ أو حالٍ أو خلالِ
فذاك للدَفنِ بحقِّ أجدَرُ
وكلّ ما ضدُّ الورى تَجتَهِرُ
فالناسُ أصنافٌ ثلاثٌ ههنا
فواحدٌ محقَقٌ له الفَنَا
فغاب عن رِفعَتَهِ بربِّه
فلا يَرى مَن دُونَه بقلبِهِ
ويعلمُ الكمالَ كلَّهُ لهُ
والنقصَ للعبدِ فما أرذَلَهُ
وناظراً لآيَةِ فَلَولا
فضلُ الإلَهِ عندكم لضَلاَّ
جميعُكُم وما زكى من أحَدٍ
فهو بفضلِ الله حقًّا يهتدى
ورجلٌ ساعَدَهُ التوفيقُ
وواضحٌ لقلبهِ التَحقِيقُ
فغاب عن محاسِنَ لِنَفسِهِ
بعيبها لا يَلتَوى لعكسه
فشاهدَ المحاسنَ مَسَاوى
وشاهدَ الحقائقَ دَعَاوى
فنفسُهُ من عينه ساقطة
فذا لَهُ في حالِهِ رابطةٌ
إن مدحته الناسُ ما رآهم
إلاّ كقومٍ بصّروا عما هُمُ
ورجلٌ مُتَّسَعٌ عليه
غرورٌ نفسِ دائمٌ لديه
فغلّبَ الوَهمَ على الفَهمِ فلا
يَنجُو من النفسِ إذا ما خَمَلاَ
فحقُّهُ الخمولُ بالتشبُّعِ
من الحلالِ كخسيس المصنعِ
أو الذى يكرَهُ لا المُحرَّمِ
ولا الفَرَّارِ للتخلّى عنهم
فإنّ ذاك لهم تعظيمُ
يعودُ فيه عَيبُهُ القديمُ
وفى اللذين مَضيَا أشار
كلامُ قطبِ مَرسىٍّ جِهاراً
عبدُ الظُهورِ والخَفَا من إعتنى
بواحدٍ وعبدُ ربِّى من فَنَى
وقد أشارَ للخمولِ تاجُ
بغير دَفنِ ما أتى نتاجُ
أو جاء ما تمّ فلا تُلفِى نظر
فكلّ قصدٍ بالخمول مستقرّ
ولا فِرار نافعُ في الخَلقِ
بلا خُمولش وشريفِ الخُلقِ
إلاّ إذا ألجَأ لإعتزالِ
وجاهرَ الخَلقَ بكلّ حالِ
فعزلةُ الإنسانِ للانسانِ
سبقٌ له في مَعرَضِ الميدانِ
بفكرةٍ تَلقى على التوحيدِ
مُوَحِّداً للقلبِ ذا تَفرِيدُ
فكل معزولٍ بلا إفتكار
مآلُهُ للحُمقِ وإغترارِ
والناس في عزلتهم أقسامٌ
ثلاثةٌ مخصصٌ وعامٌّ
فواحدٌ منفردٌ بقلبه
لا شَخصِهِ وشاغلٌ بربّهِ
فذاك كائنٌ مقيمٌ قاطنُ
وراحلٌ لربِّهِ وبائنُ
وحالُهُ حالُ العِظامِ الأقويا
أهلش الكمالِ والكِرامِ الأولياء
ورجلٌ منفردٌ بشخصِهِ
لا بالفؤادِ جابرُ لنقصِهِ
ورجلٌ منفردٌ بقلبه
وشخصه مسلّمٌ بدأبِهِ
مآلُهُ إلى الكمالِ صائرُ
إن كَمّلَت شُروطَهُ الدوائرُ
وهنَّ فكرٌ دائمٌ وصبرُ
وحفظ سِنَةٍ هناك النَصرُ
لا يشرقُ النورُ بقلبٍ طُبِعَت
فيه على مِرآتِهِ إذ جَمَعَت
صورةَ أكَوانٍ سوى الله ظُلمُ
ضراً ونفعاً أو جمالاً مُر تَسَم
فبارتسامِ الشيءِ في تلك الصُوَر
يُحرَمُ قلبُ العبدِ للهِ النظَر
فليس للقلبِ سوى وَجهٍ إذا
وُجِّهَ للكونِ إليه إنجَبَذَ
أو للالِهِ لا يرى سواهً
طُوبى لِذَا القلبِ فما أجلاَه
ذلك حكمُ غفلَة القلوبِ
بظاهرِ الكون عن الغُيُوبِ
وكيف قلب العبد في النهمات
لرّبه يرحل عن غفلات
فكلّما رامَ نهوضاً صُرعَت
وكلّما رامَ سلوكا مُنِعَت
وكلّما رامَ سراعاً قُطِعَت
وكلّما أسرع قَهراً ومقت
وكلّما رامَ إجتماعا مُزِّقَت
عَزمَتُهُ إذا لربَى سَبَقَت
فمالَهُ رحيلُهُ من طَبعِهِ
إلى بِساطِ الجمعِ مأوى جَمعِهِ
أم كيفَ يطمعُ أمرؤ ذُو غَفلَةٍ
حضرةَ مولاهُ بحالِ سُفُلَةش
وحضرةُ اللهِ هي الولايةُ
دائرةُ الخواصِّ بالعنايةِ
فهو مقامٌ طاهرٌ لا يَدخَلُ
أهلُ جَنَابَةٍ وقلبٍ يَغفُلُ
إنّ الطُهورَ ههنا للجُنُبِ
ذكرٌ وفكرٌ موجبٌ للأدبِ
بالماءِ والصخرِ او الصَعِيدِ
فَطَهِّرُوا يا كاملى العبيد
أم كيفَ يرجُو منهم سِرٌّ دقًّا
ولم يَتُب من هَفَواتٍ حقًّا
فظلمةُ الكونِ كما حَقّقَهُ
تاجُ الكرامِ تحتوى مُطلَقَهُ
وإنّما أنارَهُ ظُهُورٌ
نلحقِّ فيه وهو فيه نُورُ
الله نُورُ الأرضِ والسماءِ
والكونُ مشكاةٌ بِها مُرائى
زُجَاجَةُ الافعال للزَيتُونَةِ
من الأوصافِ دونها مَصُونَةُ
وما غدت شَرقِيَةُ الجمالِ
وما غدت غربيةُ الجَلالِ
يكادُ زيتُها يضيءُ لو لم
تَمسَسهُ نارُ الأثرِ الذي عمّ
مَنش الذى مصبَاحُهُ صفاتُ
أفعالٍ نَوَّرَ به مجَلِّياتِ
فَمَن رأى الكَونَ وما رىهُ
فيهِ فقد أعوَزَهُ مُنَاهُ
أو قَبلَهُ أو بَعدَهُ أو عِندَهُ
فهو من الظلُّمَةِ لن يَشهَدَهُ
وحُجِبت عنه شُهُوُ جَلِيَت
بسُحُبِ الأثارِ منها خَفِيَت
ما دَلّنا على وُجودِ قَهرِهِ
إن كان ذا حُجُبٍ بما في أمرِهِ
ليس له مع ذاتِهِ وجودُ
أكان مَعُ ذى وحدَةٍ موجُودُ
فالنّاسُ مَحجُوبُونَ عنه بِهِم
فَعَدَمٌ مُحتضجَبٌ بالعَدَمِ
ثمّ إحتجَابُ العدمِ بالعدمِ
دلَّ علىظهوره في القِدَمِ
لنفسِهِ بلا حِجَابٍ معَهُ
سبحانَهُ وعَزَّ ما أعظَمَهُ
فهو الوجُودُ المحضُ ما سواه
فعدمٌ محضُ أما تَراهُ
فجاءَ شَيخُنَا بعشرٍ أمثِلَةٍ
وغيرُ ذى لُبِّ لذا لَن يَعقِلَهُ
كيفَ وقد أظهرَ كلَّ شيءٍ
يَحجُبُهُ عنك وَجُودُ شيءٍ
كيفَ وظاهرٌ بكلِّ شيءٍ
يَحجُبُهُ عنك حِجَابُ شيءٍ
كيفَ وظاهرُ لِكلِّ شيءٍ
يَحجُبُهُ عنك ظُهُورُ شيءٍ
كيفَ وأظهرُ من كلِّ شيءٍ
يَحجُبُهُ عنك بُرُوزُ شيءٍ
كيف وما كانَ مَعَهُ شيء
يَحجُبُهُ عنك وُصُولُ شيءٍ
كيفَ ولولاهُ أكانَ شيءٌ
يَحجُبُهُ عنك حُلُولُ شيءٍ
يا عجباً أيظهرُ الوُجوُدُ
في عدمٍ في ذاتِهِ مَفقُودُ
كيفَ الذى ثُبُوتُهُ من عَدَمِ
يُوجَدً مع ذى صِفَةٍ بالقِدَم
وقال شَيخُنَا الهُمامُ الأوحدُ
لُبُّ لُبابِ العارفينَ أحمدُ
ما تركَ من جهلهِ شيئاً فَتى
أرادَ إحداثاً لما ما ثبتا
والله قد أوقَعَهُ في غيرِهِ
يسلكُ ذا العبدُ بغير سيرِهِ
فالأدبُ المحضُ هو الوُقُوفُ
فى كلِّ ما وجههُ التعريفُ
معانِدُ الوقتِ عظيمُ الجهلِ
بالشرعِ ثم العادَةِ والعَقلِ
فمن دليلِ الجهلِ بالمعقُولِ
إرادةُ الرَفعِ من الجَهُولِ
لِمَا وَقَعَ ثمّ إيقاعٌ لِمَا
يَمتَنِعُ الوقوعُ منه فإعلمَا
دليلُ جهلِهِ بشَرعيّاتِ
هو إعتراضُهُ بلا إلتِفَاتِ
على الإلَهِ بالذى قَضَاهُ
مُرتَكِباً هنا على هَواهُ
ثمّ دليلُ الجهلِ بالعاداتِ
وكونِهِ لغَيرِ مَقدُوراتِ
كان أرادَ اللهُ فيه سَقَما
وهو يُرِيدُ صحةً فَلَمّا
لم يَرضَ بالذى قضاهُ رَبهُ
زِيدَ عليهِ ذاكَ بعد تَعبُهُ
فإنّ سُنَةَ الحكيمِ فينا
في هذِهِ الدارِ الذى يُؤذِينا
فأينَ ما يَتعَبُهُ منفائدةٍ
وليس فى تَدبِيرِهِ من عائِدَةِ
فَليَركَن العبدُ في الاستسلامِ
ليخرُجَ القلبُ من الآلامِ
أولا فكيفَ يَبلُغُ المقصودَ
مع كونِهِ مختلفا مصدودا
إحالَةُ الأعمالِ للفَراغِ
رُعُونَةُ النفس على المَزَاغ
وحمقُهُ يظهر من وُجوُهٍ
ثلاثةٍ إحالةُ السَفِيتهِ
أعمالَهُ إلى المُحالِ عادَةً
فأىُّ وقتٍ يبتغ السعادةَ
فهو يقولُ لستُ عامِلاً إلى
فَرغِ وَقتِى ثمّ آتى عمَلاً
وحالُ دنياهُ يقولُ ما إن
تَفرَغُ غلاّ بعدَ أعمالٍ ومِن
وُجُوهِهِ وثُوقُهُ بغيرِ مَو
ثُوقِ وذاك النفسُ فليدرِ ولَو
زَيَّنَت النفسُ له مَراماً
من عَزمِهَا تَمكُرُهُ مَدَاماً
وثالثُ الوُجُوه إهمالٌ لِمَا
هوالمرادُ ومرامُ الحُكَمَا
عزمٌ وحزمٌ ثمَ جزمٌ تتّصِل
خوفاً من الوقتِ وقطعٍ مُحتَمَل
فَمَن راى الدهرَ له مُطِيعاً
وعن جميعِ كُرهِهَ مَنيعاً
يوجبُ هذا العارَ أخذُ الدنيا
والجهدُ فيها دَونَ أمر العُقبى
لا تَطلبَنَّ منهُ إخراجَكَ مِن
حالٍ إلى حالٍ فَكُن إموء افَطِن
أتتركُ الأسبابَ أو تجريدا
حتَى ينالَ قلبُك التفريد
فلو أراد اللهُ لاستَعمَلكَ
فيهِ بأعمالِ وما أخرَجَكَ
فكُن بما أقمتَ فيهِ عبداً
من حيئما كنتَ ولا تَعَدَّا
فَرُبَّ عبد تارك لشُغلِهِ
يطمعُ أن يَعمَلَ أولى فعلِهً
يَحيقُ بالخُسرَانِ فيما تركَهُ
والعملُ الآخرُ أيضا أهلَكَهُ
فأينما كنتَ فَكُن مُقِيمَا
على إستِقَامَةٍ تَكُن حَكِيماَ
وأنظر إلى المُصَنِفِ الإمامِ
وحالِهِ مع شيخه الهُمامِ
توقَّفُ الهمّةِ عند حالٍ
من سالِكٍ يهدى إلى إنفِصالِ
عن رَبّهِ وقالت الحقائقُ
أمامَكَ المقصودُ نحنُ عائقٌ
فلا يزالُ عارفٌ عن نَظَرِ
بربِهِ وفي هَواهُ يَنجَرى
مراقباً لَهُ بكلِ حال
مُجَانباً عن رؤيَةِ الاحوالِ
وذُو السُلوكِ شأنُهُ تَفرِيدُ
لقَلبِهِ والذكرُ والتوحيدُ
يلاحِظُ الذكَر بلا تشبيهٍ
مُنَزِها بأكمل التَنزِيهِ
وحينما تَبَرَّجَت كوائنُ
قالت جَميعُنا لَكَ الخوائن
إنّ الكراماتِ إذا ما ظهرت
للعبد حينئذ لَهُ فأخبرت
نحنُ الفِتنَةُ للتجريبِ
أى إمتحانُ اللهِ للأرِيبِ
أمَيلُهُ لنا أم للإلَهَ
فإن يكُن لنا ففى مَتَاهٍ
فأشكُر إلهنا ولاتنظرُ لنا
وومن وُجُودِنا توجَّه للفَنا
مقصودُ مولانا من الدعاءِ في
عباده عُبُودَةٌ للعارف
وبالربوبيَةِ كى يَراه
إذ في عُبُودِيتِهِ دَعَاهُ
وإلاّ فلا مردَّ للمنُتضى
وإن دعاهُ أعظمُ الوَلى
فإن دَعَوتَهُ بلا هذا فقد
توجهَ العار إليك واستَنَد
طلبُكَ منه لَهُ إتِّهامُ
أأنت عن مَوعُودِهِ مُضَامُ
وإن يكُن طلبُكَ إيَّاهُ
لوَصلِهِ قد غِبتَ عن لُقيَاهُ
طَلَبُكَ لغيرهِ فَقدُ الحيا
مِنُهُ فذا شِركٌ خفىٌّ منك يا
طَالِباً غيرَهُ لبُعُدٍ عنه
فكلٌّ حاجَةٍ تُرَجِّى منه
فهو الذي كوّنَ كلِّ شيء
بِيَدِهِ مفتاحُ كلِّ شيءٍ
ففى جَميعِ نَفَسٍ تُبدِيهِ
مُقَدَّرُ فِيكَ بِكَ تَمضِيهِ
وكُلُّ حالٍ هو في شأنٍ ألا
في كلِّ حالٍ لُذ بِهِ مُستَعمِلاَ
قلبَكَ في مصنوعِهِ العجيبِ
مراقِباً في حاضرِ قريبِ
وحكمِهِ في صُنعِهِ في خَلقِهِ
من خَلقِهِ وخُلقِهِ ورِزقِهِ
فههنا قد كَثُرَت طرائقُ
بعدَدِ الأنفاسِ من خَلاَئِق
فكن مراقباً له في كلِّ ما
أوجَبهُ عليك تَلقى حِكَماً
ولا ترقَّب مفرغ الأغيار
ولا يَصُدَّنَّكَ عن جبّارِ
ذاك التَمَنِّى عن مقامِ هولك
في كلِّ حالٍ لا تُشَتِّت أمَلَك
قيل فسيروا للالهِ عَرجى
عَوجى مكاسيرَ وغلاّ إلجَا
إلى البطالاتِ لمحتاجِ الدَوا
يقول لا إستعمل الدواسوا
إن وُجِدَ الشِفا فلا شفاءَ
لَهُ كذا إذ مالَهُ دَواءُ
دارُ إشتغالٍ وإفتقارٍ دُنيا
فَسَلُواراحتَهُ للعُقبى
فأشغُل بشغلِ العمل الشغُولِ
عن كلِّ مانعٍ مَملوُلِ
وهو بِتَوطِينِكَ نفسَكَ على
ما قد تُحِبُّ النفسُ أعنىِ أملا
وكيف تَستغربُ أن تحزُنكَ ال
أكدارُ في دار بناها للخَلَل
وكلُّ نقص وخِلافِ المقصدِ
وكلُّ هّمٍ فتأمَّل وإهتدى
فإنها ما أبرَزَت إلاّ على
شيءٍ دنيّىٍ لا ترى فيها عُلا
وأنظر إلى آيةِ تلك الدار
مَن إعتلى فيها لَهُ بَوارِ
وخُذ كلامَ سيّدِ الطَائفةِ
وكُن على ما قالَهُ رادِفة
قال من المكروُهِ لا أستبشعُ
فيها إذا أمسيت ممّا يقعُ
فقد علمتُ أن دنيانا لنا
دارُ سقامٍ وبلاءٍ حزنا
وأنّ ذا العالمَ شرُّ كلُّهُ
وكلُّ ما أكره موضُوعُ لَهُ
وإن تَلَقَّانى إلهى فيها
بكلِّ ما أكره موضُوعُ لَهُ
فهو من الله تفضّلٌ علىَّ
فقد علمتُ أنَها تعبٌ وعَيُّى
والشغلُ والأكدارُ والأغيارُ
تذهبُ عن قصدُهُ الجبّارُ
ومَن غدا إلى الإلَهِ راجعاً
كانَ له مِن الهُمومِ مانِعَا
ومَن رجُوعُهُ غدا لنفسِهِ
فحكمُه وما مَضى بعكسِهِ
وكلُّ ما طلبتَهُ بالربِّ
تلقاهُ أو بالنفسِ تعبُ القلبِ
فاطلُب بِهِ لتحصُلَ المطالبُ
ولا بنفسٍ فهناك الحاجبُ
ومِن علاماتِ الذى بربِّهِ
تَفويضُهُ للهِ في مَطلَبِهِ
وبعدَهُ توكُّلُ التحصيلِ
فقد رأينا رَحمَةَ الوكيلِ
ثمّ إستقامةٌ لدى التوجُّهِ
فهذه تُبرِىءُ كُمهَ الأكمَهِ
ومَن يكن مطلَبُهُ بالنفسِ
فإعرف له علاماتٍ بالعكسِ
حبُّ المرادِ حيثُ لا تفويضُ
فهو وإن أوصَلَهُ مريضُ
وعمدةٌ على السببِ من حيثُ لا
توكُّلاً على الوكيلِ إستعملا
ثمّ تهوُّرٌ بلا إستقامةِ
وغيرِ تقوىً يبتغى مَرامَهُ
فهو إذا تيسّرَ المرادُ فى
مطلبِهِ حِرمانُهُ لا يختفى
لأنّه ذو عُمدَةٍ بالحلقِ
مفارقُ الشكرِ وحقِّ الحقِّ
فإحذر إلى النفسِ من التَكلاَنِ
فَرِبحُهُ يؤلُ للخُسرانِ
الصادقُونَ فائزونَ باليمنى
يروا من اللهِ مقاماً حسنا
مَن كانَ فى مَبدِئِه مُفَوِّضاً
لرَبشهِ من الرِضاء بالقَضَا
مع التوكلِّ الذى أخلَصَهُ
لربِّهِ فَرَبُّهُ خَصَصَهُ
إن البداياتش أساسُ المقصدِ
ففى النهاياتِ حصولُ سؤدَدِ
فمَن له بدايةٌ صالحةٌ
يتبعُها نهايةٌ رابِحَةٌ
ومن له بدايةٌ قاصرةٌ
يلحقُها نهايةٌ خاسرةٌ
والنُجحُ والإشراقُ في البدايَةِ
نجحُ وإشراقُ لدى النِهايَةِ
معناهما الرُجُوعُ والوكُولُ
ينتَجُ من بعدِهِمَا الوُصُولُ
مَن أشرقت بدايةُ الطريقةِ
له فقد أشرقت الحقيقةُ
وقطبُ كلِّ شيءٍ الحُضُورُ
فكلُّ نورِ تحتَهُ محصُورُ
ثمَّ الذى يستودعُ السرائر
يُظهِرهُ من بعدهِ الظواهرُ
إن كان خيراً بانَ خيرٌ يرشَحُ
إنّ الإنا بما حَواهُ يَنضَحُ
فكلُّ قلبِ عارف فَتّاشِ
قالِبُهُ يردعُ بالخياشىِ
إلى عباداتٍ بلا عصيان
والضدُّ بالضدِّ فذا بيانى
ومَن غدا في غيبه آثماً
لاحت له شهادةٌ وثَمّا
ما جَلِيَت ظاهرُ الأمورِ
إلاّ على حقائقِ الصُدُورِ
وكلُّ شيءٍ خامَرَ القلوبا
بانَ جميلاً كانَ أو عُيُوبا
وكلُّ سرِّ كانَ سترا فيك
يظهرُ من فعلك أو من فِيكَ
ظواهرُ أمُورِنا عنوانُ
لباطِنِ الأحوالِ إذ يُبانُ
لو خَشِىَ القلبُ من الرحمنِ
لخضعَت جوارحُ الإنسانِ
شتانَ بينَ مستدلٍّ بكُمُ
ومستدلٍّ بالسوى عليكم
فذاك عارفٌ بحقِّ واصلاً
ومثبتُ الأمرِ لأصلٍ عاجِلاَ
ذلك برهانٌ لذى التَدَلّى
أوصلَهُ اللهُ إلى التجلَّىِ
وقال قومٌ ذاكَ غيرُ ممكن
بلا ترقى للفتى المُبَرهِنِ
كَلاَّ وذاك من دليلِ البُعدِ
كان الخَليلُ ذا تَدلّى عندى
والمستدِّلُ بالسوى عليه
ذو حُجُبٍ ولم يصل إليهِ
كيفَ ولا غيبةَ مع وصُولِ
فآ حاجةٍ إلى الدليلِ
والمستدلُ يستدلُ للخَفَا
والوَصلَ بالغيبةِ والخفَا إنتَفى
والحقُّ ما غابَ فما الدليلُ
فَذُوا الدليلِ مالَهُ وصُولُ
ليُنفِقَن ذُو سَعَةٍ مِن سَعَتِهِ
إشارةٌ لواصِلِ في صِلَتِهِ
والسائرُونَ للإلَهِ مَن قُدِرَ
عليه رِزقُهُ فقولىِ مُنجَبِرُ
والواصلُونَ ناظرونَ رَبَّهُمُ
في كل حالِ حافِظُونَ قلبَهُم
والسائرون طالِبون وَصلَهُ
ولم يحققوا إليهِ وِصلَهُ
ثمّ بأنوارِ التوجهِ اهتدى
ذو رِحلَةٍ إليه قبلَ أن بدا
والواصِلُونَ لهم المواجهة
كلٌّ له معبُودُهُ قد واجَهَه
