غُزَاةَ السمواتِ، حُثُّوا الرِّكابا |
إلى النجم؛ قد أصبح النجم قَابا |
لكم طائرٌ شقَّ جوفَ الفضاءِ |
رأته العُقَابُ؛ فراع العقابا |
تخطى الهواءَ، وجاز الأثيرَ |
ومرَّ، شِهَابًا يَؤُمُّ شهابا |
هو العلمُ؛ صوَّرِ مِنْقَارَهُ |
وراشَ الجناحَ، وسوَّى الذُّنابي |
وأرسله رائدًا في الفضاء |
إلى النَّجم يكشفُ عنه الحِجَابا |
ألا ليت شِعْرِيَ -والعلمُ سِرٌّ |
يَرُوضُ به المعْضلات الصعابا-: |
أَتَبْدُو لنا مُغْلَقَاتُ السماء |
ويفتحها العلمُ بابا فبابا؟ |
ويُخْضِعُها بعد طولِ الجِماح |
ويقطعها جيْئَةً وذَهابًا؟ |
فَمُنْتَجعٌ حل بالمشتَرِى |
ومُغْتَرِب من عُطَاردَ آبا؟ |
وآخر راح يشُدُّ الرحَالَ |
إلى زُحَلٍ ويُعد العَيَابا؟ |
وكنا نعُدُّ النسورَ ملوكًا |
لعرش الهواء، فصارت ذُبَابا! |
صواريخُ تطوى السموات طيًّا |
كما راح يطوي السجلُّ الكتابا |
إذا صح ظني، فسوف تَهُزُّ الـ م وجود، وتُحْدثُ فيه انقلابا |
كَأنِّيَ بالنجم يرْنُو إليها |
ويسألها لو تَرُدُّ الجوابا |
ويهتف -في وجل- قائلاً: |
حمامةَ سلم أرى أم عِقَابا؟ |
أتشعر أبراجُهُ أَنَنَّا |
نُعِدُّ لها حَطَبًا وثقَابا؟ |
أعند الكواكب أن الأنامَ |
هنا انقلبوا جِنَّةً وذِئابا؟ |
وأن ابنَ آدمَ في الأرض عاثَ |
وكان له العقلُ ظفرًا ونَابا؟ |
فصاغ من الذَّرَّة المرهفاتِ |
وقَدَّ الرِّماح، وسوى الحرابا؟ |
وأصبح يُسْرِجُ نفَاثَةً |
وغوَّاصةً، لا خُيُولاً عرَابا؟ |
وكم سار في الأرض مستعمرًا |
فمصَّ دمًا واستَرَقَّ رقابا؟ |
فماذا من النَّيِّرات يريدُ: |
أخيْرًا أراد بها أم خرابا؟ |
وما بالُ أهلِ الكواكب عزُّوا |
علينا، وهُنَّا عليهم جنابا؟ |
أما فكَّروا في الهبوط إلينا |
ونـحن إليهم ركبنا السحابا؟ |
ألاَ يُرْسلون إلينا رَسُولا؟ |
ألا يَبْعَثُون إلينا خطابا؟ |
أليسوا بأوسَع منا عقولا؟ |
وأكثرَ في الكون منَّا اضطرابا؟ |
تُرَى: هل أرادوا إلينا الوصولَ |
فعزَّ عليهم، وضَلوا الصوابا؟ |
ألا أيها القَمَرُ المتَجنِّي |
علينا، كفى جفوة واجتنابا |
علامَ تزيدُ عن الأرض بُعْدًا |
إذا زادت الأَرضُ منك اقترابا؟ |
أرى الأرضَ تهفُو إليك اشْتِيَاقًا |
وتطلب منك الدُّنُوَّ، فتَأبَى |
وَمَالَكَ بَيْنَ الكَواكِبِ أُمٌّ |
سِوَاها إذا ما أردت انتسابا |
عشِقْناك حتى حسِبْنا الليالي |
