أَعلى المَمالِكِ ما كُرسِيُّهُ الماءُ |
وَما دِعامَتُهُ بِالحَقِّ شَمّاءُ |
يا جيرَةَ المَنشِ حَلّاكُم أُبُوَّتُكُم |
ما لَم يُطَوِّق بِهِ الأَبناءُ آباءُ |
مُلكٌ يُطاوِلُ الشَمسَ عِزَّتُهُ |
في الغَربِ باذِخَةٌ في الشَرقِ قَعساءُ |
تَأوي الحَقيقَةُ مِنهُ وَالحُقوقُ إِلى |
رُكنٍ بَناهُ مِنَ الأَخلاقِ بَنّاءُ |
أَعلاهُ بِالنَظَرِ العالي وَنَطَّقَهُ |
بِحائِطِ الرَأيِ أَشياخٌ أَجِلّاءُ |
وَحاطَهُ بِالقَنا فِتيانُ مَملَكَةٍ |
في السِلمِ زَهرُ رُبىً في الرَوعِ أَرزاءُ |
يُستَصرَخونَ وَيُرجى فَضلُ نَجدَتِهِم |
كَأَنَّهُم عَرَبٌ في الدَهرِ عَرباءُ |
وَدَولَةٌ لا يَراها الظَنُّ مِن سِعَةٍ |
وَلا وَراءَ مَداها فيهِ عَلياءُ |
عَصماءُ لا سَبَبُ الرَحمَنِ مُطَّرَحٌ |
فيها وَلا رَحِمُ الإِنسانِ قَطعاءُ |
تِلكَ الجَزائِرُ كانَت تَحتَهُم رُكناً |
وَراءَهُنَّ لِباغي الصَيدِ عَنقاءُ |
وَكانَ وُدُّهُمُ الصافي وَنُصرَتُهُم |
لِلمُسلِمينَ وَراعيهِم كَما شاؤوا |
دُستورُهُم عَجَبُ الدُنيا وَشاعِرُهُم |
يَدٌ عَلى خَلقِهِ لِلَّهِ بَيضاءُ |
ما أَنجَبَت مِثلَ شيكِسبيرَ حاضِرَةٌ |
وَلا نَمَت مِن كَريمِ الطَيرِ غَنّاءُ |
نالَت بِهِ وَحدَهُ إِنكِلتِرا شَرَفاً |
ما لَم تَنَل بِالنُجومِ الكُثرِ جَوزاءُ |
لَم تُكشَفِ النَفسُ لَولاهُ وَلا بُلِيَت |
لَها سَرائِرُ لا تُحصى وَأَهواءُ |
شِعرٌ مِنَ النَسَقِ الأَعلى يُؤَيِّدُهُ |
مِن جانِبِ اللَهِ إِلهامٌ وَإيحاءُ |
مِن كُلِّ بَيتٍ كَآيِ اللَهِ تَسكُنُهُ |
حَقيقَةٌ مِن خَيالِ الشِعرِ غَرّاءُ |
وَكُلِّ مَعنىً كَعيسى في مَحاسِنِهِ |
جاءَت بِهِ مِن بَناتِ الشِعرِ عَذراءُ |
أَو قِصَّةٍ كَكِتابِ الدَهرِ جامِعَةٍ |
كِلاهُما فيهِ إِضحاكٌ وَإِبكاءُ |
مَهما تُمَثَّل تُرَ الدُنيا مُمَثَّلَةً |
أَو تُتلَ فَهيَ مِنَ الإِنجيلِ أَجزاءُ |
يا صاحِبَ العُصُرِ الخالي أَلا خَبَرٌ |
عَن عالَمِ المَوتِ يَرويهِ الأَلِبّاءُ |
أَمّا الحَياةُ فَأَمرٌ قَد وَصَفتَ لَنا |
فَهَل لِما بَعدُ تَمثيلٌ وَإِدناءُ |
بِمَن أَماتَكَ قُل لي كَيفَ جُمجُمَةٌ |