فهؤلاِءِ لهم الأنوارُ
ومن مَضَوا تملكهم أنوارُ
فالسائرون حزنوا بِفَقدِها
والواصِلُون رحلوا مِن قصدِها
وبَقِىَ المولى لهم فَرِيدا
تمحّضُوا بربّهم عبيدا
لأنّهم للهِ واللهُ لهم
وليس شِئءٌ دونَهُ قصداً لَهُم
وغيرُهم في دقِّةِ الأنوارِ
تَقبُضُهُم عَوارِضُ الأكدارِ
وذو الوصولِ حالُهُ سواء
إذا أتت سَراءُ أو ضَراءُ
تَعرِفُهم من آيةِ قُل اللهَ
وذَر سِواهُ واعتَمِد على اللهِ
تَشَوُّفُ السالِكِ للباطِنِ في
عُيُوبِهِ أصوَبُ من تَشَؤُّفِ
فيما اختفى من الغُيوبِ ثمّ ما
عِيبَ لهُ قِسمانِ ظاهركما
تراهُ فيكَ مثلُ تقصيرِ العَمَلِ
وباطنٌ وهو من الداء العُضَلِ
منه إعتمادٌ وإرادَةُ سو
أمرِ أقِيمَ فيهِ من أجلِ الهَوَى
وبعدَهُ التدبيرُ مع مولانا
وعَجَلَةٌ مِنّا لدى دُعانَا
والشكُّ في الوعدِ أو إعتراضٌ
بِفَوتِ مطلوبِ وذا أمراضُ
وفقدُ إخلاصٍ وحبُّ شهرةٍ
والأنسُ بالخلقِ وطولُ فكرةٍ
ثم إنطباعُ الكونِ في المرآة
وعُلقَةُ للقلبِ بالشهواتِ
وكونُه مُستَرسِلاً بغفلةٍ
مع إشتغالٍ بوجودِ سُفلَةٍ
وقلّةُ إهتِمامِهِ بِهَفوَةِ
والميلُ عن معبودِهِ بِغَبوَةٍ
وأن يُرِيدَ غيرَ حكمِ الوقتِ
والانسُ عندَ موجباتش المقتِ
وأن يُحِيلَ للفواغَ عملاً
وأن يكونَ بالأمانىِ شاغِلاً
وطلبٌ لحالَةٍ ليس بِهَا
وَوَقفَةٌ النفسِ إلى محبُوبِها
كالكشفِ ثمّ طلبُ الأشياءِ
بالنفسِ والرجوعُ في ابتداءِ
من الطريقِ للسوى والغيبِ
قسمان حسِى وعاهُ قلبُ
ومعنوّىُّ ثمّ شأنُ النفسِ
تعملُ في هَمِّهَا بالعكسِ
من جهلها مُهمِلَةُ العُيُوبِ
طالبةٌ لرؤيَةِ الغُيُوبِ
وليس مولاك بمحجوب ول
كن لك الحجابَ عنهُ مُسدِلا
فما لَهُ من حُجُبٍ يسترُهُ
وجُودُها أو حاصرٌ يحصرُهُ
أولا لكانَ للالَهِ حاصراً
وهو على العبادِ كان قاهراً
فوقيةٌ ما إن لها مكانُ
لسكنّها القوّةُ والسلطانُ
ثم بيانُ عيننا بهذا
فإجعله ذا بَصِيرةٍ مَلاَذا
واخرج مِن الأوصافِ أوصاف البشر
وهى الخلائقُ اللواتى تُعتَبَر
من طاهرٍ ودانسٍ كطاعةٍ
والفِقهِ واليقظةِ أو ضراعَة
وكالمَعاصى والمَلاهى والهَوى
نقيضُ كلِّ يَدرَءُ الضدَّ سوا
فإدرَء بِحُسنى فاسداً مجتهداً
تَعِ حبيبَ الحقِّ مخطوبَ النِدا
نداؤُه على لسانِ أحمدَ
يا أيها النّاس فاصغ واهتد
فمن أرادَ الله إرشاداً لَهَ
صَيَّرَ حظَ النفسِ مُنقَاداً لَهُ
فَتَعبدَ اللهَ على حضورِ
وخظها فِى الكُنِ والسُتُورِ
والعكسُ بالعكسِ فلا تُبالِ
بطاعةٍ وحَظِها العُضَالِ
وأصلُ كلِّ خطأ ومَعصِيةٍ
وشهوةٍ وغفلةٍ مُستَعصِيةٍ
هو الرِضا عن النُفُوسِ أبداً
والعكسُ بالعكسِ فكُن مجتهداُ
فإسقِها من كأسِ سَم ناقع
أولا تَكُن في أوضَع المَواضِع
فمن رأى سَجِيَّةً حمدةً
لنفسِهِ أهلكها بعيدَةً
أنت عن العُيُوبِ في إغضاءِ
لك تقديرٌ من إبتلاءِ
فإصحب إماماً عارفاً بنفسه
مكمّلاً منه معانى قُدسِهِ
وشرطُهُ براءةٌ من الرِضا
عن نفسِهِ لذِلَّةِ معترِضَا
وجاهلٌ يصحبُهُ مَوصُوفاً
بذاك أوُلى من غدا معرُوفاً
بِعِلمِهِ مع الرِضا عن نفسِهِ
يظنُّ حسناً وهو عندَ طَمسِهِ
فَذَرهُ عالماً وجاهلاً كذا
رئيسَ قومٍ قَبلَ أن تَلقى الأذى
إيَاكَ إيَاكَ منهم حَيّاتُ
ليست لمن يصحُهُم حَيَاةُ
فأىُّ عِلمِ عالم يرضى لها
وأىُّ جهلِ جاهلٍ يأبى لها
شعاعُ قلبٍ قَمَرُ البَصيرَةِ
شُمُوسُها مضيئةٌ مُنِيرةُ
فأشرفَ القلبُ على الأفاقِ
فشاهَدَ اللهَ على الإطلاقِ
فاعلم إشاراتِ الإمامِ العارفِ
قطبِ العظامِ باهرٍ مكاشفِ
قال غذغا شَعشَعَت البصيرةُ
تشهدُ قربَ الحقِ بالسريرة
وكلّما الإيمانُ نارَ وإنجلى
أنارَ عينَ القلبِ حتّى أذهلا
عن الوجودِ فانياً عن كلِّهِ
والحّقُ موجودُ له في وَصلِهِ
وحقٌّ شاهدِ البصيرةِ اقتضى
نَفىَ إعتبارٍ بالسوا مُنقَرِضَا
وجودُنا مع عدمٍ سيّانِ
وينفَنِى الحادثُ باقترانِ
مع القديمِ وهو قد كان ولا
شيءَ سواه أبداً وأزلاً
لا تَتَعدَّينَّ هِمَّةٌ إلى
غيرِ الكريمِ والجوادِ حيثُ لا
يخطّاهُ الآمالُ في الإحسانِ
ولا تعدّاهُ فَعُوا بَيَانى
إيّاكَ رفعَ حاجةٍ لغيرهِ
وهو الذى عَوَّدَنا في خيرِهِ
فإنّه لو رَدَّهَا علينا
فكيفَ نرجُو كاشِفاً لدينا
وأنّه في نفسِهِ ضعيفُ
وكاشفُ الضُرِّ هو اللطيفُ
وباسطُ الخيرِ هو الكريمُ
وغيرُهُ في نفسِهِ عديمُ
فالجهلُ كلّ الجهلِ من يطمَعُ في
إحسانِ مخلوقٍ حقيرٍ أضعُفٍ
سبحانَ ذى المجدِ الكريمِ السَرمَدِى
مَن يَبتَغِيهِ بالأمانى يَهتَدِى
مَن لم يكن في نفسِهِ نَفَّاعاً
أتَرتَجِيهِ حيثُ ما إستطاعا
لا تكُ كالمسجونِ بالمسجونِ
مَن يستغيثُ فهو كالمجنُونِ
إن لم تَحَسِّن بالإلهِ ظنّكَ
لكونِهِ في بِرِّهِ عَوَّدكَ
مُعاملاً بالفضلِ والسماحَةِ
وقَلبُكَ المحزونُ قد أراحه
فحسِّن بِبِرِهِ الحقِيقِ
ظنّك ترشد أنهَج الطريقِ
فهل ترى إحسانّهُ الجزيلَ
ألا تراهُ ماجِداً جميلا
أو لا تراهُ مُسدِىَ النَعماءِ
كالدين والإيمان والآلاءِ
وإن ذكرتَ هَمَّك المعترضَ
قابِلهُ بالفضلِ الجزِيلِ إذ مضا
يا عجباً من هاربٍ عن ربهِ
ودارُهُ العُقبى وبعد هربه
من أن له عن ذلِكَ انفِكاكُ
كيفَ الغَبينُ فاتَهُ إدراكُ
يطلبُ ما ليس لَهُ بقاءُ
وقد دَنَا لجنبِهِ الفَنَاءُ
وذاكَ من عَمى بصيرةِ الفّتى
وقلبُه مثلُ حديدٍ صَلَتَا
أتطمعونَ من عبادٍ مِنَحاً
مثلُ حِمارٍ لحجارةِ الرَحى
يطيلُ سيراً راحلاً من حيثُ لا
يَنفُذُ مسراهُ كذا متّصِلاَ
مُرتحلاً من موضعٍ يَعُودُ
غليه كادِحاً فلا يُفيدُ
طلبُك من غيرِ مولاكَ سُوا
وصورةُ ذا الأمر فحسبُكَ الجوا
وارحَل عن الأكوانِ للمكوِّنِ
إنّ إلى ربِّكَ كلاً فإعتنى
بآيةِ اللهش وقصّر طمعكَ
عليه تلقى نصرةض الدهرِ معَك
وأنظر لقولِ سيّد مهاجرِ
من كلِّ شيءٍ للالَهِ صائرِ
فمن تكُن هجرتُهُ مولاهُ
ومصطفاهُ نالَ ما نَواهُ
ومن تكن مُنيتَه دنياهُ
أو النساءُ نال ما إقتضاهُ
إن كان مقضياً ولا عِبرةَ بِه
يا خيبةً من رَبِّهِ في إربِهِ
فإفهم مقالَ المصطفى فهجرتُهُ
لِمَا نواهُ وإعتراه خيبتُهُ
فكرر الأوّلَ دونَ الثانى
تحقيقَ ما يبقى على الفَوانى
ثم إحتقاراً وتجنُّاً لها
فإنّها أعظمُ شيء قد لها
والأوّلانِ مستطابا ذكرٍ
معظمّانِ عند أهل فكرٍ
فإن تكن ذا الفَهم دبِّر أمرَهُ
وخُذ إلهاً لا تخالف أمرهُ
مَن لم تجدهُ ناهضاً لك حالُهُ
للهِ ما إن دَلَّكَ مَقَالُهُ
فَذَرهُ فهو صاحبٌ لا يُصحَبُ
بل إنّه كالليثِ منه يُهرَبُ
وهو الذى يَعتَبِرُ الخلائقَ
وإن تجد في صَدرِهِ الحقائقَ
يرضى عن النفسِ خبيثُ النفسِ
في قلبه الرفعةُ فوقَ الجِنسِ
وإن تجدهُ عالِماً عَلُوماً
وأصبح الكلُّ له مأموماً
ثم الذى مِن حقَّهِ أن يُصحَبَ
مَنَ كان عندَ ربِّهِ مُقَرَّباً
وليس يرضى دائماً عن نفسه
ولا إعتلى يوماً على ذى جِنسِهِ
وامتًلأت في قلبِهِ حقائقُ
وإندَفَعَت من عنده الخَلائِقُ
يصبرُ حيثُ أنتَ تؤذِيهِ على
أذَاك في الأكوانِ لم يرضى عُلا
فذلك العبدُ إذا أذَيتَهُ
فاعلم بأنَّ الله قد عادَيتَهُ
فاخضع له منكَسِراً مسكيناً
مطاوِعاً لأمرِهِ مُعيناً
فاللهُ ينصرُ الذى ينصرُهُ
تحًُّفهُ الرحمنُ إذ يحضرُهُ
فهو الذى لا يَنشَقِى جليسٌ
جالَسَهُ أو صاحبٌ أنيسُ
وخصًّهُ الرحمنُ بالإكرامِ
وتابعيِهِ بينَ ناسٍ سامى
قد وُضِعَت لأجلِهِم منابرُ
من اليواقيتِ كذا الجواهرِ
يُجلِسُهُم مولاهُم عليها
والنّاسُ حيرانٌ أساً وتَيهاً
طُوبى لمن أحَبَّهُم فى اللهِ
يَدرأُ عنهم عاتِياً لِلهِ
فأمرُهُ للخيرِ والحُسى نَعَم
له الكريمُ بالكراماتِ خَتَم
والعبدُ إن أصبحَ وله نُهُوضاً
مناهِضيهش جاد لى تمحِيضاً
وإنَّ ذاك العبدَ مَن نظرتَهُ
مشتغلاً باللهِ فإعتَبَرتَهُ
وإسمع كلامَ الشاذلىّ مبصراً
لا تَصحَبَنَّ من غدا لكَ مؤثِراً
على مُناهُ لا ومَن أرادَ أن
يؤثِرَ نَفَسَهُ عليك وإعلمن
بأنّ ذاك لا يدومُ غالباً
فأطلُب شغُولاً بالإلَهِ وإصحبَ
مِن حيثما يذكر يذكرُ ربَّهُ
فاللهُ يُغنِيكَ بِهِ نائِبَهُ
فذكرُ ذاك نورٌ للقلوبِ
وإن يُشَاهَد فإلى الغُيُوبِ
أى المفاتيحَ لها يقودُ
وهم قليلُونَ وذا تمهيدُ
وآفةُ أمرى خلا عن مَنهَضِ
أنّ الذى يصحبُهَ ذو مَرَضِ
والكبرِ والعُجبش وإعظامِ الهوَى
ورؤيةِ النفسِ على الجَوفِ حَوا
فرُبّما كنتَ مُسِيئاً فارا
كَ ذلك المرءُ ينابيعَ المرا
إنّك محسنُ وخيرٌ حالاً
منه فجانِبهُ ودَع وبالاً
والنفس تستشعرُ بالجبلَّةِ
فضيلة لها لأجلِ العِلّةِ
على الذى رأيةَ دُونَهُ هُدى
فإصحب رشيداً بالعزائمِ غقتدى
وشرطُهُ الهمّةُ والاحوالُ
صافِيَةً لا العلمُ والأعمالُ
إسمع كلامَ سيّدِ بن عباد
أعنِيهِ عبد اللهِ قولُ من جادَ
إنّ التواخى فَضلُهُ لا ينكرُ
وإن خلاَ من شرطِهِ لا يُشكَرُ
والشرطُ فيه أن تواخى العارِفَ
عن الحظوظِ واللُحُوظِ صارِفَا
مقالُه وحالُهُ سِيّانِ
ومادَعى إلاّ على الرحمنِ
أنوارُهُ دائمةُ السِرايَةِ
فيكَ وقد حَفّت بكَ الرعايةُ
وقاصدُ الفاقدِ هذا الشرطَ
بصُحبَةٍ يَعقِدُها قد أخطا
قد إنتهى كلامُهُ والشاذلىً
قد سَألَ الأستاذَ والشيخَ الولىِ
عن يَسِّرُوا ولا تعسِّروا ولا
تُنفّروا حديثُ مَن حازَ عُلا
فقال معنى ذا الحديثِ دَلُّوا
إلى الإلَهِ النّاسَ لا تَدُلُّوا
على سواهُ فالذى دلَّ على
دنياكَ قد غَشّك أو دلَّ على
إكثارِ أعمالٍ فقد أتعَبَكَ
أو الإلَهِ ناصحاً قَرَّبَكَ
والزهدُ من علامةِ الممَصحُوبِ
لا العلمُ والاعمالُ فإقتدو بى
ما قلّت الأعمالُ من قلبٍ زهدَ
ولا كثيرٌ مِن فؤادٍ إستَنَد
يرغبُ في الدنيا ولإبن مسعود
فيه كلامٌ فائقٌ في الجَودِ
رُكيعتانِ لامرئٍ قد زَهَدَ
أفضلُ أعمالٍ رَغُوبِ سَرمَداً
والشاذلىُّ قد رأى الصدِّيقَ
لَيلاً موضِّحاَ لَهُ الطريق
فقالَ ما علامةُ الدنيا إذا
عن الفؤادِ خرجت فَنَفِذا
فقلت لا اعلمُ أخبِرنى بها
فقال بَذلُها إذا كنتَ بِها
وراحةٌ فيك إذا ما فُقِدَت
وتركُها الكلِّى مهما وُجِدَت
معرفةُ الإنسانِ أسُّ العملِ
وحالُهَ بها كبَدرٍ ينجلَى
فحسنُ أعمالِ نتيجةُ الحسن
من خالصِ الأحولِ من شَوبٍ الفِتَن
وخالص الاحوال من تحقُقِ
بموردِ الإنزالِ من قلبٍ نقى
ولا يدلُّ كثرةُ الأعمالِ
على صلاحِ القلبِ والأحوالِ
إلاّ إذا أنزِلَ فيه نورٌ
يُغنِيهِ يُدنِيهِ ويَستَنِيرُ
يعتِقُه من طمعِ الأغيارِ
يُوحِشُهُ حتّى عن الانوارِ
فالفاهِمُ الذى يحسنُ العمل
من كان للهِ بما إحتاجَ وَكَّل
ثمَ إعتنى به وكيلاً وإكتفى
معتَمِداً عليه ذا قلبٌ صَفَا
وليس مًن فَهِمَ الغِنى سواهُ
وليس دُونَهُ سوى هُداه
لا تَترُك الذكرَ إذا ما فُقِدَ
حَضُورُ مولاكَ بِهِ وإجتهد
فإنّه السراجُ للقلوبِ
مقّرِبُ المحّبِ للمحبوبِ
ذكرُك في الأرض ذكرٌ في السماء
في ملأ من الكِرام العُظَما
منشورُ مولاك مِن الوِلايَةِ
علامَةُ العنايَة الوقايةُ
فغفلةُ العيد عن الذكر أشدّ
من غَفلَةٍ فيه فكُن فيه أبَدا
عسَاكَ أن تَنتَقِلَ عَن غفلِةِ
في الذكرِ موصُولاً إلى يَقظَةٍ
ورُبّما تُنقَلُ عن يقظةٍ
إلى حضورِ وإلى قربَةٍ
وعن وجُودِ قُربَةٍ والحُضُور
لغيبةٍ عن غيرِ من كان نُورٌ
من نَفَحَاتِ رحمة اللهِ ما
ذَاكِرُهُ في غفلة أكرِمَا
أتيتُ فيه بكلامٍ وجيز
ليسَ على الله بشيءٍ عزيزٍ
لكلّ قلب ميّتٍ علامةُ
ذنبٌ مالَهُ نَدامَةُ
فُقدانُ حزنِ القلبِ أىّ شرّ
ما للغبِىّ عنه من مَفرِّ
والحىُّ أيضاً أن يُرى محزوناً
من قوتِ طاعاتِ غدا مَغبونَا
يلتذّ بالطاعاتِ والمَعاصِى
تُؤلِمُهُ لهمّةِ إختصاص
يطلبُ هذا ويفرُّ من ذا
لحِرّ هذا أو لِطَعمِ هذا
والقلب إذ ماتَ كمثلِ الحجرِ
وهو أشدُّ يا لَه من ضَرَرِ
يا ويلَهُ تابعَهُ تلهّف
زَحزَحهُ من قُربِه تَعَسُّف
يا نادِماً على وجُودِ ذنبِهِ
لا يَكُ ذا الندمُ لفضل رَبِهِ
يُؤتيهِ باللهِ حسنُ ظِنّ
بل أرجِهِ يا نادِماً بحُزنِ
وخِفهُ من عِظَمِ ذنوبِ قُرِفَت
دواؤُها إذا الدموعُ ذَرَفَت
وحصلتانِ فى الذنوب أعظمُ
من الذنوبِ شؤمُها محكّمُ
إساءةُ الظِنّ بحقِ الحقِّ
من السماح وبحقِ الخلقِ
من الصلاح وَوَجَدنا خَمسةً
عُظمى من الذنوبُ وتتلو طَمسَةُ
تعظِيمُهُ أعظمُ من وجُودِهِ
كذا إحتقارُهُ لدى شُهُودِهِ
ثمّ جرأةٌ كذا الإصرارُ
على الذُنوبِ وكذا الاجهارُ
فانّ من يعرفُ حَقَّا ربّهُ
فى جودِهِ راى صغيراً ذَنبَهُ
مُعَظِّمث الحقِّ هو المعظّمُ
لذنبِهِ فهو بذاك يُعلَم
ترجَوه حتى الذنبَ تنساهُ كذا
ترهبُهُ رَهَبةَ مَن تحنذا
فالعارفُ الكاملُ لا يميلُ
من ذَينِك الحالين بل يطيلُ
تسياره في الجانبين دائماً
بلا إغترارٍ وفُتوُرِ دائما
لكنّ ذا العرفانَ من يحيد
عن المعاصِىِ هَربُهُ شديدُ
فالذنبنُ لا يسكنُ مهما قَابَلك
بلُطِفِهِ الواسعِ لمّا عامَلَك
أىُّ صغيرةٍ بوقتِ عَدلِهِ
أىٌّ كبيرةٍ بوصِف فَضلهِ
فيضمَحِلُ الذنبُ في غُفرانِهِ
والعبدُ لا شِىء لدى سُلطانِهِ
كُن عامِلا لا عاملاً وَفكِرَ
في أنّهُ كانَ لَهُ مُقَدَّر
فشاهِد المولى وغِب عن العمل
وأخرج من البَينِ فَتَى فيه نهَل
مستوفياً شواهدَ الحُضُورِ
مستوعِباً شروطَهُ بالفورِ
والناسُ أقسامٌ ثلاثةٌ هنا
فغائبُ عنه بسلطانِ الفَنَا
ومن غدا للعملش مُحتُقِراً
وجامِع بينهما وأنظُر تَرىَ
ترجَيح أوّلٍ على ثانِيهِ
والخيرُ منهما الذى يَليِهِ
أوردَ مولاكَ عليكَ وارِداً
كىِ ترجِعَن مِنهُ له وارِدا
وواردُ القلب الذى يُزعجُه
وعن سِوى المعبودِ ما يخرجِهُ
وذلك السِوى له قسمان
مُعتادُنا ونازلُ رحمان
ايّهما نقولُ دَعهُ وإجتنِب
حاجب قلبٍ فإلى الحقّ إقَترِب
وإنمّا القصدُ لمن أورَدَهُ
حتّى يكونَ القلبُ قد أفرده
فذاك جندٌ ورسولٌ جاءكَ
وهو إلى باعِثِهِ إستفاءك
فغيبةُ الواردِ عن تحققت
والنظراتُ للألَهِ إتِّسقت
فذاك أولا فِلتَقصِيرِكَ في