ومقدارَ نورك فيها حسابا |
ليالٍ كساها شعاعُك سحرًا |
فطابت لمن يَجْتَلِيها، وطابا |
وأخشى -إذا ما نزلناك- أَلاَّ |
يكونَ جمالُك إلا سرابا |
أتكتسب النورَ من أرضنا |
كما تأخذ النورَ منك اكتسابا؟ |
ألأَرضِ فيك ليالٍ وضَاءٌ |
ترقَّبها ساكنوك ارتقابا؟ |
أَبِالأَرض شُبِّهت الحورُ فيك |
وإن كان هذا لدينا سبابا؟ |
أتتخذ الليل حُوُرك شعْرًا |
لهُنَّ، وضوءَ الصباح إهابا؟ |
وهل جعل الله خمرَ الجِنَانِ |
وشُهْدَ الجنان لهنَّ رضابا؟ |
وماذا يطأنْ بأرضك؟ مسكا |
وغالِيَةً، أم يَطَأنَ الترابا |
أَيَأكُلُ فيك أناس طعاما؟ |
ويلبس فيك أناس ثيابا؟ |
وهل فيك يفري الشتاءُ الأديمَ |
ويلتهبُ الصَّيْف فيك التهابا؟ |
وهل يجد العيشَ فيك بنوك |
كما نجد العيشَ شوكًا وصابًا؟ |
وهل كان آدمُ أيضًا لهم |
أبًا وَرِثوا عنه هذا العذابا؟ |
وهل بينهم من يدين بدين |
ويرجو الثوابَ، ويخشى العقابا؟ |
أيحتربون بأرضك، أم هُمْ |
يعيشون أهلاً بها وصِحابا؟ |
وماذا نرى حين نَهْبطُ فيكَ؟ |
أزرعًا وضَرْعًا نرى، أم يبابا؟ |
تكهَّنَ قومٌ؛ فقالوا: حويتَ |
مرابعَ خَضْرًا، ورَوْضًا، وغابا |
وأرْجَفَ قومٌ، فقالوا: وحولٌ |
ومستنقعاتٌ تفيض عُبابا |
وقال أناس: صحاري تضمُّ |
رَوَاسِيَ شامخةً وهضابا |
كذلك كنتَ، ومازِلتَ، لغزًا |
إذا ما بحثناه زِدْنا ارْتِيابا |
ولم تر أوضحَ منك العيونُ |
ولم تر أكثفَ منك نِقَابَا |
أتعلمُ كم فيك أنشدت شعرًا |
كضوئك يحكي لُجَيْنَا مُذَابا؟ |
وكم كان نورُك مصدر وحْيي |
وكم بك شبهتُ خُودًا كِعابا؟ |
وكم قمر ذي سناً كسَنَاكَ |
سقانيَ مِن شفتيه الشرابا؟ |
وكم قمرٍ ساطع صدَّ عني |
كصدِّك لما فقدتُ الشبابا؟ |
زَوَتْ عنيَ الأرضُ أقمارَها |
غداةَ رأَتْ شعرَ فَوْدِيَ شابا |
فما عاد لي قمرٌ واحدٌ |
يبادِلُني بالعتابِ عتابا! |
وكيف التصابي، ولي لِمَّةٌ |
أبى لونُها لِيَ أنْ أتصابى؟ |
سلامًا، بني النيرات، إلى أن |
نزورَ حِماكم، ونَغْشى الرِّحابا |
مع العلم نـحن على موعد |
وآمل ألا نُطِيلَ الغيابا |
فقد يكشف العلمُ هذي الرموزَ |
وقد يتسلقُ تلك القبابا |
وقد يصبح الكون دارًا؛ فَلا |
نَعُدُّ نزول السماء اغترابا |
له الله حلمًا لذيذًا نراه |
ولن ييأسَ العلم إن هو خابا |
وليس يَعِزُّ على العلم شيءٌ |
وكيفَ، ومنه رأينا العجابا؟ |