حمراءُ(1) ما امتدّتِ الآبادُ تتّقدُ |
لا الحقْدُ يوقفُ مسراها ولا الصفَدُ |
حمراءُ لولا سَنَاها لمْ يَطِبْ عُمُرٌ |
ولمْ يَعِشْ في الدنى رأيٌ وَمُعْتقدُ |
هيَ اللبابُ الذي تغنى النفوسُ بِهِ |
وما عداها فذاكِ القشْرُ والزَبَدُ |
تفنى نفوسٌ لكي تهنا بها أُخَرٌ |
ويفتدي ساعةً من أجلِها أبدُ |
إنْ أقبَلتْ عادتِ الدنيا مُشعشعة ً |
أوْ أدبرتْ فالليالي حُلّكٌ ربُدُ (2) |
كلّ الخلائقِ تهواها وتنشدها |
فكلُّ صوتٍ لهُ مِنْ وَحْيها رَفَدُ (3) |
ما حلّقَ الطيرُ في الآفاقِ عن عبثٍ |
لكنْ ليصبح حُرّا حيثما يَردُ |
وما استكنّتْ إلى الأعماقِ زاحفةٌ |
إلاّ لتحيا ولا عينٌ ولا رَصَدُ |
كمْ يبتني من منيعِ السدِّ مُعتصبٌ |
تاجا وكمْ من صنوف الظلْمِ يعتمدُ |
حتّى إذا ما استجاشَ السيلُ واندفَعتْ |
أمواجهُ كُلَّ منحى زالت السُدُدُ |
وعادَ خزيانَ مهزوزَ الخطى فَرقا ً |
ذاك المليكُ فما آواهُ مُتّسدُ |
وكانَ مِنْ قبلُ كالطاووسِ مُنتفخا ً |
تكادُ تقفزُ مِنْ زهْوٍ به البُرُدُ |
*** |
يا سائلي عنْ جراحي وهْيَ بيّنة ٌ |
خلً السؤال سيغنيك الذي تَجِدُ |
أنا قوافلُ آلام تطارده |
هُوجُ الرياحِ فلا أهلُ ولا بَلَدُ |
تكسّرتْ سُفُنُ الموتى وها أنذا |
يصارعُ الموجُ مجدافي وأتئدُ |
ذررتُ في أعيني ملحا مُحاذرةً |
أنْ يسلكَ النومُ بي دَرْبَ الألى هَجَدوا |
وعفْتُ لِيْنَ وسادات مُكابرة ً |
فالصخْرُ والريحُ والرمضاءُ لِي وُسُدُ |
عذرا أخا الجرُح إنْ جاءتْ مُسعّرً |
هذي الحروفُ فإنّي نازف حَرِدُ(4) |
هممتُ بالجرْحِ لمْ أفطنْ لعاصبهِ |
فرحْتُ أحضنُ آلامي وأنفردُ |
وخيّبَ الظنًّ أحزابٌ وأنظمةٌ |
تدعو لشئٍ وتأتي عكْس َما تَعِدُ |
آيُ التحررِ لمْ تبرحْ ترتّلها |
لكنْ تُطاردُ أحرارا وتضظهدُ |
لمْ تدر إنَّ دماء أُجريتْ شططا ً |
من أهلنا هي في الأرزاء مُعْتَمدُ |
بها نردُّ عن الأوطانِ عادية ً |
عندَ الملمّات فهْيَ الحصْنُ والزَرَدُ |
وأيُّ معنىً لتحرير إذا حُبِسَتْ |
أنفاسُ شعْب عليهِ القَصْدُ ينعقدُ |
وكيفَ يدْفَعُ عن أوطانهِ خَطَرا ً |
مُكبّلٌ في قيودِ الذلّ مُضْطَهدُ |
شرُّ الخصوم حكوماتٌ تجورُ على |
شعوبها فهْي خصمٌ كلّهُ لَدَدُ (5) |
تزهو المشانقُ بالأحرارِ شامخة ً |
وفي السجونِ ضحايا ما لها عددُ |
ونحنُ بينَ طواغيت مُشرَّدةٌ |
جموعُنا في يدِ الأقدارِ تُخْتضدُ |
كأننا لمْ نَكُنْ عُرْبأ مُعرّفة ٌ |
أنسابُنا.. جدّنا قحطانُ أوْ أ َدَدُ(6) |
*** |
وتائهٍ في مطاوي اليأسِ تُفْزعهُ |
رؤى الظلام شتيتٌ رأْيُهُ قَدَدُ(7) |