إليه للتقديرِ فوَطِّن وإكتَفِ
وإنمّا فوائدُ الواردِ أن
ترجَع للهِ بتجريدكَ عن
أمرٍ تراهُ من وجودِ العِلَل
وأن تكونَ خارجاً بالجُمَلِ
عن كائناتٍ عبدتكَ ثمّ عن
سجنِ الهَوى والنفسِ إذ هنّ الفِتَن
وأوسط الأقسامِ أنّ ربّى
أرادَ إحتقارَ ما فى قلبىِ
من ذُونِهِ فأوردَ الواردَ لى
حتَى أزِيلَ غيرَهُ من عِلَلى
يُخرِجُنِى للقلبِ من تَرفقُ
بالليل والركُونِ والتشَوُّقِ
للواردات وإلى الأنوارِ
ذاك هو التسليمُ من أغيارِ
فلا يكونُ لى بها إستَنَادُ
ولا إعتمادُ وكذا إستمدادُ
وثالثُ الأقسامِ والفوائد
أرادَ إخراجَك عند الواردِ
عليك من سِجنِكَ من وُجُودٍ
إلى فَضَاكَ موردِ الشُهُودِ
وإنّما الواردُ كان حامِلا
عن السِوى للهِ حَملا كامِلاً
قال فسيحُ النورِ والأسرارِ
شيخُ الشيوخِ كاملُ الأنوارِ
فوارِدُ الأنوارِ والأسرارِ
هنَّ مَطَايَا القلب والأسرارِ
والنورُ ظِلُّ واقعٌ فِى الصدور
من أثر الواردِ والظلُّ نور
مَطِيَّتُهُ القلوبُ بالإيضاحِ
مِن فَهمِهَا حَضرَةُ ذا الفتّاحِ
ثمّ مَطَايَا وارِدِ الأسرارِ
بيانُ عِلمِ حضرة الجبّارِ
سارت من القلب مَطَاياَ فَهمِهِ
وطالعاً سارَت مَطَايَا عِلمِهِ
فالنورُ حيثُ كانَ القلبُ حامِلاً
للهِ لا يحمِلُ شيئاً باطِلا
كلرؤيةِ النفسِ ذكت أو نَقَصَت
أو قرُبَت إلى الحبيبِ أو مَقَت
والنورُ جندُ القلبِ مُستَقوِيهِ
ومُضعِفُ النفسِ بما يُلقِبه
والنفسُ الشَنيعُ ثمّ النورُ
بالكَشفِ والتحقيقِ قد ينيرُ
فمن أراد اللهُ أن ينصُرَهُ
يبعثُ جُندَ النورِ كى يحضره
ويقطعُ الجندَ الذى للنفسِ
أوخَذَلاناً فله بالعكسِ
فمَن حَماه برُبُوبِيّتهِ
أوقَفَهُ عند عبوديّتَهِ
والنورُ إذ تمّ فذو الكشف لما
يُهِمُّ أولا فله حكم العَمى
وللبصيرةِ عليه الحكم
فيقبلُ القلبُ لما يَهَمّ
وكان عمّا لا يُهِم مُدبِراً
وذو التخابيطِ بنورِ مُصبِراُ
ومنه فرعُ القلب بالطاعاتِ
من حيث كونهنَّ تكرماتِ
وينبغى أن يفرحَ القلب بها
لذاك لا لكونِهَا فَعَلهَا
ينشأ منه الشكر لا عُجب ولو
يعكس قوم فعلى العُجبِ عَلَوا
وأتلُ عليهم قُل بفضلِ اللهِ
لِيَفرَحُوا ذاك من إنتبَاه
وقطعَ السائرَ والواصلَ عن
رؤيةِ أعمالٍ وأحوالٍ لأن
يشهدَ فَقدَ الصدقِ للسائرِ وأل
فَنَا بِهِ عنها لمن كانَ وصَل
فَقَطَعَ السائرَ عن أعمالِهِ
وقطع الواصل عَن أحوالِهِ
فللقَبيلَتين لاحَ الرُشدُ
طوعاً وكرهاً لصوابٍ وَجَدُوا
فالسائِرونَ شاهِدُون عِلَلاً
والنقصَ فيما فَعلواً وزلَلا
والواصِلونَ عن سواهُ أفنوا
لحضرةِ الواحد حينَ أدنَوا
فلا يرونَ لهم ثواباً
إن أحسَنُوا له ولا عِقاباً
حين أساؤا بشهودِ الفاعِل
في الحالتينِ وزوالِ العاملِ
ما بسقت أغصانُ ذِلّ إلاّ
على بُذُورِ طمعٍ تولَى
وأصل كلِ طمع وَهمٌ غلبَ
يميل طامعا إلى سُوءِ الطلب
فمثلُ وَهمِ المرءِ لا يَقُودُوهُ
شيء إلى ظَنّ فذا يحدُهُ
عن اليقين للشكوكِ مطلقاً
يغرمُ من حيثُ خيَالٌ سبقا
مُقعَد على شهُودِ السببِ
بِوَهَمِهِ الباطل والقلبِ الغَبى
يَركَن للنّاسِ وينسى رَبَّه
فانقادَ للمطمُوعِ عبداً جنَبه
معبودُهُ المَطمُوعُ عن مولاه
يا خيبةَ الطامعِ يا ذُلاّه
فمن أطَعتَه فأنتَ عبده
وهو أميرٌ لَكَ أنت جُندَه
باعبدَ أولادٍ مع النسوانِ
حَسبُكَ من عبادةِ الشيطانِ
حقيقة العبدِ هي إنقِيَاد
فإعجَب لمَنُ معبودُهُ عِبَادُ
وأنت حَرٌّ ممّن أنت عنه
مُستَشعِر اليأس فجانِب عنه
وأنتَ عبدُ من طمعتَ فيهِ
فدَع صنيعَ جاهلٍ سفيهِ
وقد رأينا العِزَّ عند مَن قَنَع
كما رأينا الذُلّ عندَ من طَمَع
ألا ترى لطائِر العقاب
لطمعٍ يُوقَعُ في العذابِ
في شَبَكِ الصبيانِ يلعبون بِه
فإعتبرن بذُلِهِ وطَلَبِه
وانظر إلى امتحانٍ لأبى الحَسَن
أعنى علياً شَيخَنَا البصرىّ حَسَن
بمُفسدٍ ومُصلحٍ للدين
فقالَ ذا بطمعٍ مُهينٍ
وذا بِوَرعِ فاستَدَلَّ بهما
على كمالِ حالِهِ فخُذهُمَا
أرادَ ربُّ النّاسِ منهم أن يَرى
ذُلاً لُهُ منهم وتركاً للوَرّى
فيطمعوا في فضلِهِ دُونَهُمُو
طوعاً وكرهاً ذا المرادُ مِنهُمُو
ويرجِعُوا إليه بإختيارِ
أو إبتَلاَهُم ببَلاءٍ طارى
لأنّهم بِهِ إليه عرفوا
أو جهلوا أنفسَهُم لم ينصِفُوا
فحيثُ هم لم يرجِعُوا إليه
ضَرّاؤه حَفّت بهم عليه
ألا يَرَى سوابقَ الإحسانِ
فَليَرَهَا بعارضِ إمتحان
أوسعَ في الأرزاقِ والعَوافى
ليرجِعُوا إليهش بالإنصافِ
وخِيرَةٍ منهم فإذا لم يرجعُوا
أدَّبَهُم عندَ البَلاَ ليرجِعُوا
فشاكرُ النعماءِ راجعٌ له
وغيرُهُ بِوَجهِهِ حقُّ لَهُ
ففاقِدُ الشكرِ عليها مُعتَرض
لفَقدِ نعمةِ الإلهِ فإنتَهض
فبإنتفاء شكرها زوالها
وشكرُ مولاك لها عِقالهَا
فَخَف من إستدراجِهِ عند النِعّم
وأنت ذو إساءَة فإخشَ النِقَم
وأذكُر عليه آيهَ إستدراجِ
ثُم تأَهَّب بعدُ بالعلاجِ
وذاكَ ذكرُ شكرِهِ والتوبةُ
من المعاصِى وإليه الأوبَةُ
فحيثما المريدُ ساءَ في الأدَب
وقال لو أسأت شيئاً لَذَهَب
ما عندَ ربىّ لى من إمدادِ
وأوجَبَت إساءتى إبعادى
وذاك من تأخّرالعقُوبَةِ
فهو جَهُولٌ جَهلَةَ العُقُوبّةِ
مَستَدرَجُ لو أنَّهُ يَقظَانُ
رَكِبَهُ الخُسرانُ والنُقصَان
سوّلت النفسُ له ظُنُوناً
لو أنَّه يعلَمُهُ مَغبُونا
فيالَهُ مِن أقبَحِ التأوِيلِ
يحكمُ في غَوامِضِ الجَلِيلِ
يَغتَرُّ بالصبرِ من الصَبُورِ
ولا يخافُ نقمةَ الغُيُورِ
مَحَطُّ نظرِ العُبّادِ هذا
على النفوسِ حيل إستحواذاً
إساءةالالاءِ والتَعَامِى
من كلّ مِثلَبٍ عليها نامِى
فحقُّهُ خدمةُ شيخِ عارفٍ
يُّطِيعُهُ في سائِرِ المواقفِ
أجمعت الشُيُوخُ أنَّ كلَّ مَن
لم يخدِمِ العارفَ فهو في المحَن
وسئل الدقاق والثورى
والواسطى وكذا النورى
عن سَببٍ يّقُوِّمُ الرجالاَ
من بعد إعوجاجِهِم مَال
فالجأوا إلى الامامِ العارفِ
عن العُيُوبِ والثُلوبِ صارِفِ
يا أيّها المريدُ حّظُكَ الأدبُ
ولا تظنَّ ما مضى فهو العَطب
فالله قد يقطعُ منك المددَ
من حيثُ لا تشعر وأسلُك رَشداً
لو لم يكُن ذاكَ إلاّ مُوضِعَكَ
عن المزيدِ أو يالى وَضعكَ
عن المزيدِ في علومِ النَهّجِ
ونورِ إيمانٍ بهِ مُبتَهجِ
ورؤيةُ الجَلال والجمال
والقطعُ في الأعمالِ بالإغلالِ
وأوجُهُ الاخلاص بإختصاصِ
ذاك مزيدٌ مُوجِبُ الاخلاصِ
وقد يقامُ العبدُ في مرادِهِ
مسّتَدرَجاً وسدَ بإنطِرادِهِ
يا مَن تواترت له إمدادُهُ
في طرَّدَهِ وقد أتى مُرادَهُ
إلجَأ إلى الله وخَف من صّدهِ
من حيثُ لا يُدرى بأقصى بعده
ذاكَ هو استِدراجُهُ الحقيقى
بل مكرُهُ في بحرهِ العَمِبقِ
قال الجُنيدُ إنّ ما يخَادِعُ
من ألطَفِ الإشياءِ ما يتابعُ
فيه الكراماتُ التي للاوليا
أو المعوناتُ لقومٍ أصفِيا
فقد تكونُ خِدَعاً ومكراً
ولو توالت كلَّ حينَ تَترَى
فخشيةُ إستِدراجِها نجاتُهُم
من مَكرِها ولا لها إلتِفاتُهُم
وكلّما إحتقرتَ قوماً أدرجُوا
في طاعةٍ أنتَ بهِ مُستَدرَجُ
ولا تُهِن من كانَ في الاسلامِ
تكونُ فى شقاوةِ الأيامِ
ومقتُ مولاك على المحتَقِر
لمسلمٍ فلا تَحِد عن أثرِ
فحيثما احتقرتَهُ مَمقُوتُ
ألا ترى قد زَانَهُ نُعُوتُ
سِيماً كرام عارفين إذ لَم
تُشهَد عليه وهو في تكرُّم
فمَن يُديمُ هكذا محفُوظُ
بقُربِه ونصرهِ ملحُوظُ
وهو في المحبوبِ ذو إختصاصِ
فمَن أهَانَهُ شَقِىٌ قاص
لا سيّما مَن إنتمى للأوليا
أو كانَ في أحوالِهِ مُتَقِياً
فإنّه أذاهُ سُمٌّ قاتلُ
والله في إنتصارِهِ مقاتِلُ
ورُبّما حلَّ بهِ التقديرُ
فيذنبُ الكبيرَ والصغيرَ
لكنّهُ من بَعدِهِ توّابُ
ولا هناكَ النقصُ والثولب
فَعَظِّم الشيوخَ والمريدَ
وَوَقِرّ المرشدَ والرشيدَ
وإقبل من الجميع ما أتَوهُ
ولا تكُ المنكرَ مَن قَلَوةُ
فمنكرُ القومِ هو الشّقِىُّ
معاتبٌ مُعَذَّبُ قَصِىُّ
في هذه الدُنيا وفي عقباهُ
إن لم يُسامِح بعده مولاه
وسَلّم الأمر لَهم جمعياً
واخضع لَهم ما كنتَ مُستَطِيعاً
وإخدِمهُمُ فهم عبادُ الكرمِ
وأحضرهم تَفُز بغيرِ النِعَمِ
ولا تُبَايِنهُم وعاشرهُم أبد
ولا تُخالِف منهم قطُ أحد
بِحُبِّهِم فابغِ رِضاء الله
مُنتَظِراً بهِم ولاءَ اللهِ
هم الذين يَسعَدُ الجليسُ
لأجلهم لا سيّما الانيسُ
مَن نصبَ الرحمنُ شيخاً فله
من عندِهِ كرامةٌ خَوَّلَهُ
مُنتَسِباً للهِ ما إستطاعَ
أظهر فى طريقهِ إنقطِاعاً
يصدُُ أم يكذبُ فهو أهلُهُ
وإن يكن لا يستجابُ قولُهُ
لكنّهُ تعيَّنَ إحترامُهُ
وواجِبُ من بيننا إكرامُهُ
فإن توفرت شروطُ القُدوَة
فَذَكَ أو لا ما إستحق أُسوةً
لكنّه إستحقَّ تعظيماً لَه
والله لإنتسابِه فضَلّهُ
بَيَّنَه له مِن العِنَايَةِ
وجودَ أورادٍ له ولاية
فإنّه لولا ورُودُ الواردِ
فكيفَ للوردِ الشريفِ يَهتدَى
فهو بتعظيمِ العظيمِ مُعتنى
مفتقرٌ إلى جَنَا بِهِ الغَنى
فالحقُّ مُعتَنٍ بِهِ فعَظِّمُوا
من إعتنى بِهِ الإلهُ تغنَمُوا
ولا تَهِينُوهُ فإنّهُ إنتسب
لرَبِّهِ تَلقُوا بِهِ سوءَ العطب
فمنهم الذى أقامَ الحقّ
لخدمةٍ هُمُ العُبَّادُ الصُدُقُ
وبعضهم خَصَصَهُم بحّبِهِ
لأجَلَسَهُم على كراسى قُربِهِ
فالأولونَ أصبحُوا أقساماً
ثلاثة أعدُّهُم تماماً
فمنهم العُسُّادُ والزُهَادُ
وأهلُ طاعةٍ لهم سَدادُ
فالأوّلُ الذى يُحَقِّقُ العمل
لغرضٍ وهو تحصِيلُ الأمل
والزاهدُ المُدبِرُ عن مَلاَمَةِ
وجانبَ الخلقَ على السلامة
والثالثُ المكثرُ للأعمالِ
في ساعة الغُدُوِّ والأصالِ
وهكذا أقسامُ أوليانا
ثلاثةٌ به مخصصينا
أعظمُهُم فانٍ لدى الوُصُولِ
أهلٌ إجتباءِ اللهِ والقَبُولِ
تاليهُمُالعارفُ ناظراً له
في كلِّ شيء فتحقَق فَضلَهُ
والثالثُ المحبُّ مَن آثرَهُ
على سواهُ دائماً حاوَرَهُ
كُلاً نمد هؤلاءِ بالعَطا
وهؤلاءِ ما لهم حُجبُ الغِطَا
الواردُ تَنزُلُ العِرفانِ
على القلوب وهَوى الرحمانى
يوجبُ تأثيراً وتعظيماً لها
يوجبُ للقلوبِ أن تنتبه
وقلَّ أن يجىءَ ذاك الواردُ
إلاّ على الفجأةِ غَيبَ واردُ
صيانةً للوارداتِ النازلةِ
أن يدّعيها القلوبُ الجاهِلةُ
بعلّةِ القبولِ واستعداد
وبثّها يُفضى إلى الإفسا
فصانها لأنّها عزيزةٌ
من العزيزِ أنزلت حَريزا
وكلّما كان من العزيز
فهوعزيزُ صِينَ عن تبريز
وإنّها أسرارُ إختصاصٍ
وهو شريفٌ في مقامٍ قاصٍ
لو بُذِلَت أسرارُهُ لبطلت
أسرارُ تخصيصٍ من حيث إنجلت
وإنّها توجبُ تعظيما لها
لأنّها كرامة أنزلها
ومنّهُ شُكرانُها إخفاؤها
عَطيّةٌ كفرانُها إبداؤؤها
فهى إذاً أحقُّ بالإخفاءِ
وكَتمُهَا أعجبُ من ابداء
فمَن رأيتَهُ مُجِيباً حَيثُمَا
سًئِلَ عن الشيءِ ولو قد عَلِمَ
أو ذاكراً جميعَ ما يَعلَمُهُ
مُعَبّراً عن كلِّ ما يفهَمُهُ
فهو جَهُولٌ واستدلّ عليه
لأوجُهِ ثلاثة لديهِ
أحدُها قد تَرَك المراقَب
فاليس كلُّ سائلٍ يُجَاوَب
ولا لكل كلُّ علمٍ يذكرُ
وكلُّ مشهودٍ فلا يعبَّرُ
فهؤلاء ليسَ بالواردِ ما
أتَوا بِهِ والقلبُ في طيِّى العَمَا
قال علىّ حَدِّثوا الناسَ بما
تفهمُ أولا كذّبوا مَن فى سما
إن حقائقاً تضرُ الجُهَلاَ
كما يضرُّ ريحُ مسكٍ جُعَلاَ
ثانيها تعذّرُ الإحاطةِ
عند الجوابِ لم يكَنُ بَسَاطَةُ
وإنّه إضاعةٌ للعلمِ
لبذلِهِ في غيرش أهلِ الفَهمِ
وإنّه لا تُدرِكُ العبارةُ
جميعَ ما تثبتُهُ الإشارةُ
فادت العبارةُ الخِلافَ
من قصدهِ فانشات جِزافاً
لذا ترى جماعةُ تحقَقُوا
للِهِ عند النَّاسِ قد تَزَندَقُوا
ثالِثُها الأوقاتُ والمواضعُ
مختلفانِ والمقامُ واسع
فربّما مسألةٌ تَلِيقُ
بالذكرِ في وقتٍ ولا تلِيقُ
فى غبرِهِ ورُبّ علم يخطبُ
فى موضعٍ لا دُونَهُ بل يُحجَبُ
ورُبّ مشهودٍ يصحُّ ذكرُهُ
ويستحقُّهٌُ فتىً لا غيرُهُ
وفي زمانٍ لا زمان فالنِسَب
كثيرةُ الخُلفِ لِخُلُفٍ فى السبب
وحاملُ التعبيرِ لإستظهارِ
للميلِ والإقبالِ والإدبار
وجهلهُ بدارهِ الباقِيَّةِ
رحُبّهُ لدارِهِ الفانيَةِ
فلم يُعظِّم ما الإله عظّمَ
فمّا أعِدَّ في المعادِ حيثمَا
صيَّرَ عُقبانَا محلاّ للجزا
لكونِ ذا الموضعِ شيئاً موجَزاً
لا تسعُ الدنيا الذى يمنحُهُم
فالمؤمنونَ جلَّ ما يَسمَحُهُم
والله قد أجَلَّ أقدارهُمُ
عن المجازاتِ بدارٍ لَهُمُ
ليسَ لها البقاءُ والفنا لها
فَفضلُهُ الواسعُ ليس أهلُها
وللجزا مقدَّماتٌ وهى
ثمرةٌ وَجدانُها ما أختُفِيَا
ذاك دليلٌ لقبولِ العملِ
وعبّروا عن ذاك بالمعجّلِ
فكلُّ مَن أصبحَ واجدَ الثمر
معجّلا فهو دليلُ معتبر
على القبولِ فالحياةِ الطيبةِ
معجّلانِ فضلهُ المستوجِبَةِ
ومنه فقدُ الحُزنِ والخوفِ له
وأن يرى خِلاَفَةَ اللهِ له
كما أتى بنصِّهِ القرآن
وإنّما عجّلهُ الرحمنُ
حتّى يرى العبدُ مقاماً عنده
فإن أردتَ أن تراك عندَهُ
قدراً فَعَيّن قدرُه عندك هل
كان مقيماً لك في خيرِ العَمَل
فهو مُهينٌ لك إن وجَّهَكَ
لهذهِ الدنيا ما أجهلك
أو كنتَ مشغولاً بغيرِهِ فمن
صَرَفَكَ عن كونِكَ إنساناً فَطِن
وهو معينٌ لك حيث إستَعمَلك
بالصالحاتِ حينَ أزكى عملك
وهو مريدٌ لكَ مهمَا فَتَحَ
باباً من العِرفانِ فأبهِج فرحاً
وهو الذى أنت مقربٌ له
إن كنتَ من عبودةٍ ناجَيتَهُ
وهو الذى هداك إن وَجَّهَكَ
إلى البلايا وبها وَلَّهَك
إن صَرَفَك عن غرضٍ أدّبكَ
وإن رضيتَ عنه قد أحبَّكَ
ذلك قطبُ كلِّ بابٍ فاعلم
ذلك تَعرِف أقَلاَ أم أكرَمَ
خيرُ كراماتٍ بأخذ أمره
بظاهرٍ مُستسلِماً لقهرِهِ
وحيثما الغنى عن الطاعة قد
مَنَّ بِهِ عليكَ فهو المُرتَصَد
وأسبَغَ النعما عليك ظاهرةً
ووفّرَ الآلاءَ عليك باهرةًُ
من حيثُ لا ترجو على طاعاتِهِ
إلاّ إبتغاءً منك فى مَرضاتِهِ
فهو عُبودَةٌ تَمَحَّضَت من ال
أغراضِ وهى في العباداتِ عِلَلُ
فالنعمةُ العُظمى هي التحقّقُ
والرحمة الكبرى هي التخلُّقُ
بما بَراكَ فيه من عُبُودَةِ
وهى لكلِّ عارفٍ مقصودَةُ
