إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
مرَّةً كنتُ طفلاً، |
وأمسكتُ كفَّ أبي |
فارتجفتُ لفرطِ الأخاديد فيها |
وسحبتُ يدي |
قال: يا ولدي |
أتمنَّى لكفّكَ أنَّ الجراحات لا تعتريها |
ومضى، ومضَيتْ.. |
نصفُ حيٍّ أنا، وأبي نصفُ مَيتْ |
يومَ أمسكَ كفّيَ للمَّرةِ الثانيه |
كنتُ ألمحْ نظرتَهُ الحانيه |
وهو يسألُني: |
أوَ مازلتَ تجفلُ من لمسِ كفّي؟؟ |
مُجبَرٌ أن أُقَفّي |
مجبّرٌ أن أقولَ لَهُ الآن |
يا أبتي |
هَبْ دمي أن يُصَفّي |
بعضَ أوجاعِه.. |
هَبْ يدي أنْ تُلامسَ مبضَعَها |
دون هذا التَّشَفِّي! |
وأبي كان يبكي |
كنتُ أعلمُ أنَّ أبي كان يبكي |
وهو ينظرُ نحو يدي |
بين خوفٍ وشَكِّ.. |
أنشُرُ الآن باسم العراقْ |
كلَّ أيدي بَنيه |
ودماها على جانبَيها تُراقْ |
يا أبي |
أفَنَملكُ أن ندخلَ الآن هذا السّباقْ؟ |
أم تَراني إلى الآن غضَّ اليَدَينْ؟؟ |
إنَّ مَن عاشَ ظُلمَ الحسين |
كيف يُمسكُ شبّاكَهُ بأكُفٍّ رقاقْ |
يا أبي؟! |
هذي كفّي |
جرحٌ فيها للموتى |
جرحٌ للأحياء |
جرحٌ ينضحُ للشهداء |
جرحٌ للمحرومينْ |
جرحٌ للمهزومينْ |
جرحٌ للأموات الأحياءْ |
وجراحٌ تبكي لبَنينا الأعداءْ! |
جرحٌ للجوعْ |
جرحٌ للوطنِ الموجوعْ |
جرحٌ للخادع |
جرحٌ للمخدوعْ |
جرحٌ للأنذالْ |
جرحٌ لعيونِ الأطفال |
جرحٌ يَنكأُ جرحاً حدَّ الزِّلزالْ! |
وأنشرُها يا أبي |
هي كفُّكَ ليلةَ أمسَكْتَ كفّي فجفَّلتَني |
أنتَ قبَّلتَني |
غيرَ أنَّك ما قلتَ لي إنَّ كفّي ستُصبحُ كفَّكْ |
أنَّني سيحفُّ بيَ الموتُ حَفَّكْ |
ربَّما الحزنُ شَفَّكْ |
ربَّما وجَعُ القلب، |
لم تستطعْ معَهْ أن تقول لطفلِكَ عندَ الفراقْ |
أنَّ راحتَهُ سوف تغدو ككفِّكَ |
خارطةً لجراحِ العراقْ! |
*** |
أمسِكْ جذورَ السَّنا.. هذي تَواليها |
فقد هوَتُ كلُّ شمسٍ من أعاليها |
أمسِكْ بقايا ثقوبِ النَّجمِ.. إنْ |
ردمَتُ فأيُّ ضوءٍ به تسري لياليها؟ |
أمسِكْ جذوعَ الثَّرى، فالأرضُ أجمعُها |
تهتَزُّ رعباً، وأنت الآن غاليها |
أنت الصغيرُ الكبيرُ المستَفَزُّ بها |
حرّاً، وكلُّ ذوي النُّعمى مَواليها |
يا من تُحاصرُكَ الدُّنيا بأجمِعها |
فُكَّ الحصار شهيداً عن أهاليها! |
*** |
فُكَّ عنها دمَكْ |
فَكَّ عنها عَماها الذي هَدَّمكْ |
فَكَّ عنها الحصارْ |
أيُّهذا المحاصَرْ |
فالمجرَّاتُ مؤذنةٌ بالرَّحيلْ |
والمداراتُ تُسرِعُ للمستحيلْ |
كوكبٌ واحدٌ سوف يبقى يميلْ |
عن مَساراتِها.. |
كوكبٌ أعدَمَكْ |
كوكبٌ لم يزَلْ يتَقصَّى دمَكْ |
وستشقى لِتَهديهِ... |
أنتَ القَتيلْ!! |
سوف تشقى لِتَهديهِ |
أنتَ القتيلْ |
هكذا دائماً يا إمامَ النَّخيلْ! |
منذُ أن كُوِّرَتْ |