نأى بخفّاقه ِعنْ كلّ أمنية ٍ |
خوفٌ به راح في الإبحار يعتضدُ |
في حين أمّتْ شعاع النجْم صارية |
لها من الضوْءِ هاد نهْجُه جَددُ (8) |
ما أعْظم النفسَ إذْ تنضو مخاوفها |
وترتدي مِنْ بُرودٍ حشْوها الجَلَدُ |
شتَان بيْن شتيت أمْرُهُ فُرُط ٌ |
وبين ثَبْت على الأرزاءِ يتّحدُ |
إنَّ اجتماعَ قوى الأرواح ِيُبلغُها |
ما ليس يبلغُهُ في وهْمه خَلَدُ |
وما يزيحُ طوابير الظلام سوى |
موج الضياء إذا ما راح يحتشدُ |
حتّى إذا أطبَقتْ ظلماء حالكة ٌ |
وظُنَّ أنَّ مجئ الصُبْح مُفْتَقدُ |
تهدّلتْ لُبداتُ الليلِ فانكشفتْ |
عنْ سافر صدق الأحرارَ ما وعَدوا |
مِنْ بعدما عسَرتْ دهْرا ولادتُهُ |
وضاق طُلاّبه ذرْعا بما نَشدوا |
ورنَّ في الأُفُق الممتد يملؤهُ |
بالقاصفات نداء صابرٌ جَلِدُ |
يشدُّ مِنْ أزْر ذي سَعْي فيمنحهُ |
عزما ويهْزأُ مِنْ أفهامِ مَنْ قَعَدوا |
ويستطيرُ أناشيدأ ترددها ال |
دنيا ويغرف مِنْ أنغامِها الأبَدُ |
أكبرت منْ راح بالإيمان مُدّرعا َ |
فهو القويُّ وليْس الجلْمدُ الصَلِدُ |
|
تهوي الحياةُ إلى الأدنى فترفعها |
أرواحُ قوم سوى العلياء ما قصدوا |
قوم إذا أجدَبتْ أرضٌ يكونُ لها |
ممّا يسيلون مِن أرواحِهم مَدَدُ |
كفاحهم لبني الإنسانِ قاطبة ً |
لا اللونُ يُبْعدهُمْ عنْهم ولا البَلدُ |
المرءُ بالمرءِ موصولٌ وإنْ فصَلتْ |
مذاهب في دعاويها الورى قِدَدُ |
وجنة لمْ يطأْ أكنافَها بَشَر ٌ |
لا يستطيبُ بها أيّامَهُ أحدُ |
*** |
ربأتُ بالنفس أن تحيا على عَرَضٍ |
وأنْ تُمجّد أصناما وَمَنْ عَبدوا |
الشعْرُ إنْ لَمْ يَعِشْ للناسِ مُنشدُهُ |
فليسَ في قولِهِ فحوى ولا رَشَدُ |
الشعْرُ عندي صلاةٌ حينَ أبدأها |
تُسْتَنْقَذ النفسُ مِنْ إغفاءِ مَنْ هَمَدوا |
يُستْتَنزلُ الشعرُ مِنْ عليائهِ دُفقا ً |
مِن الضياء بهِ الأرواحُ تبْتردُ |
وليسَ محضَ صياغاتٍ وأبنية |
مضمونها الإدّعاءُ الفَجُّ والفَنَدُ |
فصحّة العقل بالألفاظِ صادقة ً |
وسقْمُهُ حين صِدقُ الحرْفِ يُفْتَقَدُ |
ويرخصُ المرءُ إنْ ترْخصْ مقالتهُ |
ويغتني بغنى ما راح يَعْتقِدُ |
أعاندُ النفس حتّى تستفيقَ على |
إرادتي وعلى ما أبتغي تَرِدُ |
واكتُبُ الشعْر لا أدري أمُلهَمةٌ |
أبياتُهُ برؤى المجهولِ تَتَحدُ |
أمْ أنَهُ فيضُ نفسٍ راحَ يُقْلقها |
ويستثيرُ بها الأشواقَ مأ تَجِدُ |
ما كانَ منّي اختيارا صوْغ قافية |
لكنّما كلُّ حرف في دمي يَقِدُ |
وأهْزلُ الشعْرِ شعْرٌ رحْتَ تقصدهُ |
وأحسنُ الشعْر شعْرٌ وَحْدَهُ يفدُ |