وإفنِ بمولاكَ فى الطاعاتِ
مُنكَسِراً له على الفاقاتِ
فاللهُ قد أراد مِنّا ذلك
وخيرُ ما تَطلُبُهُ كذلك
ما هو منك طالبٌ وهو الفَنَا
ياللهِ عن طاعاتِهِ فإبغِ المُنَا
ثمّ الذى الطاعةَ تقتضيهِ
تلهّفُ القلبِ بحزنٍ فيه
وهو على فُقدانِها من حيثُ لاَ
يَنهضُ للطاعاتِ حالُ الجُهَلاَ
ولو أفادَ الحزنُ لأستأنفه
وتابَ عن غفلِةِ ما أسلَفَهُ
وحيثُ لم يُفدِهُ فهو عُجبُ
ورؤيةُ النفسِ مظَنُ القُربِ
ففى الحديث إنّ ذا نِفاقِ
يملكُ للدمعِ على إطلاقِ
فكن حزيناً لإنتفاءِ المعرفَةِ
باللهِ وإنسِ منك ذاتاً وصِفَة
فحيثما أشارَ عارفٌ إلى
حقيقةِ الأشياءِ والحقُّ إنجَلَى
وظهر اللهُ له مِن قَبلِها
فليسَ عارفٌ مصيباً وإنتهى
لكنّما العارفُ من ليس له
إشارةٌ وربُّهُ أذهَلَهُ
منطَوياً لله فى شُهُودِهِ
وفانِياًَ باللهِ عن وُجوُدِهِ
إذ الإشاراتُ إلى الحقائقِ
تشعرُ بالكثرةِ والعلائقِ
وقلبُ كلِّ عارفِ مكمَّلِ
مجرّدٌ بالحقِّ والتَبتُّلِ
وإن أشرقَ لإضرارِ فأشِر
للخوفِ والرجا وإعمل تَنجَبِر
ثم الرجا مقارن للعملِ
أولا فذا أمنيَّةُ المُخَبَّلِ
وأنظر لرؤيا الشارحِ الهُمام
بِقِصَّتِهِ مع شيخه الإمامِ
قال فحيثُ قلتُ هى أمنِيَّةُ
يقول شيخى لا هى المَنِيَّةُ
فأصبحَ الشارحُ ثمّ عبَّر
عَنهُ فبانَ ما الإمامُ أظهر
فالشاذلىُّ صَيَّرَ الأمانى
أودِيةَ حبائِل الشيطانِ
ثمّ الحكيمُ في بواعِثِ الطلب
لمّا إنتهى بيَّنَ خيرَ مَن طلب
فمطلبُ العارفِ من مولاهُ
صدقُ عبوديَّتِهِ كما هوُ
معبُودُهُ نمّ قيامُهُ فى
حقَّ ربُوبِيَّتِهِ المُستَكفى
فبعدَ أن عرفتَ ما يَغبِطُهُم
عرفتَ ما يَقبُضُ أو يَبسُطُهُم
فالقبض والبسط خلافُ الأدبِ
وفيهما كنتُ بحالِ الأدبِ
يقبضُك اللهُ لِئَلاَ تَبقى
في البسطِ فإستَقِم بقلب أتقى
وعقّبَ البسطَ بقبضٍ مولج
حتى ترىَ ضياءَ ليلِ دَلَج
ثمّ عن الحالينِ قد أخرَجَكَ
وفي فناهُ المحضِ إذ أدرَجَكَ
كيلا ترى بعينِ قلبٍ دُونَهُ
والصادقُونَ هكذا يبغُونَهُ
فأنت في قَبضَتِهِ البسيطَةِ
وفي مَدا قُدرَتِهِ المحيطَةِ
فحيثُ لم تبقَ بما تهواهُ
ولا بقيتَ فى الذى تخشاهُ
فقد تحققتَ الذى لَهُ الفَنَا
ليس جديراً أن يكونَ مُعتَنى
فاليأسُ من غير الإلهِ حَقُناً
لذاكَ فى الحالينِ قد صُرِفنا
فللجُنَيدِ ههنا إشارةٌ
مآلُها لِما مَضَى العبارةُ
والقبضُ والبسطُ لدى الفَنَاءِ
بِمَعزَلِ لا سيّما البَقَاءِ
فأصبحا علامةً للناقصِ
فإجهَد صعيداً للمقامِ القالِصِ
والعارفونَ فيهما أجناسَ
أعظمُهُم خَشيَتُهُ أساسُ
فالعارفون الباسِطُونَ أخوفُ
من حالِ قَبضِهِم وخِيفَ الصلفُ
فحيثما واجَهَهُم جمالُ
لم يُنسَ فى وجُوهِهِم جَلاَلُ
فلا يَصلُون على مقامٍ
ولا لحالٍ فإسمَعُوا كلامى
إنّ الذى يدومُ في حدِّ الأدب
في بسطِهِ أىَّ قليلٍ ذو الأدَب
إذ هو موجبُ المرادات على
إرسال نفسِ فى مُلائِمٍ تَلاَ
فرُبَّما تحرّكت لِدَعوى
ونسيت هو البعيدُ سهواً
وغالبُ البسطِ لنفس فيه
وُجُودُ فَرَحٍ مع تَرفِيهِ
والقبضُ لا حَظَّ لنفسٍ فيه
فحسبُ كلَّ عارفٍ يكفِيهِ
والبسطُ فيه زلَّةٌ لا تُحمَدُ
والقبضُ خيرٌ وسليمٌ ويدُ
ووطّن العبد الأسير فيما
قيضته مولاه المحيط حكما
وأنّى للعبدِ من البَسطِ ولا
عِلمَ له بحكمِهِ الذى خَلاَ
ولا بما يَفعَلُ في خاتِمَتِهِ
مع جَهلِه بسابقٍ من قَِسمَتِهِ
والقبضُ حقُ اللهِ والبسطُ لَك
فكن بِحَقِّهِ هو الأفضلُ لَك
وإنّما بسطُكَ مِن عَطاءِ
وقد يكونُ ذاكَ مِن بَلاءِ
وَرُبّما أعطاكَ ثمّ مَنَعَكَ
فَلا تَحُطَّ في سواهُ طَمَعَك
ورُبّما فى منعِهِ أعطَاكَ
فإقطَع رَجَاكَ عن سِوى مَولاك
وصورةُ العَطَاءِ في المنعِ متى
أفهَمَكَ الله لمنعٍ ثبت
فعادَ ذاك المنعُ عَينَ العَطا
وإنفتَحَ البابُ وزالَ الغِطَا
وأوجُهُ الفَهمِ هناك عشرةُ
فكلُّ كونٍ للعباد عِبرُهُ
مُشتغِلٌ بها هو المصروفُ
فلا تَبسُط إليها يا عفيفُ
فالأولياءُ حيثُ دنياهُم أتت
تَوَسَعَت قالوا ذنوبٌ قد مَضَت
وإن أتى الفقرُ فقالوا مَرحَبَا
بما غدا شعارُ قومٍ قُرَبا
والنفسُ فى ظاهرِ كونٍ ناظِرة
والقلبُ للباطِنِ يلقى باصِرَةُ
إذا أرَدتَ عِزَّا ليس يُفنى
لا تَستَعِزَّنَّ بعزِّ يَفنى
وعِز دنيانا سريعٌ فَانِ
ألا ترى لسائرِ الأقران
يا طالبَ الكرامةِ الباقيةِ
من طيى أرضٍ إنها فانية
وإنما الطيى الحقيقي كو
نكَ عن مسافةِ الدنيا طوى
حتى ترى أقربَ منك الآخرَةُ
إليك كي تفنى الغُرُورُ الزاهِرَةُ
ثمّ عطاءُ الخلق في حرمانِ
ومنع مولاك مِن الإحسانِ
لأنَّ منعَ اللهِ يُوجِبُ اللَجَا
إليه بالذُلّةٍ مِنّا والرَجَا
فزادَنَا بذلك الرَجاءِ
ما فوقَ أصنافٍ من العَطاءِ
فحيثما أعرَضتَ عنهم فإعلَم
تَوَجُه الإِكرام من ذا المُنعِمِ
وجَلَّ ربُّنا من أن تُعَامِلَه
نقداً فَيُجزِيكَ نسيًّا آجِلَهُ
كَلاَّ إذا أطَعتَهُ أعطاكَ
جزاءَ دارَيكَ الذى والآكَ
كَفَاكَ من جَزائِهِ أتاك
كَونكَ عبداً وبِهِ إتَضَك
أما كفى العاملُ من جَزائِهِ
ما يفتحُ الإلهُ من أسمائِهِ
على قلوبِ العاملينَ لَذَّةً
حلاوةُ لديهِ مُستَلَذَّةً
جَنَّتُهُم عاجِلةُ فيالَهُم
من بَعدِها مِن نَظَرِ حَقَّ لَهُم
حسبُهُم ما اللهُ موردٌ لَهُ
من ذلك الأنسُ الذى أرسلَهُ
إليهمُ ليأنسوا بربِّهِم
ويُخرِجُوا ما دُونَهُ من قَلبِهِم
ذلك من إشراقِ شمسٍ أنسِهِ
حالَ المناجاتِ ورؤيا قُدسِهِ
فَلاَحُ فى طاعَتِهِ فلاحُ
بأوجُهٍ ثلاثةٍ تُبَاحُ
ذلك من جزائِها مِن قَبلِها
وهو توفيقُكَ فى تحصِيلِها
ومعها وذلك المؤانَسَةُ
وبَعدَها اللقاءُ والمجالَسَةُ
شرطُها خَلاَصُهَا من عِلَلِ
عبودَةٍ لا لبلوغِ الأمَلِ
فكلُّ مَن أرادَ في أثنَائِها
وجَودَ مأمولٍ على أدائِها
أو دَفعَ مَحذُورٍ فما قامَ لَهَا
بحقِّ أوصافٍ لَهُ يَجهَلُهَا
لأنّ وَصفَ ربِّنا حقيقٌ
لأن يُطَاعَ لو بَدا تحقيقُ
يُطاعُ لا يُعصَى ولا يُنسَى أبد
لشكرِهِ الذى يليقُ بالصَمَد
فهو اللطيفُ والمربِّى لهُم
بَرٌّ وذو الصفحِ ورَزّاقُهُمُ
فَسَاءَ عبدٌ عبدَ اللهَ لأن
يَمنَحَهُ على العبادةِ المِنَن
وأنت فى آلائِهِ غريقُ
فى كلِّ حالٍ بحرهَا عَمِيقُ
فحيثما أعطَاكَ قد أشهَدَكَ
بِرّاً له وحيثُ قد مَنَعَكَ
أشهَدَكَ القَهرَ لَهُ فَفِيهِما
لو كنتَ ذا بصيرةٍ لَدَيهِما
تَعَرَّف الحقُ إليك مُقبِلا
بوجهِهِ عليكَ لُطفاً فاعقلَن
فأنظر إليه في التَقَلُّباتِ
مُرادُهُ التعريفُ فى الحالاتِ
وفوقَ كلِّ رُتبَةٍ تعريفُ
ذاك مقامٌ فاضلٌ شريفُ
فإنّما يُؤلمُكَ المنعُ لِمَا
قَلٌّ بِهِ فَهمُكَ تلك الحِكَمَ
فإنّما المنعُ غدا عينَ العَطَا
عندَ قلوبٍ رُفِعَت عنها غِطَا
فأنظر إلى خَفىٍّ حُكمِهِ بنا
كيفَ بأحكامٍ له أجهَلَنَا
فَرُبَّما يفتحُ من طاعَتِهِ
باباً عظيماً لمدا كَثرَتِهِ
لكنّها ليس لها قُبُولُ
لأوجُهِ ثلاثةٍ أقُولُ
فَقد التُقى والصِدقِ والإخلاص
إنّ المطيعَ كالمُسيءِ القاصى
ورُبَّمَا قضَى عليكَ ذَنباً
ثمّ أتيت نادِماً بِعُتبى
فَصَارَ سَبَبَ الوُصُولِ والرِضا
فأنظر لِحِكمَةِ الحكيمِ والقَضَا
فكلُّ خيرٍِ بَعدَهُ تكبّرُ
أو عِندَهُ الإعجابُ والتَفَخُّرُ
يَصِيرُ ذنباً فائقَ الذُنُوبِ
كأنَّهُ الشيطانُ فى العُيُوبِ
والذنبُ إن قارَنَهُ النَدامَةُ
والخوفُ والرجوعُ والمَلاَمَةُ
أدرَكَهُ القبولُ مثلُ آدم
فى ذِلَّةٍ فَزِيدَ بالتَكَرُّمِ
فيخرجُ الحيِّ من المَيِّتِ وال
ميّتَ من حيى وذا حُكمُ العَمَلِ
يُولِجُ الليلَ فى النهّارِ
لعارضِ العُجبِ وإغترارِ
ويُولج النهّار في الليلِ بما
يُفعَلُهُ المذنِبُ فيما نَدِمَ
مَعصِيَةٌ للذُلِّ أورَثَتهُ
مع إفتقارِ العبدِ إذ دَهَتهُ
خيرٌ من الطاعَةِ مع تَكَبُّرِ
والعِزِّ والفَخرِ من المُستَكبِرِ
وأنظر إلى حديث كون العُجبُ
اعظمُ من شَرارَةٍ من ذَنبِ
ما لَكَ طاقةٌ بِشُكرِ النِعَمِ
فإنّهُ المُخرجُ لَك من عَدَمِ
فنِعمتَانِ نعمةُ الغمدادِ
تَتبَعُ فضلَ نِعمَتِ الإيجادِ
قد عَمَّتَا الوَرى فحقٌّ شُكرُهُم
عليهما إذا أستُدِيمَ عُمرُهُم
أنعَمَ بالتخليقِ والإيجادِ
ثمّ توالى لَكَ بالإمدادِ
فاقَتُنَا لرَبِّنَا ذاتِيَّةُ
سِرُّ عُبُودِيَّتِنَا الأصلِيَّةِ
يُظهِرُها تواردُ الأسبابِ
بشدّةِ الفاقَة للوهَابِ
وُجُودُنا بربِّنا ضَرورُى
فى جَرَيانِ قُدرَةِ القَدِيرِ
فلا إندِفاعَ أبداً لوصفِنَا
بالعِزِّ والذُلِّ وفَقرٍ وَغِنا
إلى صِفَاتِ لا إنتهاءَ فيها
تواردُ الأسبابِ ما يُبدِيهَا
ظاهرةٌ باطِنَةٌ خفيّةٌ
وافرةٌ باهرةٌ جليّةُ
كنِعمَةِ الأنفاسِ والأرزاقِ
ونعمةِ الإمساكِ والإطلاقِ
فَفَاقَةٌ ذاتِيَّةٌ لا تَندَفِع
عندَ عَوارِضٍ عليها تَنجَمع
فخيرُ أوقاتِك وقتٌ تَشهَدَ
وُجُودَ وصفِكَ الذى يُجَدَّدُ
من فاقةِ وذُلَّةِ ومَسكَنَةٍ
فليألَف المسكينُ دهراً وَطَنَه
وخيرُ وقتِكَ الذى تَرَدُّ فى
ذلك للذِلَّةِ لا للشرَفِ
بأن عَلِمتَ أنّ غيرَ الله
ذوَ فاقَةٍ وحاجةٍ لله
فإستَوحِشَنَّ أنت منهم أبداً
مستأنساً بِهِ وكُن مُنفَرِداً
وحيثما من خَلقِهِ أوحَشَكَ
فإعلَم وحَقِّق أنّهُ قَرَّبَكَ
يدعُوكَ للحضرةِ من جَنَابِهِ
يَمنَحُكَ اللهُ لفتحِ بابِهِ
إذا إبتَلاكَ بالذى أزهَدَهُم
عَنكَ فَزِد شُكراً لما أبعَدَهُم
عَنكَ فلا يَبقى بِهِم تَعَلُّقٌ
منكَ وقد لاحَ ضياءٌ مُشرِقٌ
لولا إبتلاك أنت ما جانبتهم
ولا طلبت الحقَّ بل إطلبتَهُم
فأطلبُهُ ما تَجُوهُ من كلِّ أدب
فإنّه منى دَعَاكَ للطلب
ومنك أطلَقَ اللسانَ فإعلم
أنّك منه فى جَلاَيَا النِعَم
بَعدَ أن أعطَاكَ ما تُرِيدُهُ
فإعطِهِ منك الذى يُرِيدُهُ
من بَثّ فاقةٍ مع اضطرارِ
حتّى يراك اللهُ فى إنكسارِ
فلا زَوالَ لإضطرارِ العارفِ
لوَصفهِ الأصلىِّ ما فيه خَفِى
وهو مِن الأغيارِ فى فِرارِهِ
يحسبُهُ الحقُّ لدى قَرارِهِ
ذاك الذى نَجَّاكَ عن أغيارِهِ
أنارَ الكونَ فى ضِيا آثارِهِ
هى الظواهر التى أنارَها
أنوارُهُ أعنى بها أثارَها
آثارُ أفعالٍ لَهُ ظواهرُ
ثمّ أنارَ أعيُنَ البصائِرِ
تمدَكَ الأنوارُ من أوصافِهِ
مظاهرَ الأسماء من ألطافِهِ
ثم أنارَ الحقُّ بالأسماءِ
سرائرَ لِقابِلِ الأشياء
فالشمسُ والنجومُ أفِلاَتٌ
أنورُها بالوقتِ زائلاتٌ
دُونَ القلوبِ إذ لَها أنوارٌ
ثابِتَةٌ وإن تَغِب آثارُ
فصارت القلوبُ أضوى الشمس
لأنّها مِرآةُ نورِ القُدسِ
ثمّ استدلَّ الشيخ بالبيتِ على
ما قالَهُ فقالَ بَيتاً مَثَلاً
إنّ شمسَ النّهارِ تغربُ باللي
يلِ وشمسُ القلوبِ ليست تَغِيبُ
والشارحُ العارفُ قد أتَبعَهُ
يَنقُلُ بعده بِبَيتِ مَعَهُ
طلعت شمسُ مَن هَوَيتُ بِلَيلِ
وإستنَارَت فما تلاها الغروبَ
أتبَعتُهُ بتابعٍ تَذييلاً
ذلك أقوَمُ الجميعِ قِيلاً
نورُ تلكَ النُجُومِ من ضوءِ شمسِ
فَلَهَا منهُ قِسمَةٌ ونَصِيبُ
فنورُ قلبِ العارفين أشرقَ
مِن ضَوءِ شمسٍ فى السماءِ تَشرُقُ
فإنَّ نورَ الشمسِ للأكوانِ
ونورُهُم لها وللرَّحمنِ
وفيه قالَ الشارحُ النِحرِيرُ
للهِ دَرُّهُ كما يُشِيرُ
ثمّ وضعتُ فَوقَهُ تخميساً
مُرَونَقَا مُبتَهِجاً سليساُ
لِتَجَلِّيكَ قَلبُنَا مثل طورِ
كلُّ حينِ مستَبشِرٌ بِسُرُورِ
هو شمسُ حقيقةٍ لظُهُورِ
هذه الشمسُ قابَلَتنَا بِنُورِ
ولشَمسُ اليقينِ أبهَرُ نوراً
إنّ ذا العرشِ في معاقبه قاطنُ
فيه من حيثُ ماله من مَواطِنِ
هو قلبٌ لذاك خيرٌ الأماكنِ
فرأينا بهذه النور لكنا
بهاتيك قد رأينا المنير
ألا يخففُ البلاءَ والألم
عَنكَ شهودُ من هو المُبلىِ ألم
يُعطِيك من آلائِهِ الجزيلةِ
تلكًَ بلاءٌ عندها قَلِيلةُ
مع أنّه أبلاكَ نافِعاً لَكَ
حالَ بَلائِهِ وقد أحالَكَ
من الوَضِيعِ للرفيعِ حالاً
لو أنَّك العارفُ ذا المآل
فهو الذى تَوَجَهَت أقدارُهُ
إليكَ فِيها مُنِحتَ أسرارَهُ
وإنّه عَوَّدَكَ إختياراً
فإختَر عليك ما الحبيبُ إختارا
إن أعرَضُوا هم الذين عَطَفُوا
كم قد وَفُوا فإصبِر لهم إن أخلَفُوا
لكن قَلِيلٌ مَن عليه يَنجَري
كما حكى الجُنَيدُ قِصَّةَ السَرَى
فكلُّ مَن ظنَّ انفِكاكَ لُطفِهِ
عن مُرِّ أقدارٍ فذا لِضَعفِهِ
وقاصرُ العلمِ بِشرعيّاتِ
فعاديّاتٍ وبِعَقلِيَاتِ
أمّا قصُورُهُ بعقلياتٍ
فما لِمَقدُورِهِ مِن غَايَاتِ
فحيثما إبتَلاهُ بالشرِّ فَقَد
أنقَذَهُ مِن كلِّ ما كان أشَدُّ
فذلك المَقدُورُ كان لُطفاً
ولُطفُهُ هناك ليسَ يَخفَى
فأهلُ نارٍ كُلُّهُم مَلطُوفٌ
حتّى الرّجيمُ الأرجَسُ الكثيفُ
أمّا قُصُورُهُ من الشَرعِى
فَحُكمُهُ هناك كالجَلِىِّ
كلُّ بليَّةِ لنا مُكَفِّرَةٌ
من الذُنُوبِ أولنا مُبشِّرَةٌ
بالنفعِ أومَعرِفَةِ الحلالِ
أو لإندِفَاعِ سببِ النَكالِ
أو إندفاعِ النفسِ عن تَكَبُّرِ
مقدارَ عطاءِ ذا المُقَدَّرِ
أمّا قُصُورُ العبدِ بالعادىّ
فإنّ فوقَهُ من المُبلى
من العبادِ زُمرَةٌ كثيرةٌ
بلاؤُهُم فائقةٌ شَهِيرةٌ
فاللهُ ما إبتَلاكَ ما إبتَلاَهُم
وما جَفَاكَ مثلَ ما جَفَاهُم
ولا البَلايَا كلُّها مُجتَمِعَة
عليك يا مَن لكلامى سَمِعَه
فأشكر وإصبِر للبَلاءِ والمِحَن
على وُفُورٍ ما إليكِ مِن مِنَنِ
ولا يُخافُ إلتباسُ الطُرُقِ
عليك فى أىّ طريقٍ تَرتَقى
أتأخُذُ الشكرَ على رَحمَتِهِ
أم تمسِكُ الصبرَ على حِكمَتِهِ
وإنّما يُخَافُ سلطانُ الهَوَى
عليك يُغُوِيكَ مع الذى غَوَى إلى
ضجَرِكَ فى مواردِ البَلاَءِ
مِن نَغَصِ المِحنةِ والقَضَاء
صَدِّق إذا قلتُ هى النَعَمَاءُ
وسُتِرَت مِن تحتها الآلاءُ
أعنى الخُصُوصيّاتِ والمعارِفَ
لا يَعرِفَنَّهَا وُجُودُ صارِفِ
سبحانَ ساترِ الخُصُوصيّاتِ
بالبَشَرِيّاتِ الضَرُوريّاتِ
كالفَقرِ والذُلِّ مع الضَعفِ لنا
تَظهرُ وَصفَ اللهِ عِزّاً وغِنَا
فالعبدُ مهما شَهِدَ اللواتى
مِن شَأنهِ وفَازَ بالغاياتِ