غَبراءُ في ظُلُماتِ الأَرضِ جَوفاءُ |
كانَت سَماءَ بَيانٍ غَيرَ مُقلِعَةٍ |
شُؤبوبُها عَسَلٌ صافٍ وَصَهباءُ |
فَأَصبَحَت كَأَصيصٍ غَيرَ مُفتَقَدٍ |
جَفَتهُ رَيحانَةٌ لِلشِعرِ فَيحاءُ |
وَكَيفَ باتَ لِسانٌ لَم يَدَع غَرَضاً |
وَلَم تَفُتهُ مِنَ الباغينَ عَوراءُ |
عَفا فَأَمسى زُنابى عَقرَبٍ بَلِيَت |
وَسُمُّها في عُروقِ الظُلمِ مَشّاءُ |
وَما الَّذي صَنَعَت أَيدي البِلى بِيَدٍ |
لَها إِلى الغَيبِ بِالأَقلامِ إيماءُ |
في كُلِّ أُنمُلَةٍ مِنها إِذا اِنبَجَسَت |
بَرقٌ وَرَعدٌ وَأَرواحٌ وَأَنواءُ |
أَمسَت مِنَ الدودِ مِثلَ الدودِ في جَدَثٍ |
قُفّازُها فيهِ حَصباءٌ وَبَوغاءُ |
وَأَينَ تَحتَ الثَرى قَلبٌ جَوانِبُهُ |
كَأَنَّهُنَّ لِوادي الحَقِّ أَرجاءُ |
تُصغي إِلى دَقِّهِ أُذنُ البَيانِ كَما |
إِلى النَواقيسِ لِلرُهبانِ إِصغاءُ |
لَئِن تَمَشّى البِلى تَحتَ التُرابِ بِهِ |
لا يُؤكَلُ اللَيثُ إِلّا وَهوَ أَشلاءُ |
وَالناسُ صِنفانِ مَوتى في حَياتِهُمُ |
وَآخَرونَ بِبَطنِ الأَرضِ أَحياءُ |
تَأبى المَواهِبُ فَالأَحياءُ بَينَهُمُ |
لا يَستَوونَ وَلا الأَمواتُ أَكفاءُ |
يا واصِفَ الدَمِ يَجري هَهُنا وَهُنا |
قُمِ اُنظُرِ الدَمَ فَهوَ اليَومَ دَأماءُ |
لاموكَ في جَعلِكَ الإِنسانَ ذِئبَ دَمٍ |
وَاليَومَ تَبدو لَهُم مِن ذاكَ أَشياءُ |
وَقيلَ أَكثَرَ ذِكرَ القَتلِ ثُمَّ أَتَوا |
ما لَم تَسَعهُ خَيالاتٌ وَأَنباءُ |
كانوا الذِئابَ وَكانَ الجَهلُ داءَهُمو |
وَاليَومَ عِلمُهُمُ الراقي هُوَ الداءُ |
لُؤمُ الحَياةِ مَشى في الناسِ قاطِبَةً |
كَما مَشى آدَمٌ فيهِم وَحَوّاءُ |
قُم أَيِّدِ الحَقَّ في الدُنيا أَلَيسَ لَهُ |
كَتيبَةٌ مِنكَ تَحتَ الأَرضِ خَرساءُ |
وَأَينَ صَوتٌ تَميدُ الراسِياتُ لَهُ |
كَما تَمايَدَ يَومَ النارِ سَيناءُ |
وَأَينَ ماضِيَةٌ في الظُلمِ قاضِيَةٌ |
وَأَينَ نافِذَةٌ في البَغيِ نَجلاءُ |
أَيَترُكُ الأَرضَ جانوها وَلَيسَ بِها |
صَحيفَةٌ مِنكَ في الجانِبَينِ سَوداءُ |
تَأوي إِلَيها الأَيامى فَهيَ تَعزِيَةٌ |
وَيَستَريحُ اليَتامى فَهيَ تَأساءُ |