يا قاصدا كوْن احلامي التي انتحرتْ |
في زهْوها حيث جُنْدُ الجدْبِ تحتشدُ |
انظر حواليك َ, نامتْ ها هنا مُدُن ٌ |
منهوكة هدّها الإعياءُ والسَهَدُ |
تهالكت في رؤى الأفيون تاركة ً |
وراءها ألفَ جُرْح يزدريه دَدُ(9) |
وهدّمتْ كُلَ سدٍّ غيرَ آبهة ٍ |
إذ يستوي اللبُّ في المقياسِ والزَبَدُ |
عجيبة تلكم الأرواحُ يُفْزعُها |
أنْ تُبصر النورَ فوقَ الأرْضِ ينْعقدُ |
|
تشرّبتْ علل العصْر الجديدِ ففي |
أعماقِها لوحوش الموت مُتّسَدُ |
تخفّفتْ عنْ مثاليات عالمها |
إذْ عندها كلُّ أخلاقية صَفَدُ |
وأبحرتْ في مسارِ الوهْم فهْيَ كَمَنْ |
يجري وراء سَرابٍ وَهْوَ يبتعدُ |
تُنبي ملامحُها عَنْ حَشْدِ أضرحة ٍ |
فيها كنوزُ بني الإنسان تُعْتَبدُ |
وكلُّ سعْي وهمٍّ في شوارعها |
يُنبيك كيْف خُطى الإنسانِ تُزدردُ |
للناسِ أنشدُ طبعُ النفسِ يأمرني |
لا ضيْر إنْ قبلوا شعري وإنْ جَحدوا |
إنّي فُطرتُ كما شاءَ الإلهُ فم ٌ |
عَفٌّ وقلب رضى الوجدانِ يَعْتمِدُ |
لست الفتى يترضّى كُلَّ نازلة ٍ |
ولسْت مِمّنْ تُغطّي نَفسَهُ العُقَدُ |
لي في الحياةِ سلوك لا أبدّلهُ |
على الزمانِ ارتضاهُ أمْ أباهُ غدُ |
ومبدأي أحملُ التجديدَ مقتفيا |
خطى التطوّر مشغوفا بما يَعِدُ |
لكنَّ بي جَنَفا من أنْ أقرَّ على |
تصوّرٍ زائف قدْ مجّهُ الرَشدُ |
|
يستخدم الناسَ أغراضا لغايته ِ |
ويفهم العيش إذعانا لِمَنْ صَعَدوا |
*** |
معذّب انت يا قلبي تمرُّ بك ال |
ذكرى فتضحك أوْ تبكي وترتعدُ |
أنت الذي تتقرّى كلَّ وافدة ٍ |
فتستجيبُ وتستثني وتنتقدُ |
للّه دَرُّك كمْ حال تمرُّ بها |
طورا تنوح وطورا صادحٌ غَرِدُ |
لوْ فتّشوا فيك لاقوا أيَّ مُتّسَع ٍ |
تزاحَمَتْ في مداه البِيدُ والنُجُدُ |
كذاك كلُّ فؤاد شاعرٍ أُفُق ٌ |
لا يُستشَفُّ له حدّ ولا أمَدُ |
إنْ لمْ يُنِرْ سُبُلا علم ومعرفة ٌ |
فالشعر ألْف طريق مُزْهرٍ يَلِدُ |
لِي بين صحْبي أناشيد مُضيّعة ٌ |
أنشدتُها غَيْر أنَّ الصحْب قَدْ هجدوا |
أيقظتُهمْ فأروني وجْه مُنزعج ٍ |
عاتبتُهمْ فإذا مَردودي الكَمَدُ |
تُمْسي المصائب عندي وهْي هيّنة ٌ |
إلاّ المعاناةُ في إشعار مَنْ هَمَدوا |
حملت مِنْ تَبِعَات الدهْر أفتكَها |
فسرْتُ والعرْقُ تلْوَ العِرْقِ يُفتَصدُ |
لمْ أرْتَهِبْ وصروفُ الدهْر في طَلبي |
فرحْت والدهر كالأنداد نجتلدُ |
اريتَه كلَّ ما بِي مِنْ مُعاندة ٍ |
حتّى تيقّن إنّي الفارس النَّجَدُ |
وإنني لا أجاري مِن مَطالبه ِ |
شيئا وإنْ جُذ منّي الكفُّ والعُضُدُ |