أمَدَّهُ الرحمنُ من بعدُ بما
من شَأنِهِ وهو مَقَامُ العُظَمَاء
ثمّ الرُبُوبِيَّةُ من أوصافِها
ظاهرةٌ على خَفَا الطافِها
من العُبُودِيّاتِ فهى كلّمَا
تحَقَّقَت للعبدِ قَد فازَ بما
هو الخصوصيّةُ والوِلايةُ
والنُجحُ بالعِرفانِ والعِنايَةِ
للعبدِ أوصَافٌ هي الضِعافُ
وللإلهِ دُونَها أوصَافُ
فحيثما جُمِعَت صفاتُ العَبدِ لَهُ
أمَدَّهُ الله بما قَدَّمَ لَهُ
فكانَ مَظهَراً لِوَصف الحقِّ
خَلِيفَةً لِرَبِّهِ بالصدقِ
فكلّما شاء غدا مُنفَعِلاً
وإذ سَمِعَتَ ما ذكرناهُ فَلاَ
تُطَالِب الربَّ بتأخيرِ الطَلَب
أعنِى الخُصُوصِيَّةَ ما فوقَ الرُتَب
وطالِب النفسَ بتأخير الادب
حتّى تَنَالَ منه غاياتِ الأرَب
فأدبُ العبدِ هو إستِسلامُهُ
لله حيثُ وُجشهَّت أحكامُه
متى جعلتَ ظاهراً لأمرِهِ
ممتَثِلا وباطناً لقَهرِهِ
مُستَسلِماً في الرضاءِ بالقَضَا
ثُمّ منيباً راجعاً مُفَوِّضاً
فإعلم يَقِيناً أنَّه أعظم فى
مِنَّتِهِ عليك ما ليسَ خَفى
هو المحبُّ أنتَ محبوبٌ لَهُ
وهو مُرِيدٌ أنت مَطلُوبٌ لَهُ
فأىَّ شيءِ لا تكونُ قَادِرا
عليهِ بعدَ مَن حَبَاكَ قاهِراً
ولا يكُن حَظُّكَ من رَبِّك أن
يُعطِيكَ اللهُ كراماتِ المِنَن
بل مُقتَضَى الامر مع القهرِ خُذ
فغيرُهُ المعلولُ عندَ الجَهبَذِى
فليسَ كلُّ ثابتٍ تخصيصه
مَكَمِّلاً فى نَفسِهِ تَخلِيصُهُ
إنّ الكرامات هىَ الخصائصُ
ورُبّما يَنَالُهُنَّ ناقصُ
إذ الخلوصُ من جميعِ العِلَلِ
مع كلِّ آفاتٍ بِفَقدِ الأملِ
وقد يكونُ صاحبُ الخوارِقِ
فى نَفسِهِ مَذَمَّةَ الخَلائِقِ
ألا ترى الطيرَ لَدى طَيرَانِهِ
والحُوتَ فى الماءِ وفى فَيَضَانِهِ
ألا ترى إبليسَ فى دَوَلاَنِهِ
مع أنّهُ الجِيفَةُ فى إنتِنَانِهِ
ثمّ الكراماتُ الحَقِيقِيَةُ فى
وَصفِ العُبُودِيَّةِ أعلى شرفِ
وفى الذى يطلبُ منك الحقُّ
ومنه وِردٌ جيء فيهِ الصِدقُ
والوردُ ذا إقامَة الطاعاتِ
بِحَقِ رَبِّه لدى الأوقاتِ
فكلّ مُستَحقر وردٍ جَهُولُ
بالوِردِ الذى هو المأمولَ
من ثمراتِ الوِردِ أو ثَوابِهِ
لجنّةِ الرحمنِ واقِراً بِهِ
فالوِردُ للواردِ كان السببَ
فذاك أولى أن تراهُ مَطلَبَا
والوردُ يَنطَوى بِطّىِّ دارِنا
لا سِيَّمَا الأنفاسِ فى أعمارِنا
فواجبٌ عليك أن تَعتَنِياً
بفائتٍ وُجُودُه مَنطَوِياً
والوردُ حقٌّ اللهش إذ يَطلُبُهُ
مِنكَ وذا حَقُّكَ إذ تَطلُبُهُ
مِنهُ وأينَ فضلُ ما اللهُ طَلَب
مِن فَضلِ ما أصبحَ مَطلُوبُكَ هَب
فَحقُ مَولاكَ هو إستقامةُ
وحَظٌّ نفسنا هى الكرامةُ
وحَقُّهُ أفضلُ مِن حُظُوظِنَا
فإسمَع ولا تُهمِل حُقُوقَ رَبِّنَا
إنَّ وُرُودَ العبدِ من إمدادِهِ
بِحَسَبِ الأورادِ وإستِعدادِهِ
فالعبدُ مهما كَمُلَ إستعدادُه
مُيَسَّراً لقَد أتى مُرادُهُ
إنّ شُرُوقَ السرِّ بالأنوارِ
يَصفُوهُ مِن صُوَرِ الأغيارِ
وذاك لا يكونُ إلاَّ بِسَبَب
وهو إلتزامُ الوِردِ مِن عَزمِ الطَلَب
للملوكتِ أودعَت أنوارُ
فى كلِّ وِردٍ مَن له إستِبصَارُ
يطلبُ نورَ كلِّ طاعَةٍ وَلاَ
يُهمِلُ جنساً بل يُوالى عَمَلاَ
وخيرُ وِردٍ أن تَكُونَ مُصبِحاً
فيهِ إذا طَلَبتَ أمراً مُصلِحاَ
ما بَثَّهُ الإمامُ فالناسُ هنا
قِسمَانِ عاقلٌ وغافلٌ وَنَا
فحيثما أصبحَ غافلٌ نَظَرَ
فيما الذى يَفعَلُ وَهُو ذُو كَدَر
مُستَشعِرٌ فَواتَ مقصودِ الأملِ
مُعتَمِدٌ على قُواهُ والعَمَل
لكنّما العاقلُ ليسَ يَنظُرُ
إلاّ الذى يَفعَلُهُ المُقَدِّرُ
هُمَا كمثلِ أوجُهِ التعريفِ
يَرضى بها وأوجُهِ التَكلِيفِ
يَطلُبُها بغيرِ ما فُتُورِ
يَفعَلُهَا مُستَوفِياً بِنُورِ
وإنّما إستَوحش العُبّادُ
عن غيرِ مولاهُم كذا الزُهّادُ
لأنّهُم لم يَشهَدُوهُ فيهِ
فَعَنهُ فَرُّوا غيرَ مُبتَغِيهِ
حتّى ولو رَأوهُ فى الكونِ لَمَا
أوحَشَهُم عن غيرهِ وإنَّما
أدخَلَهُم فى ظُلمَةٍ بنُورِ
مُستأنِسِينَ فيه بالحُضُورِ
فَخَالِقِ النّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنِ
تألفُهُم قُلُوبُ أهلِ المِحَنِ
فالمؤمنُ المالُوفُ بل وآلِفُ
مؤديًّا ما تقتضى المَواقِفُ
ثمّ شُهُود أوجُهِ الخلائِقِ
مستلزمٌ لرؤيَةِ الحقائِقِ
ورُؤيةُ حَقَائِقِ الاكوانِ
يَلزَمُها زيادةُالعِرفَانِ
وهو متى زِيد بدارش الدُنيا
يَقلِبُ بالرؤيَةِ وَجهَ المولى
وإن نَظَرتَ فى مُكَوَّناتِهِ
كما أتاك الأمرُ فى آياتِهِ
تَشهَدُ فى الدنيا عُلا صِفَاتِهِ
وفى غدٍ ترى علىَّ ذاتِهِ
من حيثُ لا كيفَ ولا أينَ ولا
يَشبَهُ شيئاً أبَداً وأزَلاً
إنّك لا تصبرُ عنهُ قد عَلِمَ
ذلك مِنكَ فأرَاكَ ما فُهِمَ
من بارِزٍ عنهُ من الوُجُودِ
علامةً على كمالِ الجُودِ
إذ الحديثُ لا يَرى قَدِيماً
ما كانَ فى حُدُوثِهِ مُقِيماً
وَلَوَّنَ الرؤيةَ فى الطاعاتِ
لِمَلَلٍ عليك وَهُو ذاتىّ
وَخَصَّ أوقاتٍ بها لِشَرَةٍ
فِيكَ لتَعجيلِ دَعا وَعَمَهٍ
إذ إندِفاعُ مَلَلٍ وفترة
يحصلُ مِن تَلوِينِها فى كثرةٍ
وشَرَهٍ بحجرِها فى وقتٍ
خُصَّ بها فَخُذُهُ بالتَفّى
والحِجرُ والتَلوِينُ من أمورٍ
ثلاثة إعانَةُ المَيسُورِ
وحجةٌ أنت على المَخذُولِ
تكرمةُ المحقِّقِ المَقبُولِ
من العبوديّةِ فى تَيسِيِرِ
فهذه الثلاثَةُ الأمُورِ
ثمّ ليكُن هَمُّكَ فى الصلاةِ
إقامَةً لها بشرطٍ آتٍ
دُونَ وُجُودِها فيانَدِيمُ
ما كلُّ مَن صَلَّى هو المُقِيمُ
إقامةَ الصلاةِبالخشُوعِ
مع إستِكانَةٍ وبالضُرُوعِ
فيها خصالٌ سِتةٌ مَرامُ
بها الصلاةث بيننا تُقَامُ
أوّلُهَا طهارةُ القُلُوب
من دَنَسِ الغَفلَةِ والذُنُوبش
ومُفتَحٌ لنا مِن التجلى
من الغُيُوبِ ومِن التَدَلَى
وللمُنَاجَاتِ هى المحلُّ
وللمَصَافَاةِ هىَ الأدَلُّ
فيها إتساعُ مُشرِقِ الأنوارِ
كذا المَيَادِينُ مِن الأسرارِ
قَلَّلَهَا لضَعفِنا أعداداً
كَثَّرَهَا لحُبِّنَا إمداداً
خمسُ وَخَمسُونَ وما يَبدّلُ
قولٌ لدىّ فهو فضلٌ أجزَلُ
مَتى طلبتَ عِوَضاً مِن حَقِّ
يَطلُبَك الحقُّ بِهِ بِصدقِ
إنّ المُرِيبَ حَسبُهُ السلامةُ
فى عَمَلٍ لم يأتِ بالتَمامَه
لا تَطلُبَنَّ عِوضاً من عَمَلٍ
لستَ له الفاعلَ والأمرُ الجَلى
يكفيك من جزاءِ ذلك العَمَل
قَبُولُهَ منِك على كلِّ عِلَل
إذا أدارَ فَضلَهُ عليكَ
يُنسبُ بعدَ خَلقِهِ إليك
فما لِفَضلِ اللهِ من نِهَايَةٍ
عليك من كرامةِ العِنَايَةِ
إن أظهرَ الجودُ لك المَدائِحَ
لا تَنتَهى جَلِيلَةُ لَوائِح
وذَمَّكَ الأكثرُ إن أرجَعَكَ
إليك فاذكُر ذا البَيَانَ مَعَكَ
وخيرُ وِردٍ لا تَرَى وُجُودَك
ودائِماً تَشهَدُهُ مَعبُودَكَ
خُذ بِرُبُوبِيَّتِهِ تعلُّقاً
وفى عُبُودِيَّتِنَا تَحَقُّقا
فللرُبُوبِيَّةِ أوصافُ هنا
كُقُدرَةٍ وقُّوَّةٍ عِزِّ غِنا
وإنّ مِن تعلّقِ العبدِ بِها
أن لا يكونَ ناظِراً لِغَيرِها
ولا على شيءٍ سواهَا مُعتَمِد
وللعبودِيَّةِ أوصَافٌ تَجِد
عجزٌ وذُلٌّ ثم ضَعفٌ فَقرُ
كلُّ له نَورٌ نَفَاهُ البَدرُ
وإنّ مِن تَحَقَقِ العبدِ بِها
أن لا يكونَ فاقشداً لِوَصفِها
وكَونُها لازِمةٌ لَدَيهِ
قائِمةٌ غالِبَةٌ عليهِ
ومالَهُ عن كلِّهما إنفِكَاكُ
ونُورُهُ لنُورِهِ إدراكُ
فى كلِّ حالٍ كانَ مُتَحَقِّقاً
ثمّ بما للهِ مُتَعَلِّقاً
لكنّما البِساطُ قَد يَختَلِفُ
فتارةً يَغلِبُهُ تَضَعُّفُ
وتارةُ يَغُلِبُهُ الفَنَأ بِهِ
وتارةً يَعقُبُهُ الغِنَا بِهِ
وتارةً يَغلِبُهُ إفتقارُ
وذُلَّةُ يَعقُبُهُ إضطرارُ
فحيثما حلَّ على جَنَانِهِ
غِنَاءُ حلَّ البَسطُ مِن إحسانِهِ
وحيثما عليه فَقرُهُ غَلَب
وافَقَ راجِعاً إلى حالِ الأدَب
فأصبَحَ البسطُ مَعَ الكرامَةِ
محلَّ أولياه والعَلاَمَةُ
ومَوقِفُ التعظيمِ ثمّ الأدَبِ
ثانِيهِمَا والكلُّ أحوالٌ للنَبِّى
أطعَمَ بالصاعِ ألُوفاً مُظهِراً
غِناهُ باللهِ وشَدَّ الحَجَرَ
من جُوعِهِ أظهَرَ فِيهِ فَقرَهُ
لِلّهِ ثمّ أولاً أظهَرَهُ
لحاجَةِ النّاسِ إليه جابِراً
لحالِهِم حتّى يَرَوه قادِراً
وذا هو المقصودُ إن عَلِمنَا
أنّ النبىَّ للجميع سَنَّا
وقلَّ إظهارٌ لِحالِ أوّلِ
إلاّ لَدَى الحاجَةِ أو تَزَلزُلِ
للضُعَفَاءِ فَتَحَقَّق بالأدب
تأسِيّا بِهِ فذا هو الأدَب
وبَعدَ ما إتَّصَفتَ بالذى لَهُ
كُن مُتحَفِّظاً مِن الدَعَوى لَهُ
فما أباحَ لك أن تَدَّعىَ
ما كانَ للمخلوقِ فإبغِ قَولى
فكيفَ ألا يَمنَعُ أن تَدَّعِىَ
وَصفاً لذى العِزَّةِ يا مُدَّعِياً
إذا تحلَّيتَ بما لَهُ فَلاَ
تكُن عَن اللائِقِ بِكَ غَافِلاَ
تَفَعَلُ ما تَشا كما تَشَاءُ
وطَاوَعَت لأمرِكَ الأشياءُ
لك الغُيُوبُ كاشُموس تَشرُقُ
كما تُحِبُّ تَخرُقُ الخَوارِق
يَفتَحُ من أرزاقِهِ كُنوزاً
تُنفِقُهَا كنتَّ بِهِ عَزِيزاً
وقادراً وحَكَمَا قَوِيًّا
مُحَبِّباً مقرَِّبا وَلِيًّا
وكلمّا إحتَّجتَ إليه صارَ
فى نُصرَةِ اللهِ نصيراً جاراً
وأنت فى العزّةِ لا ذليلُ
أعَزَّكَ الذى هو الجَلِيلُ
وأنت لا تَضعُفُ عن شيءٍ بِهِ
فى كَنَفِ الرّحمنِ بل في حِزبِهِ
لكنمّا ذلك من كَونِكَ قد
فُنِيتَ عَنكَ بالمُهَيمِنِ الصَمَد
فى كلِّ شيءٍ بعد ان تَفعَلَهُ
مُنفَعِلاً هو الذى يَفعَلُهُ
لا تَدَّعِ الأمورَ إنّها لَهُ
وأنت عندَ ذُلِّهِأذهَلَهُ
عن إدّعاءِ ما مَضَى من شرفِ
أضعَفَ كلَّ فاقدٍ مُستَضعَفِ
لوَصفِكَ الأصلى كُن رجّاعاً
فَتًى فَقِيراً لا مَن إستَطَاعَ
عارِيَةٌ أدَّيتَها لِرَبِّهَا
ما كانَ في يَدِيكَ كُن مُنتَبِهاً
هو المُجَازِىُّ لِذا يرتَفِعُ
مِن بَعدِ ما حَقِيقَةً تَنجَمعُ
وكلُّ ما مضى بِخَرقِ العائِدِ
أعنى صفاتِ النفسِ والعَوائِدِ
وكيفَ منك تَخرُقُ العَوائِدُ
وأنت ما خرِقتَ منك عائِدا
وخَرقُهَا ظهور شيءٍ ليسَ لَك
مُتَّصِفاً بِوَصفِ ما اللهُ مَلَك
من الكمالاتِ التي يُجرِيهَا
عليك والعقولُ لا تُحصِيهَا
والنفسُ حيثُ تركت مَألُوفَهَا
شَهِدَت خَرقَ ذاك مِن تَصَرِيفِهَا
وكلُّ ذلك الذى تَحَقّقَ
لِمَا تَخلّقَ وما تعلّث
إذ الجزاءُ كانِ من جِنسِ العمَل
وخَرقُها الظاهرُ مِن تلك الجمل
كُن فَيَكُونُ مِن عَظيمِ شأنِهِ
وكلٌّ ما كَوَّنَهُ مِن كَونِهِ
ذاك مِن التَقرِيبِ بالنَوافِلِ
طوبى لِمَن كانَ بذاكَ واصل
ولا تَرَى يَشبَهُ باضطرارِ
منك لَهُ والذُّلِّ وإفتِقَار
أسرعَ بالمواهِبِ الجَلِيلَةِ
لأنّهُ الرجُوعُ ليس عِلَّةً
للهِ والوُقوفُ بالمَسكَنَةِ
بينَ يَدَى ذى العِزِّ والسَلطَنَةِ
وخيرُ أوقاتِكَ وقتٌ تَشهَدُ
فيهِ من الفاقَةِ فيه أنشَدُوا
أدبُ العَبيدِ تَذَلُّلُ والعبدُ لا يدعُ الأدب
فإذا تَكَامَلَ ذُلُّهُ نالَ المودَّةَ وإقتَرَب
لو أنّ ما لَدَيك من مَسَاوى
وما لَدَيكَ بعدُ من دَعَاوى
هى التى تَمنَعُكَ الوُصُولَ
فلا تونُ أبداً مَوصُولاً
لأنَّها المركوزةُ المطبُوعَةُ
فِيكَ وفى جُبُلَّةٍ مُوضُوعَةُ
دليلُنَا لولا كمالُ فَضلِهِ
عليكُم ذلك ضِمنَ قَولِهِ
سُبحَانَهُ لما زَكىِ منكم أحد
لكنَّهُ الذى يُزَكىِ بالمَدَد
فهو متى أرادَ أن يُوصَلَك
إليهِ بالوَصفِ يَستُرُكَ
وَنعتُكَ الأصلِىُ بالنَعتِ لهُ
مغَطياً وهى كرامة لَهُ
يَغمُس منك الفَقرَ فى غِنَاهُ
والضَعفَ والعَجزَةَ فى قُواهُ
فظهرَ الكمال منه لابِكَ
فكنتَ فىِ السراجِ من حجَابكَ
فهو الذى إليه قَد أوصَلكَ
مالهُ لا بالذِى كانَ لَكَ
إليه مِن لِياقَة أو شرَفهِ
بل بِكّمالِ لُطفِه كمَا يَفىِ
فَبعدَ من لم تَنفُذ المََاوىِ
منك كما لم تَنقُبض الدَعاوىِ
كانَ جميلُ سترِهِ لولاه
ما كنتَ عامِلاً لما يَرضَاه
ولم يكن سِوى محتَاج الأنفُسِ
لأنَّهَا قد جعُلَت فى الأرجَسِ
ولا تريدُ ما سِوى الغَوايَةِ
إلا بسَترٍ دُونَهَا وِقَايَةٍ
فأنت للحلم إذا أطعتَهُ
أحوَج منك لَهُ إذا عصيته
لِما مَضى من وَصفِكَ الأصلىّ
وخيرةُ النفسِ سِوى المرضى
فأنتَ فى الطاعةِ مَصحوب العِلل
وكلّ آفةِ ودَعوىَ وَخلّل
فالسَتر قِسمان فعن مَعِصّيةٍ
كَيلاَ يراها العبدُ من تنجيّة
والسَترُ فيها وهو ما للكامِل
وذاكَ للناقصِ نقصُ سافِلُ
أهلُ العُمُوم يطلبون سترهم
من رَبّهم فيها وما حَملَهُم
عَلَيهِ إلاّ خَشيّةُ السُقُوطِ
عن نَظَرِ الخَلقِ إلى حُطُوطِ
وذُو الخُصُوصِ يَطلُبُونَ عنها
لِلهِ فَرُّوا خائِفِينَ منها
مِن خَشيَة السُقُودِ عن عينِ الملك
لأنّهُم فيه بِمَنهَجٍ سَلَك
برسمِ تعظيمٍ وخَوفٍ وخَجَل
إشفَاقُهُم من طَردِهِم هو الوَجَل
وذاك هيبةً وإجلالاً حياً
مُعَظِّمينَ ذا الجنابَ الكِبرِيَا
وثالثُ القِسمَينِ فيها حَصَلَت
عنها إذا لم تَكُ بَعدُ حَصَلَت
فكلُّ مكرِم فما أكرَمَك
إلاّ جميلُ سَترِ حقِّ لك
وذاك أنَّ العيبَ فيك مَخفى
فَسَسترُهُ عليك أىَّ لُطفِ
أشهَدهُم فيك سِوى المَسَاوِى
وانت مُحتَوٍ لها وَطَاوٍ
فهم يُعَامِلُونَكَ الجَميلَ
مِن سَترِهِ فيا إمرءاً عليلاً
حَمدُك للساتِرِ لا للمُكرِمِ
والشاكرِ الجاهلِ فيك ما رَمى
فلو بَدَت حقائقُ النّاسِ لما
أحِبَّ أحدٌ لأمرٍ أبهِمَ
ولقَلاَ الإنسانُ من يُحِبُّهُ
فأشكُرهُ مَن للشكرِ هو رَبُّه
وإن يكُنُ شكرُ العبادِ واجباً
لكن مِنَ المَجَازِ شكرٌ نُسِبَ
لَهُم وفى التحقيقِ شكرُ الحقِّ
كما الذى أحسَنَ فضلَ الخَلقِ
فَشُكرُهُ حقيقةً وفَضلُهُ
واىَّ خَلقٍ بعد ذاك أهلُهُ
فكلُّ صاحبٍ حقَقيقٍ صَحِبَك
ليس سِوى الساتِرِ منك مَثلَبَك
وكانَ بالعيبِ عليماً وهو لَم
تَجِدهُ إلاّ مَن حَبَاكَ بالكَرَم
هو الذى عَيبُكَ عنه ما خَفى
فإلجَأ لَهُ سبحانَهُ من ألطُفِ
فأنت تَعصِيهِ ولا يَدَعُكَ
إلى سِواهُ ثمّ لا يَفضَحُكَ
ولو رآكَ مثلُ ماهو عِلمك
فردٌ من الخلقِ لِبَالسوء دَههمَكَ
وخيرُ مَن تَصحَبُهُ من يطلُبُك
لأن ترى مِنهُ الذى هو أدَبُك
لا ليَعُودَ منكَ شيءٌ لَهُ
وليس إلاّ الحقُّ ما أجملَهُ
