قَد كُنتُ أوثِرُ أَن تَقولَ رِثائي | |
|
| يا مُنصِفَ المَوتى مِنَ الأَحياءِ |
|
لَكِن سَبَقتَ وَكُلُّ طولِ سَلامَةٍ | |
|
| قَدَرٌ وَكُلُّ مَنِيَّةٍ بِقَضاءِ |
|
الحَقُّ نادى فَاِستَجَبتَ وَلَم تَزَل | |
|
| بِالحَقِّ تَحفِلُ عِندَ كُلِّ نِداءِ |
|
وَأَتَيتَ صَحراءَ الإِمامِ تَذوبُ مِن | |
|
| طولِ الحَنينِ لِساكِنِ الصَحراءِ |
|
فَلَقيتُ في الدارِ الإِمامَ مُحَمَّداً | |
|
| في زُمرَةِ الأَبرارِ وَالحُنَفاءِ |
|
أَثَرُ النَعيمِ عَلى كَريمِ جَبينِهِ | |
|
| وَمَراشِدُ التَفسيرِ وَالإِفتاءِ |
|
فَشَكَوتُما الشَوقَ القَديمَ وَذُقتُما | |
|
| طيبَ التَداني بَعدَ طولِ تَنائي |
|
إِن كانَتِ الأُلى مَنازِلَ فِرقَةٍ | |
|
| فَالسَمحَةُ الأُخرى دِيارُ لِقاءِ |
|
وَدِدتُ لَو أَنّي فِداكَ مِنَ الرَدى | |
|
| وَالكاذِبونَ المُرجِفونَ فِدائي |
|
الناطِقونَ عَنِ الضَغينَةِ وَالهَوى | |
|
| الموغِرو المَوتى عَلى الأَحياءِ |
|
مِن كُلِّ هَدّامٍ وَيَبني مَجدَهُ | |
|
| بِكَرائِمِ الأَنقاضِ وَالأُشَلاءِ |
|
ما حَطَّموكَ وَإِنَّما بِكَ حُطِّموا | |
|
| مَن ذا يُحَطِّمُ رَفرَفَ الجَوزاءِ |
|
أُنظُرُهُ فَأَنتَ كَأَمسِ شَأنُكَ باذِخٌ | |
|
| في الشَرقِ وَاِسمُكَ أَرفَعُ الأَسماءِ |
|
بِالأَمسِ قَد حَلَّيتَني بِقَصيدَةٍ | |
|
| غَرّاءَ تَحفَظُ كَاليَدِ البَيضاءِ |
|
غيظَ الحَسودُ لَها وَقُمتُ بِشُكرِها | |
|
| وَكَما عَلِمتَ مَوَدَّتي وَوَفائي |
|
في مَحفَلٍ بَشَّرتُ آمالي بِهِ | |
|
| لَمّا رَفَعتَ إِلى السَماءِ لِوائي |
|
يا مانِحَ السودانِ شَرخَ شَبابِهِ | |
|
| وَوَلِيَّهُ في السِلمِ وَالهَيجاءِ |
|
لَمّا نَزَلتَ عَلى خَمائِلِهِ ثَوى | |
|
| نَبعُ البَيانِ وَراءَ نَبعِ الماءِ |
|
قَلَّدتَهُ السَيفَ الحُسامَ وَزُدتَهُ | |
|
| قَلَماً كَصَدرِ الصَعدَةِ السَمراءِ |
|
قَلَمٌ جَرى الحِقَبَ الطِوالَ فَما جَرى | |
|
| يَوماً بِفاحِشَةٍ وَلا بِهِجاءِ |
|
يَكسو بِمِدحَتِهِ الكِرامَ جَلالَةً | |
|
| وَيُشَيِّعُ المَوتى بِحُسنِ ثَناءِ |
|
إِسكَندَرِيَّةُ يا عَروسَ الماءِ | |
|
| وَخَميلَةَ الحُكَماءِ وَالشُعَراءِ |
|
نَشَأَت بِشاطِئِكَ الفُنونُ جَميلَةً | |
|
| وَتَرَعرَعَت بِسَمائِكِ الزَهراءِ |
|
جاءَتكِ كَالطَيرِ الكَريمِ غَرائِباً | |
|
| فَجَمَعتِها كَالرَبوَةِ الغَنّاءِ |
|
قَد جَمَّلوكِ فَصِرتِ زَنبَقَةَ الثَرى | |
|
| لِلوافِدينَ وَدُرَّةَ الدَأماءِ |
|
غَرَسوا رُباكِ عَلى خَمائِلِ بابِلٍ | |
|
| وَبَنَوا قُصورَكِ في سَنا الحَمراءِ |
|
