هُمْ جميعًا في الحبِّ عندي سواءُ |
لا امتيازٌ كلاّ، ولا استثناءُ |
عِقْدهم كلُّ حبَّة فيه -مهما |
كثُر الحبُّ- دُرُّةٌ عصماءُ |
ليس عندي وسيمُهم بأَثيرٍ |
لا، ولا مَيَّز الذكِيَّ الذكاءُ |
وعيون الآباءِ حَوْلاءُ؛ فيها |
يستوي الخاملون والنُّبَهَاءُ |
غيرَ أن الصغير منهم أثِيرٌ |
وأَثيرٌ من بات يَعْرُوه داءُ |
وأثيرٌ من بات عنِّي بعيدًا |
وكثيرٌ أَولاديَ الغرباءُ |
أنا فيهم أرى استقامة ظهري |
من جَديد إن آد ظهرِي انْحناءُ |
لستُ أدري: بنيتُهم، أم بَنَوْني |
أم من الجانِبَيْن كان البناءُ؟ |
لستُ أدري: أمِنْ حُشَاشة قلبي |
قِطعٌ هؤلاء، أَم أبناءُ؟ |
أبدًا ما أُحسُّ جِسْمِيَ إِلاَّ |
أَنهمْ في كيَانه أعْضاءُ |
من شَغَافِ القلوب، من حَدَق الأَعْـ |
ـيُن صيغ الحَرْفان: هَمْزٌ، وَبَاءُ |
*** |
عاطفٌ، عادلٌ، عزيزٌ، وعزمي |
عِصْمَةٌ، عاصمٌ، عِمَادٌ، علاءُ |
ما عرفت الحنان والحبَّ إلاَّ |
يوم جاءُوا، أنْعِمْ بهم يوم جاءُوا! |
لست أبغي منهم على العطف أَجْرًا |
لهم الحُسْنى، أحسنوا أَم أَساءُوا |
وذنوب الأَبناء للصَّفْح والغُفْـ |
ـران؛ مهما جَنوْا فهم أبرياءُ |
وعيوب الأبناء غيرُ عيوبٍ |
مُقْلةُ الحبِّ مقلةٌ عمياءُ |
*** |
القَمِيءُ الكَظيمُ عند أبيه |
فارعُ الطُّول، عينُه حَوْراءُ |
رُبَّ شَوْهَاءَ لا ترى الأُم فيها |
غيرَ حسناءَ لم تَلِدْها النساءُ |
إِنَّ عَطْفي دِثار إذا ما |
كَلِبَ البردُ، واستبدَّ الشتاءُ |
وإذا مسَّتْهمْ حرارة صيفٍ |
فحناني النَّسيمُ، والأَنْدَاءُ |
وإذا شَحَّ الزادُ، والماءُ يومًا |
فلهمْ مِنْ هَوَايَ: زادٌ، وماءُ |
ورضائي عنهم بغير حدود |
ولقد ينفع البنينَ الرضاءُ |
*** |
لم يَدعْ حبُّهم مكانًا لحبٍّ |
في فؤادي تحتلُّه حسناءُ |
ما تمنيت أَن يكون لحيّ |
غيْرِ نجلي فوق ارتقائي ارتقاءُ |
إِن تنَلْهُم سرَّاءُ، هزَّت كيانِي |
من بعيدٍ بخمرها السَّرَّاءُ |
أو يُصابوا -ولا أُصيبوا- فَإِنِّي |
من قريب لمن أُصيبَ الفداءُ |
أنا أخشى عليهمُ الشَّوْكَ في الور |
دة، والذّرَّ إذ يَهُبُّ الهواءُ |
غير أني أَرُوضُهمْ أَن يُعَانوا |
عَنَتَ العيش؛ فالحياةُ عَنَاءُ |
*** |
لا، لعمري، ما كل عيشٍ نسيمٌ |
إنما الريحُ: زَعْزَعُ، وَرُخَاءُ |
ويكونُ النَّجاحُ حِلْفًا لهمْ في |
كلِّ خطو، وهُمْ لهُ حلفاءُ |
ليتني أسقيهِمْ تجاربَ عُمْري |
في إِنَاء! وأين هذا الإِناءُ؟ |
أو أُذيبُ العلومَ في كأسِ ماءٍ |
وأقول: اشربوا، هنًا، وشِفاءُ |
ليتنا كُلَّما نُسَمِّي وليدا |
وَهْو في المَهْد تَصْدُق الأسماءُ! |
ليتنا نُورتُ البنينَ من الفِطْ |
ـنَةِ، والنُّبْل، والنُهَى ما نشاءُ! |
*** |
أنا أرجو ألاَّ يخيبَ لَهُمْ مَسْـ |
ـعىً، وألاَّ يطيشَ فيهم رجاءُ |
كم سَأَلْتُ السَّماءُ عَطْفًا عليهم |
ليت شِعْري: هل تستجيب السماءُ؟ |
ودعاءُ الآباء أثْمَنُ كنزٍ |
حينما يُخْطِئُ البنينَ الثَّراءُ |
ليس كلُّ التُّراثِ بَيْتًا وحقْلاً |
خير ما وُرِّث البَنُون الدعاءُ |
أنا من أجْلهم أُريدُ حياةً |
تَغْمُر الكونَ ليس فيها شقاءُ |
لم يَشِنْهَا على المتاع صِرَاعٌ |
أو تُشَوِّهُ جمالَها الشحناءُ |
*** |
ليس فيها داءٌ يُخَامِرُ جسما |
ساغَ، أو مَرَّ في الحُلُوق الدواءُ |
لم يكدِّرْ صفاءَها ثُكْل أُمٍّ |
ليس فيها على عزيز بكاءُ |
تضحياتُ الآباءِ شَتَّى، ولكن |
بَسْمَةٌ من طفلٍ عليها جَزَاءُ |
لَثَغاتُ الصغير -إن حَاوَل النطـ |
ـقَ- نَشيدٌ، موقَّعٌ، وأداءُ |
وصياحُ الأطفال -والأَبُ غَافٍ- |
نَغَمَاتٌ شجيَّة وغنَاءُ |
وخطابٌ يأتيك من نجلك الثَّا |
ني قميصٌ جاءَت به البُشَراءُ |
*** |
يُكْسِبُ المرءَ في الحياةِ سُرُورًا |
بل غُرُورًا أَبناؤُه النُّجبَاءُ |
واهمٌ من يقول: لي بعد أُمي |
وأبي مُخْلِصون، أو أصْفِيَاءُ |
أصدقُ الأَصدقاء في هذه الدُّنْـ |
ـيا همُ الأُمَّهات والآباءُ |
وسواءٌ في ذلك الحبِّ: حيٌّ |
ناطقٌ، أو بَهيمَةٌ عَجْمَاءُ |
هِرَّةُ البيت إِن يَطْفْ بِبَنِيها |
طائِفُ السُّوءِ حَيَّةٌ رَقْطَاءُ |
ذاك سرُّ البقاء، لولا حنان الـ |
أَبِ والأَمِّ ما تسنَّى البقاءُ |
ولأَمرٍ مَا يخلُفُ ابنٌ أَباه |
كي تدومَ الحياةُ والأحياءُ |