منذُ أن كلُّ أوجاعِها صُوِّرَتْ |
منذُ صارَتْ مصائرُها آيتَينْ |
ليس بينهما بينَ بينْ |
أن تكونَ بها الشِّمر، أو أن تكونَ الحسينْ |
كنتَ تُذبَحُ يا سيِّدي يا عراقْ! |
هادياً كنتَ تُذبَحْ |
فادياً كنتَ تُذبَحْ |
صادياً كنتَ تُذبَحْ |
سَمِّ لي ساعةً من حياتِكْ |
ساعةً واحده |
لم يكنْ دَمُكَ الحرُّ فيها صَداقْ.. |
ثمَّ تتركْ فيها شهودَكْ |
رافضاً أن يقودَكْ |
غير هذي الجراحْ |
وتَتيهُ على الكون، |
جَمَّ المروءةِ، |
دامي الجناحْ |
تتَهيَّبُ حتى الرّياحْ |
أن تُلامسَ جُرحَكْ |
ليَكُنْ.. |
إنَّ صَرحَكْ |
بعدَ كلِّ دمٍ يستقيمْ |
يتلألأْ فيهِ سناكَ العظيمْ |
ثمَّ تزرعُ في الليلِ رمحَكْ |
تخرجُ الشمسُ مبتلَّةً بالدِّماءْ |
وتحلُّ ضفائرَها في مياهِكْ |
ويجيءُ النّداءْ: |
أيُّها الوطنُ المبتلى بالرَّزايا |
يا غزيرَ المنايا |
سوف تبقى إلى أبَدِ الدَّهر |
تحمل أوجاعَ كلِّ البرايا |
تتحمَّلُ أوزارَ كلّ الخطايا |
وتؤدّي قرابينَها من دمائكْ |
كلُّ جيلٍ يجيء |
سيرى وشمَهُ فوقَ مائِكْ |
ويرى رسمَهُ في سمائكْ |
أنجُماً لامعه |
حولَها مُقَلٌ دامعه |
وصِفاحْ |
وأكفٌّ مقطَّعَةٌ بالجراحْ! |
*** |
أختامُ مجدِكَ حتى آخر الزَّمنِ |
أكفُّ أبنائكَ الدّامين يا وطني! |
جرحاً فجرحاً.. رسَمْنا العمرَ خارطةً |
من رعشةِ المهدِ حتى رعشة الكفَنِ |
ونحنُ نسألُ: هل غير الدماءِ لَنا |
ختمٌ نوَثِّقُ فيهِ عشقَنا الوَثَني؟! |
أم أنَّنا عشقُنا لا يستقيمُ بنا |
إلاّ مع الموت، أو إلاّ مع الشَّجَنِ؟! |
الله يا وطني.. الله يا وطني |
الله يا وطني.. الله يا وطني |
إلى متى نأمَلُ الدُّنيا، ونأمَنُها |
ونحنُ منها بسَقفٍ غيرِ مؤتَّمَنِ؟! |
*** |
وليكُنْ يا أبي |
كلُّ خوفٍ بنا |
نحنُ أهلُهْ |
كلُّ موتٍ بنا |
نحنُ أهلُهْ |
كلّما التامَ جرحٌ على كفِّ جيلْ |
فزَّ في كفِّ تاليهِ مثلُهْ |
يا أبي |
نحنُ أطفالُنا أخذوا يولدون |
وجراحاتُهمُ في المشيمَهْ |
ليس هذي شتيمه |
نحن صرنا من الحزن نجفلُ منهم |
وهم قلِّما يجفلونْ! |
يا عراقْ |
ربَّما آخرُ الصَّوتِ هذا |
بعدَهُ يُرفَعُ الملكوتْ |
فلتُفتِّحْ جميعُ المجاهيلِ آذانَها |
قبلَما يعتريها السّكوتْ |
من يَقُلْ إنَّ بابلَ تفنى |
بابلٌ لا تموتْ |
من يُراهنْ على جوعِ أهلِ العراقْ |
زادُهُم صبرُهم |
وهوَ ملء البيوتْ |
من يظنُّ بأنَّ الزَّمنْ |
فات أولادَنا |
فالمروءاتُ أزمانُها لا تفوتْ |
وغداً سنرى |
من بنا يرتوي |
ومن اليَلتوي |
كالذُّبابةِ في شبَكِ العنكبوتْ! |
الآن سأرفَعُ هذي الأوراقْ |
وستعلَمُ كلُّ الدُّنيا يا عبدَ الرزاقْ |
أنَّكَ كنتَ الصَّوتْ |
والوحيُ عراقْ..! |