يا أَيُّها الناعي أَبا الوُزَراءِ |
هَذا أَوانُ جَلائِلِ الأَنباءِ |
حُثَّ البَريدَ مَشارِقاً وَمَغارِباً |
وَاِركَب جَناحَ البَرقِ في الأَرجاءِ |
وَاِستَبكِ هَذا الناسَ دَمعاً أَو دَماً |
فَاليَومُ يَومُ مَدامِعٍ وَدِماءِ |
لَم تَنعَ لِلأَحياءِ غَيرَ ذَخيرَةٍ |
وَلَّت وَغَيرَ بَقِيَّةِ الكُبَراءِ |
رُزءُ البَرِيَّةِ في الوَزيرِ زِيادَةٌ |
فيما أَلَمَّ بِها مِنَ الأَرزاءِ |
ذَهَبَت عَلى أَثَرِ المُشَيَّعِ دَولَةٌ |
بِرِجالِها وَكَرائِمِ الأَشياءِ |
نُدمانُ إِسماعيلَ في آثارِهِ |
ذَهَبوا وَتِلكَ صُبابَةُ النُدَماءِ |
وُلِدوا عَلى راحِ العُلا وَتَرَعرَعوا |
في نِعمَةِ الأَملاكِ وَالأُمَراءِ |
أَودى الرَدى بِمُهذَّبٍ لا تَنتَهي |
إِلّا إِلَيهِ شَمائِلُ الرُؤَساءِ |
صافي الأَديمِ أَغَرَّ أَبلَجَ لَم يَزِد |
في الشَيبِ غَيرَ جَلالَةٍ وَرُواءِ |
مُتَجَنِّبِ الخُيَلاءِ إِلّا عِزَّةً |
في العِزِّ حُسنٌ لَيسَ في الخُيَلاءِ |
عَفِّ السَرائِرِ وَالمَلاحِظِ وَالخُطا |
نَزِهِ الخَلائِقِ طاهِرِ الأَهواءِ |
مُتَدَرِّعٍ صبرَ الكِرامِ عَلى الأَذى |
إِنَّ الكِرامَ مَشاغِلُ السُفَهاءِ |
نَقَموا عَلَيهِ رَأيَهُ وَصَنيعَهُ |
وَالحُكمُ لِلتاريخِ في الآراءِ |
وَالرَأيُ إِن أَخلَصتَ فيهِ سَريرَةً |
مِثلُ العَقيدَةِ فَوقَ كُلِّ مِراءِ |
وَإِذا الرِجالُ عَلى الأُمورِ تَعاقَبوا |
كَشَفَ الزَمانُ مَواقِفَ النُظَراءِ |
يا أَيُّها الشَيخُ الكَريمُ تَحِيَّةً |
أَندى لِقَبرِكَ مِن زُلالِ الماءِ |
هَذا المَصيرُ أَكانَ طولَ سَلامَةٍ |
أَم لَم يَكُن إِلّا قَليلَ بَقاءِ |
ماذا اِنتِفاعُكِ بِاللَيالي بَعدَ ما |
مَرَّت بِكَ السَبعونَ مَرَّ عِشاءِ |
أَو بِالحَياةِ وَقَد مَشى في صَفوِها |
عادي السِنينَ وَعاثَ عادي الداءِ |
مَن لَم يُطَبِّبهُ الشَبابُ فِداؤُهُ |
حَتّى يُغَيِّبَهُ بِغَيرِ دَواءِ |
قَسَماتُ وَجهِكَ في التُرابِ ذَخائِرٌ |
مِن عِفَّةٍ وَتَكَرُّمٍ وَحَياءِ |
وَلَكَم أَغارُ عَلى مُحَيّا ماجِدٍ |
وَطَوى مَحاسِنَ مَسمَحٍ مِعطاءِ |
كَم مَوقِفٍ صَعبٍ عَلى مَن قامَهُ |
ذَلَّلتَهُ وَنَهَضتَ بِالأَعباءِ |
كِبرُ الغَضَنفَرِ يَومَ ذَلِكَ زادَهُ |
مِن نَخوَةٍ وَحَمِيَّةٍ وَإِباءِ |
مَن يَكذِبِ التاريخَ يَكذِبُ رَبَّهُ |
وَيُسيءُ لِلأَمواتِ وَالأَحياءِ |
السِلمُ لَو لَم تودِ أَمسِ بِجُرحِها |
