إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
أبي |
تناءى الذي بيننا من مَدًى وفراقْ |
ومن سنواتٍ عجافٍ ذوت وتوارتْ |
بعيدًا وراء التُخومِ |
وأرخى عليها وُجوم |
وما أعقبتها سوى زفراتِ اختناق |
فما كان عُمرًا، ولا كان حُلمًا |
ولم يَكُ أكثرمن وَمضةٍ وخَبَتْ |
لم تُعَقِّب سوى غُصةٍ |
آهةٍ، حُرقةٍ، واشتياقْ |
أبي |
كم وددتُ لو أنك تطلعُ يومًا |
تَحُط ُّبلا موعدٍ |
وتجيءُ مع الفجرِ |
تَدهمُ رأس الزقاقْ |
أراك ولو مرةً |
لأقول الذي لم أقلهُ |
ولو آخر العهد بي |
إذ يضيقُ الفؤادُ |
ويعجزُ هذا اللسانُ الكسيحُ عن الانطلاقْ |
وأعلم أنك يا والدي كنتَ مُنتظرًا |
صابرًا صامتًا |
جمرةً تتآكلُ من لهفةٍ واحتراقْ |
وجئتك لكنني ما استطعتُ دِراكًا |
وجدتكَ سافرتَ دون وداع |
كدأبكَ دومًا |
وكي لاتُثيرَ المواجعَ |
لكن بي وجعًا كنتُ خبأتهُ |
وبي ألمٌ مضَّني طول عمري |
ولكنني ما شكوتُ |
وجئتكَ من آخرِ الأرضِ |
من أولِ العُمرِ |
من آخرِالعُمرِ |
بي رغبةٌ أن أبوحَ |
وأنكأَ كل الجروحْ المُدماةِ |
أقسمُ: ما كنت يومًا كما خِلتني |
قاسيًا أو عنيدا |
وما كنتُ جلفا وما كنتُ عاقْ |
ولكنها اللحظاتُ القصارُ |
هو العُمرُ ليس سوى لحظاتٍ قِصارٍ |
يُساء بها الفهمُ |
تُكسرَ فيها المرايا |
وتغدو الأماني سرابْ |
وأرضًا يَبابْ |
وددتكَ يا والدي لوتجيءُ |
ولو مرةً لتُنوِّرَ مصباح بيتي الجديدْ |
الذي لم تَرَهْ |
فتغرسَ زيتونةً في الفناءِ |
تقابلها تينةٌ عن يمينْ |
وبينهما كرمةٌ تتسلقُ |
تزدانُ في أعين الناظرين |
كما كنت تصنع في كل كرمٍ |
وفي كل أرضٍ و في كل حين |
ويا والدي إن تلك الكروم |
التي قد رعيت شجيراتها |
لا تزالُ تَخِبُّ مُصَعِّدةً |
تتشبثُ في جانب السفحِ |
أو تتعلق مقرورةً حول عُنقِ الجبلْ |
عنادلُها تَسحرُ السامعينَ |
وفَوحُ شَذاها بطعمِ القُبَلْ |
وغايتُها أن تطالَ النجومَ |
عُلُوُّا فتنسجُ خيطَ الأملْ |
وأحسبها لو تُنادي عليها |
العشيةّ تَلوي بأعناقِها وتَفِزُّ |
قد ادَّكَرتْ غارِسيها |
وحنَّتْ لجيرتِها و ذويها |
وجاءتك حَبوًا لتحضنها |
حَضن أمٍ بنيها |
وفاضَتْ دمًا لا نبيذْ |
وأصبح مُرًا جَناها اللذيذْ |
وطال انتظاري ليومٍ أراكَ |
تُمسِّدُ باللمساتِ الحنونةِ رأس حفيديكَ |
من يحملُ اسمكَ منهمْ |
كما تشتهي |
رغم أنك ما قلتها |
غير أنيَّ أدركتها يا أبي |
وتَرقي أخاه الذي يَصغُرُهْ |
وتحكي لهم يا أبي من بديع الحكايا |
فإن الحكايا مرايا |
حكايا أبي زيد والزير أوعنتره |
وما زلت منتظرًا أن يجيءَ الذي لا يجيءُ |
على غفلةٍ أو أغذُّ خُطايَ إليه |
أُكَحِّلُ جفنيَّ بالنورِ إذ أُبصِرَهْ. |