فالصاحبُ الأصلىُّ لو أنارَ
منك اليقينُ الصمدُ الستارُ
ولو غدا اليقينُ مُشرقَا لقد
رأيتَ عُقبَاكَ مُقَّرَّبَ الأمَد
أقربُ مِن أن تَرحَلَن إليها
فَبالجميعِ أقبِلَن عليها
وشُوهِدت محاسنُ الدنيا وقد
رَأيتَهَا فانيةً كما نَفِد
وظهرَ الكسفُ عليها بالفَنَا
كُسُوفُهَا التَقَلُبَاتُ بيننا
وكلُّ مَوجُودِ عليها وَهمٌ
حقيقةً وقَد حَواهُ العَدَمُ
فالكلُّ معدُومُ فما إن حَجَبَك
عن الإِلَهِ ذُو وُجُودِ جَذبَك
مَعُهُ فلا موجودَ مَعُهُ إنّما
كان الذى يَحجِبُ شيءٌ عُدِمَ
وقد تَوَهَّمتَ وُجُودَهُ مَعَهُ
فَدَع عليك كلَّ سَفَه وعَمَه
فالشغلُ بالخلقِ بِذَمِّ وثَنَا
والسترُ والجلبُ لَوهم وَهَناً
تَوَجُهٌ لِعدمٍ وباطِلٍ
وَغَفلَةٌ عن الحكيمِ الفاعِل
وقال شيخى فى لَطائِف المِنَن
يُخبِرُ عن وُجُودِ مَوجُودٍ عَلَن
فقال ذاك مثلُ ظِلِّ وَهُوَ لا
وُجَودَ تَحقِيقَا لَهُ لو عَقِل
فأنظر إلى إضمِحلالِ مَخلُوقاتِهِ
لولا ظُهُورُ الحقِّ فى صِفاتِهِ
لولا تَجَلِّى فى المُكوَّناتِ
ما وقعت أبصارُ مُبُصِراتِ
على المكوَّناتِ إذ هنَّ أتر
تَيرِءَةٍ عن نَفسِهَا ممّا ظَهَر
ثمّ ظُهُورُ الكونِ إنّما هو
لكونِهِ دَلَّ على مَولاهُ
فاللهُ لا وُجُوُدَ بَعدَ ما ظَهَرَ
سِواهُ فى كِتَابِهِ كما ذَكَر
فإنّما ظُهُورهُ بما ظَهَر
من جَعلِهِ الموصلَ مثلَ ما ذَكَر
لأنّهُ الباطنُ كلُّ شيءٍ
أظهَرَهُ إذ لا وُصُولُ شىءٍ
إليه عِرفَاناً بغيرَِ ما ظَهَر
لأنَّه دليلُهُ كما إستَقَر
وإنّه الظاهرُ فى عُلاهُ
لكلِّ مَوجُودِ فَقَد طَواهُ
إذ لا يصِحُّ أن يكونَ ظاهِراً
مَعَهُ لكونِهِ عَدِيماً جاهِراً
مُستَنِدٌ عليه فى وُجُودِهِ
وعدم إستقلالِهِ فى جَدَّهِ
فحكمةُ طُهُورِ كلٌ خَلقٍ
تَعريفُهُم بشأنِهِ عن حَقِّ
والخلقُ ما دَلَّ على دَيَّانِها
بالحكمِ والحِكمَةِ لا أعيانِها
لذا أباحَ لك أن تنظرَ ما
في الكونِ من حِكمَةِ ما قَد علما
ومالك الإذنُ له مِن أن تَقِفّ
مع ذَواتِ الكائِناتِ فإعتَرِفّ
عجائبَ القُدرَةِ والإرادَةِ
والعلم إتقانا وتَخصِيصاً أتى
فقالَ ماذا فى السمواتِ أنظروا
والحقُّ ما قالَ السمواتِ أنظُروا
أوّلُهُ لبابِ إفهامٍ فَتَحَ
إيّاكَ ما فِيهِنَّ ثمّة إذ مَنَح
فالظرفُ فيهِ كلّ حكم
ثمّ نهاك عن وُجُودُ الأجرُمِ
لولا جمالُهُ ولا جَلالُهُ
فِهِنَّ والصفاتُ بل أفعَالُهُ
ما القدّ ما الطَرفُ الكحيلُ وما اللُمَا
ولا تَشَهُدُ فى حَلاَوَةٍ تَرمُقُ
ثابِتَةُ الأكوانِ مِن إثباتِهِ
مَمحُوَّةٌ مِن أحَدِىّ ذاتِهِ
فإن نظرتَ حيثُ هُنَّ هُنَا
فَعَدمٌ أو هو فَعلَمنّ
تمدحُكَ النّاسُ لما تظنّه
من عملٍ مزخرفٍ تكنّه
وأنت عالمٌ بما في نفسِكَ
فَذُمَّها لما بِها من بُؤسِكَ
فيستحى المؤمنُ نحيث يُمَدّحُ
بما إنتَفى عنه فأينَ الفَرَحُ
حياؤه من رَبِّهِ لأنّه
أبدى جميلاً والقَبِيحُ كَنَّهُ
وأجهلُ النّاسِ الذى يتركُ ما
لَدَيهِ من يقينِ سُوءٍ كُتِمَ
يفرحُ ممّا ظنّت النّاس له
مِن صالِحِ الاعمالِ ما حصلَهُ
فحيثما الألسُنُ طالتّ بالثَنَا
عليك إذ لَسَت بأهلٍ ههنا
فأثنِ شاكراً على أهلِ الثنَا
بما الإلهُ أهلُهَ يافَطِنا
تنقبضُ الزهّأدُ حيثُ مُدِحُوا
والعارفون من ثَنَاهُم فَرِحُو
أوّلُهم يشهدُ خَلقاً أثنى
فزادَهُ الثنا عليه حُزناً
والعارفونَ يَشهَدُونَ واحداً
مُصرِّفاً وللجميع فاقِداً
فالخَلقُ أقلامٌ له تعالى
أيُطهِرُ الجمالَ أم جلالا
سَواءٌ السُوءُ أم الجميلُ
لمن غدا مَصرُوفُهُ الجليلُ
وحيثما قَلبُك بالعَطا بَسَط
وأنت بالنعماءِ فرحاً تَغتَبِط
وعند مَنع ما تُحِبُّ يَنقَبِضُ
فهو طُفُولِيَّةُ ناقصٌ مرِضٌ
وعدمُ الصِدقِ ونسيان الادب
لدى العبوديَّةش أضعَفَ النِسَب
علامةُ له الرِضا والغضبُ
حتّى يُبَانَ حَالُهُ المُقَبَّبُ
وكيفّ تَيأسُ فى الذُنُوبِ
عن إستقامةٍ علىالمحبوبِ
ورُبّما تموتُ قبل عَودِ
منك على الذنب فيا إبنَ وُدِّ
ما إن يَمَلَّ اللهُ عن غُفرانِهِ
حتّى تملَّ فإعتبَبِر بشأنِهِ
فَدُم على التوبةِ يا نّدِيماً
قد كنتَ فى التوبَةِ مستقيماً
وقد يكونُ ذنبُك الآخرُ من
مُقَدِّرِ الذنوبِ فإفهَم يا فَطِن
وإن أردتَ منه أن يُفتَحَ لَك
باب فأشهِدَن ما هو منه لك
وإن أردت منه بابَ خَوفِهِ
فأنظر إلى قهرِ جَلالِ وَصفِهِ
وما فَعَلتَهُ له يَقظَاناً
أيُستَطاعُ ربنا عِصيَاناً
عند تخلُّفِ المتابِ ربّما
تحزنُ فإستَفَدتَ منه نِعما
ذلك ليلُ القَبضِ ما لم تَستَفيد
فى بَسطِ إشراقِ النهّارِ فإفتَقِد
ورُبّما ينعكِسُ الحالُ فَخُذ
مُوَجِهاتِ الحقِّ من أمرٍ نفذ
فإرضَ به الوضع كذا ورفعَا
أيّهما الأقربُ إليك نفعاً
مطالع الأسرارِ والأنوارِ
بواطنُ القلوبِ الأسرارِ
وستةٌ أقسامٌ نُورُ طَبعِىّ
ونورُ عقلٍ خُذهما بِقَطّعِ
ونورُ روح ثمّ نورُ قلبٍ
وللسُويدا ولسّرٍ حَسبى
أكملُها الأخيرُ ثمّ نورُ
مُستَودَعِ القلوبِ مُستَنِيرُ
يمدهُ واردُ نورِ الغَيبِ
خزائنُ الغُيُوبِ بطنُ القلبِ
نورُ المشاهداتِ والميثاقِ
يومَّ ألست ساعَة التَلاَقى
رأيتُ العقلَ عقلين فَمَطبُوعَ ومَسمُوعَ
ولا ينفعُ مَسمُوعٌ إذا لم يَكُ مَطبُوعُ
كما ل تنفع المعينُ وَضوءُ الشمس ممنُوعُ
وبإعتبارِ بَسطِهِ نوعانِ
نورٌ به يُكشَفُ عن أعيانِ
وكلِّ آثارِ بوَصفٍ صافِ
ونورُ كَشفِ الحقِ بالأوصافِ
فنورُ آثار له الكَشف عن ال
أكوانِ بالنقصِ وهَونٍ تَنجبل
وإنّ دُنيانا إلى الزولِ
وإن عقبانا لفى كمالٍ
ونُورُ كَشفِ وَصفِ جَلاَلِهِ
كما إستحقه كذا أفعَالِهِ
لا تكُ بالأنوارِ مججوباً فمع
أنوارهِ بعضٌ مِن النّاسِ قَنَع
وهى بها تَنحَجِبُ القلوبُ
كصاحبِ النَفسِ هو المَحجُوبُ
بِظُلمَةِ الأغيارِ فإحتَرِز مِنَ
وقُوفِ قلبٍ مع نورٍ يُعتَلَن
لله غيرةٌ كما صَحَّ الخبَر
على الأحباءِ لكيلاَ تَشتَهِر
ولا تَنَالُها يد الجَهُولِ
مُبتَذِلِ الأمرِ لدى الوُصُول
لأنّه ماعِزَّةُ المكنُوزِ
إلاّ لما بِهِنَّ مِن حَريزِ
فالأولياء معدنُ الأنوارِ
مخفيةُ من نائلِ الأغيار
لأنّهُم جواهرُ الأصدافِ
مُحتَرِزُونَ عن يدِ الصرّافِ
وكيف علمُ العبدَِ بالآكل ما
يأكل والشاربِ ما يشرب ما
سبحانَ مَن لم يجعلِ الدليلا
على العبادِ الأوليا وُصُولا
إلا بِما دلَّ بهِ عليهِ
لأوجُهٍ ثلاثةٍ لديهِ
ولا وُصُولَ لإمرءٍ إليهِم
إلاّ وُصُولاً للإلَهِ فإعلَم
وإنّما المرادُ بالوُصُولِ
إلى الوَلىِّ حرمةُ التبجيلِ
وهو بذاك للإلَهِ واصلُ
إنّ الولىِّ صَحبُهٌ آماثِلُ
ينوبُ عنه الحقُّ فى غيبتِهِ
نَعنى به ما شاءَ مِن ثروَتِهِ
نشأنُهُم مُعَظَّمٌ جليلُ
خليفةُ الرحمنِ ما تَقُولُ
فأنظر كتابَ الحَضرمى
والشاذلى وشيخنا كما إعتنى
فربَّما أطلعَكَ اللهُ على
غيوبِ ملكوتِهِ من حيثُ لا
تُشرفُ أسرارَ العبادِ رحمةً
فيك وفيهم جَلَّ ربّى حِكمَةً
فكلُّ مَن أطلَعَهُ اللهُ على
سِرَّ العبادِ قبلَ أن تكمّلا
متخلّقا بالخُلُقِ الإلهى
برحمةِ الرؤُوفِ والأوّاه
كان إطلاعهُ عليه فِتنةً
وسببَ الوَبالِ يَعدَ مِحنَة
فليسع النّاسَ ببسطٍ وخلق
كأنّه الأبُ الكريمُ المرتَفيقُ
فحالَةُ إطلاعِهِ بهذا
كرامةُ ورحمةٌ سِوا ذا
فَفتنَةٌ وبعدُ حظُّ النفسِ فى
معصيّة اللهِ جَلىّ ما خَفَى
وحظُّها الباطنُ فى الطاعاتِ
كالعُجبِ والريّاءِ والآفاتِ
علاَجُ دائها الخَفى صعبَ
ورُبّما الرِيا حَواهُ القَلبُ
من حيثُ لا ينظُركَ الخلقُ لما
يستشرفُ القلبُ إلى أن يُعَلم
وبعدَ ما إستشرفتَ أن يَعلَمك ال
خلقُ بتَخصيصك فهو من عِلَل
وهو على خلافِ إخلاصِك فى
صِدقِ العبوديَّةِ أىّ صارفِ
وإنّما يَصدُقُ فى إخلاصهِ
من أخرجَ المخلوقَ فى خلاصهِ
لِنَظَرٍ منك إلى اللهِ الأزَل
وغِيّب الخلقَ مَتى ما تشتغل
فلا تكن مستشرفا لِنظرٍ
منهم إليك ناظراً لناظرِ
سبحانَه غليك وإستَحِى لَهُ
ودَع سواهُ وانظرنَّ فِعلَهُ
إن نظروا إليكَ هل من ضرر
أو تركوكَ مالهم من أثر
وغِب عن الإقبالِ منهم نحوكَ
إليك ما هم يملكونَ نَفعَكَ
وشاهِد الإقبالَ من ربّك لَكَ
مكتفياً به وأخلِص عملك
فكانَ مَبنِى أمرِ كّلِ مُخلِصٍ
مكرّمٍ باللهِ عن تَخصُصِ
قناعة مع إكتفاهئه به
سبحانه معتنياً بِقُربه
ثمّ إذا عرفته شِهدتَهَ
فى كّلِ شيءٍ حيثما فقدتَه
فلا ترَى سِواهُ عندَ الحركة
والقلبُ منكَ فى الصروف أدرَكَ
من المحالِ مَع سِواهُ تَشهَدُهُ
وقبل رؤيا الحقِّ ذاك تَفقُدُهُ
مذ عرفتُ الإلّه لَم أر غيراً
وكذا الغيرُ عندنا ممنوعُ
مذ تجمعتٌ ماخشيتُ إفتراقاً
وأنا اليومَ واصلٌ مجموعُ
غابَ الذى فَنى بِه عن كُلِّ مَا
سواهُ والعرفانُ من ذا فَهمِ
يغيبُ فعلُ الخلقِ فى صفاتِ
للحقِّ للنسبةِ فى الحالاتِ
وأثَرُ الفعلِ مع الوصفِ إتّحد
والوصفُ والموصوفُ مفردٌ أحد
وأين ظلٌّ الشمس أو شُعاعُها
أثارنا خلقَا كذا إرتفاعُها
فاذ فَنَيتَ فِيه عن محبّةٍ
أثرتَهُ على السوى بصحبة
والحبُّ أخذٌ لجمال رَبِنّا
قلبَ المحّبِ عن سواه فى فَنَا
معرفةٌ محبّةٌ فَنَا
ثلاثُها نالَهَا الأولياءُ
فمن له فيها نصيبُ نالَ
ولايةً أولا فَلَن يَنَال
ولازمُ المحبّةِ الشوقُ إلى
رؤيتهِ حتّى يكونَ واصلاً
وذاكَ للعِرفانِ بالحبيبِ
حجابُهُ عن غرّةِ القريب
وإنّما يُحجَبُ منك الحقٌّ
لِرَتقِ حُجُبٍ مالذاك فَتقُ
ذاك لشدّةِ إقترابِهِ لنا
زادَ حِجاباً كلّما العبد دَنَا
أوصافُه محيطةٌ بعبدِهِ
هو القريبُ منه حالَ بُعدِه
مُستترٌ لشدّةِ ظَهُورِهِ
ومختفِ الإبصار ذا لنوره
وأنظر الخُفَّاشَ مِن ضَعفِ البصر
إلى محّيا الشمسِ لم يَقدِر نَظَر
لا يكُ للعطاءِ منك طلبٌ
منهُ وإلاّ ما لدَيكَ أدبُ
وقَلُّ فهم طلبُ العبدِ لَهُ
مِنهُ وعنه القلبُ ما أغفَلَه
لكنَّ مقصودَ الدعَاء فاقَة
ثمّ العبوديَّةُ واستحاقُهُ
من العباد للالّهِ خُشَّعاً
صيرورةَ الكلِّ له مجمّعا
والعبدُ فى الدعاءِ ذو إفتقارٍ
للهِ ذا الحكمةُ فى اضطرارِ
إليهِ وإفجماعِهِ عليه
مُعتَكِفاً وثاوياً لَدَيهِ
ونصَّ شيخى ليكُن منك طلبٌ
عُبُودَةٌ توفيةٌ لحقِّ ربّ
أولا فكيفَ بالدعاء اللاحقِ
تسبّبٌ إلى العطاءِ السابقِ
فإن يكُن أعطاكَ ما طلبتَهُ
نِلتَ بغيرِ سببِ كسبتَهُ
أولا فجلَّ شأنُ حكمِ الأزَلِ
مِن أن يضافَ لوجُودِ العِللِ
أمرٌ قَضَى حكمُ مَضَى علينا
قطعُ جرى فصلُ سَرى لدينا
سبقت حُكم جَفَّ القَلم وكانت
أقسَامُنَا أيّامُنَا ما خانت
وأشكرهُ منك فى عِنَايَةِ لَهُ
فى حكمِ مسبَوقِيةٍ قضت له
لسابِقِيَّةِ العطا إلينا
شكرٌ عظيمُ واجبُ علينا
فقد هدانا رازِقاً قَوّاماً
وخَصّنا بينِ الوَرى إماماً
وأينَ كنتَ حيثما تَوَجَّهَت
إليك عِصمةٌ أتت وما وَهَت
وبعد ما واجَهَت العنايَةُ
قابلت النِعمَةُ والرعايَةُ
لم يَكُ فى أزِلِهش إختصاصُ
منك ولا فى عملٍ إخلاصُ
ولا وُجُودُ محسنِ الأحوال
ولم يكُن هنا سِوا إفضالِ
قد علم الشوقَ من العبادِ
إلى العنَاياتِ وجَبَرِ الهادي
فقال بالرحمةِ يختصُّ الفَتى
يشاءُ حِكمَةَّ له ورأفَةَ
ولو تخلّى عنهم بذلك
لتركوا أعمَالَهُم كذلك
لعمدةٍ على قضاءِ الأزّلِ
فقال إنّ رحمة الله على
المحسنين منهم قريب
وكلُّ شيءٍ مَدَّهُ الحبيبُ
إلى مشيئةِ الحبيب يَستَنِد
على قضائِهِ القديم يَعتَمِد
فلا يكُونُ واقعاً ما لم يَشَأ
يا رَبَّنَا لِمَا طلبناكَ فَشَأ
فأنت ذو مشيئةٍ لا تَستَنِد
لعلَّةٍ ولا عليها تَعتَمِد
فأدب العبادِ رُبّما دلّهم
على دُعاءِ مطلبٍ لهم وَهُم
قد يتركونُهُ إعتماداً على
قِسمَتِهِ سبحانَهُ مِن عُلا
كذا إشتغالاً منهم بذكرهِ
عن السؤالِ منه ذكرَ قهرِهِ
فإنّما ذِكرَ ذو إغفالِ
وإنّما نُبِّهَ ذو إهمالِ
والحقُّ لا يُهمِلُ بل لا يَغفُلُ
فههنا تركُ الدعاءِ أفضلُ
ثمّ ورودُ فاقَةِ المريد
مألوفَةٌ مثلُ ورودِ العيدِ
لانّها الشدّةُ فى حاجاتِهِ
بها رُجُوعُهُ لوصف ذاتِهِ
وخيرُ أوقاتِك وقتٌ تَشهَدُ
فيه من الفاقَةِ مالا يُفقَدُ
فاقةُ عيدٍ له لم يَعُود
والعِيدُ عِيدُ الناسِ إذ يَعُودُ
وفِيه فِطرُ تَمرَةِ المُشَاهَدَةِ
من صومِ رمضانِهِ المُجَاهَدَة
وفيه نَحرُ النفسِ بالتبّرى
والرّقُ فيه آلِ للتحرّى
قالوا غداً عيدٌ ماذا أنت لابِسُه
فقلتُ خَلقُهُ ساقَ حُبَّهُ جزعاً
فقرٌ وصبرُهما ثوبان تحتهما قلبٌ
يرى إلفَةَ الأعيادِ والجُمَعَا
أحرى الملابس أن تلقى الحبيبَ به
يومَ التزاوُرَِ في الثوبِ الذى خلع
الدهر لى مأتم إن غبتُ يا أملى
والعيدُ ما كنتَ لى مرأى ومُستَمِعاً
ثم أتت فوائدُ الفَاقَات
وكَونُها أعيادُ ذى الحاجاتِ
ورُبّما المريدُ فى الفاقاتِ
يشهدَ شيئاً فليس في الصلاة
والصومِ كالعِلمِ مع العِرفانِ
وكاملِ الأنوارِ والإيمانِ
لأنّها الأبعدُ من دعواكَ
منقطعُ الإعجابِ مِن هَواكَ
وذِلّةُ البلاءِ بالنصر أُقِت
وأُذنُنَا آيةُ بدرٍ سَمِعَتَ
ففرحَ العبدِ لدى الفاقاتِ
مُعَيَّنٌ لكاملِ العَزَمَاتِ
وإنّها ليَبسُطُ المواهبَ
والفتحَ والنَشَاطَ نجح طالِبَ
بِساطنَا هذا مجارى الكرمِ
ومُظهِرِ الجُودِ وفَتحِ النِعَمِ
إذا أردتَ واردَ المواهبِ
عليك صَحّح طالبَ المآرِبِ
فقراً وفاقَةً لديك تَشهَدُ
تصحيحها ضَرُورَةَ التأكُدِ
حتى تكونَ سائر الحَالاَتِ
واجِدَها بالعزمِ والثَبَاتِ
للفقراءِ الصدقاتُ آية
مشيرةٌ مقصودُها عِنايةُ
مُصَحِيحُ الفقرِ يَنَلُ الصدقة
ونُوعُها أعظُم ربَىّ أطلقه
إنّ العبودِيّةَ من تصحيحها
لزُومُ أوصافكَ فى ترجيحها
كالضَعفِ والعَجزِ وفَقرٍ وذُلّ
أضدادُهُنَّ للجَليلِ الأجَلِّ
فلازِم أوصافَكَ وتَعَلَّقُ
بأوصافِهِ وقُل مِن بِساطِ العجزِ
الحقيقىّ يا غنىُّ مَن للفقير سواك
ومن بساطِ الذُلّ الحقيقىّ
يا عزيزُ من للذَليلِ سِواكَ
ومن بساطِ الضَعفِ الحقيقى
يا قَوِىُّ مَن للضعيفِ سواك