أَودَت بِهَذي الطَعنَةِ النَجلاءِ |
لَو أُخِّرَت في العَيشِ بَعدَكَ ساعَةً |
لَبَكَت عَلَيكَ بِمَدمَعِ الخَنساءِ |
اِنفُض غُبارَكَ عَنكَ وَاِنظُر هَل تَرى |
إِلّا غُبارَ كَتيبَةٍ وَلِواءِ |
يا وَيحَ وَجهِ الأَرضِ أَصبَحَ مَأتَماً |
بَعدَ الفَوارِسِ مِن بَني حَوّاءِ |
مِن ذائِدٍ عَن حَوضِهِ أَو زائِدٍ |
في مُلكِهِ مِن صَولَةٍ وَثَراءِ |
أَو مانِعٍ جاراً يُناضِلُ دونَهُ |
أَو حافِظٍ لِعُهودِهِ ميفاءِ |
يَتَقاذَفونَ بِذاتِ هَولٍ لَم تَهَب |
حَرَمَ المَسيحِ وَلا حِمى العَذراءِ |
مِن مُحدَثاتِ العِلمِ إِلّا أَنَّها |
إِثمٌ عَواقِبُها عَلى العُلَماءِ |
لَهَفي عَلى رُكنِ الشُيوخِ مُهَدَّما |
وَالحامِلاتِ الثُكلَ وَاليُتَماءِ |
وَعَلى الشَبابِ بِكُلِّ أَرضٍ مَصرَعٌ |
لَهُمُ وَهُلكٌ تَحتَ كُلِّ سَماءِ |
خَرَجوا إِلى الأَوطانِ مِن أَرواحِهِم |
كَرَمٌ يَليقُ بِهِم وَمَحضُ سَخاءِ |
مِن كُلِّ بانٍ بِالمَنِيَّةِ في الصِبا |
لَم يَتَّخِذ عِرساً سِوى الهَيجاءِ |
المُرضِعاتُ سَكَبنَ في وِجدانِهِ |
حُبَّ الدِيارِ وَبِغضَةَ الأَعداءِ |
وَقَرَّرنَ في أُذُنَيهِ يَومَ فِطامِهِ |
أَنَّ الدِماءَ مُهورَةُ العَلياءِ |
أَأَبا البَناتِ رُزِقتَهُنَّ كَرائِماً |
وَرُزِقتُ في أَصهارِكَ الكُرَماءِ |
لا تَذهَبَنَّ عَلى الذُكورِ بِحَسرَةٍ |
الذِكرُ نِعمَ سُلالَةُ العُظَماءِ |
وَأَرى بُناةَ المَجدِ يَثلِمُ مَجدَهُم |
ما خَلَّفوا مِن طالِحٍ وَغُثاءِ |
إِنَّ البَناتَ ذَخائِرٌ مِن رَحمَةٍ |
وَكُنوزُ حُبٍّ صادِقٍ وَوَفاءِ |
وَالساهِراتُ لِعِلَّةٍ أَو كَبرَةٍ |
وَالصابِراتُ لِشِدَّةٍ وَبَلاءِ |
وَالباكِياتُكَ حينَ يَنقَطِعُ البُكا |
وَالزائِراتُكَ في العَراءِ الناءِ |
وَالذاكِراتُكَ ما حَيِينَ تَحَدُّثاً |
بِسَوالِفِ الحُرُماتِ وَاللَآلاءِ |
بِالأَمسِ عَزّاهُنَّ فيكَ عَقائِلٌ |
وَاليَومَ جامَلَهُنَّ فيكَ رِثائي |
أَبيكَ ما الدُنيا سِوى مَعروفِها |
وَالبِرَّ كُلُّ صَنيعَةٍ بِجَزاءِ |
أَجَزِعنَ أَن يَجري عَلَيهِنَّ الَّذي |
مِن قَبلِهِنَّ جَرى عَلى الزَهراءِ |
عُذراً لَهُنَّ إِذا ذَهَبنَ مَعَ الأَسى |
وَطَلَبنَ عِندَ الدَمعِ بَعضَ عَزاءِ |
ما كُلُّ ذي وَلَدٍ يُسَمّى والِداً |
كَم مِن أَبٍ كَالصَخرَةِ الصَمّاءِ |
هَبهُنَّ في عَقلِ الرِجالِ وَحِلمِهِم |
أَقُلوبُهُنَّ سِوى قُلوبُ نِساءِ |