*** |
وصاحب غَرّه أن الحياة مَشَتْ |
إليه خضراء لا جهدٌ ولا كّبَدُ(10) |
وإنّه في ظلال مِنْ بواسِقِها |
مُرفَه ولياليه هي الشَهَد ُ |
تصوّر العيش إنْ يقْبل يُمِتْ قِيما ً |
لذاك عفّى على أخلاقِهِ الرّغَدُ |
فصارَ مُستنكرا ما كان مُرتضيا ً |
فاستُبدِل الرأيُ لمّا استُبدِلَتْ بُرُدُ |
وراح يمضغُ أطراف الحديث كمَنْ |
يؤتى الطعامَ وفي أسنانهِ دَرَدُ |
يستلفتُ العين إذْ يمشي كان به ِ |
َميْلا وبالخطْو أنّى سارَ يَقتصدُ |
صُنْع الطواويس مزهوّا بمشيته ِ |
فَهْو العظيمُ بعالي المجْد مُنْفرِدُ |
يا صاحبي لوْ حويت المجْد أجْمَعَهُ |
وصرْت تملكُ ما تهوى وتعْتبدُ |
فلسْت تقوى على إسكاتِ عاطفة ٍ |
جذورها في طوايا النفس تتّقدُ |
وإنْ أصابَك مكروه فأنت إلى أل |
أخوانِ تهْرعُ, ترجو لوْ تُمدُّ يَدُ |
حقيقة فيك فاحذرْ انْ تُغالطها |
ما مسّك الخيرُ أوْ ما مسّك النَكَدُ |
وذاك أنّك إنسان وإنْ بَعُدَتْ |
بك الخطى فعلى الإنسانِ تَعْتمدُ |
*** |
حملُتُ منْذُ سنين قدْ خَلَتْ ظمَأي |
وظلتُ(11) أسعى ولمّا يأتِني مَدَدُ |
غير ابتلالٍ به خفّفتُ عَنْ شَفَة ٍ |
ضاقتْ بحمْل جفاف راح يَطّرِدُ |
والعمْرُما العمْرُ إلا لحظة سَنَحَتْ |
تميسُ جذلانة تِيْها بمَنْ سَعَدوا |
إنّي أُريدُ من الأيّام قاطبة ً |
بعضا تجيشُ بما أهوى وتحتشدُ |
كمْ يكبرُ القشُّ في أنظارِ مَنْ طمعوا |
ويرخصُ الدرُّ في مقياسِ مَنْ زَهَدوا |
إنّي ولِدتُ وبِي زهْد يجنبني |
حُب السفاسق إذْ تطغى فأبتعدُ |
حسبي نقاءُ أحاسيس أسيرُ على |
ضيائها حَيثُ أطباقُ الدجى نُضُدُ |
حييتُ لَصْق ضمير لا يفارقني |
كالظلِّ بالمرء أنّى سارَ يتّحدُ |
*** |
يا واهب الشعْرِ أغلى ما يجادُ بهِ |
نَفْسا بشعلتهِ الحمراءِ تُفْتأدُ |
هوّنْ عليك ولا تنصتْ لجعْجعةٍ |
وإن ربَا حَولها منْ ناصرٍ عَددُ |
لا يستوي باعث روحا وقاتلها |
وذو سخاء وذاوٍ نَبْعُهُ صَرَدُ(12) |
شتّان بين غزيرِ الموج مُصْطخبٍ |
وبينَ مَنْ يقصدُ الصحراءَ يَرتفدُ(13) |
إنَّ الذين افاضوا مِنْ قلوبهم ُ |
كيما تشعُّ قوافٍ في الذرى شُرُدُ(14) |
لا يمنعنّهمُ عنْ قول قافية ٍ |
صمْتُ الجلاميدِ أو إنكارُ مَن جحدوا |
همُ وعاءُ القوافي وهْي روحُهمُ |
فما تململَ مِنْهمْ لحظة كَتَدُ(15) |
تحرَقَتْ منهمُ الأعصابُ فانطلقوا |
مثل الدراويش لُصّاقا بما قصدوا |
ضرْب من ا لخلْق لا يهدا لهُ ثَبَجٌ |
وإنْ تراختْ عصوفٌ طبعها حَرِدُ |
كأنَّ عندهمُ ثأرا لأنفسهم ُ |
فهْيَ الخصيمُ الذي لمْ يجْفُهُ لَدَدُ(16) |