أَصابَ المُجاهِدُ عُقبى الشَهيدِ |
وَأَلقى عَصاهُ المُضافُ الشَريد |
وَأَمسى جَماداً عَدُوُّ الجُمودِ |
وَباتَ عَلى القَيدِ خَصمُ القُيود |
حَداهُ السِفارُ إِلى مَنزِلٍ |
يُلاقي الخَفيفَ عَلَيهِ الوَئيد |
فَقَرَّ إِلى موعِدٍ صادِقٍ |
مُعِزُّ اليَقينِ مُذِلُّ الجُحود |
وَباتَ الحَوارِيُّ مِن صاحِبَيهِ |
شَهَيدَينِ أَسرى إِلَيهِم شَهيد |
تَسَرَّبَ في مَنكِبَي مُصطَفى |
كَأَمسِ وَبَينَ ذِراعَي فَريد |
فَيا لَكَ قَبراً أَكَنَّ الكُنوزَ |
وَساجَ الحُقوقَ وَحاطَ العُهود |
لَقَد غَيَّبوا فيكَ أَمضى السُيوفِ |
فَهَل أَنتَ يا قَبرُ أَوفى الغُمود |
ثَلاثُ عَقائِدَ في حُفرَةٍ |
تَدُكُّ الجِبالَ وَتوهي الحَديد |
قَعَدنَ فَكُنَّ الأَساسَ المَتينَ |
وَقامَ عَلَيها البِناءُ المَشيد |
فَلا تَنسَ أَمسِ وَآلاءَهُ |
أَلا إِنَّ أَمسِ أَساسُ الوُجود |
وَلَولا البِلى في زَوايا القُبورِ |
لَما ظَهَرَت جِدَّةٌ لِلمُهود |
وَمَن طَلَبَ الخُلقَ مِن كَنزِهِ |
فَإِنَّ العَقيدَةَ كَنزٌ عَتيد |
تَعَلَّمَ بِالصَبرِ أَو بِالثَباتِ |
جَليدُ الرِجالِ وَغَيرُ الجَليد |
طَريدَ السِياسَةِ مُنذُ الشَبابِ |
لَقَد آنَ أَن يَستَريحَ الطَريد |
لَقيتَ الدَواهِيَ مِن كَيدِها |
وَما كَالسِياسَةِ داهٍ يَكيد |
حَمَلتَ عَلى النَفسِ ما لا يُطا |
قُ وَجاوَزَتِ المُسَتَطاعَ الجُهود |
وَقُلِّبتَ في النارِ مِثلَ النُضا |
رِ وَغُرِّبتَ مِثلَ الجُمانِ الفَريد |
أَتَذكُرُ إِذ أَنتَ تَحتَ اللِواءِ |
نَبيهَ المَكانَةِ لِجَمَّ العَديد |
إِذا ما تَطَلَّعتَ في الشاطِئَينِ |
رَبا الريفُ وَاِفتَنَّ فيكَ الصَعيد |
وَهَزَّ النَدِيُّ لَكَ المَنكِبَينِ |
وَراحَ الثَرى مِن زِحامٍ يَميد |
رَسائِلُ تُذري بِسَجعِ البَديعِ |
وَتُنسي رَسائِلَ عَبدِ الحَميد |
يَعيها شُيوخُ الحِمى كَالحَديثِ |
وَيَحفَظُها النَشءُ حِفظَ النَشيد |
فَما بالُها نَكِرَتها الأُمورُ |
وَطولُ المَدى وَاِنتِقالُ الجُدود |
لَقَد نَسِيَ القَومُ أَمسِ القَريبَ |
فَهَل لِأَحاديثِهِ مِن مُعيد |
يَقولونَ ما لِأَبي ناصِرٍ |
وَلِلتُركِ ما شَأنُهُ وَالهُنود |
وَفيمَ تَحَمَّلَ هَمَّ القَريبِ |
مِنَ المُسلِمينَ وَهَمَّ البَعيد |
فَقُلتُ وَما ضَرَّكُم أَن يَقومَ |
مِنَ المُسلِمينَ إِمامٌ رَشيد |
أَتَستَكثِرونَ لَهُم واحِداً |
وَلّى القَديمُ نَصيرَ الحَديد |
سَعى لِيُؤَلِّفَ بَينَ القُلوبِ |
فَلَم يَعدُ هَديَ الكِتابِ المَجيد |
يَشُدُّ عُرا الدينِ في دارِهِ |
وَيَدعو إِلى اللَهِ أَهلَ الجُحود |
وَلِلقَومِ حَتّى وَراءَ القِفارِ |
دُعاةٌ تُغَنّى وَرُسلٌ تَشيد |
جَزى اللَهُ مَلكاً مِنَ المُحسِنين |
رَؤوفُ الفُؤادِ رحيمُ الوَريد |
كَأَنَّ البَيانَ بِأَيّامِهِ |
أَوِ العِلمَ تَحتَ ظِلالِ الرَشيد |
يُداوي نَداهُ جِراحَ الكِرامِ |
وَيُدرِكُهُم في زَوايا اللُحود |
أَجارَ عِيالَكَ مِن دَهرِهِم |
وَجامَلَهُم في البَلاءِ الشَديد |
تَوَلّى الوَليدَةُ في يُتمِها |
وَكَفكَفَ بِالعَطفِ دَمعَ الوَليد |
سَلامٌ أَبا ناصِرٍ في التُراب |
يُعيرُ التُرابَ رَفيفَ الوُرود |
بَعُدتَ وَعَزَّ إِلَيكَ البَريدُ |
وَهَل بَينَ حَيٍّ وَمَيتٍ بَريد |
أَجَل بَينَنا رُسلُ الذِكرَياتِ |
وَماضٍ يُطيفُ وَدَمعٌ يَجود |
وَفِكرٌ وَإِن عَقَلَتهُ الحَياةُ |
يَظَلُّ بِوادي المَنايا يَرود |
أَجَل بَينَنا الخُشُبُ الدائِباتُ |
وَإِن كانَ راكِبُها لا يُعود |
مَضى الدَهرُ وَهيَ وَراءَ الدُموعِ |
قِيامٌ بِمُلكِ الصَحارى قُعود |
وَكَم حَمَلَت مِن صَديدٍ يَسيلُ |
وَكَم وَضَعَت مِن حِناشٍ وَدود |
نَشَدتُكَ بِالمَوتِ إِلّا أَبَنتَ |
أَأَنتَ شَقِيٌّ بِهِ أَم سَعيد |
وَكَيفَ يُسَمّى الغَريبَ اِمرُؤٌ |
نَزيلُ الأُبُوَّةِ ضَيفُ الجُدود |
وَكَيفَ يُقالُ لِجارِ الأَوائِ |
لِ جارِ الأَواخِرِ ناءٍ وَحيد |