تجدُ الاجابة كأنَّها طَوع يديك
يَمدكَ القهّارُ بإستضعافِ
بما لَهُ مِن سائِرِ الأوصَافِ
تصِيرُ قادراً بِهِ غنيّاً
معزّزاً بعزّهٍ قوّياً
هو المجيبُ أنت مضطرٌ لَهُ
فإرضّ بِهِ والصبرُ ما أجمَله
وربّما خُصِصَتَ بالكرامَةِ
من حيثُ لم تكمُل لك إستقامة
فلا تمِل لها إذ المَغرُورُ
بها لقد أحَلَّهُ الثُبُورُ
ثمّ عليك فى القيام فيما
أقامَكَ اللهُ به ولَمّأ
علمتَ هذا فمِن العلامةِ
على وَجُودِ العبدِ فى الكرامةِ
إقامَةُ الحقِّ مع النتائجِ
لَهُ إرتفاعُ النفسِ عن غَوايَةِ
وكاملُ التحقيق والإيقانِ
ثمّ رِضاءُ العبدِ عن رحمن
أصَمَتَ عابراً على بِساطِهِ
يَخبَرُ فى الإحسانِ عن ذلاّتِهِ
فحيثما أظهرَ فَضلَ فِعلِهِ
نادَتهُ ما يُرجِعُهُ لِخَجلِهِ
وعابر على بساطِ ربّهٌِ
يَخبَرُ عن إحسانِهِ وقُربِهِ
ليسَ بِمُصمِتِ على الاساءةِ
لأنَّ منهُ كان فى إباءةِ
وحاصلُ الأمرِ وفحواهُ إذا
تصوّرَ الزاهدُ فضلاً نفذا
يَحتَشِمُ إليه وذَمَّ نفسَهُ
والعارفونَ يشهدون أنسَهُ
إن أحسنوا أو أذنَبُوا جميعاً
وفِعلُهُم هنا غدا مرفوعاً
وقد يكونُ الشخصُ فى كليهما
وينقضى أمرُ الفنا عليهما
والحكُمَاء سابقةٌ أنوارُهُم
أقوالَهُم من أجلِ أنّ مالَهُم
من حكمةِ الله وفتحِ كشفهِ
فَنَارَ قلبُ سامعٍ بوَصفِهِ
فحيثما صارَ لَهُم تنويرُ
لسامعٍ قد وَصَلَ التعبيرُ
فناطِقٌ على تمامِ نورِ
يُفيدُ نوراً ثمّ فى الصدورِ
ومَن عن الهَوى نطق ذاك وصَل
لقلبِ مَن خاطبَهُ كما دَخَل
لأنَّ ما يخرجُ من قلبِكَ لا
يَبطَأُ إلاّ وكذا قد دخلا
ما لم يكن ذاك عن جُحُودٍ
لحكمةِ الرسل إلى العنيدِ
ماخرجَ الكلامُ من فؤاد
إلاّ عليه كسوةُ الفؤادِ
فمعدنُ الأنوارِ بالنورِ بَرَز
منه الكلامُ وإلى القلبِ رَكز
وغَيرَهُ تمجّهُ القلوبُ
ناطِقُهُ فى قطعِهِ مَعِيب
من كان مأذوناً لدى التعبيرِ
من صاحبِ الأنوارِ والتنويرِ
تَفهَمُ من تعبيرِهِ المسَامِعُ
وحصلَ التفهيمُ والمنافعُ
وأجتُلِيَت إليهم إشارةٌ
يُشِيرُها وتُفهَمُ العبارةُ
إنّ الوَلىّ كنزُهُ مَشحُونُ
ومن حقائِقِ الهدى مَخزُونُ
إذا أراد النُطقَ كان إذناً
من ربّه فالنطقُ يأتى حَسَنا
ورُبّما قد برزت حقائِقُ
مكسوفَةُ أنوارُها لا تَشرُقُ
وذاكَ إِذ لَم يأذَن الله لَه
بأَن يَكونَ مُظهِراً ما قالَهُ
وذوَ عِبارَةٍ على قسمين
فسالِكٌ وعارفٌ بالعينِ
فسالِكٌ من وُجده يُعَبِّرُ
قهراً عليه من أمورٍ تُجبَرُ
ليس له تَمالُكٌ من طربِ
أو غيرِهِ فى نفسِهِ عن سَبَبِ
كفيضان وجده مُستَغرِقاً
فى واقعِ عليه نوراً أشوقا
وعَارفٌ ذو مُكنَةِ مُحَقّقُ
أرادَ بالتعبيرِ حيثُ ينطلقُ
هدايةَ المريدِ لإحتياجِهِ
إثارةً للشوقِ وإبتهاجِهِ
إلى سِواهُ من معانى المنهجِ
حتّى يكونَ راقيا فى المَعرَجِ
وأولُ القسمينِ أقوى حيثُ
كتمَانُ كلِّ أحد مَحثُوثُ
لأوجُهٍ فرّاً من التلوينِ
لدى ظهورِ الضِدِّ للتمكينِ
وغِيرةٌ على إبتذال سِرِّ حَقٍّ
والخوفُ على تشويشِ قلبٍ قد صَدَق
فالسالِكونَ أخذوا بالأوّلِ
والاخذُ بالثانى مقامُ الكُمَلِ
إذا غَلَبَت سالِكَنا أحوالُهُ
وليسَ مِمّن شَوهِدت أقوالُهُ
وإنّما أهَمَّهُ بنفسِهِ
شغلٌ خفيف العُمرِ ذا بعكسه
لكنَّما القوى منه فارغُ
وإنقطَعَ السُلوكُ وهو سابغُ
جُعِلَت أحوالُهُ فى قهرِهِ
ينفعُ بالتعبيرِ أهلَ أمرَهِ
أذكر عبارات غَدَت أقواتاً
لِعائِلِ المُستَمِعينَ حتّى
تفاوتت مراتبُ العيالِ
فراع كَلاً بكلامٍ الحالِ
فَبَعضُهُم ينفعهُ الكثيرُ
فأذكر بكلِّ ما به التشميرُ
وقوتك الذى لهم فصلّته
ليس سوى قوتك إذا أكلته
وربمّا عَبَّرَ عَن مَقَامِ
من لم يكُن دوَاهُ بالتمامِ
بل إنّه مستشرفٌ عليهِ
ورُبّما عَبَّرَ مَن إليه
أصبَحَ واصِلاً وذاك مُلتَبَسُ
إلاّ على بصيرةٍلم تَنحبس
لا ينبغى التعبيرُ للسالِكِ عن
شىءٍ من وارداتِهِ لو إفتَطَن
لأنّ ذا يُقِل من عَمَلِها
فى القلبِ بل تكونُ فى مثلَها
حديثُ نفسٍ مانعٌ لقلبِهِ
وجٌود صدقِ العبدِ مع ربّه
ولا تَمُدَنَّ إلى الأخذِ يَدَك
من العبادِ أو ترى اللهَ ملك
هو الذى أعطَاكَ فيهم دُونَهُم
فإن تكُن كذاك لا ممنونهم
فإعتبر العلمَ بفَقهِ وَرَعِ
ولا تمل مخالفاً لشرعِ
والعارفونَ ربّما تَمنَعُهُم
حياؤُهُم عن دفعِ حاجةِ لَهُم
للهِ لإكتفاهُم بمشيئةِ
فكيفَ يسالون عن خَلِيقَةِ
وكيفَ لا يمنعُهُم حياءُ
عن دَفعِها للغيرِ وهو داءُ
والأخذُ والرد مَحَلا شَبهٍ
للنفسِ فيهما اشتباهُ عَمَهٍ
وأنظر متى يلتبُس الأمرانِ
فى البابِ أو تعارض الوَجهَانِ
من غيره أثقلَ أمرَينِ على
نفسكَ فإتبَعهُ فَلَيلُكَ انجَلى
من واجبٍ ومُستَحَبٍّ يشبه
وما أبِيحَ أن يكونَ يُكرَهُ
ولإفرادٍ عنهما جميعاً
وصارَ ظنُّ راجحٌ مرفوعاً
والجمع بين الكلِّ الكلِّ كالمُحالِ
مثل بَرِّوُدٍ وعُقُوقِ آلِ
من أبويهِ ولخلافِ غيره
يعوق هذا كون ذابِبرِهِ
كالمساويين من جنازةِ
كَلُّ حضر لحقِهِ وحازه
ومثلُ تركٍ لهدايا أخذُها
فى حقِّ مَن قَبُولُها وردَّها
سِيّان والخمولُ بعدَ الجاهِ
مآلُهُ المخوفُ لإشتباهِ
فأثقل الامرَينِ خُذهُ إنّه
حقُّ إذ الأنوارُ قد تَعضُدُهُ
ذلك ميزانٌ لدى الاثارَةِ
إذ تارةًُ مخطئةٌ وتارةً
مصيبةٌ ما إن لها مِن نَورِ
تهدى به لأصلحِ الأمٌورِ
وصاحبُ النفسِ التى تَنَوَّرَت
يعملُ بالنورِ متى تَعَسَّرَّت
أدِلَّةُ الشرعِ بأن يَبسَطَ ذا
إيمانَهَ على المرومِ فإذا
أظهرَ كالشمسِ بلا تَرَدُّدِ
أقَبَلَ أو كاليلِ أدبَرَ تهتد
وههنا قلبُك يُستَفتى وإن
أفتوك بالخلافِ خَذ ولاتَهِن
أو شِئتَ فالميزانُ كالموتِ كما
أوضَحَ ذا الأمرُ بما تقدّما
فأحضرِ الموتَ وفِعلَ الحاضرِ
فالنفسُ خافت فيه مِن تقدّما
على خلافِ الحقِّ أخذاً بالهَوى
ومِن عَلاماتِ إتباعِها الهَوى
تكاسلٌ في الواجباتِ عملاً
وفِعلِها مسرعةً نوافلا
فلا تؤخِرّ طاعةً عن وقتها
وإتِ بها بشَرطِها ونَعتِها
والله قد قَيَّدَ بالأوقاتِ
أعيانَ طاعاتٍ لكلّ آت
كيلا يكوَنَ المنعُ بالتسويفِ
منك عن الطاعات بالتحريفِ
وَوَسَّعَ الوقتَ لكى يبقى لَكَ
فى الاختيار حِصّتهُ ما عدّ لَكَ
وإنّما أوجَبَها عليهم
لعلمِهِ بِناقصٍ لديهم
من قِلّةِ النهُوضِ للمعاملةً
لِما بهِم من الهّوى مُكاسلَةُ
فساقَهُم إليه بالسَلاسِلِ
أوجبَ طاعاتٍ لرغمِ الكاسِلِ
أظهرَ عجباً رَبُّنا من قومٍ
سِيقُوا لجنّةٍ بِسوءِ نَومِ
فساقَهُم إليها بالسَلاسِلِ
نَبَّهَهُم كسلى بنومٍ غافلِ
وإنّما أوجَبَ كونَ خدمَتِهِ
عليك إيجابَ دُخُولِ جنّتِه
الله قادِرٌ لاخراجِك مِن
شَهوَتِكَ التي إِلَيها ترتكن
فَلا تكُن مستغرباً إنقَاذَهُ
إيَّاك منها وأطلُبَن نفاذَهُ
وأن تكونَ خارجاً عن غَفلَةٍ
لعِظَم أسَابٍ دعت لِعِلَّه
فكلٌّ مُستَغرِبِ ذا مُستَعجِزُ
قُدرَةَ مولانا الذى لا يَعجِزُ
والله قال اللهُ قادِرٌ على
مُطلَقِ شىء بإقتدارٍ مثلاً
إنّ فُضَيلاً وابنَ أدهَمَ نعم
إبنَ مُبارك وبِشراً ذو كرمِ
ذا النونِ والشبلِىَّ ثمّ عُبتَةَ
ذاذانَ كُلُهُم أنِيلُوا رُتَبةً
بعد تمح والقضايَا ظَهَرَت
فالجأ إلى اللهِ بنفسٍ كُسِرَت
عليك ربّما توارَدَت ظُلَمُ
مثلُ المعاصِى لتَرى قدرَ النِعَم
وما بِهِ مَنَّ عليك اللهُ
فَعَارِفٌ بِمَنِّهِ كما هو
وغيرُ عارفٍ بقدرِ النِعَمِ
عندَ وجُودِها بِدَركِ النِقَمِ
يعرفُها أعنى بتِلك النِقَمِ
زَوالَ ما قد حازَهُ من نِعمِ
لذاك قالوا نِعَمُ الله غدت
مَجهُولَة إذا أزِيلَت شُهِدَت
وعاقٌ مصرَ فى تأفيفِ
والِدِه يعرف بالحَيفِ
وَلَدَهُ فلا تُصَغِرّ نِعماً
تَبُوءُ بالسُوءِ وتُدرِك نقماً
وكيف تَدرى لَذَّةَ الماءِ وما
شَفَّت لك الأحشاءُ حرّاً وظَما
ولا تكُ ذا دَهَشٍ بالنِعَمِ
فلا تكُن فاعلَ الشكرِ السمي
ورُبَّ فرحانٍ بها يَنسَاهُ
من فَرَحِهِ بنعم أنساهُ
وُرُودُها عليه وهو حَظٌّ
من قَدرِهِ أما سمعتَ قَطُ
إنّ تمكنّ حلاوت الهوى من ال
قلب هو الداء العُضَالُ فإشتَغِل
بدافعِ الهَوَى كخوف مُزعِجٍ
للهِ أو شوقٍ له مُعتلِجٍ
لا يخرجُ الشهوةُ إلاّ بهما
فَعج على مُعَلّقِ معناهما
وذاكَ من بِساطِ قَهرِ الحقِّ
وَوَصفُهُ يقطعُ وصفَ الخلقِ
وقلبُك المائلُ للغيرِ إشترك
فِيهِ ورَبّى لا يحبُ المُشتَرَك
لا يقبلُ الأعمالَ والقلبُ فلا
إليهِ باللُطفِ يكونُ مقبلا
إنّ من الأنوارِ مأذوناً نَهُ
يَدخُلُ قلبَ العبد إذ أوصَلَهُ
والبَعضُ لا يؤذَنُ فى الوصُول
بل إنّه المأذونُ فى الدُخُولِ
أشار فى الحديثِ للصدرِ إنفسَح
بالنورِ للواصلِ ذا الأمرُ اتَّضَح
فربّما عليك وَرَدَت أنوارُ
فَوجَدت فى حشوهِ الآثارَ
قلبَك من صورها فإرتَحَلَت
نوازِلُ الأنوارِ حيثُ نَزَلت
تفرغنه مِن صَدى الاغيارِ
يَملأُ بالمعارفِ والأسرارِ
فلاَ تكُن مُستَبطِئ النَوالِ
منه وكُن مستبطئ الإقبالِ
من نَفسِكَ التى تَمنَّت الأدبَ
بابُ الكريم ذو نوالش بالأدَب
إنّ حُقُوقاً هُنَّ فى الأوقاتِ
ثمّ حقوقاً هُنَّ للأوقاتِ
فما ألقِيَ فيها قَضَاؤُها رُجِى
لسعةِ الوقتِ وفَسحش المَنهَجِ
لكنَّ مالَهضا عديمُ القَضَا
لأنّه مباينٌ قد مَضَى
الوقتُ أربعٌ ولا خامسَ له
فنعمةٌ بليَّةٌ مُفصّلة
وطاعةٌ معصيّةٌ وللحق
عليك فى جميعِ تلك مِن حَقِ
من العبودّية منهم يُقتَضَى
له الرُبوبِيَّةُ فاسَمع ما مَضى
فحقُّهُ فى نعمةٍ شُكرانُها
وفي بليّةِ فما إتيانُها
صَبرُكَ والرِضا وحقُّ الطاعَةِ
شُهُودُ منّه على إستطاعَةَِ
وحق مولاكَ لدى المعصيّةِ
توبةُ قلبِ نادِمٍ ومُخبِتِ
ليس عليك واردٌ من وَقتٍ
إلاّ وللهش بذاك الوَقتِ
عليك حقٌ لازمٌ جديدٌ
يَعقُبُه أمرٌ لَهُ أكيدُ
فكيفَ تقضِى فيه حقَّ غيرِهِ
وأنت لم تَقضِى حقوقَ أمَرِهِ
سبحانَهُ فيهِ على ما سَبَقَ
فأقبِل على اللهش بوجهٍ طَلقَا
وأفرُق من الجديدِ ذا الاكيدَ
فالشكر مِثلُنا بِهِ الجديدُ
والصدقاتُ للأكيدِ هكذا
مَثَلٌ لما قَدَّمتُهُ فنفذا
ثمّ تأمَّل أجدَرَ التأمُّلِ
ولا نمل لدَغدَغِ المُجادِلِ
وإحذَر مِن الغفلَة إن كنت فتى
وكلّ ما فاتَ من العُمرِ متى
تنالُ حقَّهُ ولا عوص لَهَ
فأذكُر وما يحصلُ لا قِيمةَ لَه
من ذلك العُمرِ العَزيزِ فاعتِر
بعارفِ الأشياءِ فأتِ وإستَشر
فإجعل قُواكَ فى هَواه صابره
إنّ الهَوى لغيرِهِ مُغَادَرَه
وأنت عبدٌ للذى أحببتَهُ
ذلك قولُ أنت ما حَسِبتَهُ
واللهُ يأبى أن تكونَ عبداً
لغيرِهِ وهو النَعِيمَ أسدى
وأنت لا تَنفّعُهُ بطاعَتِك
ولا تضرُهُ مَعَاصى ذَلَّتِك
فأمرُهُ إيّاكَ بالطاعَةِ مِن
إفضالِهِ والنهىُ عن ذا فإفتطِن
فانّهُ الغنى عن عِبادِهِ
فدارِهِ على مَدَى مُرادِهِ
كيفَ يزِيدُ عِزَّهُ إقبَالُ
من أحدٍ عليه أو أعمَالُ
أم كيفَ ذو نَقصٍ له العِزَّ بما
أدبَرض عنهُ خَلقُهُ مُنصَرِماً
وُصُولُنَا للهِ عِلمُنَا بِهِ
بالقلبِ عِرفاناً لفتح بابِهِ
مَعرِفَةُ القريبِ بالصفاتِ
حاشاهُ أن نعرفَهُ بالذاتِ
وبالصفاتِ غيرُ ما نفهمه
وأقربُ الأحوالش ما نَعلَمُهُ
بأنّه ليس له شَبيهٌ
هو الذى من حَقّهِ التَنزِيهُ
أولا فجلَّ ربُنَا أن يتّصِل
بِهِ من الأشياءِ ذا لا يحتمل
أو هو بالشيءِ ومنه القرب
منك إذا بثّ عليك الغيب
كونُك شاهداً لقربِ الربِّ
منك فذا قُربُكَ حالَ القُربِ
أولا أنّى أين وجُودُ قُربِهِ
وأنت حاشاهُ بعِيدُ حُجبِهِ
معيةُ اللهِ لعبدٍ نَصرُهُ
ثمّ كَلاَءَةٌ وذَاك أمرُهُ
فَّردهُ الجنيدُ فحذر ههنا
مزلّةُ الأقدامِ واللهُ لنا
ثمّ وصولُ العبدِ والقُربِ هما
مَجرى حقائِقِ الأمورِ فاعلما
بأنّها واردةٌ مُجمَلَةٌ
حالَ التجلّى إذ أتت مُنَزَّلَهَ
وبعدَ وعى القلبِ تُستَبَانُ
أى بعدَ ما إستقرت البيانُ
فألفُ معنى ظهوت من حِكمَةٍ
واحدةٍ ومِنهُ ألفُ حِكمَة
تَلَقِ ذاك وإتَّبِع قُرآنَهُ
إنّ علينا آيةَّ بيانَهُ
وحكمَةُ الغجمالِ فى التَلَقّى
حالَ التجلّى إن وَعَيتَ نُطقَى
أخذُ ورودِ الوارداتِ قلبك
وهدمُ عاداتك إنّ رَبَّكَ
يُوردُها ليغلب التجَلّى
ويَملِكَ الكلَّ من التَدَلّى
إن القُلُوبَ كالقُوى تَقلِبُها
إذا أتَت مُلُّوكَهَا تَغلِبُها
ذلك معَنىً أفسَدُوها ههنا
فَصُغَرُ الخلقِ كبيرٌ بالفَنَا
مِن حَضرةِ القهّارِ وارداتٌ
مِن مَلِكِ القلوبِ وارداتٌ
وَهُنَّ شىءٌ فى القلوبِ أسبَغَه
وهو إذا صادَمَ شيئاً دَمَغَه
سواءٌ الجميلُ والقبيحُ
فيذهبُ المُجمَلُ والصَرِيحُ
يقول بَل نَقذُفُ بالحّقِّ على ال
باطِلٍ فالباطلُ فيه مُضمَحَل
ذلك معنى زاهِقٌ يَذمَغُهُ
بحُليَةش الواردِ إذ يَصبَغُهُ
وأعظمُ الباطلِ فَهمُ حُجُبٍ
لِلهِ شمسٌ حُجُبُهُ فى شُهُبٍ
بالشىءِ كيفَ رَبُّنّا يُحتَجَبُ
وكلَّ شيءٍ مظهَرٌ مُنتسَبُ
إليهِ من حيثُ الإلَهُ ظاهرُ
فى ذلكَ الشيءِ وفيه حاضر
لا تيأسَنَّ من قَبُولِ عملٍ
تَنفَقِدُ الحضورُ فيه فالوليُّ
قد يجدُ اللهَ لذاك قابلا
وقد نَفى أثمار ذاك عاجِلاً
وربّما ودّ مُعَجّلَ الثَمَر
فلا تُزكِينَّ وارداً حَضَر
ولا تُعَظِمنَّ أنواراً إذا
لم تَكُ فى الخدمةِ عبداً لائذاً
فما مرادُ سُحُبِ الأمطارِ
إلاّ وجودُ خالِصِ الأثمارِ
كعُلوِ هِمَّةٍ وحُسنِ خدمةٍ
وحِفظ حرمةٍ وشكرِ نعمهِ
لا تَطلُبَنَّ بَقَاءَ وارداتِ
ذلك جهلٌ وانتقاصٌ آتِ
وإن تكُن أنوارُها مُنبَسطَة
وأوُدِعَت أسرارُها مُلقَطَة
إذ الصفاءُ لا يدومُ وقتُهُ
مستأنسٌ به غُرورُ نَعتُهُ
وأحمَقٌ أمرؤٌ بذاك يُخدَعُ
بل الوفَا مِن وَقتِهِ التَجَرُّعُ
والأنسُ بالواردِ نقص ظاهرُ
والأنسُ باللهِ كمالٌ باهرُ
منها الغنى باللهِ لإمرئىٍ عن ال
أشياءِ كُلاَّ فى غناهُ مُضُمحِل
فالله يُغنِيكَ إذا وحّدتَهُ
حُبًّا وأنساً كافياً وجَدتَهُ
وليس يُغنِيكَ عن الله إذا
أعرضتَ عنه كُلّ أمرٍ نَفِذ
ومن علاماتِ إكتفاءِ العبدِ
باللهِ فى ثلاثةٍ فإستَبد