وَاِستَحدَثوا طُرقاً مُنَوَّرَةَ الهُدى | |
|
| كَسَبيلِ عيسى في فِجاجِ الماءِ |
|
فَخُذي كَأَمسِ مِنَ الثَقافَةِ زينَةً | |
|
| وَتَجَمَّلي بِشَبابِكِ النُجَباءِ |
|
وَتَقَلَّدي لُغَةَ الكِتابِ فَإِنَّها | |
|
| حَجَرُ البِناءِ وَعُدَّةُ الإِنشاءِ |
|
بَنَتِ الحَضارَةَ مَرَّتَينِ وَمَهَّدَت | |
|
| لِلمُلكِ في بَغدادَ وَالفَيحاءِ |
|
وَسَمَت بِقُرطُبَةَ وَمِصرَ فَحَلَّتا | |
|
| بَينَ المَمالِكِ ذِروَةَ العَلياءِ |
|
ماذا حَشَدتِ مِنَ الدُموع لِحافِظٍ | |
|
| وَذَخَرتِ مِن حُزنٍ لَهُ وَبُكاءِ |
|
وَوَجدتِ مِن وَقعِ البَلاءِ بِفَقدِهِ | |
|
| إِنَّ البَلاءَ مَصارِعُ العُظَماءِ |
|
اللَهُ يَشهَدُ قَد وَفيتِ سَخِيَّةً | |
|
| بِالدَمعِ غَيرَ بَخيلَةِ الخُطَباءِ |
|
وَأَخَذتِ قِسطاً مِن مَناحَةِ ماجِدٍ | |
|
| جَمِّ المَآثِرِ طَيِّبِ الأَنباءِ |
|
هَتَفَ الرُواةُ الحاضِرونَ بِشِعرِهِ | |
|
| وَحَذا بِهِ البادونَ في البَيداءِ |
|
لُبنانُ يَبكيهِ وَتَبكي الضادُ مِن | |
|
| حَلَبٍ إِلى الفَيحاءِ إِلى صَنعاءِ |
|
عَرَبُ الوَفاءِ وَفَوا بِذِمَّةِ شاعِرٍ | |
|
| باني الصُفوفِ مُؤَلَّفِ الأَجزاءِ |
|
يا حافِظَ الفُصحى وَحارِسَ مَجدِها | |
|
| وَإِمامَ مَن نَجَلَت مِنَ البُلَغاءِ |
|
ما زِلتَ تَهتِفُ بِالقَديمِ وَفَضلِهِ | |
|
| حَتّى حَمَيتَ أَمانَةَ القُدَماءِ |
|
جَدَّدتَ أُسلوبَ الوَليدِ وَلَفظِهِ | |
|
| وَأَتَيتَ لِلدُنيا بِسِحرِ الطاءِ |
|
وَجَرَيتَ في طَلَبِ الجَديدِ إِلى المَدى | |
|
| حَتّى اِقتَرَنتَ بِصاحِبِ البُؤَساءِ |
|
ماذا وَراءَ المَوتِ مِن سَلوى وَمِن | |
|
| دَعَةٍ وَمِن كَرَمٍ وَمِن إِغضاءِ |
|
اِشرَح حَقائِقَ ما رَأَيتَ وَلَم تَزَل | |
|
| أَهلاً لِشَرحِ حَقائِقِ الأَشياءِ |
|
رُتَبُ الشَجاعَةِ في الرِجالِ جَلائِلٌ | |
|
| وَأَجَلُّهُنَّ شَجاعَةُ الآراءِ |
|
كَم ضِقتَ ذَرعاً بِالحَياةِ وَكَيدِها | |
|
| وَهَتفتَ بِالشَكوى مِنَ الضَرّاءِ |
|
فَهَلُمَّ فارِق يَأسَ نَفسِكَ ساعَةً | |
|
| وَاِطلُع عَلى الوادي شُعاعَ رَجاءِ |
|
وَأَشِر إِلى الدُنيا بِوَجهٍ ضاحِكٍ | |
|
| خُلِقَت أَسِرَّتُهُ مِنَ السَرّاءِ |
|
يا طالَما مَلَأَ النَدِيَّ بَشاشَةً | |
|
| وَهَدى إِلَيكَ حَوائِجَ الفُقَراءِ |
|
اليَومَ هادَنتَ الحَوادِثَ فَاِطَّرِح | |
|
| عِبءَ السِنينِ وَأَلقِ عِبءَ الداءِ |
|
خَلَّفتَ في الدُنيا بَياناً خالِداً | |
|
| وَتَرَكتَ أَجيالاً مِنَ الأَبناءِ |
|
وَغَداً سَيَذكُرُكَ الزَمانُ وَلَم يَزَل | |
|
| لِلدَهرِ إِنصافٌ وَحُسنُ جَزاءِ |
|