بغدادُ قرةُ عينِ الشرق، بغدادُ |
لحنٌ تغنَّى به الإسلامُ والضادُ |
الدهرُ يعرفها للكون عاصمةً |
تقودُه، كيفما شاءتْ؛ فينقاد |
إن تبتسمْ تُشرقِ الدنيا، وإن غَضَبَتْ |
ففي السمواتِ إبراقٌ وإرعاد |
تُزْهى الحواضرُ ما شاءَت بحاضرها |
وكلُّها لكِ، يا بغدادُ، أولاد |
الغربُ يعرف ما أدَّى بنوك لهُ |
الكُتْبُ تنطق، والأقلامُ شُهَّاد |
بني عمومة طهَ، ما أقول لكم |
وأنتمو لبني العباسِ أحفاد؟ |
تدري العروبةُ يومَ الروع أنكمو |
لها سواعدُ في الجُلَّي، وأعضاد |
ثُرتُم على البغي والباغي، ولا عجبٌ |
فالشعب للحاكم الجلادِ جلاد |
ما في العراق افتراقٌ بعد ثورته |
أكرادُه عَرَبٌ، والعُرْبُ أكراد |
ما كَاسْم بغدادَ في الأفواه أُغنيةٌ |
ولا كأمجادكم، يا قومُ، أمجاد |
قل للآلي طاف حول النجم طائفُهم |
وارتاد منهم طِباقَ الجوِّ مُرتاد: |
إن تفعلوا، فبنو العباس من قدمٍ |
تناولوا بالأكفِّ النجمَ أو كادوا |
أيامَ ملكُ بني العباسِ مزدهرٌ |
له من الشمس والأفلاك حُسَّاد |
عروشُهُم فوق ظهر الأرض راسخةٌ |
كأنها فوق ظهر الأرضِ أوتاد |
لم أدر: كانوا ملوكًا أم فلاسفة؟ |
عليهمو من نسيج العلم أبْراد |
العلم حليتهم؛ ما منهمو مِلكٌ |
إلا فقيهٌ، ونـحويُّ، ونقَّاد |
فاض الفراتُ حضاراتٍ؛ فكان له |
بها مع الماء إرغاء وإزباد |
وسال دِجْلَةُ قبل الماء معرفةً |
منها ارتوت مُهَجٌ ظمأي وأكباد |
ما كان للشعر في بدوٍ وحاضرةٍ |
لولا رواتُك، يا بغدادُ، إنشاد |
الشعرُ، أنت التي علَّمْتِ وازنَهُ |
أن القوافيَ أسبابٌ وأوتاد |
دوَّنتِ ما نظَم الأسلاف من دُرَرٍ |
لولاك بادَتْ غواليها كما بادوا |
كم من معارفَ قد أَحيَيْتِ دائرَها |
وكم لعلمٍ جديدٍ فيك ميلاد |
لولاك ما كان للفصحى مذاهبُها |
وللحديث رواياتٌ وإِسْناد |
بغداد، حسبُك من دنياك أربعةٌ |
هم في الشريعة للأجيال روّاد |
مدينةٌ، للنُّواسيين ركنهمو |
فيها، وللعلم والآداب قُصَّاد |
العيشُ فيها كموج البحر مصطخبٌ |
فيه تلاقت من الألوان أضداد |
لِلَّهْو فيها حوانيتٌ وأنديةٌ |
وللصلاة محاريبٌ وعُبَّاد |
وللثقافة تأليف وترجمةٌ |
وللغناءِ مزاميرٌ وأَعواد |
يا رُبَّ كنز حوته دارُ حكمتها |
تُحْصَى النجومُ ولا يحصيه تعداد |
كنز من الفكر فيه كلُّ مبتكرٍ |
أملاه ذهنٌ كومض البرق وقَّاد |
يا رُبَّ شعرٍ عراقيّ هتف به |
كأنه لِيَ في الأسحار أوراد |
مازلت أتلوه حتَّى لم يعُدْ أبدًا |
بيني وبين الألى قالوا أبعاد |
الوهم مثَّلهم لي في الكتاب؛ فهمْ |
فوق الصحائفِ أرواحٌ وأجساد |
هذا ابن هاني على يُمْنايَ يُنْشدني |
وعن يسارِيَ بَشَّارٌ وحمَّاد |
وأين منك عهودٌ رُحتُ أنشرها |
مرّت بها عقب الآماد آماد؟ |
دعني أُسَرِّحُ في آثارها نظري |
آثارُها عظَةٌ كبرى وإرشاد |
دعني أعيشُ مع الماضين في حُلُمٍ |
إن الهمومَ على اليقظان تزداد |
علَّ الرشيدَ إذا أنشدت يسمعُني |
إن الرشيدَ كريمُ الكفِّ جوّاد |
وما الرشيدُ سوى لحنٍ يرددهُ |
فمُ الزمان، وللألحانِ ترداد |
حصَّادُ هامِ العِدا في كل معركةٍ |
وللسنابل يومَ السلم حصَّاد |
ينهي، ويأمر في الدنيا، وفي يده |
بعد المقادير إشقاءُ وإِسعاد |
تُزْجَى إليه هدايا الرومِ لا كرمًا |
إن الضعيف لمن يخشاه وَدَّاد |