منها الرِضا عنه مع إهتمام
بأمرِهِ فانظر إلى كَلاَمِ
وعدمُ إلتفاتِهِ لغيرِهِ
مُنتَظِرٌ إلى جَليلَ قَهرِهِ
دليلُ عدمِ الوُجُودِ منك لَهُ
سبحانَهُ وعدمِ الوَصل مَعَهُ
تَطَلُّعٌ منك على بقاءِ
ما دُونَهُ من سائِر الأشياءِ
وعدمُ الوَصلَةِ منك ناشِ
مِن فَقدِ ما سِواهُ باستِحَاشِ
ولا نَرَى مع الحبيبِ وَحشَةً
ولا مع غيرِ الحَبِبِ راحَةً
مظاهرُ النعيمِ إن تَنَوَّعَت
وَلذَّةُ الطاعاتِ إذ تجّمعت
من إقترابِ الحقِّ فى شُهُودِهِ
كما العذابُ كان من صُدُودِهِ
وإن تَنَوَّعَت له المظاهرُ
فباحتجابِ العبدِ عنه صَائِرُ
فسَبَبُ العذابِ من حِجَابِه
وسَبَبُ النعيمِ بإقتِرابِهِ
ونظرٍ لوجهِهِ الكريمِ
ولا تَرَى سِواه مِن نَعِيمٍ
وتشهدُ القلوبُ من أحزانٍ
لِمَنعِها من نَظَرش العيانِ
فلو رأت مَعَبودَهَا فى هَمِهِّا
شاهَدَت النعيمَ عندَ غَمّها
لا يَحزُنَنَّكَ إفتقارُ الايدى
فمن تَمامِ نِعمضةِ ذى الأيدي
عَلَيكض أن يرزقَكَ الذى كفى
ويَمنَعَ الذى لشرِّ أشرَفَ
مُشوِّشاً مُستَكبِراً ومُطغِياً
مُستَثقِلا القلبِ بتعبٍ مُولياً
أقَلَّ ربُّك الذى تَفرَحُ بِهِ
من أثَرش النِعمَةِ إن كنتَ نَبِه
لكى يَقِلّ ما عليه تَحزَنُ
بحسب الفَرَحِ يكونُ الحُزن
فَغَمُّ دُنياكَ لعُقبَاكَ فَرَح
إلاّ إذا كنتَ لها فتىً جَنَح
وحسبنا فى قِصَّةَِ الفَيرُوزج
مِن قَدَحٍ لبعضِ ذى الملك جى
فقال ما تَرَى لبعضِ الحُكَمَا
هذا فقال الله أصبتَ مَغرَماً
مُصيبةٌ من بعدها فَقرُ طَفِق
مصيبة بالكسر ذاك إن سُرق
فإن أردتَ أن تكونَ نائِلا
عندَ التولِّى لا ترى مُنعَزِلا
لا تَتَوَلَّ بالوِلايةِ التى
دوامُها عليك غيرُ ثابِتِ
فكن على بصِيرةِ البدايَةِ
بكلِّ ما تلقاهُ فى النهايَةِ
دَعَاكَ للدنيا بظاهِرٍ كما
نَهَاكَ عنها باطناً فادرِهما
ظاهِرُها العِزَّةُ للمُدَّعِى
باطِنُها العِبرةُ للمهتدى
صَيَّرها المحلَّ للأغيارِ
ومَوطِناً للهَمِّ والأكدارَ
لِحِكمَةٍ منه لنا تَزهِيداً
فى هذه الدُّنيا فكُن رشيداً
فطعمُها المُرُّ لذا أذاقَها
مُعَظِّماً فيها لكَ إفتراقَها
ويَسهُلُ الفِراقَ عِلمٌ يَنفَعُ
ذلك علم في الصُّدورِ يَقَعُ
شُعاعُه مُنبَسِطاً قِناعُه
منكشفاً قَلبَكَ ذا شعاعُه
وليس علم فى غِلافِ قَلبِه
بِنافعٍ لا واصِلٍ لَربِّه
وخيرُ علمٍ ما تكونُ الخَشبَةُ
تَصحَبُهث وغيرُه المضَرَّةُ
إن قارَنَتهُ خَشيَةٌ أصبح لك
أولا فَقَد كان عَليكَ لا لَك
لِخَشيَةِ اللهِ علاماتٌ ومِن
ذلك إقبالٌ وإدبارٌ فُتِن
قَلبُكَ فيهما يُبالى بهما
من أحدٍ أم لا يُبالِى بهما
فالقلبُ إنّ آلَمَهُ الذمُ فَقَد
علمتَ أنَّه إلى الشرِّ إستَنَّد
أو عدمُ الإقبالِ من إنسان
فإرجِع لعلمش اللهِ فى بَطَان
من أنَّ فِيكَ مثلَ ماذَمو به
وإرجِع إليه تائباً من ذنبِهِ
وإرجَع إلى الإخلاصِ لمّا هَجَرُوا
وحَسبُك الله الذي يَنتَصِرُ
وإقنَعُ بعلمِ اللهِ فيك فإذا
لم تَكُ قانِعاً به ولائذاً
أصبَّحَ ما أصَبتَ فى ذاك أشدّ
مما أصِبتَ من أذاهُم ولقد
أجرى عليك اللهُ من أيدِيهِم
كيلا تكونَ ساكِناً إليهِم
فَدَعهُم معتمداً عليه
وواقِفاً منكسراً إليه
مؤذيك منهم لك في إعتاقٍ
ومحسنٌ إليك بإسترقاق
أتَرتَضى بالرقِ فى إحسانِهِ
فلا تَمل اليه فى امتِنَانهِ
والله قد أراد ازعاجَك من
شيءٍ إليه كى تكونَ مَن رُكنِ
عنه إلى الله لكِيلا يُشغِلَك
فاقطع من الأكوانِ كُلاَّ أمَنَك
لذلك المقصدِ آذاك بِهِم
وأزعجَ الفؤادَ عن أجمَعِهِم
وسَلَطَ الشيطانَ فى العبادِ
ليَلجئَوا للهِ بإستنادِ
إذا عَلِمتَ أنّهُ المُسوَلُ
عليك لا تكُن بقلب تَفضُلُ
فمَّن نواصِيكَ بإيديهش فهو
مُنُجِيكَ عن مُسَوّلِ لا يَفقَهُ
ذلك بالذى عَلَيكَ واجِباً
فإهرَب الى اللهِ تعالى هرباً
وانّما صَيَّرَهُ عَدُوَّنا
ايحَاشَنا بهِ إليهِ بإعتنَاء
وحَرَّك النفسَ عليك ماذا
حتى تكونَ مُقبِلا مُلتاذا
عليه فى الدوام عن فِرار
وحَسبك الفرارُ للقَهَّار
مَن هو مُثبت له تواضُعاً
فإنَّه مستكبر ترفعا
فالوضعُ منه مُشعِرٌ برفعَةٍ
غذو تواضعٍ على الكبر فَتى
فَلَفظهُ لوضعه منافى
لكنَّ من أصبحَ فيه صافى
إذ لا يَرى لنفسه إذا صَنَع
قدراً لدى تواضعٍ كما وضَع
أن يكون شاهداً لنفسه
كمال نَقص لا بموت عكسه
وانظر لمَا حَقَّقَهُ الشِّبلىُّ
فيما هو التَّواضُعُ الجَلىُّ
فقال مَن رأى لَهُ من قيمَة
فَنَفسهُ فى الكبر مُستَقِيمة
وأنظر لقول الأعظم البسطَامىِّ
ما دُمتَ ناظراً إلى الأنام
ثم رأيت منك شراً فيهم
فأنت فى تكبُّر عاليهم
فالنفسُ ذاتُ خسَّةٍ فى أصلها
فوضعُها مَوضعها من جهلها
إنَّ تواضعاً بشيئين كسب
ككوننا لذلّتا أن تَنتَسب
وأن ترى أرصاف ربّنا كما
يليقُ بالحقِّ تعالى إنّما
حقيقة التَّواضع الحَقيقىِّ
ما كان ناشئاً عن التحقيق
أعنى شهود الله فى عظمته
ثم تجلَّى وصفه فى صفَته
إذا رأى جَلال وصف ربنا
شاهد أوصاف العباد بالفنَا
وجاء فى عوارف المعارف
لن يَبلغ العبد على الوضع الصفى
حتَّى يكون شاهداً مشَاهَدةً
بها تَذُوبُ النَّفسُ عن معَانَدة
ولن تكون خارجاً عن وصفك
إلاّ إذا شهدت وصف ربَّا
وكاملُ الإيمان بالثنا على
مولاهُ كان دائماً مشتَغلا
وغائب عن نفسه بحسِّه
عن أن يكون شاكراً لنَفسه
عن أن يكون ذاكراً حظوظَه
وليس صارفاً لها لحوظه
فما صفاته سوى نقصانٍ
فكلُّ فضلٍ فَمن الرَّحمن
فكيف ذاك شاكر لنَفسه
من بَعدما حَقَّقَه من نَجسه
ومؤمن بربِّه يحبُّه
وليس عن محبوبه يحجبه
شىء ولا يرجو على الحب من ال
محبوب شيئاً إنه عين العلل
وكيف ذاك يَطلبَنَّه عوضُ
وكيف يَرجوهُ على الحبِّ غَرَض
إذ الجمالًُ أخذ لقَلبه
عن كلِّ ما بَقيَّة لحبِّه
يبنى الحبَّ علىالجور فلو
أنصف المحبوبُ فيه لَسَمَح
ليس يُستَحسَنُ فى حكم الهوى
عاشق يطلبُ تأليف الجمح
إسمَح بنفسكَ إن أردتَ لقانا
وغحلف بِنا أن لا تحبّ سوانا
فاذا قضيتَ حُقوقَنَا يا مُدَّعِى
عاينتنا بينَ الأنامِ عَيَانا
إذ المحب مَن يكونُ باذِلَك
وليس مَن تَبذُلُه وأمَّلَك
إذ الحبيبُ رُوحُنا فِداهُ
فبَعَدَ ذاك ما الذى تَراهُ
والحبُّ ناشىءٌ من السُّلوكِ
فى عقباتِ النفسِ بالنُّسوكِ
لولا مَيادِينُ النفوسِ مَا غدا
تَحقُّق السائِرِ حين اجتهد
مَدارُهُنَّ طلبُ الحُظُوظِ
بِغَفلَةٍ ورِفعَةِ الغَليظِ
ثمّ إتباعُ الوهم حيثُ نالَه
حقيقةً ثمّ الدعاوِى شالَهُ
عن غَفلةِ تَقواهُ باستقامَةٍ
والوهمُ صبرٌ تابعُ السلامةِ
وعن دَعاوِيهِ هو التَّحقّقُ
تَعقُبهُ مَعرِفَةُ تَستَغرِقُ
فهذه ثلاثُ عَقَباتِ
كل له سَير خُصوصُ آتٍ
فالسَّيرُ فى الأولى فبالحذارِ
والخوفِ والإشفاقِ عن قهّارِ
ذا يَنتُجُ الوَرع مع التَّحَفُّظِ
عن أثرِ الأيدى أو التَّلَفُّظ
وفي التي تَتلُو بالاغباشِ
للهِ والفرارِ وإستيجاشِ
وفي التى ثَلَّثُ فباستبصارِ
والعِلم ذاك مُنتِجُ الأنوار
وينتفى التَغليظُ بالتَّحقيقِ
والحفظِ فى الوِسعةِ والتَّضَييق
إذا فَهمت ما قَصَصناه فلا
مسافة بينك أن تُمَثِّل
وبَينَهُ حَتَّى تكونَ طَاوِياً
بِرحلةِ المسعَى إليه ساعِياً
ولا هناكَ مثلُ ذاك قَطعَةُ
لمحوِها تُوجَدُ منك وَصلَهُ
فكيفَ وصلُ من له شَبِيهُ
بِمَن به لا يَثبُتُ التَّشبيهُ
وأعظمُ السُّلوكِ أن تكونَ
فىهمّةٍ بالله مستَعِناً
وأنظر إلى صُنع الحكيمِ جَعَلَكَ
فى عالمٍ وسطٍ بين ما ملكَ
أى بين مَلكٍ ثمّ ملكُوتِه
وبين جبرٍ ثم جَبَرُوتِه
وإنّما اللهُ كذاك جَعلكَ
تَعليمهِ إيَّاكَ حيثُ أهَّلكَ
حتى ترى جلالةً لِقَدرِكَ
من بين مخلوقاتهِ بأمرِكَ
وإنَّكَ الجوهرةُ التي طَوَت
عليك أصدافُ البرايا وحَوَت
فحيثما اختارَكَ فاختره لكى
ترى لك السلطانَ فوقَ كلِّ شى
وَسَعَّكَ الكونُ بجثما نيّتك
لا واسعاً من حيثُ رَوحانيَّتك
من كان في الكَونِ ولم يُفتَح له
من ميادين غُيوبٍ فَلهُ
إحاطةُ الأكوانِ مسجوناً بها
أحصِر فى هَيكلِ ذاتِ حُجبها
أنت مع الأكوانِ لا تَشهَدُهُ
أعنى مكوناً ولو تَقصدُهُ
وكانت الأكوانُ فى الدهر مَعَك
إذا شهدتَ الله فافتح مَسمَعك
إذا الخَصُوصيَّةُ لامرئٍ صَفَت
فالبَشَريَّاتُ بذاكَ ما انتَفَت
لكنّما التخصيص قد غطَّاها
فالعَرَضِىُّ عنه ما نحّاها
إذ الخصوصِيَّةُ أمر عارِضُ
والبشَريّاتُ أصول تمحَضُ
أيدفع الذاتىُّ ذلك العَرَض
ومَثَّلوا ذلك يا فَتَى نَهَض
تشلك مثالُ الشمسِ فى إشراقِها
مِن وسط النّهار فى آفاقها
وليست الأفقُ من الشمسِ نَعَم
أشرقت الشمسُ فَلَم تَبقَ الظُّلَم
فتارةً أوصافُه مُشرقةٌ
فظُلمةُ الليل بها زاهِقَةٌ
وتارةً يَقبُضُ عنك ذلك
فَصرت مردُوداً إلى حُدودِك
ليسَ إليك منك ذا النهار
لكنّه أوردهُ القهّارُ
عليك فانظر ما أتى الخواصُ
قطبُ الأنام ما هو اختِصاص
أتَت إليه أسدُ فما عَبا
بها مِن الليل مُطِيلا طَربا
وخَشيةُ الله إلى الصباح
وفى الصباح قام فى صياح
من أثَر البَق فلمّا سَئل
قال وجدت بارحاً تَذلُّلاً
مُناخِذاً ما كان لى وُجُودُ
وليلتى فيها أنا المردُودُ
إذا كُنّا به تهنا دلالاً
على كلِّ الحرائر والعبيد
وغن كُنّا بِنا عُدنا إلينا
فَعَطل ذُلُّنا ذُلَّ اليَهُود
مَن لَم يَكُن أعمَى رأى الله أحد
ومن رآه فى البَريّات وَجَد
آثارَهُ دَلَّت على أسمائِه
مختلفاتِ الحكم فى أشيائِه
أسماؤهُ دلّت على صِفاتِه
وهى على وُجَودِ حقِّ ذاتِه
فالوصفُ يستحيلُ أن يقومَ
بنفسِه فَحُط به مَعلوماً
وهكذا أرباُ جذبٍ يكشفُ
عن الذاتِ كما هي تُعرَفُ
ثمّ يَرُدَّهُم إلى صَفاتِه
طوعاً وكرهاً فيه بالتِفاتِه
ثمّ الى تَعَلُّقِ الأسماءِ
ثمّ الى شُهودِ ذِى ابتداء
آثاره والسالكون عكسوا
ذلك فى سلوكهم ما أسَّسُوا
فأهلُ جَذبَةِ لهم بدايةٌ
ما لذوى السلوكِ من نهايَة
وذُو السُّلوكِ ما لَه نهايةُ
ما لِذى الجذبَةِ مِن بِدايةِ
ذلك لكن لا بمَعنَى واحِدٍ
بل كلُّ فردٍ آخذٌ بِمَقصَدِ
وربَّما على الطريق التِّقَيا
تخالفا فيها كما تَساوَيا
ذا فى تَدَلَيه لقَى صاحِبهُ
ذا فى ترقيةٍ رأى ذاهبَه
لا يُعلَمَنَّ شرفُ الأنوارُ
وفَدرُ القلوبِ والأسرار
الاَّ بغيبِ الملكُوتِ مِثلَ ما
لا تظهَرَ أنوارُ الجَم السماءِ
الاَّ على شهادةِ الملكِ من ال
أقمارِ والشمسِ ونجمٍ اشتَعَل
ذو الملكوتِ أضعفُ المعارفِ
مع العلومِ ثمراتش العارفِ
طاعاتُنا وجدانُ ثمراتها
بشائرَ القبولِ مِن حَياتها
طيّبةٌ ثمَ سُقوطُ خوفنا
والحزنِ بالسكونِ مِن مَخَوفنا
ثمّ ظُهور شرفِ الخِلافةِ
والكونِ فى لَطائفِ الضِّيافَة
فحينما مَنَّ بذاك عاجِلاً
بَشَّرنا على الجزاءِ آجِلا
ولا تُسى بطلب الجزاء أدَب
فكيف للأعواضِ تَرجو بالطلب
على وُجُودِ عملٍ تَصدَّقَ
عليك مولاك بِه مُحَقِّقاً
أم كيف أنت طالبُ الجزاءِ
على عبادةٍ من العطاءِ
وإنِّه سبحانَهُ اهداها
إليك من صَدقةٍ أسداها
أربابُها منهم لقَومُ تَسبِقُ
أذكارُهُم أنوارَهُمُ فتَطلُقُ
أذكارُهُم ليستنارَ قلبُهُم
فسالكُ وطالبُ دَأبُهم
ومنهم الذين سبقت لهم
أنوارُهُم أذكارَهُم وحالُهم
فأعرفهُ جذبةٌ لهم مَمنُوحةٌ
قد أعظم اللهُ لهم فُتُوحه
صاحبُ جذبة هو المُفَضَّلُ
والقولُ فى خلافِ ذاك مرسَلُ
دليلُنا العِنايةُ المقدَّمة
وعصمةُ تَتبَعُها مُستَحكَمَة
إذ كل مجذوبٍ هو المسلوكُ بِه
ولا كذاك ذُو سلوكٍ فانتَبِه
إذ لا يكونُ ظاهرٌ مِن ذِكرٍ
إلاّ بباطنِ شُهودِ فِكرِ
والذكرَ والفكرُ لجاريانِ
فى أصلِ ما حقيقةُ الإنسانِ
في ساعة الميثاق حين أشهدك
مِن قبل ان كان عليه إستشهَدك
فَنَطَقَت بوصفِه الظواهرُ
فى قَولِهم بلى جوابٌ ظاهرٌ
ثمّ بأحدّيتهِ القهّار
تَحَقَّقت سرائِرُ الأسرار
أكرمك اللهُ تعالى بِكرا
ماتٍ ثلاثٍ حين كنتَ ذاكِيرا
من جَعلِه إيّاك ذاكراً له
تَمَّ عليك عند ذاك فَضلَهُ
إذ لم تكُن أهلاً لذكره إذا
مَولاك مَنَّ بذِكره كذا
صيَّرك المذكور بالذكر نَعَم
أعظِم بِهِ مِن نِعَمٍ على نِعَم
وكنت مذكوراً لديه فِيه
فهو لِثروة المُنى مهديه
ووجهُ كون صاحِب الجذبِ أجَلَّ
بركةُ العمر وإن كان أقلّ
فربَ عمرٍ وسعت آمادُه
لكنّه قليلة إمدادُه
أولُه كالأمم السوالِف
وفاقدُ الجذيَة مِنّا واقِف
ثانيهما المجذوبُ فى أيّامِه
يُشابِهُ الإخوان فى مَقامِه
قصّته لابنِ أبى الحوارى
مع شيخه يُغنى عن الإشهار
فكلُّ مَن بورِكَ ف العُمرِ لَهُ
أدرَك فى اليَسير ما أجَّلهُ
مِن مِنَنِ اللهِ التى لا تَدخُلُ
تحتَ عبارةٍ إذا تَفَضَّل
ولا تَنالُ وَصفَهُ العِبارَةُ
كذاك لا تَلحَقُه الإشارةُ
إِذا تَفَرَّغتَ من الشواغِلِ
فَما تَوجَّهتَ إِلَيهِ مُقبِلا
ولم تَجِد ضراعةً إليه
وذِلَّةً وفاقةً لديه
وما وَجَدتَ موانعَ العَلائِقِ
عن رِحلةٍ إليه بالعَوائق
فذلك الخُذلانُ كُلُّه كما
عُدِمتَ توفيقاً حُرِمتَ كرماً
الفكرُ سيرُ القلبِ فى الأغيار
من حكَم القدير ذى اقتدار
ميدانُها لعبَرةِ القُلوبِ
مَعبَرَةٌ لمكسبِ الغُيوبِ
ففكرةٌ القلبُ له السراجُ
فى ظُلمَةِ الأغيار وابتهاجٌ
فالقلب حيثُ ذَهَبَت فكرتُه
يَذهبُ ضؤُه كذا بهجَتُهُ
فصار أعمَى خابطَ العَشواءِ
وظلَّ يمشى مشيةَ العَمياءِ
والفِكرُ فِكرتانِ بالتَّحقيقِ
ففكرةُ الإيمانِ والتصديقِ
وفكرةُ الشَّهودِ والعَيانِ
تجرى مع التصديقِ والإيمانِ
كَبُرَ العيانُ علىّ حتى أنّهُ
صارَ اليقينُ مع العيانِ توهُّماً
فالفكرةُ الأولى لدى اعتبارٍ
من المريدين أو النُّظّار
والمُتَوجِّهين والعُمّال
والسالكينَ مَسلَك الكمالِ
ثانيهما شاهِدَ استبصار
مَعادِنَ الأنوار والأسرا
نور الدين البريفكاني
بواسطة: حمد الحجري
التعديل بواسطة: حمد الحجري
الإضافة: الأربعاء 2014/06/18 11:45:33 مساءً
التعديل: الأربعاء 2014/06/18 11:46:19 مساءً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com