عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > العراق > عبد الرزاق عبد الواحد > أختام الدم

العراق

مشاهدة
808

إعجاب
0

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

أختام الدم

مرَّةً كنتُ طفلاً،
وأمسكتُ كفَّ أبي
فارتجفتُ لفرطِ الأخاديد فيها
وسحبتُ يدي
قال: يا ولدي
أتمنَّى لكفّكَ أنَّ الجراحات لا تعتريها
ومضى، ومضَيتْ..
نصفُ حيٍّ أنا، وأبي نصفُ مَيتْ
يومَ أمسكَ كفّيَ للمَّرةِ الثانيه
كنتُ ألمحْ نظرتَهُ الحانيه
وهو يسألُني:
أوَ مازلتَ تجفلُ من لمسِ كفّي؟؟
مُجبَرٌ أن أُقَفّي
مجبّرٌ أن أقولَ لَهُ الآن
يا أبتي
هَبْ دمي أن يُصَفّي
بعضَ أوجاعِه..
هَبْ يدي أنْ تُلامسَ مبضَعَها
دون هذا التَّشَفِّي!
وأبي كان يبكي
كنتُ أعلمُ أنَّ أبي كان يبكي
وهو ينظرُ نحو يدي
بين خوفٍ وشَكِّ..
أنشُرُ الآن باسم العراقْ
كلَّ أيدي بَنيه
ودماها على جانبَيها تُراقْ
يا أبي
أفَنَملكُ أن ندخلَ الآن هذا السّباقْ؟
أم تَراني إلى الآن غضَّ اليَدَينْ؟؟
إنَّ مَن عاشَ ظُلمَ الحسين
كيف يُمسكُ شبّاكَهُ بأكُفٍّ رقاقْ
يا أبي؟!
هذي كفّي
جرحٌ فيها للموتى
جرحٌ للأحياء
جرحٌ ينضحُ للشهداء
جرحٌ للمحرومينْ
جرحٌ للمهزومينْ
جرحٌ للأموات الأحياءْ
وجراحٌ تبكي لبَنينا الأعداءْ!
جرحٌ للجوعْ
جرحٌ للوطنِ الموجوعْ
جرحٌ للخادع
جرحٌ للمخدوعْ
جرحٌ للأنذالْ
جرحٌ لعيونِ الأطفال
جرحٌ يَنكأُ جرحاً حدَّ الزِّلزالْ!
وأنشرُها يا أبي
هي كفُّكَ ليلةَ أمسَكْتَ كفّي فجفَّلتَني
أنتَ قبَّلتَني
غيرَ أنَّك ما قلتَ لي إنَّ كفّي ستُصبحُ كفَّكْ
أنَّني سيحفُّ بيَ الموتُ حَفَّكْ
ربَّما الحزنُ شَفَّكْ
ربَّما وجَعُ القلب،
لم تستطعْ معَهْ أن تقول لطفلِكَ عندَ الفراقْ
أنَّ راحتَهُ سوف تغدو ككفِّكَ
خارطةً لجراحِ العراقْ!
***
أمسِكْ جذورَ السَّنا.. هذي تَواليها
فقد هوَتُ كلُّ شمسٍ من أعاليها
أمسِكْ بقايا ثقوبِ النَّجمِ.. إنْ
ردمَتُ فأيُّ ضوءٍ به تسري لياليها؟
أمسِكْ جذوعَ الثَّرى، فالأرضُ أجمعُها
تهتَزُّ رعباً، وأنت الآن غاليها
أنت الصغيرُ الكبيرُ المستَفَزُّ بها
حرّاً، وكلُّ ذوي النُّعمى مَواليها
يا من تُحاصرُكَ الدُّنيا بأجمِعها
فُكَّ الحصار شهيداً عن أهاليها!
***
فُكَّ عنها دمَكْ
فَكَّ عنها عَماها الذي هَدَّمكْ
فَكَّ عنها الحصارْ
أيُّهذا المحاصَرْ
فالمجرَّاتُ مؤذنةٌ بالرَّحيلْ
والمداراتُ تُسرِعُ للمستحيلْ
كوكبٌ واحدٌ سوف يبقى يميلْ
عن مَساراتِها..
كوكبٌ أعدَمَكْ
كوكبٌ لم يزَلْ يتَقصَّى دمَكْ
وستشقى لِتَهديهِ...
أنتَ القَتيلْ!!
سوف تشقى لِتَهديهِ
أنتَ القتيلْ
هكذا دائماً يا إمامَ النَّخيلْ!
منذُ أن كُوِّرَتْ
منذُ أن كلُّ أوجاعِها صُوِّرَتْ