أهاب بالسحب: أنَّى شِئت فانسكبي |
فكل نبتِك لي، يا سُحْبُ، إيراد |
ربُّ القصورِ -قصور العزِّ- باذخةً |
كأنها في نطاحِ السُّحْب أطواد |
ربُّ الجوارِي اللَّواتي ما لهن سوى |
عواهل الفرس والرومان أجداد |
من كل جاريةٍ للشعرِ راويةٍ |
كأنها غُصُنٌ الرَّوْض مَيَّاد |
لنا أوائلُ سنُّوا كلَّ مَكْرُمة |
شمُّ الأَنوف أباةُ الضَّيمْ أمجاد |
شادوا المعاقلَ، والآطامُ شامخةٌ |
لله والمجيدِ والعمرانِ ما شادوا! |
إن يُسْألوا مالَهم، في السلم، ما بخلوا |
أو يُسْألوا، في الوغى، أرواحَهم جادوا |
لهمْ سيوف على الأغماد ثائِرةٌ |
لكنْ لها قُلَلُ الأبطالِ أغماد |
همْ في رءوسِ أعاديهم ذوو طمع |
وفي الغنائِم -بعدَ النصر- زُهَّاد |
ينقضُّ كالصقر فوق المدْنِ جيشهمو |
كأنما هي صَيْدٌ وَهْوَ صيَّاد |
في السلم إن عاهدوا، والحرب إن ظفروا |
عن شِرْعة العدلِ والإسلامِ ما حادوا |
لا تلمِسُ الأرضُ منهم بيضَ أوجههم |
إلا وَهُمْ لجَنَاب اللهِ سُجَّاد |
أبناءَ يعرُبَ، لنا من سلالتهم |
إن نـحن لم نَسُد الدنيا كما سادوا |
تكتَّلَت أُممُ الدنيا بأجمعها |
وأنتِ، يا أُمةَ التوحيد، آحاد |
إني لأُوشِك أن أعتَدَّ وحدَتَنا |
دِينًا، وأنَّ افتراقَ الشملِ إلحاد |
بالأمس: كُنَّا، وكان الشرق أجمعُهُ |
إن قام تُقْعِدْه أغلالٌ وأصفاد |
في وادٍ للاستعمار قاعدةٌ |
لها أساسان: تخريب وإفساد |
واليوم: لا عيشَ للمحتلِّ في بلد |
حرٍّ، ولن تلبَس الأطواقَ أجياد |
قد بات مارد الاستعمار محتضَرًا |
يبكيه من عُصْبة السكون عُوَّاد |
ما عذرنا إن بقينا أُمة شيعًا |
لكل جيش بها جندٌ وقُوَّاد؟ |
كادَ الأعادي لنا يومَ اللقاءِ، ولو |
أَنَّا وقفنا لهم صفًّا، لما كادوا |
لا يحرز النصرَ جيشٌ غيرُ متَّسِقٍ |
تباينت فيه أجْنَادٌ وأبناد |
عجائب الدهر لا تُحْصَى، وأعْجَبُها |
أن يُخْلِيَ الغابَ للذؤبان آساد! |
البَغْيُ أَوْجدَ إسرائيل من عدمٍ |
ولن يدومَ لإسرائيل إيجاد |
وإنما القدر المحتوم لاحِقُهم |
يومًا، وللقدر المحتوم ميعاد |
فلْيعلم الغَرْبُ أن الشرق لافظُهم |
وإن أتتهمْ من الشيطانِ أمداد |
إني أُسِئُ إلى الأوغاد قاطبةً |
إن قلت عن عصبة الصِّهْيوْن: أوغاد |
هم أحرزوا النصر؛ حتى ما لغيرهمو |
في النقص: نونٌ، ولا قاف، ولا صاد |
أبناءَ يَعْرُبَ، ذودوا عن محارمكم |
إن الكريمَ عن الأعراض ذوَّاد |
اللاجئون جِراحٌ في جوانـحِنا |
تَدْمَي، فهل لجراح العُرْب ضَمَّاد؟ |
اللاجئون سَقام في مفاصلنا |
ولا شِفاء لَه إلا إذا عادوا |
أَلْقُوا بصهيون في عُرْض الفَلاةِ؛ فهم |
من عهد فرعون أَفَّاقون، شُرَّاد |
تعوَّدُوا النفيَ والتشريد من قدمٍ |
وكلُّ ما عُوِّدَ الإنسانُ يعتاد |
سلْ «سُرُّ من را»: أباق في مرابضها |
من جيشها الباسِلِ المغْوَار أفراد؟ |
هل ثَمَّ معتصم ثانٍ نُهيبُ بهِ؟ |
نادُوه، يا أهل يافَا، جَهْرةً، نادوا |
قولوا لمنقذِ عَمَّوريَّةَ: اغْتُصِبَتْ |
منَّا الديار؛ فلا ماءُ، ولا زاد! |
يا يومَ رَدِّ فِلَسطينَ الشهيدةِ، ما |
للعُرْب غيرُكَ في الأيام أعياد |
لا يحسَب القوم أن العُرْبَ قد عَقِموا |
شعبُ العُروبة للأبطال ولاَّدَ |
مازال فينا لعَمْروٍ، وابن حارثةٍ |
وخالدٍ، وصلاح الدين أنداد |