عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > العراق > محمد مهدي الجواهري > الفرات الطاغي

العراق

مشاهدة
2316

إعجاب
2

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

الفرات الطاغي

طغَى فضوعف منه الحسنُ والخَطَرُ
وفاض فالأرضُ والأشجارُ تنغمِرُ
وراعت الطائرَ الظمآنَ هيبتُه
فمرَّ وهو جبانٌ فوقَه حذِر
كأنما هو في آذيِّه جَبَلٌ
على الضفاف مُطلٌّ وهي تنحدر
رَبُّ المزارعِ والملاّحِ راعَهما
بالحول منه عظيمُ البطش مقتدِر
باتت على ضَفَّتيه الليلَ تحرُسُه
غُلبُ الرجال لما يأتيه تنتظر
راحو أُسارى مطأطين الرؤوسَ له
وراح طوعَ يديه النفعُ والضرر
مَشَى على رِسْلِه لا الخوفُ يَردَعُه
ولا عن الفِعلة النكراءِ يعتذِر
ومر يَهزَأ من أيد تقاومه
تسعَى لتحكيم أسداد وتبتدِر
فكلُّ ما بلغَ الانسانُ من عَنَتٍ
قُوى الطبيعةِ تأتيه فيندحِر
وما الفرات ُ بمسطاعٍ فمختَضَدٍ
ولا بمستعبَد بالعُنفِ يُقتَسر
كم من معاركَ شنَّ الفنُ غارتَها
على الفرات ولكنْ كانَ ينتصر
نَموذَجٌ للأنانيينَ ليس له
ولا عليه، أفازَ الناسُ أم خسِروا
في حينَ باتَ جميعُ الناس يُرهبُهم
في كل ثانيةٍ عن سَيره خَبَر
ملءُ القلوب خشوعٌ من مهابتِه
وملءُ أعينهم من خوفِه سَهر
وراح شُغْل النوادي عن فظاظته
يُجرى الحديثَ وفيه ينقضي السهر
ورُوِّعَ السمعُ حتى بات من ذَهَل
يود سَمعُ الفتى لو أنه بَصَر
واستُبطِئت عن نَثَا أخباره بُرُدٌ
واستُنهِضَ البرقُ يُستقصي به الخَبَر
هو الفرات وكم في أمره عَجَبٌ
في حالتيهِ وكم في آيِه عِبَر
بينا هو البحرُ لا تُسطاع غضبتُه
إذا استشاطَ فلا يُبقي ولا يَذرَ
إذا به واهنُ المَجرى يعارِضُه
عودٌ ويمنعه عن سيره حَجَر
طَمَى فردَّ شبابَ الأرض قاحلةً
به وعادت إلى رَيعانها الغُدُر
وأشرفت بقعةٌ أُخرى ألَّم بها
على الممات فأمسَت وهي تُحتَضر
وودَّعَ الزارعون الزرعَ وانصرفوا
للماء ما زَرَعوا منه وما بَذَروا
من كان بالامس يعلو وجهَهُ فرحٌ
بما يُرجِّيه غطَّ وجهَه كَدَر
وقطَّبت بعد تهليل أسرَّتُه
وبان فوق خُطاه الضعفُ والخَوَر
صُبَّت عليها بلاياه ونقمتُه
أنا القصورُ فلا خوفٌ ولا حذَر
طافت عليه حنايا الكوخ واقتُلِعَتْ
مضارِبُ البيت منه فهي تنتثر
غط الهديرُ فغضَّت منه ثاغيةٌ
ورددت ثغيّها من خلفِها أُخر
واستحكمت ضجةٌ من كل ناحية
جاءت إليها بموتٍ عاجلٍ نُذُر
ورُبَّ طالبةٍ بالماء راضَعَها
ورب عاريةٍ بالماء تأتزر
وصفحةٍ من بديع الشعر منظرهُ
طامي العُباب مُطِلاً فوقَه القَمَر
وقد بدت خضرةُ الأشجار لامعةً
مغمورةً بسناه فهي تزدهِر
ومن على ضَفَّتيه انصاعَ منغمرا
في الماء نصفٌ فوقَه الشَجر
باتت على خَطَرٍ ناسٌ بثورته
وراح يؤنُسنا في المنظر الخَطَر
وهكذا الناسُ يُغريهم تخيُّلُهم
حتى يَجيئوا الى البَلْوى فيختبروا
كما أتى الحربَ فنانٌ ليرسُمَها
في حينَ آخرُ يُصلى جسمَه الشرَر
روحٌ جرت لم يُردْ نَفعا بها بدنٌ
وعسجدٌ سال إلا أنه هَدَر
هذا المشيِّدُ للعُمران ريِّقَه
في الرافدين به العُمرانُ يندثر
كان العراقُ سواداً من مزارعه
على بنيهِ يفيءُ الظلُ والثَمَر
تَفيض خيرا على الأقطار غلَّتُه
موفورةً لسنين الجوع تُدَّخر
ووزّع الماءَ عدلاً في مسايله
فكلُّ ناحيةٍ يجري بها نَهَر
باسم الفرات وتنظيمٍ له خُلقتْ
دوائرٌ لم يَبِنْ من سعيها أثَر
أغفَت طويلاً ولما هاجَ هائجُه
جاءته بعد فواتِ الوقتِ تبتدِر
وهاهو الماءُ موتٌ في زيادته
وفي النقيصةِ مسروقٌ فمُحتَكَر
محمد مهدي الجواهري
بواسطة: حمد الحجري
التعديل بواسطة: حمد الحجري
الإضافة: الثلاثاء 2015/12/29 04:17:57 صباحاً
إعجاب
مفضلة


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com