منذُ صارَتْ مصائرُها آيتَينْ
ليس بينهما بينَ بينْ
أن تكونَ بها الشِّمر، أو أن تكونَ الحسينْ
كنتَ تُذبَحُ يا سيِّدي يا عراقْ!
هادياً كنتَ تُذبَحْ
فادياً كنتَ تُذبَحْ
صادياً كنتَ تُذبَحْ
سَمِّ لي ساعةً من حياتِكْ
ساعةً واحده
لم يكنْ دَمُكَ الحرُّ فيها صَداقْ..
ثمَّ تتركْ فيها شهودَكْ
رافضاً أن يقودَكْ
غير هذي الجراحْ
وتَتيهُ على الكون،
جَمَّ المروءةِ،
دامي الجناحْ
تتَهيَّبُ حتى الرّياحْ
أن تُلامسَ جُرحَكْ
ليَكُنْ..
إنَّ صَرحَكْ
بعدَ كلِّ دمٍ يستقيمْ
يتلألأْ فيهِ سناكَ العظيمْ
ثمَّ تزرعُ في الليلِ رمحَكْ
تخرجُ الشمسُ مبتلَّةً بالدِّماءْ
وتحلُّ ضفائرَها في مياهِكْ
ويجيءُ النّداءْ:
أيُّها الوطنُ المبتلى بالرَّزايا
يا غزيرَ المنايا
سوف تبقى إلى أبَدِ الدَّهر
تحمل أوجاعَ كلِّ البرايا
تتحمَّلُ أوزارَ كلّ الخطايا
وتؤدّي قرابينَها من دمائكْ
كلُّ جيلٍ يجيء
سيرى وشمَهُ فوقَ مائِكْ
ويرى رسمَهُ في سمائكْ
أنجُماً لامعه
حولَها مُقَلٌ دامعه
وصِفاحْ
وأكفٌّ مقطَّعَةٌ بالجراحْ!
***
أختامُ مجدِكَ حتى آخر الزَّمنِ
أكفُّ أبنائكَ الدّامين يا وطني!
جرحاً فجرحاً.. رسَمْنا العمرَ خارطةً
من رعشةِ المهدِ حتى رعشة الكفَنِ
ونحنُ نسألُ: هل غير الدماءِ لَنا
ختمٌ نوَثِّقُ فيهِ عشقَنا الوَثَني؟!
أم أنَّنا عشقُنا لا يستقيمُ بنا
إلاّ مع الموت، أو إلاّ مع الشَّجَنِ؟!
الله يا وطني.. الله يا وطني
الله يا وطني.. الله يا وطني
إلى متى نأمَلُ الدُّنيا، ونأمَنُها
ونحنُ منها بسَقفٍ غيرِ مؤتَّمَنِ؟!
***
وليكُنْ يا أبي
كلُّ خوفٍ بنا
نحنُ أهلُهْ
كلُّ موتٍ بنا
نحنُ أهلُهْ
كلّما التامَ جرحٌ على كفِّ جيلْ
فزَّ في كفِّ تاليهِ مثلُهْ
يا أبي
نحنُ أطفالُنا أخذوا يولدون
وجراحاتُهمُ في المشيمَهْ
ليس هذي شتيمه
نحن صرنا من الحزن نجفلُ منهم
وهم قلِّما يجفلونْ!
يا عراقْ
ربَّما آخرُ الصَّوتِ هذا
بعدَهُ يُرفَعُ الملكوتْ
فلتُفتِّحْ جميعُ المجاهيلِ آذانَها
قبلَما يعتريها السّكوتْ
من يَقُلْ إنَّ بابلَ تفنى
بابلٌ لا تموتْ
من يُراهنْ على جوعِ أهلِ العراقْ
زادُهُم صبرُهم
وهوَ ملء البيوتْ
من يظنُّ بأنَّ الزَّمنْ
فات أولادَنا
فالمروءاتُ أزمانُها لا تفوتْ
وغداً سنرى
من بنا يرتوي
ومن اليَلتوي
كالذُّبابةِ في شبَكِ العنكبوتْ!
الآن سأرفَعُ هذي الأوراقْ
وستعلَمُ كلُّ الدُّنيا يا عبدَ الرزاقْ
أنَّكَ كنتَ الصَّوتْ
والوحيُ عراقْ..!
عبد الرزاق عبد الواحد

"القصيدة التي افتتح بها مهرجان المربد الثالث عشر ببغداد عام 1997"
بواسطة: حمد الحجري
التعديل بواسطة: حمد الحجري
الإضافة: الأربعاء 2015/10/07 06:10:08 صباحاً
إعجاب
مفضلة


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com