وأَصبرُ في الحياة على هُمُوم |
تَضيقُ ببعضها ذرْعُ الحليم |
طريقيَ كلُّه صخرٌ، وإني |
لأَعثر بالحصاة على الأديم |
وكم خِلٍّ حميم لم أزُرهُ |
وبي شوقٌ إِلى الخِلِّ الحميم |
ولوْ أنِّي استطعت وَصَلْتُ أهْلي |
وصحبي، بل سَعَيْتُ إلى خُصُومي |
ألَمْ تسرَنِي أخا ظَلْعٍ إذا ما |
مشيتُ، وكنت أعدي من ظَلِيم؟ |
كأَنِّي من أسَايَ على شبابي |
أُمثِّل مِشْيَةَ الطفل الفطيم |
حملت عصاي مُتَّكَأً، وكانت |
لمحْضِ الزَّهوِ في الزمن القديم |
وما كانت لتَجبُرَ ضعفَ ساقي |
ولو كانت عصا موسى الكَلِيم |
وهل تُغْنِي عصًا من عُود نَبْعٍ |
إذا ما السَّاقُ كانت من هَشِيم؟ |
ورُبَّ مُجَامل لي عِنْد سَيْرِي |
أُحسُّ بطعنه ليَ في الصميم |
آنَفُ أَن يَمُدَّ إِلَّى حُرٌّ |
يَدًا، وأضِيقُ بالقلب الرحيم! |
وأفزع حين تُبْدِلُني حَنَانًا |
بحبٍّ ربَّةُ الوجه الوسيم |
وأَسمع -إِن دَعَتْنِي الغِيدُ عَمًّا- |
هزيمَ الرَّعْدِ في الصوت الرخيم |
فإِن تَكُ ساقِيَ اعتلَّتْ، فما إن |
مَشتْ إلا على نَهْج قويم |
وحَسْبي أَنَّ سَاقِيَ وَهْيَ تشكو |
سَعَت بي بين زَمْزَمَ والحَطيم |
وحسبي أن يصيبَ الدَّاءُ جسمي |
وتَسْلَمَ منه أخلاقي وَخيمي |
وَإِنْ تقصر خُطَايَ، فرُبَّ خطْوٍ |
قصيرٍ نمَّ عن خُلُق كريم |
أما يمشي عبادُ الله هَوْنًا |
كما في آية الذِّكْرِ الحكيم؟ |
أما تَعْدُو الأَرانبُ والهُوَيْنَا |
تُمَثِّلُ مِشْيَة الأسد الشتيم؟ |
وليس العيبُ في ساقي ورُسْغي |
لعمرُ أبيك، بل شَيْبِي غَريمي |
إذا ما الرأُسُ شاب، فكلُّ طبٍّ |
يضاعِفُ علَّة العضو السَّقيم |
تزيد مفاصلي الإِبَرُ التهابا |
كأنَّ المصلَ يُصْنَع من سموم |
وقالوا: الشيب حَزْمٌ، قلت: كلاَّ |
سليمُ العقل في الجسم السليم |
ومن شَغَفِي بلون سَوَاد شَعْرِي |
أَلِفْتُ السُّهد في الليل البهيم |
ولم أر مثل داءِ الشَّيْب أعْيا |
أُناسًا يَصعَدون إلى النجوم |
يئستُ من الوَرَى، وَوَثِقْتُ فيمن |
يُعِيدُ الرُّوحَ في العظم الرَّمِيم |
قضيت العمر أَمْقُتُ كلَّ ضعفٍ |
فكيف مُنيتُ بالضعف المُقِيم؟! |
كفاني أَنَّني قد عشتُ حتى |
سمعتُ هَزِيجَ غِرْبان، وبوم |
وأني صِرتُ مطمعَ كلِّ عَادٍ |
قليلِ الحَوْلِ ذي خدٍّ لطيم |
وليس يرى الكريمُ أشدَّ وقعًا |
عليهِ من معاداة اللئيم |
وإنَّ الحرَّ تأبَى نَعْلُه أنْ |
تصافحُ هامةَ العبد الزنيم |
فلا يُنْكرْ أَخلائي سُكُوتي |
ولا يعجبْ خصومي من وجومي |
وأقبحُ ما تراه العين خَلْقٌ |
دميمٌ نَمَّ عن خُلُقٍ ذميم |
وسِرْحانٌ يقلِّدُ ليْث غابٍ |
وقِرْدٌ يدَّعي لَفَتَاتِ ريم |
وذُو قَلَمٍ تجِلُّ الفَأسُ عَنْهُ |
يفاخرُ بالنَّثِير وبالنَّظيم |
وبعض الناس ذُو وَجْهٍ صَفِيقٍ |
ينافس بَرْدهُ بَرْدَ الحُسُوم |
وبعض الناسِ عند الرَّجْمِ أولى |
بِهِ من كل شَيْطَان رجيم |
أقِيمي، أوْ فَرِيمي، يَا حَياتي |
سواءٌ: أَنْ تُقيمي، أو تَرِيمي |
إذا ما عِشْتِ في جِيل جديد |
فإنَّكِ فيه أشْبَهُ باليتيم |
وحسبكِ أن تَرَىْ حَدَثًا غَريرًا |
إليك بنظرة شزْراءَ يُومي |
إذا شابَتْ نواصي اللَّيْثِ، هَمَّتْ |
فريستُه عليهِ بالهُجوم |
قَلَبْنَا الموت -وهْو على قِلانَا |
له يشفى من الدَّاءِ العَقيم |
إذا ما الطِّبُّ أفلس، كان طِبًّا |
لِمَا استعصى عليه من الكُلُوم |
لعمرك، قد يكون الموت أحْنَى |
على الأَحياء من أُمٍّ رءُوم |
ولم أر مثلَ طيف الموتِ ضيفًا |
يُلِمُّ بساحة الحُرِّ المَضِيم |